فصل: إشكال وجوابه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.إشكال وجوابه:

قال الفخر:
لقائل أن يقول: ذلك الذي أمر الله تعالى بالحذر عنه إن كان مقتضى الوجود لم ينفع الحذر، وإن كان مقتضى العدم لا حاجة إلى الحذر، فعلى التقديرين الأمر بالحذر عبث وعنه عليه الصلاة والسلام قال: «المقدور كائن والهم فضل» وقيل أيضا: الحذر لا يغني من القدر فنقول: إن صح هذا الكلام بطل القول بالشرائع، فإنه يقال: إن كان الإنسان من أهل السعادة في قضاء الله وقدره فلا حاجة إلى الإيمان، وإن كان من أهل الشقاوة لم ينفعه الإيمان والطاعة، فهذا يفضي إلى سقوط التكليف بالكلية، والتحقيق في الجواب أنه لما كان الكل بقدر كان الأمر بالحذر أيضا داخلا في القدر، فكان قول القائل: أي فائدة في الحذر كلاما متناقضا، لأنه لما كان هذا الحذر مقدرا فأي فائدة في هذا السؤال الطاعن في الحذر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)}
الفرار إلى الله من صفات القاصدين، والفرار مع الله من صفات الواصلين؛ فلا يجد القرار مع الله إلا من صدق في الفرار إلى الله. والفرارُ من كل غَيْرٍ شأنُ كل مُوَحِّد. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا} قِيلَ: الثُّبَاتُ الْجَمَاعَاتُ، وَاحِدُهَا ثُبَةٌ.
وَقِيلَ: الثُّبَةُ عُصْبَةٌ مُنْفَرِدَةٌ مِنْ عُصَبٍ.
فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِأَنْ يَنْفِرُوا فِرَقًا فِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ، فِرْقَةٌ فِي جِهَةٍ وَفِرْقَةٌ فِي جِهَةٍ، أَوْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ؛ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ.
وقَوْله تَعَالَى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} مَعْنَاهُ: خُذُوا سِلَاحَكُمْ، فَسَمَّى السِّلَاحَ حِذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُتَّقَى بِهِ الْحَذَرُ؛ وَيَحْتَمِلُ: احْذَرُوا عَدُوَّكُمْ بِأَخْذِ سِلَاحِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} فَانْتَظَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَمْرَ بِأَخْذِ السِّلَاحِ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ الْعُصَبِ أَوْ اجْتِمَاعِهَا بِمَا هُوَ أَوْلَى فِي التَّدْبِيرِ.
وَالنُّفُورُ هُوَ الْفَزَعُ، نَفَرَ يَنْفِرُ نُفُورًا إذَا فَزِعَ، وَنَفَرَ إلَيْهِ إذَا فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ إلَيْهِ؛ وَالْمَعْنَى: انْفِرُوا إلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ؛ وَالنَّفَرُ جَمَاعَةٌ تَفْزَعُ إلَى مِثْلِهَا، وَالنَّفِيرُ إلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، وَالْمُنَافَرَةُ: الْمُحَاكَمَةُ لِلْفَزَعِ إلَيْهَا فِيمَا يَنُوبُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِيهَا؛ وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْحَاكِمَ: أَيُّنَا أَعَزُّ نَفَرًا؟.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخٌ؛ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا} قَالَ: «عُصَبًا وَفِرَقًا».
وَقَالَ فِي بَرَاءَةٍ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} الْآيَةَ، وَقَالَ: {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} الْآيَةَ.
قَالَ: فَنَسَخَ هَذِهِ الْآيَاتِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} وَتَمْكُثُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَاكِثُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ الَّذِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيُنْذِرُونَ إخْوَانَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ مِنْ الْغَزَوَاتِ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ مَا نَزَلَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَحُدُودِهِ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعًا}
لا يقال لك: خذ حذرك إلا إذا كان هناك عدو يتربص بك؛ فكلمة: خذ حذرك هذه دليل على أن هذا الحذر مثل السلاح، مثلما يقولون: خذ بندقيتك خذ سيفك، خذ عصاك، فكأن هذه آلة تستعد بها في مواجهة خصومك وتحتاط لمكائدهم، ولا تنتظر إلى أن تغير عليك المكائد، بل عليك أن تجهز نفسك قبل ذلك على احتمال أن توجد غفلة منك، هذا هو معنى أخذ الحذر، ولذلك يقول الحق: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
وهذا يعني: إياك أن تنتظر حتى يترجموا عداءهم لك إلى عدوان؛ لأنهم سيعجلونك فلا توجد عندك فرصة زمنية كي تواجههم. فلابد لكم أيها المؤمنون من أخذ الحذر لأن لكم أعداء، وهؤلاء الأعداء هم الذين لا يحبون لمنهج السماء أن يسيطر على الأرض. فحين يسيطر منهج السماء على الأرض فلن يوجد أمام أهواء الناس فرصة للتلاعب بأقدار الناس. ومن ينتفعون بسيطرتهم وبأهوائهم على البشر فلن يجدوا لهم فرصة سيادة.
{فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعًا} أي لتكن النفرة منكم على مقدار ما لديكم من الحذر، و{ثبات} جمع ثُبَة وهي الطائفة أي انفروا سَرِيّة بعد سَرِيَّة و{جميعا} أي اخرجوا كلكم لمواجهة العدو، وعلى ذلك يجب أن نكون على مستوى ما يهيج من الشر. فإن هاجمتنا فصيلة أو سرية، نفعل كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يرسل سرية على قدر المسألة التي تهددنا، وإن كان الأمر أكبر من ذلك ويحتاج لتعبئة عامة فنحن ننفر جميعا. ولاحظوا أن الحق يخاطب المؤمنين ويعلم أن لهم أغيارًا قد تأتي في نفوسهم مع كونهم مؤمنين. فقد تخور النفس عند مواجهة الواقع على الرغم من وجود الإيمان.
ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 246].
لقد كانوا هم الذين يطلبون القتال، وما داموا هم الذين قد طلبوا القتال فلابد أن يفرحوا حين يأتي لهم الأمر من الله بذلك القتال؛ لكن الله أعلم بعباده لذلك قال لهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} [البقرة: 246].
فأوضح لهم الحق أن فكروا جيدا في أنكم طلبتم القتال وإياكم ألا تقاتلوا عندما نكتب عليكم هذا القتال لأنني لم أفرضه ابتداء، ولكنكم أنتم الذين طلبتم، ولأن الكلام مازال نظريا فقد قالوا متسائلين: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246].
لقد تعجبوا واستنكروا ألا يقاتلوا في سبيل الله، خصوصًا أنهم يملكون السبب الذي يستوجب القتال وهو الإخراج من الديار وترك الأبناء، لكن ماذا حدث عندما كتب الحق عليهم القتال؟: {تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
لقد هربت الكثرة من القتال وبقيت القلة المؤمنة. وكانت مقدمات هؤلاء المتهربين من القتال هي قولهم ردًا على نبيهم عندما أخبرهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا فقالوا: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ} [البقرة: 247].
كانت تلك أول ذبذبة في استقبال الحكم، فأوضح لهم الحق السرّ في اصطفاء طالوت، فهو قوي والحرب تحتاج إلى قوة، وهو عالم، والحرب تحتاج إلى تخطيط دقيق؛ فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247].
وعندما جاءوا القتال أراد الحق أن يمحصهم ليختبر القوي من الضعيف فقال لهم طالوت: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة: 249].
والتمحيص هنا ليعرف من منهم يقدر على نفسه وليختبر قوة التحمل عند كل فرد مقاتل، فليس مسموحًا بالشرب من ذلك النهر إلا غرفة يد. فشربوا من النهر إلا قليلًا منهم، هكذا أراد الحق أن يصفيهم تصفية جديدة، وعندما رأوا جيش جالوت: {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة: 249].
وما الضرورة في كل هذه التصفيات؟ لقد أراد الله ألاَّ يَحْمِلَ الدفاع عن منهجه إلا المؤمنون حقًا، وهم مَنْ قالوا: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249].
وقوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 251].
لماذا أعطانا ربنا هذه الصورة من التصفيات؟ كي نفهم أن النفس البشرية حين تواجه بالحكم نظريًا لها موقف، وحين تواجه به تطبيقيًا لها موقف ولو بالكلام، وحين تواجه به فعليا يكون لها موقف، وعلى كل حال فقليل من قليل من قليل هم الذين ينصرهم الله. إذن فيريد سبحانه أن يربي في نفسونا أنه جل وعلا هو الذي يهزِم، وهو الذي يَغْلِب مصداقًا لقوله الحق: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].
إذن فالحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: أنا قلت لكم انفروا ثبات أو انفروا جميعًا واعلموا أن النفس البشرية هي بعينها النفس البشرية، وستتعرض للذبذبة حين تواجه الحكم للتطبيق، ولذلك يأتي هنا بقوله الحق: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ.....}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فانفروا ثبات} يقال: نَفَر القَوْم يَنْفِرُون نَفْرًا ونَفِيرًا، إذا نَهَضُوا لِقِتَال عَدُّوِّ، وخَرَجُوا للحَرْبِ، واستنْفَر الإمَامُ النَّاس لجِهَاد العَدُوّ، فَنَفَرُوا يَنْفِرُون: إذا حَثَّهُم على النَّفِير وَدَعَاهُم إلَيْه؛ ومنه قوله عليه السلام: «وإذا اسْتُنْفِرْتُم فانفرُوا» والنَّفِير: اسم للقَوْمِ الَّذِين يَنْفِرُون؛ ومنه يُقال «فلان فِي العِيرِ ولا فِي النَّفِيرِ».
وقال النُّحَاة: أصْلُ هذا الحَرْفِ من النُّفُور والنِّفَارِ؛ وهو الفَزَع، يقال: نَفر إليه؛ ونَفَر مِنْهُ؛ إذا فَزع منه وكَرِهَهُ، وفي مُضَارعه لُغَتَان ضمُّ العَيْنِ وكَسْرِهَا، وقيل: يُقَال: نَفر الرَّجُل يَنْفِرُ بالكَسْرِ، ونَفَرَت الدَّابَّة تَنْفُر بالضَّمِّ ففرَّقُوا بَيْنَهُما في المُضَارع، وهذا الفَرْق يردُّه قِرَاءَة الأعْمَش: {فانفُروا} {أو انفُروا} بالضم فيهما، والمَصْدَر النَّفِير، والنُّفُور، والنَّفْر: الجماعة كالقَوْم والرَّهْط.
قوله: {ثبات} نصب على الحَالِ، وكذا {جميعًا} والمَعْنَى انْفِرُوا جَمَاعَاتٍ متفرِّقَة أي سَرِيّة بعد سَرِيّة، أو مُجْتَمِعِين كَوْكَبَةً وَاحِدَة، وهذا المَعْنَى الَّذي أراد الشَّاعِر في قوله: [البسيط]
............................ ** طَارُوا إلَيْه زَرَافاتٍ وَوُحْدَانَا

ومثله قوله: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} أي: على أيّ الحَالَتَيْن كُنْتُم فَصَلُّوا.
قال أبُو حَيَّان: ولم يُقْرَأ {ثبات} فيما عَلِمْت إلا بكَسْر التَّاء. انتهى.
وهذه هي اللُّغَةُ الفَصيحَة، وبَعْض العَرَب يَنْصِب جَمْع المُؤنَّث السَّالم إذا كان مُعْتَلَّ اللام مُعوضًا منها تاء التأنيث بالفَتْحَة، وأنشد الفرَّاء: [الطويل]
فَلَمَّا جَلاَهَا بالأيَّام تَحَيَّزَتْ ** ثُبَاتًا عَلَيْهَا ذُلُّهَا واكْتئابُهَا

وقرئ شاذًا: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} [النحل: 57] بالفتحة، وحكي: سَمِعْتُ لغتَهُم، وزعم الفَارِسي أن الوَارِدَ مُفْردٌ لامه؛ لأن الأصْل لُغَوَة؛ فلما رُدَّت اللام، قُلِبَت ألفًا، وقد رُدَّ على الفَارِسي: بأنه يلْزَمُهُ الجَمع بين العِوَض والمُعَوَّضِ مِنْه، ويَرُدُّ عليه أيْضًا القِرَاءة المتقَدِّمة في الثبات؛ لأن المُفْرَد منه مكْسُورُ الفَاءِ.
{وثبات} جَمْعُ ثُبَة، ووزنها في الأصْل: فُعَلَة، كَحُطَمة، وإنما حُذِفَت لامُها وعُوض عنها تاءُ التَّأنِيثِ، وهل لامها واوًا أو يَاء؟ قولان:
حُجَّة القَوْل الأول: أنها مُشتقَّة من ثَبَا يُثْبُو؛ كَخَلا يَخْلُو، أي: اجْتَمع.
وحُجَّةُ القول الثاني: أنها مُشْتَقة من ثبيت على الرجل إذا أثْنيت عليه؛ كأنك جمعت مَحاسنه، وتجمع بالألفِ والتَّاءِ، وبالوَاوِ والنَّونِ، ويجوز في فَائِهَا حين تُجْمَع على ثُبين الضَّم والكَسْر، وكذا ما أشبَهَهَا، نحو: قُلة، وبُرة، ما لم يُجْمَع جَمْع تكْسِير.
والثُّبة: الجَمَاعة من الرِّجَال تكُون فَوْقَ العَشرة، وقيل: الاثْنَانِ والثَّلاثة، وتُصَغَّر على ثُبْيَة، بردِّ المَحْذُوف، وأما ثُبة الحَوْضِ وهي وَسطُهُ، فالمحذُوفُ عَيْنُها، لأنَّها من بابِ المَاء، أي: يَرْجِع، تُصَغِّر على ثُوَيْبَةٍ؛ كقولك في تَصْغيرِ سَنَة: سُنَيْهَة. اهـ.