فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ}
خطاب للمأمورين بالقتال، على طريقة الالتفات، مبالغةً في التحريض عليه، وتأكيدًا لوجوبه.
وقوله تعالى: {وَالمسْتَضْعَفِينَ} مجرور، عطفًا على اسم الله، أي: في سبيل المستضعفين الذين هم كأنفسكم، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على السبيل، بحذف المضاف، أي: في خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص، يعني: وأختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه.
قال في الانتصاف: وفي النصب مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين:
إحدهما: التخصيص بعد التعميم، فإنه يقتضي إضمار الناصب الذي هو أختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلومًا من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم، بأن أخرجه إلى النطق.
{مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدَانِ} بيان للمستضعفين، أو حال منهم، وهم المسلمون الذين صدّهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بمكة مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكان النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يدعو لهم فيقول: «اللَّهُمْ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، كما في الصحيح.
وإنما ذكر (الولدان) معهم، تكميلًا للاستعطاف واستجلاب المرحمة، وتنبيهًا على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإيذانًا بإجابة الدعاء الآتي بسبب مشاركتهم في الدعاء.
{الّذِينَ يَقُولُونَ} من إيذاء أهل مكة وإذلالهم إياهم، متبرئين من المقام بها.
{رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالم أَهْلُهَا} أي: بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المسلمين، وهي مكة، و(الظالم) صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أُجري على غير من هو له، كان كالفعل في التذكير والتأنيث، بحسب ما عمل فيه، قاله أبو السعود.
{وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ وَلِيّا} أي: سخر لنا من عندك حافظًا يحفظ علينا ديننا.
{وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ نَصِيرًا} ناصرًا يدفع عنا أذيّات أعدائنا، أو المعنى: واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي: لتكن أنت ولينا وناصرنا، وقد استجاب الله عز وجل دعائهم حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير وليّ وأعز ناصر، ففتح مكة على نبيه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فتولاهم أي: تولٍّ، ونصرهم أية نصرة، حتى صاروا أعزّ أهلها.
وروى البخاريّ بالسند إلى ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وبه إليه قال: كانت أمي ممن عذر الله.
قال الرازيّ: معنى الآية: لا عذر لكم في ترك المقاتلة، وقد بلغ حال المستضعفين من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي صار لها القتال واجبًا، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة، لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير. انتهى.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: ثمرة هذه الآية تأكيد لزوم الجهاد، لأنه تعالى وبخ على تركه، تدل الآية على لزوم استنقاذ المسلم من أيدي الكفار، ويأتي مثل هذا استنقاذه من كل مضرة، من ظالم أو لص وغير ذلك، ووجه مأخذ ذلك، أنه تعالى جعل ذلك كالعلم للانقطاع إليه، وتدل على أن حكم الولدان حكم الآباء، لأن الظاهر أنه أراد الصغار.
قال الزمخشريّ: ويجوز أن يراد بالرجال والنساء، الأحرارَ والحرائر، وبالولدان، العبيد والإماء، لأن العبد والأمة يقال لهما: الوليد والوليدة، وقيل (للولدان والولائد): الولدان، لتغليب الذكور على الإناث، كما يقال: الآباء والإخوة، وتدل الآية على أن للداعي حقًا عند الله، لأنه جعل ذلك اختصاصًا لنصرته، وتدل على لزوم الهجرة من ديار الكفر، وأن المؤمن لا يذل نفسه بجعله مستضعفًا، لأنه تعالى أوجب المقاتلة لزوال الغلبة عليهم، وفي الآيات هذه تأكيدات متتابعة على لزوم الجهاد.
لطيفة:
قال ناصر الدين في الانتصاف: وقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز، فالظلم ينسب إليها بطريق المجاز، كقوله: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً} إلى قوله: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ} [النحل: من الآية 112]، وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: من الآية 58]، وأما هذه القرية في سورة النساء فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة، لأن المراد بها مكة، فوقرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفًا لها، شرفها الله تعالى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}
والآية تبدأ بالتعجيب، ذلك أنه بعد إيضاح لون الجزاء على القتال في سبيل الله كان لابد أن يصير هذا القتال متسقًا مع الفطرة الإنسانية، ونحن نقول في حياتنا العادية: وما لك لا تفعل كذا؟ كأننا نتساءل عن سبب التوقف عن فعل يوحي به الطبع، والعقل. فإن لم يفعله الإنسان صار عدم الفعل مستغربًا وعجيبًا. فالقتال في سبيل الله بعد أن أوضح الله أنه يعطي نتائج رائعة، فالذي لا يفعله يصبح مثارًا للتعجب منه، ولذلك يقول الحق: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي لإعلاء كلمة الله، ومرة يأتي القتال وذلك بأن يقف الإنسان المؤمن بجانب المستضعف الذي أوذي بسبب دينه. ويكون ذلك أيضا لإعلاء كلمة الله.
يقول سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} أي أن القتال يكون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين، بل إننا نقاتل ولو من باب الإنسانية لأجل الناس المستضعفين في سبيل تخليصهم من العذاب؛ لأنهم ما داموا صابرين على الإيمان مع هذا العذاب، فهذا دليل على قوة الإيمان، وهم أولى أن ندافع عنهم ونخلصهم من العذاب.
ويعطينا سبحانه ذلك في أسلوب تعجب: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} فكأن منطق العقل والعاطفة والدين يحكم أن نقاتل، فإذا لم نقاتل، فهذه المسألة تحتاج إلى بحث.
وساعة يطرح ربنا مثل هذه القضية يطرحها على أساس أن كل الناس يستوون عند رؤيتها في أنها تكون مثارًا للعجب لديهم، مثلها مثل قوله الحق:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28].
يعني كيف تكفرون بربنا أيها الكفار؟ إن هذه مسألة عجيبة لا تدخل في العقل، فليقولوا لنا إذن: كيف يكفرون بربنا؟
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ} وكلمة {والمستضعفين} يأتي بعدها {من الرجال} والمفروض في الرجل القوة، وهذا يلفتنا إلى الظرف الذي جعل الرجل مستضعفًا، ومَنْ يأتي بعده أشد ضعفًا. {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا} فقد بلغ من اضطهاد الكفار لهم أن يدعوا الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها، والقرية هي مكة.
وقصة هؤلاء تحكي عن أناس من المؤمنين كانوا بمكة وليست لهم عصبية تمكنهم من الهجرة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ممنوعون من أن يهاجروا، وظلوا على دينهم، فصاروا مسضعفين: رجالًا ونساءً وولدانًا، فالاضطهاد الذي أصابهم اضطهاد شرس لم يرحم حتى الولدان، فيقول الحق للمؤمنين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}:
وهؤلاء عندما استضعفوا ماذا قالوا؟.
قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا} وعبارة الدعاء تدل على أنهم لن يخرجوا بل سيظل منهم أناس وثقوا في أنه سوف يأتيهم وليّ يلي أمرهم من المسلمين، فكأنها أوحت لنا بأنه سيوجد فتح لمكة. وقد كان.
لقد جعل الله لهم من لدنه خير وليّ وخير ناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر.
هذه الجماعة من المستضعفين منهم سلمة بن هشام لم يستطع الهجرة، ومنهم الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو. وسيدنا ابن عباس رضي الله عنه قال: لقد كنت أنا وأمي من هؤلاء المستضعفين من النساء والولدان، وكانوا يضيقون علينا فلا نقدر أن نخرج، فمثل هؤلاء كان يجب نصرتهم، لذلك يحنن الله عليهم قلوب إخوانهم المؤمنين ويهيج الحمية فيهم ليقاتلوا في سبيلهم؛ فظلم الكافرين لهم شرس لا يفرق بين الرجال والنساء والولدان في العذاب.
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا} وكان رسول الله والمسلمون نصراء لهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{ما}: مبتدأ، و{لكم} خَبَرُه، أي: أيّ شَيْءٍ استقرَّ لكم، وجُمْلَة قوله: {لا تقاتلون} فيها وجْهَان:
أظهرُهُمَا: أنها في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ، أي: مَا لَكُمْ غير مُقاتِلِين، أنكر عليهِمْ أن يُكُونُوا على غير هذه الحَالَةِ، وقد صرَّح بالحَالِ بعد هذا التركيب في قوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] وقال في مثل هذه الحال: إنَّها لازمة؛ لأنَّ الكلام لا يتمُّ دونَها، وفيه نَظَرٌ، والعَامِل في هذه الحالِ، الاستقرار المقدَّر؛ كقولك: ما لك ضاحِكًا.
والوجه الثاني: أن الأصل: {وما لكم في ألا تقاتلوا} فَحُذِفَت {في} فبقي {ألا تقاتلوا} فجرى فيها الخِلاف المَشْهُور، ثم حُذِفَت {أنْ} النَّاصِبَة، فارْتَفَعَ الفِعْل بَعْدَهَا؛ كقولهم: تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّ خَيرٌ من أنْ تَرَاهُ، وقوله: [الطويل]
أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الْوَغَى

في إحدى الروايتين، وهذا يؤيِّد كَوْنَ الحَالِ ليست بلازِمة.
قوله: {والمستضعفين} فيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه مَجْرورُ عطفًا على اسْمِ الله، أي: وفي سَبيلِ المُسْتَضْعَفين.
والثاني: وإليه ذَهَبَ الزجاج والمَبرِّد أن يكون مَجْرُورًا عطفًا على نَفْسِ {سَبِيل}.
قال أبو البَقَاء بعد أن حَكَاهُ عن المُبَرِّد وحده: وليس بشيء كأنه لم يظهر لأبي البقاء وجهُ ذلك، ووجهُ أنَّ تقديره: وفي خلاص المستضعفين والثالث- وإليه ذهب الزمخشري-: أن يكونَ منصوبًا على الاختصاص تقديره: وأَخُصُّ من سبيلِ الله خلاص المستضعفين، لأنَّ سبيلَ اللَّهِ عامٌّ في كلِ خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخيور. والجمهورُ على {والمستضعفين} بواو العطف.
والجُمْهُورُ على: {والمستضعفين} بواو العَطْفِ.
وقرأ ابن شهاب: {في سبيل الله المستضعفين} وفيها تخريجان:
أحدهما: أن يكُونَ حَرْفُ العَطْفِ مقدرًا؛ كقولهم: أكلت لَحْمًا تَمْرًا سَمَكًا.
والثاني: أن يكونَ بَدَلًا من {سبيل الله} أي: في سَبِيل الله سبيلِ المُسْتضْعَفِين؛ لأنَّ سَبِيلَهم سَبِيلُ الله تعالى.
قوله: {مِنَ الرجال} فيه وجهان:
أحدهما: أنه حالٌ من المُسْتضْعَفين.