فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين وجوب الجهاد بين أنه لا عبرة بصورة الجهاد، بل العبرة بالقصد والداعي، فالمؤمنون يقاتلون لغرض نصرة دين الله وإعلاء كلمته، والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت، وهذه الآية كالدلالة على أن كل من كان غرضه في فعله رضا غير الله فهو في سبيل الطاغوت، لأنه تعالى لما ذكر هذه القسمة وهي أن القتال إما أن يكون في سبيل الله: أو في سبيل الطاغوت وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا، ثم إنه تعالى أمر المقاتلين في سبيل الله بأن يقاتلوا أولياء الشيطان، وبين أن كيد الشيطان كان ضعيفا، لأن الله ينصر أولياءه، والشيطان ينصر أولياءه ولا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه، ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم في غاية الفقر والذلة، وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم، والكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه يقال: كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه وفائدة إدخال {كان} في قوله: {كَانَ ضَعِيفًا} للتأكيد لضعف كيده، يعني أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف والذلة. اهـ.

.قال ابن عطية:

هذه الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين وتحريضهم، و{الطاغوت} كل ما عبد واتبع من دون الله، وتدل قرينة ذكر الشيطان بعد ذلك على أن المراد بـ {الطاغوت} هنا الشيطان، وإعلامه تعالى بضعف {كيد الشيطان} تقوية لقلوب المؤمنين، وتجرئة لهم على مقارعة الكيد الضعيف، فإن العزم والحزم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره ويهده، ودخلت كان دالة على لزوم الصفة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} أي في طاعته.
{والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت} قال أبو عبيدة والكِسائي: الطاغوت يذكّر ويؤنث.
قال أبو عبيد: وإنما ذكِّر وأُنّث لأنهم كانوا يسمّون الكاهن والكاهنة طاغوتا.
قال: حدثنا حجّاج عن ابن جُريج قال حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال: كانت في جُهينة واحدة وفي أسْلم واحدة، وفي كل حي واحدة.
قال أبو إسحاق: الدليل على أنه الشيطان قوله عز وجل: {فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} أي مكره ومكر من اتبعه.
ويقال: أراد به يوم بدر حين قال للمشركين {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفئتان نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بريء مِّنْكُمْ} [الأنفال: 48] على ما يأتي. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفًا} لما أمر تعالى المؤمنين أولًا بالنفر إلى الجهاد، ثم ثانيًا بقوله: {فليقاتل في سبيل الله} ثم ثالثًا على طريق الحث والحض بقوله: {وما لكم لا تقاتلون} أخبر في هذه الآية بالتقسيم أن المؤمن هو الذي يقاتل في سبيل الله، وأن الكافر هو الذي يقاتل في سبيل الطاغوت، ليبين للمؤمنين فرق ما بينهم وبين الكفار، ويقويهم بذلك ويشجعهم ويحرضهم.
وإنّ مَن قاتل في سبيل الله هو الذي يغلب، لأن الله هو وليه وناصره.
ومن قاتل في سبيل الله الطاغوت فهو المخذول المغلوب.
والطاغوت هنا الشيطان لقوله: {فقاتلوا أولياء الشيطان}.
وهنا محذوف، التقدير: فقاتلوا أولياء الشيطان فإنكم تغلبونهم لقوتكم بالله، ثم علل هذا المحذوف وهو غلبتكم إياهم بأنّ كيد الشيطان ضعيف، فلا يقاوم نصر الله وتأييده، وشتان بين عزم يرجع إلى إيمان بالله وبما وعد على الجهاد، وعزم يرجع إلى غرور وأماني كاذبة.
ودخلت كان في قوله: {كان ضعيفًا} إشعارًا بأنّ هذا الوصف سابق لكيد الشيطان، وأنه لم يزل ضعيفًا.
وقيل: هي بمعنى صار أي: صار ضعيفًا بالإسلام.
وقول من زعم: أنها زائدة، ليس بشيء.
وقال الحسن: أخبرهم أنهم سيظهرون عليهم، فلذلك كان ضعيفًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{الذين ءامَنُواْ يقاتلون في سَبِيلِ الله} كلام مستأنف سيق لتشجيع المؤمنين وترغيبهم في الجهاد أي المؤمنون إنما يقاتلون في دين الله تعالى الموصل لهم إليه عز وجل وفي إعلاء كلمته فهو وليهم وناصرهم لا محالة.
{والذين كَفَرُواْ يقاتلون في سَبِيلِ الطاغوت} فيما يبلغ بهم إلى الشيطان وهو الكفر فلا ناصر لهم سواه {فقاتلوا} يا أولياء الله تعالى إذا كان الأمر كذلك.
{أَوْلِيَاء الشيطان} جميع الكفار فإنكم تغلبونهم.
{إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} في حد ذاته فكيف بالقياس إلى قدرة الله تعالى الذي يقاتلون في سبيله وهو سبحانه وليكم، ولم يتعرض لبيان قوة جنابه تعالى إيذانًا بظهورها، وفائدة {كَانَ} التأكيد ببيان أن كيده مذ كان ضعيف، وقيل: هي بمعنى صار أي صار ضعيفًا بالإسلام، وقيل: إنها زائدة وليس بشيء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الَّذِينَ ءامَنُواْ يقاتلون في سَبِيلِ الله} كلامٌ مبتدأٌ سيق لترغيب المؤمنين في القتال وتشجيعِهم ببيان كمالِ قوتِهم بإمداد الله تعالى ونُصرتِه وغايةِ ضعفِ أعدائِهم، أي المؤمنون إنما يقاتلون في دين الله الحقِّ الموصِلِ لهم إلى الله عز وجل وفي إعلاء كلمتِه فهو وليُّهم وناصرُهم لا محالة {والذين كَفَرُواْ يقاتلون في سَبِيلِ الطاغوت} أي فيما يوصِلُهم إلى الشيطان فلا ناصرَ لهم سواه، والفاءُ في قوله تعالى: {فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان} لبيان استتباعِ ما قبلها لما بعدها، وذُكر بهذا العُنوانِ للدِلالة على أن ذلك نتيجةٌ لقتالهم في سبيل الشيطانِ والإشعارِ بأن المؤمنين أولياءُ الله تعالى لما أن قتالَهم في سبيله، وكلُّ ذلك لتأكيد رغبةِ المؤمنين في القتال وتقويةِ عزائمِهم عليه، فإن ولايةِ الله تعالى عَلَمٌ في العزة والقوة كما أن ولايةَ الشيطانِ مَثَلٌ في الذلة والضَّعفِ، كأنه قيل: إذا كان الأمرُ كذلك فقاتلوا يا أولياءَ الله أولياءَ الشيطانِ ثم صرح بالتعليل فقيل: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} أي في حد ذاتِه فكيف بالقياس إلى قدرة الله تعالى، ولم يتعرّضْ لبيان قوةِ جنابِه تعالى إيذانًا بظهورها. قالوا: فائدةُ إدخالِ كان في أمثال هذه المواقعِ التأكيدُ ببيان أنه منذ كان كذلك فالمعنى أن كيدَ الشيطانِ منذ كان كان موصوفًا بالضعف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والمراد بكيد الشيطان تدبيره.
وهو ما يظهر على أنصاره من الكيد للمسلمين والتدبير لتأليب الناس عليهم، وأكّد الجملة بمؤكّدين (إنّ) (وكان) الزائدة الدالة على تقرّر وصف الضعف لكيد الشيطان. اهـ.

.قال السمرقندي:

ويقال: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} أي مكره ضعيف لا يدوم، وهذا كما يقال للحق دولة وللباطل جولة أي ما له ري. اهـ.

.قال الطبري:

{إن كيد الشيطان كان ضعيفًا}، يعني بكيده: ما كاد به المؤمنين، من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله على رسوله وأوليائه أهل الإيمان به. يقول: فلا تهابوا أولياء الشيطان، فإنما هم حزبه وأنصاره، وحزب الشيطان أهل وَهَن وضعف.
وإنما وصفهم جل ثناؤه بالضعف، لأنهم لا يقاتلون رجاء ثواب، ولا يتركون القتال خوف عقاب، وإنما يقاتلون حميّة أو حسدًا للمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله. والمؤمنون يقاتل مَن قاتل منهم رجاء العظيم من ثواب الله، ويترك القتال إن تركه على خوف من وعيد الله في تركه، فهو يقاتل على بصيرة بما له عند الله إن قتل، وبما لَه من الغنيمة والظفر إن سلم. والكافر يقاتل على حذر من القتل، وإياس من معاد، فهو ذو ضعف وخوف. اهـ.

.قال الخازن:

{إن كيد الشيطان كان ضعيفًا} الكيد السعي في الفساد على جهة الاحتيال ويعني بكيده ما كاد المؤمنين به من تخويفه أولياءه الكفار يوم بدر وكونه ضعيفًا لأنه خذل أولياءه الكفار لما رأى الملائكة قد نزلت يوم بدر وكان النصر لأولياء الله وحزبه على أولياء الشيطان وإدخال كان في قوله ضعيفًا لتأكيد ضعف كيد الشيطان. اهـ.

.قال البيضاوي:

{إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} أي إن كيده للمؤمنين بالإِضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين. ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
المخلصَون لله لا يؤثِرُون شيئًا على الله، ولا يضنون بشيء عن الله، فهم أبدًا على نفوسهم لأجل الله، والذين كفروا على العكس من أحوال المؤمنين. ثم قوَّاهم وشجعهم بقوله: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} أي لا تُضْمِرُوا لهم مخافة، فإني متوليكم وكافيكم على أعدائكم. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
هذا إخبار من الله بأن المؤمنين يقاتلون في سبيله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} الذي هو الشيطان. في ضمن ذلك عدة فوائد:
منها: أنه بحسب إيمان العبد يكون جهاده في سبيل الله، وإخلاصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من آثار الإيمان ومقتضياته ولوازمه، كما أن القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته.
ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره، فإذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل، فأهل الحق أولى بذلك، كما قال تعالى في هذا المعنى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} الآية.
ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق، وهو الحق، والتوكل على الله. فصاحب القوة والركن الوثيق يطلب منه من الصبر والثبات والنشاط ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل، الذي لا حقيقة له ولا عاقبة حميدة. فلهذا قال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
والكيد: سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو، فالشيطان وإن بلغ مَكْرُهُ مهما بلغ فإنه في غاية الضعف، الذي لا يقوم لأدنى شيء من الحق ولا لكيد الله لعباده المؤمنين. اهـ.