فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

يعني ليس لك إلا الرسالة والتبليغ، وقد فعلت ذلك وما قصرت.
{وكفى بالله شَهِيدًا} [النساء: 166] على جدك وعدم تقصيرك في أداء الرسالة وتبليغ الوحي، فأما حصول الهداية فليس إليك بل إلى الله، ونظيره قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَىْء} [آل عمران: 128] وقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء} [القصص: 56] فهذا جملة ما خطر بالبال في هذه الآية، والله أعلم بأسرار كلامه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} مصدر مؤكّد، ويجوز أن يكون المعنى ذا رسالة {وكفى بالله شَهِيدًا} نصب على البيان والباء زائدة، أي كفى الله شهيدًا على صدق رسالة نبيه وأنه صادق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وأرسلناك للناس رسولًا} عطف على قوله: {وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} للردّ على قولهم: السيئة من عند محمد، أي أنك بُعِثْتَ مُبَلِّغا شريعة وهاديا، ولست مؤثرًا في الحوادث ولا تدل مقارنة الحوادث المؤلمة على عدم صدق الرسالة.
فمعنى {أرسلناك} بعثناك كقوله: {وأرسلنا الرياح} [الحجر: 22] ونحوه.
و{للناس} متعلق بـ {أرسلناك}.
وقوله: {رسولا} حال من {أرسلناك}، والمراد بالرسول هنا معناه الشرعي المعروف عند أهل الأديان: وهو النبي المبلّغ عن الله تعالى، فهو لفظ لقبي دالّ على هذا المعنى، وليس المراد به اسم المفعول بالمعنى اللغوي ولهذا حسن مجيئهُ حالًا مقيَّدة لـ {أرسلناك}، لاختلاف المعنيين، أي بعثناك مبلّغًا لا مُؤَثِّرًا في الحوادث، ولا أمارةً على وقوع الحوادث السيّئة.
وبهذا يزول إشكال مجيء هذه الحال غير مفِيدة إلاّ التأكيد، حتّى احتاجوا إلى جَعل المجرور متعلّقًا بـ {رسولًا}، وأنّه قدّم عليه دلالة على الحصر باعتبار العموم المستفاد من التعريف، كما في الكشاف، أي لجميع الناس لا لبعضهم، وهو تكلّف لا داعي إليه، وليس المقام هذا الحصر. اهـ.

.قال الألوسي:

{وكفى بالله شَهِيدًا} على رسالتك أو على صدقك في جميع ما تدعيه حيث نصب المعجزات وأنزل الآيات البينات، وقيل: المعنى كفى الله تعالى شهيدًا على عباده بما يعملون من خير أو شر، والالتفات لتربية المهابة. اهـ. بتصرف يسير.

.سؤال وجوابه:

فإن قيل: كيف عاب الله هؤلاء حين قالوا: إِن الحسنة من عند الله، والسيئة من عند النبي عليه السلام، وردّ عليهم بقوله: {قل كل من عند الله} ثم عاد، فقال: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} فهل قال القوم إِلا هكذا؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أنهم أضافوا السيئة إِلى النبي صلى الله عليه وسلم تشاؤمًا به، فردّ عليهم، فقال: كلٌ بتقدير الله.
ثم قال: ما أصابك من حسنة، فمن الله، أي: من فضله، وما أصابك من سيئة، فبذنبك، وإِن كان الكل من الله تقديرًا.
والثاني: أن جماعة من أرباب المعاني قالوا: في الكلام محذوف مقدّر، تقديره: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، يقولون: ما أصابك من حسنة، فمن الله، وما أصابك من سيئة، فمن نفسك، فيكون هذا من قولهم.
والمحذوف المقدّر في القرآن كثير، ومنه قوله: {ربنا تقبل منا} [البقرة: 127] أي: يقولان: ربنا.
ومثله {أو به أذى من رأسه فَفِديَة} [البقرة: 196] أي: فحلق، ففدية.
ومثله {فأما الذين اسودت وجههم أكفرتم} [آل عمران: 106] أي: فيقال لهم.
ومثله {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد: 23، 24] أي: يقولون سلام.
ومثله {أو كلّم به الموتى بل لله الأمر} [الرعد: 31] أراد: لكان هذا القرآنَ.
ومثله {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} [النور: 20] أراد: لعذّبكم.
ومثله {ربنا أبصرنا وسمعنا} [السجدة: 12] أي: يقولون.
وقال النَّمِرُ بنُ تولب:
فإنَّ المنيَّة من يخشَها ** فَسَوْفَ تُصَادِفُه أينما

أراد: أينما ذهب.
وقال غيره:
فأقسم لو شيءٌ أتانا رسولُه ** سواكَ ولكن لم نجد لَك مَدْفعا

أراد: لرددناه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
ما أصابك من حسنة فمن الله فضلًا، وما أصابك من سيئة فمن نفسك كسبًا وكلاهما من الله سبحانه خَلْقًا. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}
فإن جرت عليك سنة كونية خيرًا فهو من الله، أما إن أصابتك سيئة فيما لك فيه دخل فهي من نفسك. كأن المسألة قسمان: شيء لك فيه دخل، وشيء لا دخل لك فيه. ولابد أن تعتبره حسنة لأنه يقيم قضية عقدية في الكون.
فالمؤمن بين لوم نفسه على مصيبة بما له فيه دخل، وثقة بحكمة من يجري ما لا دخل له فيه وهو الله سبحانه: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}.
ومن هو الرسول؟.
الرسول مبلغ عمن أرسله إلى من أرسل إليه. وما دام رسولًا مبلغًا عن الله فأي شيء يحدث منه فهو من الله.
وعندما يقول الحق: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} أي لا يضرك يا محمد أن يقولوا: إن ما أصابهم من سيئة فمن عندك؛ لأنه يكفيك أن يكون الله في صفك؛ لأنهم لا يملكون على ما يقولون جزاء، وربك هو الذي يملك الجزاء وهو يشهد لك بأنك صادق في التبليغ عنه وأنّك لم تحدث منك سيئة كما قالوا:
ومن بعد ذلك يقول الحق: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ...}. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال رحمه الله:
وقولُه تعالى: {مَّا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ} إلخ، بيانٌ للجواب المُجْملِ المأمورِ به، وإجراؤُه على لسان النبيِّ عليه الصلاة والسلام ثم سَوْقُ البيانِ من جهته عز وجل بطريق تلوبنِ الخطابِ وتوجيهِه إلى كل واحدٍ من الناس، والالتفاتُ لمزيد الاعتناءِ به والاهتمامُ بردِّ مقالتِهم الباطلةِ والإشعارِ بأن مضمونَه مبنيٌّ على حكمة دقيقةٍ حتى بأن يتولى بيانَها علامُ الغيوبِ، وتوجيهُ الخطابِ إلى كل واحدٍ منهم دون كلِّهم كما في قوله تعالى: {وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} للمبالغة في التحقيق بقطع احتمالِ سببيّة معصيةِ بعضِهم لعقوبة الآخرين أي ما أصابك من نعمة من النعم {فَمِنَ الله} أي فهي منه تعالى بالذات تفضُلًا وإحسانًا من غير استيجابٍ لها مِنْ قِبَلك، كيف لا وأن كلَّ ما يفعله المرءُ من الطاعات التي يُفرض كونُها ذريعةً إلى إصابة نعمةٍ ما فهي بحيث لا تكاد تكافئ نعمةَ حياتِه المقارنةِ لأدائها، ولا نعمةَ إقدارِه تعالى إياه على أدائها فضلًا عن استيجابها لنعمة أخرى ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «ما أحدٌ يدخُل الجنة إلا برحمة الله تعالى» قيل: ولا أنت يا رسولَ الله؟ قال: «ولا أنا».
{وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ} أي بلية من البلايا {فَمِن نَّفْسِكَ} أي فهي منها بسبب اقترافِها المعاصيَ الموجبةَ لها، وإن كانت من حيث الإيجادُ منسوبةً إليه تعالى نازلةً من عنده عقوبةً كقوله تعالى: {وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} وعن عائشةَ رضي الله عنها: «ما من مسلم يُصيبه وصَبٌ ولا نصَبٌ حتى الشوكةُ يُشاكُها وحتى انقطاعُ شِسْعِ نعلِه إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثرُ»، وقيل: الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قبله وما بعده، لكن لا لبيان حالِه عليه الصلاة والسلام بل لبيان حالِ الكفرةِ بطريق التصويرِ، ولعل ذلك لإظهار كمالِ السخطِ والغضبِ عليهم والإشعارِ بأنهم لفرط جهلِهم وبلادتهم بمعزل عن استحقاق الخطابِ لاسيما بمثل هذه الحكمةِ الأنيقة {وأرسلناك لِلنَّاسِ رَسُولًا} بيانٌ لجلالة منصبِه عليه الصلاة والسلام ومكانتِه عند الله عز وجل بعد بيانِ بُطلانِ زعمِهم الفاسدِ في حقه عليه الصلاة والسلام بناءً على جهلهم بشأنه الجليلِ، وتعريفُ الناسِ للاستغراق، والجارُّ إما متعلقٌ برسولًا قُدّم عليه للاختصاص الناظرِ إلى قيد العمومِ أي مرسَلًا لكل الناس لا لبعضهم فقط كما في قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} وإما بالفعل، فرسولًا حالٌ مؤكدةٌ وقد جُوِّز أن يكون مصدرًا كما في قوله:
لقد كذَب الواشون ما فُهْتُ عندهم ** بسرَ ولا أرسلتُهم برسولِ

أي بإرسال بمعنى رسالة {وكفى بالله شَهِيدًا} أي على رسالتك، بنصب المعجزاتِ التي من جملتها هذا النصُّ الناطقُ والوحيُ الصادِقُ، والالتفاتُ لتربية المهابةِ وتقويةِ الشهادة، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْلُهُ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} الْآيَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَمْعِ أَعْرَضَ الْعَاصِي عَنْ ذَمِّ نَفْسِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الذَّنْبِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ وَقَامَ بِقَلْبِهِ حُجَّةُ إبْلِيسَ فَلَمْ تَزِدْهُ إلَّا طَرْدًا كَمَا زَادَتْ الْمُشْرِكِينَ ضَلَالًا حِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرْقِ لَغَابُوا عَنْ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَاللَّجَأِ إلَى اللَّهِ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي خُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ» فَيَشْكُرُهُ وَيَسْتَعِينُهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَسْتَغْفِرُهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَيَحْمَدُهُ عَلَى إحْسَانِهِ. ثُمَّ قَالَ: «وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا» إلَى آخِرِهِ. لَمَّا اسْتَغْفَرَ مِنْ الْمَعَاصِي اسْتَعَاذَهُ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تَقَعُ. ثُمَّ قَالَ: «وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» أَيْ وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا. ثُمَّ قَالَ «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ» إلَخْ. شَهَادَةٌ بِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ فَفِيهِ إثْبَاتُ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ هَذَا كُلُّهُ مُقَدِّمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَإِعَانَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ وَاللَّجَأِ إلَيْهِ، وَالْإِيمَانِ بِأَقْدَارِهِ. فَهَذِهِ الْخُطْبَةُ عِقْدُ نِظَامِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَقَالَ كَوْنُ الْحَسَنَاتِ مِنْ اللَّهِ وَالسَّيِّئَاتِ مِنْ النَّفْسِ لَهُ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ أَنَّ النِّعَمَ تَقَعُ بِلَا كَسْبٍ.
الثَّانِي أَنَّ عَمَلَ الْحَسَنَاتِ مِنْ إحْسَانِ اللَّهِ إلَى عَبْدِهِ فَخَلَقَ الْحَيَاةَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَحَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ. وَإِذَا تَدَبَّرْت هَذَا شَكَرْت اللَّهَ فَزَادَك وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الشَّرَّ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ نَفْسِك تُبْت فَزَالَ.