فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



استعمال كلمة تدبر في القرآن الكريم:
وردت هذه الكلمة في أربع مواضع في القرآن الكريم في أربع آيات هي:
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} محمد.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} النساء.
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)} المؤمنون.
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} ص.
ويسأل القارئ عن هذا الاختلاف فلماذا استعمل فعل يتدبرون مرتين واستعمل يدّبروا مرتين؟ {يدّبروا} اصلها يتدبروا لكن التاء سُكّنت فالتقت مع الدال فأُدغمت فيها فصارت يدّبروا. عادة ينظر في السياق ولا يجب أن تؤخذ الكلمة بدون سياقها لأن كلام الله تعالى مترابط فهو نزل الى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل منجمًا.
نبدأ باستعراض كل آية في سياقها ونبدأ بالآية في سورة محمد {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} محمد:
إذا تلونا ما قبلها من قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)} الكلام في الآية عن المنافقين الذين ينظرون نظر المغشي عليه من الموت لمجرد أن قيل لهم أن هناك جهاد ومن شفافية القرآن ولمسه لقلوب الناس أنه يصف المنافقين بأوصاف غير حميدة لا يحبونها فلا يواجههم وإنما يتكلم بصورة الغائب (هم) ثم ينتقل مباشرة لهم فيقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} هذه لمسة حنان لعدم قطع الأرحام والعربي حريص عليها ثم قال تعالى: {اولئك} لم يقل أنتم المنافقون لأن الكلام ليس فيه إهانة لهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} ثم قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} الكلام عنهم ولكنه تعالى استعمل ضمير الغائب حتى لا يُثيرهم وهذا نوع من أنواع التربية فلا يجوز للمسلم أن يقول هذا كافر وهذا كافر لأن المسلم كالطبيب يجب عليه أن يعالج. جعلها تعالى غائبًا لكنهم منافقون فجاء الفعل كاملًا {يتدبرون} لأنهم أي المنافقون بحاجة ليعيدوا النظر مرة بعد مرة في القرآن وهم نافقوا بعد أن سمعوا القرآن مرة بعد مرة ولهذا هم بحاجة للتكرار وللنظر في الآية دُبُر الآية ومعنى يتدبرون أن ينظرون في كل آية وما بعدها ثم ذكر تعالى في الآية كلمة القرآن.
ولمّا ذكر القرآن كاملًا لم يقل آية أو آيات ولما كان الكلام عن القرآن كاملًا جاء بالفعل كاملًا {يتدبرون}. واستعمل التنكير {أم على قلوب أقفالها} كما كان صلى الله عليه وسلم يقول «ما بال أقوام» حتى لا يسمي شخصًا بعينه. قال تعالى قلوب وهي نكرة وأقفالها نكرة. ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} هؤلاء منافقون سمعوا القرآن ولهذا يريدهم القرآن أن يعيدوا النظر في القرآن آية دبر آية.
الآية الثانية في سورة النساء {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} النساء: إذا تتبعنا الآيات في السورة {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)} تكلمت الآيات عن المنافقين يقولون نطيعك طاعة ثم خاطب تعالى رسوله أن هؤلاء منافقون فأعرض عنهم وتوكل على الله ثم جاءت الآية {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} وكأن فيه عتاب لهم {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} فالله تعالى في هذه الآيات يكلّم رسوله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين فهي دعوة غير مباشرة لهم أولئك الذين سمعوا كلام الله ثم أعرضوا عنه وجاءوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا له نطيعك ثم بيّتوا أمرًا آخر فهؤلاء مدعوون ليتدبروا القرآن فجاء الفعل كاملًا {يتدبرون}.
الآية الثالثة في سورة المؤمنون {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)} المؤمنون: إذا استعرضنا الآيات من قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)} الآيات تتكلم عن الكفار الذين لم يعلنوا اسلامهم وكانوا ينكصون وكانت تتلى عليهم آيات (لم يقل القرآن) ثم يخاطبهم تعالى في قوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)} لم يذكر كلمة القرآن في الآية وإنما قال: {القول} وقد يكون القول كلمة أو آية أو بعض آية أو سورة أو القرآن كله ولمّا استعمل كلمة آيات والقول اجتزأ الفعل أيضًا {يدّبروا} وهذا الفعل حذفت منه النون لوجود الجازم (لم) ثم ألغى الحركة في الفعل الأصلي (يتدبر) سُكنت التاء والتقت بالدال فاُدغمت فيه وهذا فيه نوع من الشدّى لأن الدال مشددة والباء مشددة {يدّبّروا} فهناك تشديد في المطالبة ولو تأملوا أقل تأمل فجاء اللفظ مناسبًا للطلب (المطلوب هو أن يتأملوا أقل تأمل).
الآية الرابعة في سورة ص: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} ص:
إذا نظرنا في الآيات في السورة من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} الكلام عن الكافرين وليس المنافقين وقد ذكرت الآيات الفريقان: الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين والمتقين والفُجّار. ثم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} ذكر الآيات وذكر كتاب ولم يذكر لفظ القرآن. والواو في {ليدبروا} تعود على الكافرين والمؤمنين لأنه ذكرهم جميعًا في الآيات: الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين والمتقين والفُجّار فالكل مطلوب منه أقلّ تدبّر. وقال تعالى: {وليتذكر أولو الألباب} لم يقل ليذّكر لأن أولي الألباب هم الذين يتذكرون فجعلها خاصة بأولي الأباب ففصل {ليتذكر}.
وفي الآيات دعوة لكل من ينظر في كتاب الله للتدبر. التأمل قد يكون في آية واحدة والتعقّل في آية واحدة أما التدبر فمعناه مواصلة التدبر في الآيات واحدة دُبُر الأخرى بدون توقف. وكل كلمة في القرآن الكرين مُرادة في مكانها. والتفكر في شيء هو النظر في ملكوت الله تعالى والتدبر هو تفكّر وتأمل في شيء متصل آية دُبُر آية. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [82]
{أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ} إنكار واستقباح لعدم تدبرهم القرآن وإعراضهم عن التأمل فيما فيه من موجبات الإيمان، ليعلموا كونه من عنده تعالى، بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحي الصادق والنص الناطق بنفاقهم المحكي على ما هو عليه.
وأصل التدبر التأمل والنظر في أدبار الأمر وعواقبه خاصة، ثم استعمل في كل تأمل، سواء كان نظرًا في حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه.
{وَلَوْ كَانَ} أي: القرآن: {مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ} تعالى كما يزعمون.
{لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} بأن يكون بعض أخباره غير مطابق للوقع، إذ لا علم بالأمور الغيبية، ماضية، كانت أو مستقبلة، لغيره سبحانه، وحيث كانت كلها مطابقة للواقع، تعيّن كونه من عنده تعالى.
قال الزجاج: ولولا أنه من عند الله تعالى لكان ما فيه من الإخبار بالغيب، مما يسره المنافقون وما يبيّتونه، مختلفًا: بعضه حق وبعضه باطل، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقال أبو بكر الأصم: إن هؤلاء المنافقين كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من الكيد والمكر، وكان الله تعالى يُطلع الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك، ويخبره بها مفصلة، فقيل لهم إن ذلك، لو لم يحصل بإخبار الله تعالى لما اطرد الصدق فيه، ولوقع فيه الاختلاف، فلما لم يقع ذلك قط، علم أنه بإعلامه تعالى، وأما حمل الاختلاف على التناقض وتفاوت النظم في البلاغة، فمما لا يساعده السباق ولا السياق، أفاده أبو السعود.
تنبيه:
دلت الآية على وجوب النظر والاستدلال، وعلى القول بفساد التقليد، لأنه تعالى أمر المنافقين بالاستدلال بهذا الدليل على صحة نبوته، أفاده الرازيّ.
وفي الآية، أيضًا، الحث على تدبر القرآن ليعرف إعجازه عن موافقته للعلوم واشتماله على فوائد منها، وكمال حججه وبلاغته العليا، وموافقته أحكامه للحكمة، وأخباره الماضية لكتب الأولين، والمستقبلة للواقع.
قال الحافظ ابن حجر: من أمعن في البحث عن معاني كتاب الله، محافظًا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وعن أصحابه، الذين شاهدوا التنزيل، وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه، ومفهومه، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك، مقتصرًا على ما يصلح للحجة منها، فإنه الذي يحمد وينتفع به، وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعده. انتهى.
وقد روى البخاريّ في صحيحه تعليقًا عن ابْنُ عَوْنٍ (وهو عبد الله البصري، من صغار التابعين)، أنه قال: ثَلاَثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلإِخْوَانِي هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا النَّاسَ عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ. وفي رواية «فيتدبروه» بدل «يتفهموه».
قال الكرماني: قال في القرآن: يتفهموه، وفي السنة: يتعلموها، لأن الغالب أن المسلم يتعلم القرآن في أول أمره فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه، فلهذا أوصى بتفهم معناه وإدراك منطوقه. انتهى.
وفي بقية الآية العذر للمصنفين فيما يقع لهم من الاختلاف والتناقض، لأن السلامة عن ذلك من خصائص القرآن. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
وإذا سمعت كلمة {أفلا} فأعلم أن الأسلوب يقرّع من لا يستعمل المادة التي بعده. {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} أي كان الواجب عليهم أن يتدبروا القرآن، فهناك شيء اسمه «التدبر»، وشيء اسمه «التفكر»، ثالث اسمه «التذكر»، ورابع اسمه «العلم»، وخامس اسمه «التعقل»، ووردت كل هذه الأساليب في القرآن، {أفلا يعلمون}، {أفلا يعقلون}، {أفلا يتذكرون}، {أفلا تتكفرون}. هي إذن تدبر، تفكر، تذكر، وتعقل، وعلم.
وحين يأتي مخاطبك ليطلب منك أن تستحضر كلمة «تدبر»؛ فمعنى هذا أنه واثق من أنك لو أعملت عقلك إعمالًا قويًا لوصلت إلى الحقيقة المطلوبة، لكن الذي يريد أن يغشك لا ينبه فيك وسائل التفتيش، مثل التاجر الذي تدخل عنده لتشتري قماشًا، فيعرض قماشه، ويريد أن يثبت لك أنه قماش طبيعي وقوي وليس صناعيًا، فيبله لك ويحاول أن يمزقه فلا يتمزق، إنه ينبه فيك الحواس الناقدة، فإذا نبه فيك الحواس الناقدة فمعنى ذلك: أنه واثق من أن إعمال الحواس الناقدة في صالح ما ادعاه، ولو كان قماشه ليس في صالح ما ادعاه لحاول خداعك، لكنه يقول لك: انظر جيدًا وجرب.
والحق يقول: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} والتدبر هو كل أمر يُعرض على العقل له فيه عمل فتفكر فيه لتنظر في دليل صدقه، هذه أول مرحلة، فإذا ما علمت دليل صدقة فأنظر النتيجة التي تعود عليك لو لم تعملها؛ و«تتدبر» تعني أن تنظر إلى أدبار الأشياء وأعقابها، فالرسول يبلغك: الإله واحد، إبحث في الأدلة بفكرك، فإذا ما انتهيت إليها آمنت بأن هناك إلهًا واحدًا. وإياك أن تقول إنها مسألة رفاهية أو سفسطة؛ لأنك عندما تنظر العاقبة ماذا ستكون لو لم تؤمن بالإله الواحد. سيكون جزاؤك النار.