فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالثة تسليم القليل على الكثير.
الرابعة تقديم اسم الله تعالى.
الخامسة الرد بالمثل لقولهم: السلام عليكم.
السادسة الزيادة في الردّ.
السابعة إجابة الجميع بالرد كما يقول الكوفيون. والله أعلم.
فإن ردّ فقدّم اسمَ المُسَلّم عليه لم يأت محرّمًا ولا مكروهًا؛ لثبوته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الصَّلاة وقد سلّم عليه: «وعليك السَّلام ارجع فَصلّ فإنك لم تُصَلِّ» وقالت عائشة: وعليه السَّلام ورحمة الله؛ حين أخبرها النبيّ صلى الله عليه وسلم أن جبريل يقرأ عليها السَّلام. أخرجه البخاريّ.
وفي حديث عائشة: «من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى رجل بسلامه فعليه أن يردّ كما يردّ عليه إذا شافهه».
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يقرئك السَّلام؛ فقال: «عليك وعلى أبيك السَّلام». وقد روى النسائِيّ وأبو داود من حديث جابر بن سُليم قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السَّلام يا رسول الله؛ فقال: «لا تقل عليك السَّلام فإن عليك السَّلام تحية الميت ولكن قُل السَّلام عليك».
وهذا الحديث لا يثبت؛ إلاَّ أنه لما جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو عليه في الشر كقولهم: عليه لعنة الله وغضب الله.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي إلى يَوْمِ الدين} [ص: 78].
وكان ذلك أيضًا دأب الشعراء وعادتهم في تحية الموتى؛ كقولهم:
عليك سلام اللَّه قيسَ بن عاصم ** ورحمته ما شاء أن يترحَّما

وقال آخر وهو الشَّمّاخ:
عليك سلام من أمير وباركتْ ** يَدُ اللَّه في ذاك الأدِيم المُمَزَّقِ

نهاه عن ذلك، لا أن ذاك هو اللفظ المشروع في حق الموتى؛ لأنه عليه السلام ثبت عنه أنه سلّم على الموتى كما سلم على الأحياء فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون».
فقالت عائشة: قلت يا رسول الله، كيف أقول إذا دخلت المقابر؟ قال: «قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين» الحديث؛ وسيأتي في سورة {ألهاكم} إن شاء الله تعالى.
قلت: وقد يحتمل أن يكون حديث عائشة وغيره في السلام على أهل القبور جميعهم إذا دخلها وأشرف عليها، وحديث جابر بن سليم خاص بالسلام على المرور المقصود بالزيارة. والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

في أحكام الجواب وهي ثمانية:
الأول: رد الجواب واجب لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ولأن ترك الجواب إهانة وضرر وحرام، وعن عباس: ما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة.
الثاني: رد الجواب فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، والأولى للكل أن يذكروا الجواب إظهارا للاكرام ومبالغة فيه، الثالث: أنه واجب على الفور، فإن أخر حتى انقضى الوقت فإن أجاب بعد فوت الوقت كان ذلك ابتداء سلام ولا يكون جوابا.
الرابع: إذا ورد عليه سلام في كتاب فجوابه بالكتبة أيضا واجب، لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
الخامس: إذا قال السلام عليكم، فالواجب أن يقول: وعليكم السلام إلاّ أن السنة أن يزيد فيه الرحمة والبركة ليدخل تحت قوله: {فحيوا بأحسن منها} أما إذا قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فظاهر الآية يقتضي أنه لايجوز الإقتصار على قوله وعليكم السلام.
السادس: روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: لا يجهر بالرد يعني الجهر الكثير.
السابع: إن سلمت المرأة الأجنبية عليه وكان يخاف في رد الجواب عليها تهمة أو فتنة لم يجب الرد، بل الأولى أن لا يفعل.
الثامن: حيث قلنا إنه لا يسلم، فلو سلم لم يجب عليها الرد، لأنه أتى بفعل منهى عنه فكان وجوده كعدمه. اهـ.

.قال القرطبي:

من السُّنَّة تسليم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير؛ هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسلم الراكب» فذكره فبدأ بالراكب لعلوّ مرتبته؛ ولأن ذلك أبعد له من الزّهوْ، وكذلك قيل في الماشي مثله.
وقيل: لما كان القاعد على حال وقَارٍ وثُبوت وسكون فله مزيّةٌ بذلك على الماشي؛ لأن حاله على العكس من ذلك.
وأما تسليم القليل على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم.
وقد زاد البُخارِيّ في هذا الحديث: «ويسلم الصغير على الكبير» وأما تسليم الكبير على الصغير فروى أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى التسليم على الصبيان؛ قال: لأن الردّ فرض والصبي لا يلزمه الردّ فلا ينبغي أن يسلم عليهم.
وروي عن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولكن لا يسمعهم.
وقال أكثر العلماء: التسليم عليهم أفضل من تركه.
وقد جاء في الصحيحين عن سيار قال: كنت أمشي مع ثابت فمرّ بصبيان فسلم عليهم، وذكر أنه كان يمشي مع أنس فمرّ بصبيان فسلّم عليهم، وحدّث أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرّ بصبيان فسلّم عليهم.
لفظ مسلم.
وهذا من خُلُقه العظيم صلى الله عليه وسلم، وفيه تدريب للصغير وحضٌّ على تعليم السُّنن ورياضةٌ لهم على آداب الشريعة فيه؛ فلتقتدِ.
وأما التسليم على النساء فجائز إلا على الشابَّات منهن خوف الفتنة من مكالمتهنّ بنزعة شيطان أو خائنة عَيْن.
وأما المتجالات والعُجْز فحَسَن للأمن فيما ذكرناه؛ هذا قول عطاء وقتادة، وإليه ذهب مالك وطائفة من العلماء.
ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهنّ ذوات مَحْرَم وقالوا: لما سقط عن النساء الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن ردّ السلام فلا يسلَّم عليهن.
والصحيح الأوّل لما خرّجه البخاريّ عن سهل بن سعد قال: كنا نفرح بيوم الجمعة.
قلت ولِمَ؟ قال: كانت لنا عجوز ترسِل إلى بِضاعة قال ابن مَسْلمة: نخلٌ بالمدينة فتأخذ من أُصول السِّلق فتطرحه في القِدر وتُكَرْكِر حبّاتٍ من شعيرٍ، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنُسلّم عليها فتقدّمه إلينا فنفرح من أجله: وما كنا نَقِيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة.
تكركر أي تطحن؛ قاله القُتَبِي. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن لفظ التحية على ما بيناه صار كناية عن الإكرام، فجميع أنواع الإكرام يدخل تحت لفظ التحية.
إذا عرفت هذا فنقول: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: من وهب لغير ذي رحم محرم فله الرجوع فيها ما لم يثب منها، فإذا أثيب منها فلا رجوع فيها.
وقال الشافعي رضي الله عنه: له الرجوع في حق الولد، وليس له الرجوع في حق الأجنبي، احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على صحة قول أبي حنيفة فإن قوله: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} يدخل فيه التسليم، ويدخل فيه الهبة، ومقتضاه وجوب الرد إذا لم يصر مقابلا بالأحسن، فإذا لم يثبت الوجوب فلا أقل من الجواز، وقال الشافعي: هذا الأمر محمول على الندب، بدليل أنه لو أثيب بما هو أقل منه سقطت مكنة الرد بالإجماع، مع أن ظاهر الآية يقتضي أن يأتي بالأحسن، ثم احتج الشافعي على قوله بما روى ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده» وهذا نص في أن هبة الأجنبي يحرم الرجوع فيها، وهبة الولد يجوز الرجوع فيها. اهـ.
قوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَئ حَسِيبًا}
قال الفخر:
في الحسيب قولان:
الأول: أنه بمعنى المحاسب على العمل، كالأكيل والشريب والجليس بمعنى المؤاكل والمشارب والمجالس.
الثاني: أنه بمعنى الكافي في قولهم: حسبي كذا؛ أي كافي، ومنه قوله تعالى: {حَسْبِىَ الله} [التوبة: 129، الزمر: 38]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} معناه حفيظًا.
وقيل: كافيًا؛ من قولهم: أحْسَبَني كذا أي كفاني، ومثله حَسْبُكَ الله.
وقال قتادة: محاسبًا كما يقال: أكِيل بمعنى مواكل.
وقيل: هو فعِيل من الحساب، وحسُنت هذه الصفة هنا؛ لأن معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يُوفّي قدر ما يجيء به.
روى النَّسائيّ عن عِمران بن حُصين قال: كنا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فسلّم، فقال: السلام عليكم فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «عشر» ثم جلس، ثم جاء آخر فسلم فقال: السلام عليكم ورحمة الله؛ فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «عشرون» ثم جلس وجاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ثلاثون» وقد جاء هذا الخبر مُفَسِّرًا وهو أن من قال لأخيه المسلم: سلام عليكم كتب له عشر حسنات، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة.
فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة، وكذلك لمن ردّ من الأجر.
والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والتذييل بقوله: {إنّ الله كان على كلّ شيء حسيبًا} لقصد الامتنان بهذه التعليمات النافعة.
والحسيب: العليم وهو صفة مشبَّهة: من حَسِب بكسر السين الذي هو من أفعَال القلب، فحُوّل إلى فعُل بضمّ عينه لمَّا أريد به أنّ العلم وصف ذاتي له، وبذلك نقصت تعديته فاقتصر على مفعول واحد، ثمّ ضمّن معنى المحصي فعدي إليه بعلى.
ويجوز كونه من أمثلة المبالغة.
قيل: الحسيب هنا بمعنى المحاسب، كالأكيل والشريب.
فعلى كلامهم يكون التذييل وعدًا بالجزاء على قدرِ فضل ردّ السلام، أو بالجزاء السَّيّء على ترك الردّ من أصله، وقد أكدّ وصف الله بحسيب بمؤكّدين: حرف (إنّ) وفعل (كَانَ) الدالّ على أنّ ذلك وصف مقرّر أزلي. اهـ.