فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

في كيفية النظم وجهان:
الأول: أنا بينا أن المقصود من قوله: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} أن لا يصير الرجل المسلم مقتولا، ثم إنه تعالى أكد ذلك بالوعيد في قوله: {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَئ حَسِيبًا} ثم بالغ في تأكيد ذلك الوعيد بهذه الآية، فبين في هذه الآية أن التوحيد والعدل متلازمان، فقوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إشارة إلى التوحيد، وقوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} إشارة إلى العدل، وهو كقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَائِمًا بالقسط} [آل عمران: 18] وكقوله في طه: {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى وَأَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى} [طه: 14] وهو إشارة إلى التوحيد ثم قال: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} [طه: 15] وهو إشارة إلى العدل، فكذا في هذه الآية بين أنه يجب في حكمه وحكمته أن يجمع الأولين والآخرين في عرصة القيامة فينتصف للمظلومين من الظالمين، ولا شك أنه تهديد شديد.
الثاني: كأنه تعالى يقول: من سلم عليكم وحياكم فاقبلوا سلامه وأكرموه وعاملوه بناء على الظاهر، فإن البواطن إنما يعرفها الله الذي لا إله إلا هو، إنما تنكشف بواطن الخلق للخلق في يوم القيامة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال الزجاج: يجوز أن يقال سميت القيامة قيامة لأن الناس يقومون من قبورهم، ويجوز أيضًا أن يقال: سميت بهذا الاسم لأن الناس يقومون للحساب قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 6]
قال صاحب الكشاف: القيام القيامة، كالطلاب والطلابة. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أثبت أن القيامة ستوجد لا محالة، وجعل الدليل على ذلك مجرد إخبار الله تعالى عنه، وهذا حق، وذلك لأن المسائل الأصولية على قسمين منها ما العلم بصحة النبوة يكون محتاجا إلى العلم بصحته، ومنها ما لا يكون كذلك.
والأول مثل علمنا بافتقار العالم إلى صانع عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات، فانا ما لم نعلم ذلك لا يمكننا العلم بصدق الأنبياء، فكل مسألة هذا شأنها فإنه يمتنع اثباتها بالقرآن واخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلا وقع الدور.
وأما القسم الثاني: وهو جملة المسائل التي لا يتوقف العلم بصحة النبوة على العلم بصحتها فكل ذلك مما يمكن إثباته بكلام الله وإخباره ومعلوم أن قيام القيامة كذلك، فلا جرم أمكن إثباته بالقرآن وبكلام الله، فثبت أن الاستدلال على قيام القيامة باخبار الله عنه استدلال صحيح. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}
استئناف ابتدائي، جمع تمجيد الله، وتهديدًا، وتحذيرًا من مخالف أمره، وتقريرًا للإيمان بيوم البعث، وردًّا لإشراك بعض المنافقين وإنكارهم البعث.
فاسم الجلالة مبتدأ.
وجملة {لا إله إلا هو} معترضة بين المبتدأ وخبره لتمجيد الله.
وجملة {ليجمعنكم} جواب قسم محذوف واقع جميعه موقع الخبر عن اسم الجلالة.
وأكّد هذا الخبر: بلام القسم، ونون التوكيد، وبتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، لتقوية تحقيق هذا الخبر.
إبطالًا لأنكار الذين أنكروا البعث.
ومعنى {لا ريب فيه} نفي أن يتطرّقه جنس الريب والشكّ أي في مَجيئه، والمقصود لا ريب حقيقيًا فيه، أو أنّ ارتياب المرتابين لوهنه نُزّل منزلة الجنس المعدوم. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا} استفهام على سبيل الإنكار، والمقصود منه بيان أنه يجب كونه تعالى صادقا وأن الكذب والخلف في قوله محال.
وأما المعتزلة فقد بنوا ذلك على أصلهم، وهو أنه تعالى عالم بكون الكذب قبيحًا، وعالم بكونه غنيًا عنه، وكل من كان كذلك استحال أن يكذب.
إنما قلنا: انه عالم بقبح الكذب، وعالم بكونه غنيًا عنه لأن الكذب قبيح لكونه كذبا، والله تعالى غير محتاج إلى شيء أصلا، وثبت أنه عالم بجميع المعلومات فوجب القطع بكونه عالما بهذين الأمرين، وأما أن كل من كان كذلك استحال أن يكذب فهو ظاهر لأن الكذب جهة صرف لا جهة دعاء، فإذا خلا عن معارض الحاجة بقي ضارا محضا فيمتنع صدور الكذب عنه، وأما أصحابنا فدليلهم أنه لو كان كاذبا لكان كذبه قديما، ولو كان كذبه قديما لامتنع زوال كذبه لامتناع العدم على القديم، ولو امتنع زوال كذبه قديما لامتنع كونه صادقا، لأن وجود أحد الضدين يمنع وجود الضد الآخر، فلو كان كاذبا لامتنع أن يصدق لكنه غير ممتنع، لانا نعلم بالضرورة أن كل من علم شيئا فإنه لا يمتنع عليه أن يحكم عليه بحكم مطابق للمحكوم عليه، والعلم بهذه الصحة ضروري، فإذا كان إمكان الصدق قائما كان امتناع الكذب حاصلا لا محالة، فثبت أنه لابد من القطع بكونه تعالى صادقا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا} الاستفهام إنكاري، والتفضيل باعتبار الكمية في الأخبار الصادقة لا الكيفية إذ لا يتصور فيها تفاوت لما أن الصدق المطابقة للواقع وهي لا تزيد، فلا يقال لحديث معين: إنه أصدق من آخر إلا بتأويل وتجوز، والمعنى لا أحد أكثر صدقًا منه تعالى في وعده وسائر أخباره ويفيد نفي المساواة أيضًا كما في قولهم: ليس في البلد أعلم من زيد، وإنما كان كذلك لاستحالة نسبة الكذب إليه سبحانه بوجه من الوجوه، ولا يعرف خلاف بين المعترفين بأن الله تعالى متكلم بكلام في تلك الاستحالة، وإن اختلف مأخذهم في الاستدلال.
وقد استدل المعتزلة على استحالة الكذب في كلام الرب تعالى بأن الكلام من فعله تعالى، والكذب قبيح لذاته والله تعالى لا يفعل القبيح وهو مبني على قولهم: بالحسن والقبح الذاتيين وإيجابهم رعاية الصلاح والأصلح، وأما الأشاعرة فلهم كما قال الآمدي في بيان استحالة الكذب في كلامه تعالى القديم النفساني مسلكان: عقلي وسمعي، أما المسلك الأول: فهو أن الصدق والكذب في الخبر من الكلام النفساني القديم ليس لذاته ونفسه بل بالنظر إلى ما يتعلق به من المخبر عنه فإن كان قد تعلق به على ما هو عليه كان الخبر صدقًا، وإن كان على خلافه كان كذبًا، وعند ذلك فلو تعلق من الرب سبحانه كلامه القائم على خلاف ما هو عليه لم يخل إما أن يكون ذلك مع العلم به أو لا لا جائز أن يكون الثاني، وإلا لزم الجهل الممتنع عليه سبحانه من أوجه عديدة، وإن كان الأول فمن كان عالمًا بالشيء يستحيل أن لا يقوم به الإخبار عنه على ما هو به وهو معلوم بالضرورة، وعند ذلك فلو قام بنفسه الإخبار عنه على خلاف ما هو عليه حال كونه عالمًا به مخبرًا عنه على ما هو عليه لقام بالنفس الخبر الصادق والكاذب بالنظر إلى شيء واحد من جهة واحدة، وبطلانه معلوم بالضرورة.
واعترض بأنا نعلم ضرورة من أنفسنا أنا حال ما نكون عالمين بالشيء يمكننا أن نخبر بالخبر الكاذب، ونعلم كوننا كاذبين، ولولا أنا عالمون بالشيء المخبر عنه لما تصور علمنا بكوننا كاذبين، وأجيب بأن الخبر الذي نعلم من أنفسنا كوننا كاذبين فيه إنما هو الخبر اللساني، وأما النفساني فلا نسلم صحة علمنا بكذبه حال الحكم به، وأما الملسك الثاني: فهو أنه قد ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة المعجزة القاطعة فيما هو رسول فيه على ما بين في محله.
وقد نقل عنه بالخبر المتواتر أن كلام الله تعالى صدق، وأن الكذب عليه سبحانه محال، ونظر فيه الآمدي بأن لقائل أن يقول: صحة السمع متوقفة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه متوقف على استحالة الكذب على الله تعالى من حيث إن ظهور المعجزة على وفق تحديه بالرسالة نازل منزلة التصديق من الله سبحانه له في دعواه، فلو جاز الكذب عليه جل شأنه لأمكن أن يكون كاذبًا في تصديقه له ولا يكون الرسول صادقًا، وإذا توقف كل منهما على صاحبه كان دورًا.
لا يقال إثبات الرسالة لا يتوقف على استحالة الكذب على الله تعالى ليكون دورًا فإنه لا يتوقف إثبات الرسالة على الإخبار بكونه رسولًا حتى يدخله الصدق والكذب، بل على إظهار المعجزة على وفق تحديه، وهو منزل منزلة الإنشاء، وإثبات الرسالة وجعله رسولًا في الحال كقول القائل: وكلتك في أشغالي، واستنبتك في أموري، وذلك لا يستدعي تصديقًا ولا تكذيبًا إذ يقال حينئذ: فلو ظهرت المعجزة على يد شخص لم يسبق منه التحدي بناءًا على جوازه على أصول الجماعة لم تكن المعجزة دالة على ثبوت رسالته إجماعًا ولو كان ظهور المعجزة على يده منزل منزلة الإنشاء لرسالته لوجب أن يكون رسولًا متبعًا بعد ظهورها، وليس كذلك، وكون الإنشاء مشروطًا بالتحدي بعيد بالنظر إلى حكم الإنشاءات، وبتقدير أن يكون كذلك غايته ثبوت الرسالة بطريق الإنشاء، ولا يلزم منه أن يكون الرسول صادقًا في كل ما يخبر به دون دليل عقلي يدل على صدقه فيما يخبر به، أو تصديق الله تعالى له في ذلك، ولا دليل عقلي يدل على ذلك، وتصديق الله تعالى له لو توقف على صدق خبره عاد ما سبق، فينبغي أن يكون هذا المسلك السمعي في بيان استحالة الكلام اللساني وهو صحيح فيه، والسؤال الوارد ثم منقطع هنا فإن صدق الكلام اللساني وإن توقف على صدق الرسول لكن صدق الرسول غير متوقف على صدق الكلام اللساني بل على الكلام اللساني نفسه فامتنع الدور الممتنع، وفي «المواقف»: الاستدلال على امتناع الكذب عليه تعالى عند أهل السنة بثلاثة أوجه: الأول: أنه نقص والنقص ممنوع إجماعًا، وأيضًا فيلزم أن يكون نحن أكمل منه سبحانه في بعض الأوقات أعني وقت صدقنا في كلامنا، والثاني: أنه لو اتصف بالكذب سبحانه لكان كذبه قديمًا إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى فيلزم أن يمتنع عليه الصدق، فإن ما ثبت قدمه استحال عدمه واللازم باطل، فإنا نعلم بالضرورة أن من علم شيئًا أمكن له أن يخبر عنه على ما هو عليه، وهذان الوجهان إنما يدلان على أن الكلام النفسي الذي هو صفة قائمة بذاته تعالى يكون صادقًا، ثم أتى بالوجه الثالث: دليلًا على استحالة الكذب في الكلام اللفظي والنفسي على طرز ما في المسلك الثاني، وقد علمت ما للآمدي فيه فتدبر جميع ذلك ليظهر لك الحق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} إِنما وصف نفسه بهذا، لأن جميع الخلق يجوز عليهم الكذب، ويستحيل في حقه. اهـ.

.قال الفخر:

استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن كلام الله تعالى محدث، قالوا لأنه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآية وفي قوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23] والحديث هو الحادث أو المحدث، وجوابنا عنه: انكما إنما تحكمون بحدوث الكلام الذي هو الحرف والصوت ونحن لا ننازع في حدوثه، إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر غير هذه الحروف والأصوات، والآية لا تدل على حدوث ذلك الشيء ألبتة بالاتفاق منا ومنكم، فأما منا فظاهر، وأما منكم فإنكم تنكرون وجود كلام سوى هذه الحروف والأصوات، فكيف يمكنكم أن تقولوا بدلالة هذه الآية على حدوثه، والله أعلم. اهـ.