فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: لأن أتوب من الشرك أحب إليَّ من أن أتوب من قتل المؤمن.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا، وأدّى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتبسًا، وسمع وأطاع، فله الجنة. وخمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة تقتطع بها مالًا بغير حق».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: إن الرجل ليقتل يوم القيامة ألف قتلة. قال أبو زرعة: بضروب ما قتل.
وأخرج ابن شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق».
وأخرج النسائي والنحاس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو قال: «قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا».
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن بريدة عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا».
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: لا يزل الرجل في فسحة من دينه ما نقيت كفه من الدم، فإذا أغمس يده في الدم الحرام نزع حياؤه.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء الرجل آخذًا بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني. قال: لمَ قتلته؟ فيقول لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذًا بيد الرجل فيقول: يا رب قتلني هذا. فيقول الله: لمَ قتلت هذا؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست له، بؤ بإثمه».
وأخرجه ابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل. موقوفًا.
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: يجلس المقتول يوم القيامة، فإذا مر الذي قتله قام فأخذه، فينطلق فيقول: يا رب سله لمَ قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ فيقول: أمرني فلان، فيعذب القاتل والآمر.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله جميعًا في النار».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن البراء بن عازب. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: «قتل بالمدينة قتيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم من قتله، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: أيها الناس قتل قتيل وأنا فيكم ولا نعلم من قتله، ولو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء».
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن جندب البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم، أن يهرقه كلما تعرض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه».
وأخرج الأصبهاني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن معنقًا صالحًا ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلح».
وأخرج الأصبهاني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لأكبَّهم الله على مناخرهم في النار، وأن الله حرم الجنة على القاتل والآمر».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن رجل من الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قسمت النار سبعين جزءًا. للآمر تسعة وستين، وللقاتل جزءًا».
وأخرج البيهقي عن محمد بن عجلان قال: كنت بالإسكندرية فحضرت رجلًا الوفاة لم نرَ من خلق الله أحدًا كان أخشى لله منه، فكنا نلقنه فيقبل كلما لقناه من سبحان الله والحمد لله، فإذا جاءت لا إله إلا الله أبى، فقلنا له: ما رأينا من خلق الله أحدًا كان أخشى لله منك، فنلقنك فتلقن حتى إذا جاءت لا إله إلا الله أبيت؟! قال: إنه حيل بيني وبينها، وذلك أني قتلت نفسًا في شبيبتي.
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن عقبة بن عامر. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئًا لم يتند بدم حرام إلا أدخل الجنة، من أي أبواب الجنة شاء».
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري قال: كنت جالسًا عند سالم بن عبد الله في نفر من أهل المدينة، فقال رجل: ضرب الأمير آنفًا رجلًا أسواطًا فمات. فقال سالم: عاب الله على موسى عليه السلام في نفس كافر قتلها.
وأخرج البيهقي عن شهر بن حوشب. أن أعرابيًا أتى أبا ذر فقال: إنه قتل حاج بيت الله ظالمًا فهل له من مخرج؟ فقال له أبو ذر: ويحك...! أحي والداك؟ قال: لا. قال: فأحدهما؟ قال: لا. قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك، وما أجد لك مخرجًا إلا في إحدى ثلاث. قال: وما هن؟ قال: هل تستطيع أن تحييه كما قتلته؟ قال: لا والله! قال: فهل تستطيع أن لا تموت؟ قال: لا والله ما من الموت بد، فما الثالثة؟ قال: هل تستطيع أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء؟ فقام الرجل وله صراخ، فلقيه أبو هريرة فسأله فقال: ويحك...! حيان والداك؟ قال: لا. قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك، ولكن اغز في سبيل الله وتَعَرَّضْ للشهادة فعسى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (94):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تبين بهذا المنع الشديد من قتل العمد، وما في قتل الخطأ من المؤاخذة الموجبة للتثبت، وكان الأمر قد برز بالقتال والقتل في الجهاد ومؤكدًا بأنواع التأكيد، وكان ربما التبس الحال؛ أتبع ذلك التصريح بالأمر بالتثبت جوابًا لمن كأنه قال: ماذا نفعل بين أمري الإقدام والإحجام؟ فقال: {يا أيها الذين أمنوا} مشيرًا بأداة البعد والتعبير بالماضي الذي هو لأدنى الأسنان إلى أن الراسخين غير محتاجين إلى مزيد التأكيد في التأديب، وما أحسن التفاته إلى قوله تعالى: {وحرض المؤمنين} [النساء: 84] إشارة منه تعالى إلى أنهم يتأثرون من تحريضه صلى الله عليه وسلم وينقادون لأمره، بما دلت عليه كلمة {إذا} في قوله تعالى: {إذا ضربتم} أي سافرتم وسرتم في الأرض {في سبيل الله} أي الذي له الكمال كله، لأجل وجهه خالصًا {فتبينوا} أي اطلبوا بالتأني والتثبت بيان الأمور والثبات في تلبسها والتوقف الشديد عند منالها، وذلك بتميز بعضها من بعض وانكشاف لبسها غاية الانكشاف؛ ولا تقدموا إلا على ما بان لكم {ولا تقولوا} قولًا فضلًا عما هو أعلى منه {لمن ألقى} أي كائنًا من كان {إليكم السلام} أي بادر بأن حياكم بتحية افسلام ملقيًا قياده {لست مؤمنًا} أي بل متعوذ- لتقتلوه.
ولما كان اتباع الشهوات عند العرب في غاية الذم قال موبخًا منفرًا عن مثل هذا في موضع الحال من فاعل {تقولوا} {تبتغون} أي حال كونكم تطلبون طلبًا حثيثًا بقتله {عرض الحياة الدنيا} أي بأخذ ما معه من الحطام الفاني والعرض الزائل، أو بإدراك ثأر كان لكم قبله؛ روى البخاري في التفسير ومسلم في آخر كتابه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} قال: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم: فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك إلى قوله: {عرض الحياة الدنيا} ورواه الحارث بن أبي أسامة عن سعيد بن جبير وزاد {كذلك كنتم من قبل} تخفون إيمانكم وأنتم مع المشركين، {فمنَّ الله عليكم} وأظهر الإسلام {فتبينوا} ثم علل النهي عن هذه الحالة بقوله: {فعند الله} أي الذي له الجلال والإكرام {مغانم كثيرة} أي يغنيكم بها عما تطلبون من العرض مع طيبها؛ ثم علل النهي من أصله بقوله: {كذلك} أي مثل هذا الذي قتلتموه بجعلكم إياه بعيدًا عن الإسلام {كنتم} وبعّض زمان القتل- كما هو الواقع- بقوله: {من قبل} أي قبل ما نطقتم بكلمة الإسلام {فمنّ الله} أي الذي له جميع صفات الكمال {عليكم} أي بأن ألقى في قلوب المؤمنين قبول ما أظهرتم امتثالًا لأمره سبحانه وتعالى بذلك، فقوى أمر الإيمان في قلوبكم قليلًا قليلًا حتى صرتم إلى ما أنتم عليه في الرسوخ في الدين والشهرة به والعز، ولو شاء لقسى قلوبكم وسلطهم عليكم فقتلوكم.
فإذا كان الأمر كذلك فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الدين من القبول ما فعل بكم، وهو معنى ما سبب عن الوعظ من قوله تأكيدًا لما مضى إعلامًا بفظاعة أمر القتل: {فتبينوا} أي الأمور وتثبتوا فيها حتى تنجلي؛ ثم علل هذا الأمر بقوله مرغبًا مرهبًا: {إن الله} أي المختص بأنه عالم الغيب والشهادة {كان بما تعملون خبيرًا} أي يعلم ما أقدمتم عليه عن تبيين وغيره فاحذروه بحفظ بواطنكم وظواهركم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{فتثبتوا} من التثبت وكذلك في الحجرات: حمزة وعلي وخلف. والباقون {فتبيّنوا} من التبين {السلم} مقصورًا: أبو جعفر ونافع وابن عامر وحمزة وخلف والمفضل وسهل. الباقون بالألف. {غير} بالنصب: أبو جعفر ونافع وابن عامر وعلي وخلف. الباقون {غير} بالرفع {الذين توفاهم} مشددة التاء: البزي وابن فليح.

.الوقوف:

{إلاّ خطأ} ج {يصدقوا} ط لابتداء حكم آخر. {مؤمنة} ط لذلك {مؤمنة} ج {متتابعين} ز لاحتمال كون {توبة} مصدرًا لفعل محذوف والأوجه كونه مفعولًا له. {من الله} ط {حكيمًا} o {عظيمًا} o {مؤمنًا} ج لأن ما بعده يصلح حالًا واستفهامًا {الدنيا} ز لانقطاع النظم مع اتصال الفاء. {كثيرة} ط {فتبينوا} ط {خبيرًا} o {وأنفسهم} الأول ط {درجة} ط {الحسنى} ط {عظيمًا} o لا لأن ما بعده بدل {ورحمة} ط {رحيمًا} o {فيم كنتم} ط {في الأرض} ط {فتهاجروا فيها} ط لتناهي الاستفهام بجوابه. {جهنم} ط {مصيرًا} o للاستثناء. {سبيلًا} o لا {عنهم} ط {غفورًا} o {وسعة} ط {على الله} ط {رحيمًا} o {من الصلاة} ق والأصح أن شرط تغليب في المسافر {كفروا} ط {مبينًا} o. اهـ.

.سبب نزول الآية:

قال الفخر:
في سبب نزول هذه الآية روايات:
الرواية الأولى: أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره، فذهبت سرية الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قومه وأميرهم غالب بن فضالة، فهرب القوم وبقي مرداس لثقته بإسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد وساق غنمه، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدًا شديدًا وقال: قتلتموه إرادة ما معه، ثم قرأ الآية على أسامة، فقال أسامة يا رسول الله استغفر لي، فقال: «فكيف وقد تلا لا إله إلا الله!» قال أسامة فما زال يعيدها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي وقال: أعتق رقبة.
الرواية الثانية: أن القاتل ملحم بن جثامة لقيه عامر بن الأضبط فحياه بتحية الإسلام، وكانت بين ملحم وبينه إحنة في الجاهلية فرماه بسهم فقتله، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لا غفر الله لك» فما مضت به سبعة أيام حتى مات فدفنوه فلفظته الأرض ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الذنب عنده» ثم أمر أن تلقى عليه الحجارة.
الرواية الثالثة: أن المقداد بن الأسود قد وقعت له مثل واقعة أسامة قال: فقلت يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ بشجرة، فقال أسلمت لله تعالى أفأقتله يا رسول الله بعد ذلك؟ فقال رسول الله لا تقتله، فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي، فقال عليه الصلاة والسلام «لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك بعد ما تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» وعن أبي عبيدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أشرع أحدكم الرمح إلى الرجل فإن كان سنانه عند نقرة نحره فقال لا إله إلا الله فليرفع عنه الرمح» قال القفال رحمه الله: ولا منافاة بين هذه الروايات فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها، فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته، والله أعلم. اهـ.