فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين، وأمر المجاهدين بالتثبيت فيه لئلا يسفكوا دمًا حرامًا بتأويل ضعيف، وهذه المبالغة تدل على أن الآية المتقدمة خطاب مع المؤمنين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومخاطبتهم بـ {أيها الذين آمنوا} تلوّح إلى أنّ الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهي عنه، ولو كان قصْد القاتل الحرصَ على تحقَّق أنّ وصف الإيمان ثابت للمقتول، فإنّ هذا التحقّق غيرُ مراد للشريعة، وقد ناطت صفة الإسلام بقول: «لا إله إلاّ الله محمد رسول الله» أو بتحية الإسلام وهي «السلام عليكم». اهـ.

.قال الفخر:

قرأ حمزة والكسائي هنا وكذلك في الحجرات {فتثبتوا} من ثبت ثباتًا، والباقون بالنون من البيان، والمعنيان متقاربان، فمن رجح التثبيت قال: إنه خلاف الإقدام، والمراد في الآية التأني وترك العجلة، ومن رجح التبيين قال المقصود من التثبيت التبيين، فكان التبيين أبلغ وأكمل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ} أي تأمَّلوا.
و{تَبَيَّنُوا} قراءة الجماعة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، وقالا: من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبت؛ يقال: تبينت الأمر وتبين الأمر بنفسه، فهو متعدّ ولازم.
وقرأ حمزة {فتثبتوا} من التثبت بالثاء مثلثة وبعدها باء بواحدة.
{وَتَبَيَّنُوا} في هذا أوكد لأن الإنسان قد يتثبت ولا يتبين.
وفي {إذا} معنى الشرط، فلذلك دخلت الفاء في قوله: {فتبينوا}.
وقد يجازى بها كما قال:
وإذا تُصِبْك خَصاصةٌ فَتَجّمّلِ

والجيِّد ألا يُجازى بها كما قال الشاعر:
والنفس راغبةٌ إذا رغَّبتها ** وإذا تُرَدّ إلى قليل تقنعُ

والتبين التثبت في القتل واجب حضرا وسفرا ولا خلاف فيه، وإنما خص السفر بالذكر لأن الحادثة التي فيها نزلت الآية وقعت في السفر. اهـ.

.قال الفخر:

الضرب معناه السير فيها بالسفر للتجارة أو الجهاد، وأصله من الضرب باليد، وهو كناية عن الإسراع في السير فإن من ضرب إنسانًا كانت حركة يده عند ذلك الضرب سريعة، فجعل الضرب كناية عن الإسراع في السير.
قال الزجاج: ومعنى {ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ الله} أي غزوتم وسرتم إلى الجهاد. اهـ.
قال الفخر:
{ولا تقولوا لمن ألقى السلام لست مؤمنًا}.
أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين، ومنه قوله: {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} [النحل: 87] أي استسلموا للأمر، ومن قرأ {السلام} بالألف فله معنيان: أحدها: أن يكون المراد السلام الذي يكون هو تحية المسلمين، أي لا تقولوا لمن حياتكم بهذه التحية إنه إنما قالها تعوذًا فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا واقبلوا منه ما أظهره.
والثاني: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم ولم يقتلكم لست مؤمنًا، وأصل هذا من السلامة لأن المعتزل طالب للسلامة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، وخلف {السَّلَم} بدون ألف بعد اللام وهو ضدّ الحرْب، ومعنى ألقى السلَم أظهره بينكم كأنّه رماه بينهم، وقرأ البقية {السَّلام} بالألف وهو مشترك بين معنى السلم ضدّ الحرب، ومعنى تحية الإسلام، فهي قول: السلام عليكم، أي من خاطبَكم بتحية الإسلام علامةً على أنّه مسلم.
وجملة {لست مؤمنًا} مَقول {لا تقولوا}.
وقرأ الحمهور: {مؤمنًا} بكسر الميم الثانية بصيغة اسم الفاعل، أي لا تنْفوا عنه الإيمان وهو يظهره لكم، وقرأه ابن وردان عن أبي جعفر بفتح الميم الثانية بصيغة اسم المفعول، أي لا تقولوا له لست مُحصّلًا تأمينَنَا إياك، أي إنّك مقتولا أو مأسُور. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِنًا} السّلَم والسِّلْم؛ والسّلام واحد، قاله البخاري.
وقرئ بها كلها.
واختار أبو عبيد القاسمُ بن سلاّم {السلام} وخالفه أهل النظر فقالوا: {السلم} هاهنا أشبه؛ لأنه بمعنى الانقياد والتسليم، كما قال عز وجل: {فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء} [النحل: 28] فالسلم الاستسلام والانقياد.
أي لا تقولوا لمن ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم لست مؤمنا.
وقيل: السلام قوله السلام عليكم، وهو راجع إلى الأول لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك.
قال الأخفش: يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحد.
والسلم (بشد السين وكسرها وسكون اللام) الصلح.
وروي عن أبي جعفر أنه قرأ {لست مؤمنًا} بفتح الميم الثانية، من آمنته إذا أجَرْتَه فهو مؤمن.
والمسلم إذا لقِي الكافر ولا عهد له جاز له قتله، فإن قال: لا إله إلا الله لم يجز قتله؛ لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله: فإن قتله بعد ذلك قُتل به.
وإنما سقط القتل عن هؤلاء لأجل أنهم كانوا في صدر الإسلام وتأوّلوا أنه قالها متعوذا وخوفا من السلاح، وأن العاصم قولُها مطمئنا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاصم كيفما قالها، ولذلك قال لأسامة: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا» أخرجه مسلم.
أي تنظر أصادق هو في قوله أم كاذب؟ وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه.
وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظانّ والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.
فإن قال: سلام عليكم فلا ينبغي أن يقتل أيضًا حتى يعلم ما وراء هذا؛ لأنه موضع إشكال.
وقد قال مالك في الكافر يوجد فيقول: جئت مستأمنًا أطلب الأمان: هذه أمور مشكلة، وأرى أن يردّ إلى مأمنه ولا يحكم له بحكم الإسلام؛ لأن الكفر قد ثبت له فلابد أن يظهر منه ما يدل على قوله، ولا يكفي أن يقول أنا مسلم ولا أنا مؤمن ولا أن يصلي حتى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بها عليه في قوله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله».
فإن صلى أو فعل فعلًا من خصائص الإسلام فقد اختلف فيه علماؤنا؛ فقال ابن العربي: نرى أنه لا يكون بذلك مسلمًا، أمّا أنه يقال له: ما وراء هذه الصلاة؟ فإن قال: صلاة مسلم، قيل له: قل لا إله إلا الله؛ فإن قالها تبين صدقه، وإن أبىّ علمنا أن ذلك تلاعُب، وكانت عند من يرى إسلامه رِدّة؛ والصحيح أنه كفْرٌ أصلي ليس بردّة.
وكذلك هذا الذي قال: سلام عليكم، يكلف الكلمة؛ فإن قالها تحقق رشاده، وإن أبى تبين عناده وقتل.
وهذا معنى قوله: {فَتَبَيَّنُواْ} أي الأمر المشكل، أو «تثبتوا» ولا تعجلوا المعنيان سواء.
فإن قتله أحد فقد أتى منهيًا عنه.
فإن قيل؛ فتغليظ النبي صلى الله عليه وسلم على مُحلِّم، ونبذه من قبره كيف مخرجه؟ قلنا: لأنه علم من نيته أنه لم يبال بإسلامه فقتله متعمدا لأجل الحنَة التي كانت بينهما في الجاهلية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ} هذا متصل بذكر القتل والجهاد.
والضرب: السَّير في الأرض؛ تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرتَ لتجارة أو غَزْوٍ أو غيره؛ مقترنة بفي.
وتقول: ضربت الأرض، دون «في» إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدّثان كاشفَيْن عن فَرْجَيْهما فإن الله يمقت على ذلك» وهذه الآية نزلت في قوم من المسلمين مَرُّوا في سفرهم برجل معه جمل وغُنَيمة يبيعها فسلّم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فحمل عليه أحدهم فقتله.
فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم شقّ عليه ونزلت الآية.
وأخرجه البخاري عن عطاء عن ابن عباس قال: قال ابن عباس: كان رجل في غُنَيمة له فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم؛ فقتلوا وأخذوا غنيمته؛ فأنزل الله تعالى ذلك إلى قوله: {عَرَضَ الحياة الدنيا} تلك الغُنَيمة.
قال: قرأ ابن عباس {السلام}.
في غير البخاري: وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله وردّ عليه غُنيماته.
واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر وهو في سِيَر ابن إسحاق ومصنّف أبي داود والإستيعاب لابن عبد البر أن القاتل مُحلِّم بن جَثَّامة، والمقتول عامر بن الأضبط فدعا عليه السلام على محلّم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقبله الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله؛ فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقَوْه في بعض تلك الشِّعاب؛ وقال عليه السلام: «إن الأرض لتقبل من هو شر منه».
قال الحسن: أما إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألاّ يعودوا.
وفي سنن ابن ماجه عن عمران بن حُصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا من المسلمين إلى المشركين فقاتلوهم قتالا شديدا، فمنحوهم أكتافهم فحمل رجل من لُحْمَتي على رجل من المشركين بالرمح فلما غَشِيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ إني مسلم؛ فطعنه فقتله؛ فَأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكتُ! قال: «وما الذي صنعت»؟ مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع.