فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال: (فإن قلت): قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات من هم؟ (قلت): أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الغزو فرض كفاية انتهى كلامه.
فقال: أولًا المعنى على القاعدين غير أولي الضرر، وقال في هذا الجواب: على القاعدين الأضراء، وهذا تناقض.
والظاهر أنّ قوله: {درجات}، لا يراد به عدد مخصوص، بل ذلك على حسب اختلاف المجاهدين.
وقال ابن زيد: هي السبع المذكورة في براءة في قوله: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ} الآيات.
وقال ابن عطية: درجات الجهاد لو حصرت لكانت أكثر من هذه انتهى.
وقال ابن مجيريز: الدرجات في الجنة سبعون درجة، كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة، وإلى نحوه ذهب: مقاتل، ورجحه الطبري.
وفي الحديث الصحيح: «أن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض» وذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجات منه}، هو على سبيل التوكيد، لا أنّ مدلول درجة مخالف لمدلول درجات في المعنى، بل هما سواء في المعنى.
قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة} لا يراد بها شيء واحد، بل أشياء. اهـ.

.قال الفخر:

{وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} أي وكلا من القاعدين والمجاهدين فقد وعده الله الحسنى وقال الفقهاء: وفيه دليل على أن فرض الجهاد على الكفاية، وليس على كل واحد بعينه لأنه تعالى وعد القاعدين الحسنى كما وعد المجاهدين، ولو كان الجهاد واجبًا على التعيين لما كان القاعد أهلًا لوعد الله تعالى إياه الحسنى. اهـ.
قال الفخر:
في انتصاب قوله: {أَجْرًا} وجهان:
الأول: انتصب بقوله: {وَفَضَّلَ} لأنه في معنى قولهم: آجرهم أجرًا، ثم قوله: {درجات مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} بدل من قوله: {أَجْرًا}.
الثاني: انتصب على التمييز و{درجات} عطف بيان {وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} معطوفان على {درجات}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً} وقد قال بعد هذا: {دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} فقال قوم: التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد.
وقيل: فضل الله المجاهدين على القاعدين من أُولي الضرر بدرجة واحدة، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات؛ قاله ابن جريج والسدي وغيرهما.
وقيل: إن معنى درجة علوّ، أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ.
فهذا معنى درجة، ودرجات يعني في الجنة.
قال ابن محيرِيز: سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرِس الجواد سبعين سنة.
و{دَرَجَاتٍ} بدل من أجر وتفسير له، ويجوز نصبه أيضًا على تقدير الظرف؛ أي فضلهم بدرجات، ويجوز أن يكون توكيدًا لقوله: {أَجْرًا عَظِيمًا} لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة، ويجوز الرفع؛ أي ذلك درجات.
وأجرا نصب بفضل وإن شئت كان مصدرًا وهو أحسن، ولا ينتصب بـ {فَضَّلَ} لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله: {المجاهدين} و{عَلَى القاعدين}؛ وكذا {درجة}.
فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض.
وفي الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجةٍ أعدّها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» اهـ.

.قال ابن عطية:

ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه، لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها، فالأقوال كلها متقاربة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي المراد بالدرجات قولان:
أحدهما: أنها درجات الجنة، قال ابن مُحيريز: الدرجات: سبعون درجة ما بين كل درجتين حُضْرُ الفرس الجواد المضَّمرِ سبعين سنة، وإِلى نحوه ذهب مقاتل.
والثاني: أن معنى الدرجات: الفضائل، قاله سعيد بن جبير.
قال قتادة: كان يقال: الإِسلام درجة، والهجرة في الإِسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة.
وقال ابن زيد: الدرجات: هي السبع التي ذكرها الله تعالى في براءة حين قال: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأٌ...} [التوبة: 120] إِلى قوله: {ولا يقطعون واديًا إِلا كتب لهم...} [التوبة: 121]
فإن قيل ما الحكمة في أن الله تعالى ذكر في أول الكلام درجة، وفي آخره درجات؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن الدرجة الأولى تفضيل المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر منزلة.
والدرجات: تفضيل المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر منازل كثيرة، وهذا معنى قول ابن عباس.
والثاني: أن الدرجة الأولى درجة المدح والتعظيم، والدرجات: منازل الجنة، ذكره القاضي أبو يعلى. اهـ.

.قال الفخر:

قالت الشيعة: دلّت هذه الآية على أن علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل من أبي بكر، وذلك لأن عليا كان أكثر جهادًا، فالقدر الذي فيه حصل التفاوت كان أبو بكر من القاعدين فيه، وعلي من القائمين، وإذا كان كذلك وجب أن يكون عليّ أفضل منه لقوله تعالى: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْرًا عَظِيمًا} فيقال لهم: إن مباشرة علي عليه السلام لقتل الكفار كانت أكثر من مباشرة الرسول لذلك، فليزمكم بحكم هذه الآية أن يكون عليّ أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقوله عاقل، فإن قلتم إن مجاهدة الرسول مع الكفار كانت أعظم من مجاهدة علي معهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجاهد الكفار بتقرير الدلائل والبينات وإزالة الشبهات والضلالات، وهذا الجهاد أكمل من ذلك الجهاد، فنقول: فاقبلوا منا مثله في حق أبي بكر، وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما أسلم في أول الأمر سعى في إسلام سائر الناس حتى أسلم على يده عثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون، وكان يبالغ في ترغيب الناس في الإيمان وفي الذب عن محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه وبماله، وعلي في ذلك الوقت كان صبيًا ما كان أحد يسلم بقوله، وما كان قادرًا على الذب عن محمد عليه الصلاة والسلام، فكان جهاد أبي بكر أفضل من جهاد علي فإنما ظهر في المدينة في الغزوات، وكان الإسلام في ذلك الوقت قويًا.
والثاني: أن جهاد أبي بكر كان بالدعوة إلى الدين، وأكثر أفاضل العشرة إنما أسلموا على يده، وهذا النوع من الجهاد هو حرفة النبي عليه الصلاة والسلام وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل، ولا شك أن الأول أفضل. اهـ.
قال الفخر:
قالت المعتزلة: دلّت الآية على أن نعيم الجنة لا ينال إلا بالعمل لأن التفاوت في العمل لما أوجب التفاوت في الثواب والفضيلة دل ذلك على أن علة الثواب هو العمل، وأيضًا لو لم يكن العمل موجبًا للثواب لكان الثواب هبة لا أجرًا، لكنه تعالى سماه أجرًا، فبطل القول بذلك، فيقال لهم: لم لا يجوز أن يقال: العمل علة الثواب لكن لا لذاته، بل بجعل الشارع ذلك العمل موجبًا له. اهـ.

.قال الخازن:

اعلم أن الجهاد ينقسم إلى: فرض عين وفرض كفاية، ففرض العين أن يدخل العدو دار قوم من المؤمنين وبلادهم فيجب على كل مكلف من الرجال ممن لا عذر له ولا ضرر به من أهل تلك البلدة الخروج إلى عدوهم دفعًا عن أنفسهم وعن أهليهم وجيرانهم وسواء في ذلك الحر والعبد والغني والفقير فيجب على الكافة وهو في حق من بعد عنهم من المسلمين فرض كفاية فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم العدو فتجب مساعدتهم على من قرب منهم من المسلمين أو بعد عنهم، وإن وقعت الكفاية بالمنزول بهم فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختبار ولا يدخل في هذا الفرض يعني فرض الكفاية الفقراء والعبيد، وإذا كان الكفار قادرين في بلادهم فعلى الإمام أن لا يخلي كل سنة من غزاة يغزوهم فيها إما بنفسه أو سراياه حتى لا يبطل الجهاد والاختبار.
والمطيق الجهاد مع وقوع الكفاية بغيره لا يقعد عنه ولكن لا يفرض عليه لأن الله تعالى وعد المجاهدين والقاعدين الثواب بقوله: {وكلًا وعد الله الحسنى} ولو كان فرضًا على الكافة لاستحق القاعدون عن الجهاد العقاب لا الثواب والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

قالت الشافعية: دلت الآية على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح، لأنا بينا أن الجهاد فرض على الكفاية بدليل قوله: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} ولو كان الجهاد من فروض الأعيان لما كان القاعد عن الجهاد موعودًا من عند الله بالحسنى.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا قامت طائفة بالجهاد سقط الفرض عن الباقين، فلو أقدموا عليه كان ذلك من النوافل لا محالة، ثم إن قوله: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْرًا عَظِيمًا} يتناول جميع المجاهدين سواء كان جهاده واجبًا أو مندوبًا، والمشتغل بالنكاح قاعد عن الجهاد، فثبت أن الاشتغال بالجهاد المندوب أفضل من الاشتغال بالنكاح، والله أعلم. اهـ.

.قال في الأمثل:

1- لقد كررت الآية [95] عبارة المجاهدين ثلاث مرات:
في المرّة الأُولى ذكر المجاهدون مع الهدف والوسيلة الخاصّة بالجهاد: {المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم...}.
وفي الثّانية: ذكر اسم المجاهدين مقرونًا بوسيلة الجهاد، ولم يذكر شيء عن الهدف: {المجاهدون بأموالهم وأنفسهم...}.
وأمّا في المرحلة الأخيرة فقد جاءت الآية باسم المجاهدين فقط، حيث يدل ذلك بوضح على الأُسلوب البلاغي الرفيع في الكلام القرآني، حيث يتعرف السامع شيئًا فشيئًا بواسطته على الموضوع وتخف قيوده وصفاته لديه، وتصل درجة التعرف إِلى مرحلة يفهم السامع بها كل شيء من خلال إِشارة واحدة.
2- لقد ذكرت الآية في البداية تفوق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة وهي «درجة».
بينما في الآية التالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع «درجات».
وجلّى أن لا تناقض بين هاتين العبارتين، لأن القصد من العبارة الأُولى تبيان تفوق المجاهدين على غيرهم، ولكن العبارة الثانية تشرح هذا التفوق حين تقترن بذكر عبارات «المغفرة» و«الرحمة»، وبعبارة أُخرى فإِن الفرق بين هاتين العبارتين «درجة» و«درجات» هو الفرق بين المجمل والمفصل. كما يمكن الاستفادة من عبارة «درجات» على أنّها تعني أن المجاهدين ليسوا كلّهم في درجة أو مستوى واحد، بل تختلف درجاتهم باختلاف درجة إِخلاصهم وتفانيهم وتحملهم للمشاق، وتختلف بذلك منزلتهم المعنوية، لأنّه من البديهي أن الذين يجاهدون الأعداء في صف واحد ليسوا جميعًا بمستوى جهادي واحد، كلها تختلف درجات الإِخلاص لدى كل واحد منهم بالقياس إِلى أمثالهم، ولذلك فإِنّ لكل واحد منهم ثوابًا خاصًا به يتناسب مع عمله الجهادي ونيّته في هذا العمل.