فصل: من فوائد الألوسي في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{لاَّ يَسْتَوِى القاعدون} شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه وليرغبوا عما يوجب خللًا فيه، والمراد بالقاعدين الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاءًا بغيرهم، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هم القاعدون عن بدر؛ وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل، وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك، وروي أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف والربيع وهلال بن أمية من بني واقف حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة.
{مِنَ المؤمنين} حال من القاعدين، وجوز أن يكون من الضمير المستتر فيه، وفائدة ذلك الإيذان من أول الأمر بأن القعود عن الجهاد لا يقعد بهم عن الإيمان، والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتي من الحسنى أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد حال كونهم كائنين من المؤمنين {غَيْرُ أُوْلِى الضرر} بالرفع على أنه صفة للقاعدون وهو إن كان معرفة، و{غَيْرِ} لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود منه قاعدون بعينهم بل الجنس، فأشبه الجنس فصح وصفه بها، وزعم عصام الدين إن {غَيْرِ} هنا معرفة، و{غَيْرُ أُوْلِى الضرر} بمعنى لا ضرر له.
ونقل عن الرضي وبه ضعف ما تقدم أن المعرف باللام المبهم وإن كان في حكم النكرة لكنه لا يوصف بما توصف به النكرة، بل يتعين أن تكون صفته جملة فعلية فعلها مضارع كما في قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ** فأصد ثم أقول ما يعنيني

واستحسن بعضهم جعله بدلًا من {القاعدون} لأن أل فيه موصولة، والمعروف إرادة الجنس في المعرف بالألف واللام، وبينهما فرق، وجوز الزجاج الرفع على الاستثناء، وتبعه الواحدي فيه، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على أنه حال، وهو نكرة لا معرفة، أو على الاستثناء ظهر إعراب ما بعده عليه، وقرئ بالجر على أنه صفة للمؤمنين، أو بدل منه وكون النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة أكثري لاكلي، والضرر المرض والعلل التي لا سبيل معها إلى الجهاد، وفي معناها أو هو داخل فيها العجز عن الأهبة، وقد نزلت الآية وليس فيها {غَيْرُ أُوْلِى الضرر} ثم نزل بعد، فقد روى مالك عن الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: «كنت أكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في كتف لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون وابن أم مكتوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله تعالى في فضل الجهاد ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أدري قال زيد: وقلمي رطب ما جف حتى غشي النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ووقع فخذه على فخذي حتى كادت تدق من ثقل الوحي، ثم جلى عنه، فقال لي: أكتب يا زيد {غَيْرُ أُوْلِى الضرر}».
{والمجاهدون في سَبِيلِ الله} في منهاج دينه {بأموالهم} إنفاقًا فيما يوهن كيد الأعداء {وَأَنفُسِهِمْ} حملًا لها على الكفاح عند اللقاء، وكلا الجارين متعلق بالمجاهدون وأوردوا بهذا العنوان دون عنوان الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه، وقيده بما قيده مدحًا لهم وإشعارًا بعلة استحقاقهم لعلو المرتبة مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود كما قيل، وقيل: إنما أوردوا بعنوان الجهاد إشعارًا بأن القعود كان عنه ولكن ترك التصريح به هناك رعاية لهم في الجملة، وقدم (القاعدون) على المجاهدين ولم يؤخر عنهم ليتصل التصريح بتفضيلهم بهم، وقيل: للإيذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء من جهة القاعدين لا من جهة مقابليهم، فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانًا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد، لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر، وعليه قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} [الرعد؛ 16] إلى غير ذلك، وأما قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول.
وأنت تعلم أنه لا تزاحم في النكات وأنه قد يكون في شيء واحد جهة تقديم وجهة تأخير، فتعتبر هذه تارة وتلك أخرى، وإنما قدم سبحانه وتعالى هنا ذكر الأموال على الأنفس وعكس في قوله عز شأنه: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم} [التوبة: 111] لأن النفس أشرف من المال فقدم المشتري النفس تنبيهًا على أن الرغبة فيها أشد وأخر البائع تنبيهًا على أن المماكسة فيها أشد فلا يرضى ببذلها إلا في فائدة.
وعلى ذلك النمط جاء أيضًا قوله تعالى: {فَضَّلَ الله المجاهدين} في سبيله {بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القاعدين} من المؤمنين غير أولي الضرر {دَرَجَةً} لا يقادر قدرها ولا يبلغ كنهها، وهذا تصريح بما أفهمه نفي المساواة فإنه يستلزم التفضيل إلى أنه لم يكتف بما فهم اعتناءًا به وليتمكن أشدّ تمكن، ولكون الجملة مبينة وموضحة لما تقدم لم تعطف عليه، وجوز أن تكون جواب سؤال ينساقه إليه المقال كأنه قيل: كيف وقع ذلك التفضيل؟ فقيل: فضل الله إلخ، واللام كما أشرنا إليه في الجمعين للعهد ولا يأباه كون مدخولها وصفًا كما قيل إذ كثيرًا ما ترد أل فيه للتعريف كما صرح به النحاة، و(درجة) منصوب على المصدر لتضمنها التفضيل لأنها المنزلة والمرتبة وهي تكون في الترقي والفضل، فوقعت موقع المصدر كأنه قيل: فضلهم تفضيلة، وذلك مثل قولهم: ضربته سوطًا أي ضربة، وقيل: على الحال أي ذوي درجة، وقيل: على التمييز، وقيل: على تقدير حذف الجار أي بدرجة، وقيل: هو واقع موقع الظرف أي في درجة ومنزلة، وقوله تعالى: {وَكُلًا} مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدًا للوعد، وتنوينه عوض عن المضاف إليه أي كل واحد من الفريقين المجاهدين والقاعدين {وَعَدَ الله} المثوبة {الحسنى} وهي الجنة كما قال قتادة وغيره لا أحدهما فقط، وقرأ الحسن وكل بالرفع على الابتداء، فالفعول الأول وهو العائد في جملة الخبر محذوف أي وعده، وكأن التزام النصب في المتواترة لأن قبله جملة فعلية وبذلك خالف ما في الحديد و(الحسنى) على القراءتين هو المفعول الثاني، والجملة اعتراض جيء به تداركًا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.
وقوله سبحانه: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين} عطف على ما قبله، وأغنت أل عن ذكر ما ترك على سبيل التدريج من القيود، وإنما لم يعتبر التدريج في ترك ما ذكر مع القاعدين أولًا بأن يترك من المؤمنين فقط، ويذكر {غَيْرُ أُوْلِى الضرر} في الآية الأولى ويتركهما معًا في الآية الثانية، بل تركهما دفعة واحدة عند أول قصد التدريج قيل: لأن قيد {غَيْرُ أُوْلِى الضرر} كان بعد السؤال كما يشير إليه سبب النزول.
وفي بعض أخباره أن ابن أم مكتوم لما نزلت الآية جعل يقول: أي رب أين عذري أي رب أين عذري؟؟ فنزل ذلك فانسدت باب الحاجة إليه، وقنع السائل بذكره مرة فأسقط مع ما معه الساقط لذلك القصد دفعة، ولا كذلك ما ذكر مع المجاهدين، فإن الإيتان به كان عن محض الفضل والامتنان من غير سابقة سؤال فلما فتحت باب الإسقاط اعتبر فيه التدريج فرقًا بين المقامين، وقوله تعالى: {أَجْرًا عَظِيمًا} مصدر مؤكد لفضل وهو وإن كان بمعنى أعطى الفضل وهو أعم من الأجر لأنه ما يكون في مقابلة أمر لكن أريد به هنا الأخص لأنه في مقابلة الجهاد، ويجوز أن يبقى على معناه، و{أَجْرًا} مفعول به ولتضمنه معنى الإعطاء نصب المفعول أي أعطاهم زيادة على القاعدين أجرًا عظيمًا، وقيل: هو منصوب بنزع الخافض أي فضلهم بأجر.
وجعله صفة لقوله تعالى: {درجات} قدم عليها فانتصب على الحال، ولكونه مصدرًا في الأصل يستوي فيه الواحد وغيره جاز نعت الجمع به بعيد، وجوز في {درجات} أن يكون بدلًا من {أَجْرًا} [النساء: 95] بدل الكل مبينًا لكمية التفضيل، وأن يكون حالًا أي ذوي درجات، وأن يكون واقعًا موقع الظرف أي في درجات، وقوله سبحانه: {مِنْهُ} متعلق بمحذوف وقع صفة لدرجات دالة على فخامتها وعلو شأنها، أخرج عبد بن حميد عن ابن محيرز أنه قال: هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رضي بالله تعالى ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد عليه الصلاة والسلام رسولًا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله فأعادها عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأخرى يرفع الله تعالى بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله تعالى»، وعن السدي أنها سبعمائة، وجوز أن يكون انتصاب درجات على المصدرية كما في قولك: ضربته أسواطًا أي ضربات، كأنه قيل: فضلهم تفضيلات، وجمع القلة هنا قائم مقام جمع الكثرة، وقيل: إنه على بابه.
والمراد بالدرجات ما ذكر في آية براءة {مَا كَانَ لاهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الاعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذلك} إلى قوله سبحانه: {لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120، 121] ونسب إلى عبد الله بن زيد.
وقوله عز شأنه: {وَمَغْفِرَةٌ} عطف على {درجات} الواقع بدلًا من {أَجْرًا} [النساء: 95] بدل الكل إلا أن هذا بدل البعض منه لأن بعض الأجر ليس من باب المغفرة، أي ومغفرة عظيمة لما يفرط منهم من الذنوب التي لا يكفرها سائر الحسنات التي يأتي بها القاعدون، (فحينئذ) تعدّ من خصائصهم، وقوله تعالى: {وَرَحْمَةً} عطف عليه أيضًا وهو بدل الكل من {أَجْرًا}، وجوز أن يكون انتصابهما بفعل مقدر أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة.
هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة، وتقييده تارة بدرجة وأخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يستدعيه الظاهر إما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتي تمهيدًا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير روْمًا لمزيد التحقيق والتقرير المؤذن بأن فضل المجاهدين بمحل لا تستطيع طير الأفكار الخضر أن تصل إليه، ولما كان هذا مما يكاد أن يتوهم منه حرمان القاعدين اعتنى سبحانه بدفع ذلك بقوله عز قائلًا: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] ثم أراد جل شأنه تفسير ما أفاده التنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة، فقال ما قال وسد باب الاحتمال.
ولا يخفى ما في الإبهام والتفسير من اللطف، وأما ما قيل من إفراد الدرجة أولا لأن المراد هناك تفضيل كل مجاهد، والجمع ثانيًا لأن المراد فيه تفضيل الجمع ففي الدرجات مقابلة الجمع بالجمع، فلكل مجاهد درجة ومآل العبارتين واحد والاختلاف تفنن، فمن الكلام الملفوظ لا من اللوح المحفوظ، وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات، وفي هذا رغب الراغب، واستطيبه الطيبي على أن المراد بالتفضيل الأول ما خولهم الله تعالى عاجلًا في الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيقي بكونه درجة واحدة، وبالتفضيل الثاني ما ادخره سبحانه لهم من الدرجات العالية والمنازل الرفيعة المتعالية عن الحصر كما ينبئ عنه تقديم الأول وتأخير الثاني وتوسيط الوعد بالجنة بينهما، كأنه قيل: فضلهم عليهم في الدنيا درجة واحدة، وفي الأخرى درجات لا تحصى، وقد وسط بينهما في الذكر ما هو متوسط بينهما في الوجود أعني الوعد بالجنة توضيحًا لحالهما ومسارعة إلى تسلية المفضول كذا قرره الفاضل مولانا شيخ الإسلام، وقيل: المراد من التفضيل الأول رضوان الله تعالى ونعيمه الروحاني، ومن التفضيل الثاني نعيم الجنة المحسوس، وفيه أن عطف المغفرة والرحمة يبعد هذا التخصيص، وقيل: المراد من المجاهدين الأولين من جاهد الكفار، ومن المجاهدين الآخرين من جاهد نفسه، وزيد لهم في الأجر لمزيد فضلهم كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» وفيه أن السياق وسبب النزول يأبيان ذلك، والحديث الذي ذكره لا أصل له كما قال المحدثون.
وقيل المراد من القاعدين في الأول الأضراء، وفي الثاني غيرهم كما قال ابن جريج، وأخرج عنه ابن جرير، وفيه من تفكيك النظم ما لا يخفى.
بقي أن الآية لا تدل نصًا على حكم أولي الضرر بناءًا على التفسير المقبول عندنا، نعم في بعض الأحاديث ما يؤذن بمساواتهم للمجاهدين، فقد صح من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال: «إن في المدينة لأقوامًا ما سرتم من سير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر» وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء في {غَيْرُ أُوْلِى الضرر} [النساء: 95]، وعن الزجاج أنه قال: إلا أولوا الضرر فإنهم يساوون المجاهدين، وعن بعضهم إن هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى غير الضرر قد ذكرت في قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} إلى قوله سبحانه: {إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة؛ 91] والذي يشهد له النقل والعقل أن الأضراء أفضل من غيرهم درجة كما أنهم دون المجاهدين في الدرجة الدنيوية، وأما إنهم مساوون لهم في الدرجة الأخروية فلا قطع به، والآية على ما قاله ابن جريج تدل على أنهم دونهم في ذلك أيضًا.
وقد أخرج ابن المنذر من طريق ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن ابن أم مكتوم كان بعد نزول الآية يغزو، ويقول: ادفعوا إليَّ اللواء وأقيموني بين الصفين فإني لن أفر، وأخرج ابن منصور عن أنس بن مالك أنه قال: لقد رأيت ابن أم مكتوم بعد ذلك في بعض مشاهد المسلمين ومعه اللواء، ويعلم من نفي المساواة في صدر الآية المستلزم للتفضيل المصرح به بعد بين المجاهد بالمال والنفس والقاعد نفيها بين المجاهد بأحدهما والقاعد؛ واحتمال أن يراد من الآية نفي المساواة بين القاعد عن الجهاد بالمال والمجاهد به وبين القاعد عن الجهاد بالنفس والمجاهد بها بأن يكون المراد بالمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم المجاهدين فيه بأموالهم، والمجاهدين فيه بأنفسهم وبالقاعدين أيضًا قسمي القاعد، ويكون المراد نفي المساواة بين كل قسم من القاعد ومقابله بعيد جدًا، واحتج بها كمال قال ابن الغرس: من فضل الغنى على الفقر بناءًا على أنه سبحانه فضل المجاهد بماله على المجاهد بغير ماله، ولا شك أن الدرجة الزائدة من الفضل للمجاهد بماله إنما هي من جهة المال، واستدلوا بها أيضًا على تفضيل المجاهد بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديوان ونحوه {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} تذييل مقرر لما وعد سبحانه من قبل. اهـ.