فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال لما أنزل الله هؤلاء الآيات ورجل من المؤمنين يقال له ضمره، ولفظ عبد سبرة بمكة، قال: والله إن لي من المال ما يبلغني إلى المدينة وأبعد منها، وإني لأهتدي إلى المدينة، فقال لأهله: أخرجوني- وهو مريض يومئذ- فلما جاوز الحرم قبضه الله فمات، فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله...} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير من وجه آخر عن قتادة قال: لما نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] قال رجل من المسلمين يومئذ وهومريض: والله ما لي من عذر، إني لدليل بالطريق، وإني لموسر فاحملوني، فحملوه فأدركه الموت بالطريق، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآيتين. قال رجل من بني ضمرة- وكان مريضًا- أخرجوني إلى الروح، فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص مات، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله...} الآية. وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر قوله: {ومن يخرج من بيته...} الآية. قال: نزلت في رجل من خزاعة.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما سمع- هذه يعني {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...} [النساء: 97] الآية- ضمرة بن جندب الضمري قال لأهله- وكان وجعًا-: أرحلوا راحلتي فإن الأخشبين قد غماني- يعني جبلي مكة- لعلّي أن أخرج فيصيبني روح، فقعد على راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات في الطريق، فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا} الآية. وأما حين توجه إلى المدينة فإنه قال: اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك.
وأخرج سنيد وابن جرير عن عكرمة قال: لما نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة...} [النساء: 97] الآية. قال ضمرة بن جندب الجندعي: اللهم أبلغت المعذرة والحجة، ولا معذرة لي ولا حجة. ثم خرج وهو شيخ كبير فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى أم لا؟ فنزلت {ومن يخرج من بيته...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآية. سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني ليث كان على دين النبي صلى الله عليه وسلم مقيمًا بمكة، وكان ممن عذر الله، كان شيخًا كبيرًا، فقال لأهله: ما أنا ببائت الليلة بمكة. فخرجوا به حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: نزلت في رجل من بني ليث أحد بني جندع.
وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن جندع بن ضمرة الجندعي كان بمكة، فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها. فقالوا إلى أين؟ فأومأ بيده نحو المدينة يريد الهجرة؟ فخرجوا به فلما بلغوا اضاة بني غفار مات، فأنزل الله فيه {ومن يخرج من بيته...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هاجر رجل من بني كنانة يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق، فسخر به قوم واستهزؤوا به، وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن. فنزل القرآن {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: خرج رجل من مكة بعد ما أسلم وهو يريد النبي وأصحابه فأدركه الموت في الطريق فمات، فقالوا: ما أدرك هذا من شيء. فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة، فنهشته حية في الطريق فمات، فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورًا رحيمًا}.
قال الزبير: وكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيء حزني لوفاته حين بلغني، لأنه قلَّ أن هاجر أحدٌ من قريش إلا ومعه بعض أهله أو ذي رحمه، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى، ولا أرجو غيره.
وأخرج ابن سعد عن المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبيه قال: خرج خالد بن حزام مهاجرًا إلى أرض الحبشة في المرة الثانية، فنهش في الطريق فمات قبل أن يدخل أرض الحبشة، فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله...} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب. أن أهل المدينة يقولون: من خرج فاصلًا وجب سهمه، وتأولوا قوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله} يعني من مات ممن خرج إلى الغزو بعد انفصاله من منزله قبل أن يشهد الوقعة، فله سهمه من المغنم.
وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عتيك «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيته مجاهدًا في سبيل الله- وأين المجاهدون في سبيل الله- فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله- يعني بحتف أنفه على فراشه، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومن قتل قعصًا فقد استوجب الجنة».
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حاجًا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرًا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيًا في سبيل الله كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في بعض ما تقدم من الآيات: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} أي وما ينبغي لمؤمن الروح {أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} وهو مؤمن القلب {إِلا} أن يكون قتلًا {خطأ}، وذلك إنما يكون إذا خلصت الروح من حجب الصفات البشرية فإذا أرادت أن تتوجه إلى النفس أنوارها لتميتها وقع تجليها على القلب فخر صعقًا من ذلك التجلي ودك جبل النفس دكًا فكان قتله خطأ لأنه لم يكن مقصودًا {خَطَئًا وَمَن قَتَلَ} قلبًا {مُؤْمِنًا} خطأ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} وهي رقبة السر الروحاني وتحريرها إخراجها عن رق المخلوقات {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} تسلمها العاقلة وهي الألطاف الإلهية إلى القوى الروحانية فيكون لكل منهما من حظ الأخلاق الربانية {إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} وذلك وقت غنائهم بالفناء بالله تعالى: {فَإن كَانَ} المقتول بالتجلي {مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ} بأن كان من قوى النفس الأمارة {وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} وهي رقبة القلب فيطلقه من وثاق رق حب الدنيا والميل إليها، ولا دية في هذه الصورة لأهل القتيل {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ} بأن كان من قوى النفس القابلة للأحكام الشرعية ظاهرًا والمهادنة للقلب {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ} واجبة على عاقلة الرحمة {إلى أَهْلِهِ} أي أهل تلك النفس من الصفات الأخر {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} وهي رقبة الروح وتحريرها إفناؤها وإطلاقها عن سائر القيود {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} رقبة كذلك بأن كانت روحه محررة قبل {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] أي فعليه الإمساك عن العاديات وترك المألوفات ستين يومًا، وهي مقدار مدة الميقات الموسوي ونصفها رجاء أن يحصل له البقاء بعد الفناء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] إشارة إلى أن النفس إذا قتلت القلب واستولت عليه بقيت معذبة في نيران الطبيعة مبعدة عن الرحمة مظهرًا لغضب الله تعالى: {عَظِيمًا يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ الله} لإرشاد عباده {فَتَبَيَّنُواْ} حال المريد في الرد والقبول {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا} أي لا تنفروا من استسلم لكم وأسلم نفسه بأيديكم لترشدوه فتقولوا له لست مؤمنًا صادقًا لتعلق قلبك بالدنيا فسلم ما عندك من حطامها ليخلو قلبك لربك وتصلح لسلوك الطريق {فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} للسالكين إليه فإذا حظي بها السالك ترك لها ما في يده من الدنيا وأعرض قلبه عن ذلك {كذلك كُنتُمْ مّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ} [النساء: 94] أي مثل هذا المريد كنتم أنتم في مبادي طلبكم وتسليم أنفسكم للمشايخ حيث كان لكم تعلق بالدنيا فمنّ الله عليكم بعد السلوك بتلك المغانم الكثيرة التي عنده فأنساكم جميع ما في أيديكم وفطم قلوبكم عن الدنيا بأسرها فقيسوا حال من يسلم نفسه إليكم بحالكم لتعلموا أن الله سبحانه بمقتضى ما عود المتوجهين إليه الطالبين له سيمنّ على هؤلاء بما منّ به عليكم، ويخرج حب الدنيا من قلوبهم بأحسن وجه كما أخرجه من قلوبكم.
والحاصل أنه لا ينبغي أن يقال لمن أراد التوجه إلى الحق جل وعلا من أرباب الدنيا في مبادي الأمر: أترك دنياك واسلك لأن ذلك مما ينفره ويسد باب التوجه عليه لشدة ترك المحبوب دفعة واحدة، ولكن يؤمر بالسلوك ويكلف من الأعمال ما يخرج ذلك عن قلبه لكن على سبيل التدريج {إِنَّ الذين توفاهم الملائكة ظالمى أَنفُسِهِمْ} بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} حيث قعدتم عن السعي وفرطتم في جنب الله تعالى وقصرتم عن بلوغ الكمال الذي ندبتم إليه {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرض} أي أرض الاستعداد باستيلاء قوى النفس الأمارة وغلبة سلطان الهوى وشيطان الوهم {قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا} أي ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم إلى نهاية كمالكم، وذلك مجال واسع فلو تحركتم وسرتم بنور فطرتكم خطوات يسيرة بحيث ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى وخرجتم عن القرية الظالم أهلها التي هي مكة النفس الأمارة إلى البلدة الطيبة التي هي مدينة القلب، وإنما نسب سبحانه وتعالى هنا التوفي إلى الملائكة لأن التوفي وهو استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه على ثلاثة أوجه: توفي الملائكة وتوفي ملك الموت وتوفي الله تعالى، فأما توفي الملائكة فهو لأرباب النفوس، وهم إما سعداء وإما أشقياء، وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب، وأما توفي الله تعالى فهو للموحدين الذين عرج بهم عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب فهو سبحانه يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه عز وجل، ولما لم يكن هؤلاء الظالمين من أحد الصنفين الأخيرين نسب سبحانه توفيهم إلى الملائكة، وقيد ذلك بحال ظلمهم أنفسهم {فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} الطبيعة {وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] لما أن نار البعد والحجاب بها موقدة {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال} وهم كما قال بعض العارفين: أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذعنوا لقواهم الوهبية والخيالية فيبطل استعدادهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود {والنساء} أي القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمي وسلوك طريق التحقيق الضعفاء القوى، قيل: وهم البله المذكورون في خبر «أكثر أهل الجنة البله» {والولدان} أي القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لفترة تلحقهم من قبل صفات النفس {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر النفس وقمع الهوى {وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98] لعدم علمهم بكيفية السلوك {فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم {وَكَانَ الله عَفُوًّا} عن الذنوب ما لم تتغير الفطرة {غَفُورًا} [النساء: 99] يستر بنور صفاته صفات النفوس القابلة لذلك {وَمَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ} عن مقار النفس المألوفة {يَجِدْ في الأرض} أي أرض استعداده {مُرَاغَمًا كَثِيرًا} أي منازلًا كثيرة يرغم فيها أنوف قوى نفسه {واسعة} أي انشراحًا في الصدر لسبب الخلاص من مضايق صفات النفس وأسر الهوى {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ} أي مقامه الذي هو فيه مهاجرًا إلى الله بالتوجه إلى توحيد الذات {وَرَسُولُهُ} بالتوجه إلى طلب الاستقامة في توحيد الصفات {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت} أي الانقطاع {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} حسبما توجه إليه {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 100] فيستر بصفاته صفات من توجه إليه ويرحم من انقطع دون الوصول بما هو أهله، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.