فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قال: «أنزلت يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان، فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربعًا، ركوعهم وسجودهم وقيامهم معًا جمعًا، فهم به المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم، فأنزل الله: {فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: 102] فصلى العصر، فصف أصحابه صفين، ثم كبر بهم جميعًا، ثم سجد الأولون لسجوده والآخرون قيام لم يسجدوا حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كبر بهم وركعوا جميعًا، فتقدم الصف الآخر واستأخر الصف المقدم، فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة، وقصر العصر إلى ركعتين».
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس في قوله: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} قال: قصرها من الخوف والقتال الصلاة في كل وجه راكبًا وماشيًا قال: فأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الركعتان، وصلاة الناس في السفر ركعتين فليس بقصر، هو وقاؤها.
وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن دينار في قوله: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} قال: إنما ذلك إذا أخافوا الذين كفروا، وسن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ركعتين، وليس بقصر ولكنها وفاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام، والتقصير لا يحل إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة، والتقصير ركعة، يقوم الإمام ويقوم معه طائفتان، طائفة خلفه وطائفة يوازون العدو، فيصلي بمن معه ركعة، ويمشون إليهم على أدبارهم حتى يقوموا في مقام أصحابهم، وتلك المشية القهقرى، ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة، ثم يجلس الإمام فيسلم، فيقومون فيصلون لأنفسهم ركعة، ثم يرجعون إلى صفهم، ويقوم الآخرون فيضيفون إلى ركعته شيئًا تجزئه ركعة الإمام، فيكون للإمام ركعتان ولهم ركعة، فذلك قول الله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [النساء: 102] إلى قوله: {وخذوا حذركم} [النساء: 102].
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {أن يفتنكم الذين كفروا} قال: بالعذاب والجهل بلغة هوزان. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
كل امرئ من عباد الله مضطهد ** ببطن مكة مقهور ومفتون

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان تمام غير قصر، إنما القصر صلاة المخافة. قلت: وما صلاة المخافة؟ قال: يصلي الإمام بطائفة ركعة، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء وهؤلاء إلى مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
وأخرج مالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم عن عائشة قالت: «فرضت الصلاة ركعتين في السفر والحضر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عائشة قالت: «فرضت الصلاة على النبي بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعًا، وأقرت صلاة السفر ركعتين».
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن عائشة قالت «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فرضت ثلاثًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى، وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب لأنها وتر، والصبح لأنها تطول فيها القراءة».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل مكة! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان».
وأخرج الشافعي والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح. أن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس. أنه سئل أتقصر إلى عرفة؟ فقال: لا، ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وإذا ضربتم في الأرض} الآية. قال: قصر الصلاة- إن لقيت العدو وقد حانت الصلاة- أن تكبر الله وتخفض رأسك إيماء راكبًا كنت أو ماشيًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قال: ذاك عند القتال، يصلي الرجل الراكب تكبيرة من حيث كان وجهه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال النيسابوري:
التأويل: ليس لمؤمن الروح أن يقصد قتل مؤمن القلب إلاّ أن يكون قتل خطأ؛ وذلك أن الروح إذا خلص عن حجب ظلمات الصفات البشرية يتجلى الروح للقلب فيتنور بأنوار الروحانية، ثم تنعكس أنوار الروح عن مرآة القلب إلى النفس الأمارة فتموت عن صفاتها الذميمة الظلمانية، وتحيا بالصفات الحميدة الروحانية، وتطمئن إلى ذكر الله كاطمئنان القلب به، ففي بعض الأحوال يتأيد الروح بوارد روح قدسي رباني ويتجلى في تلك الحالة الروح للقلب فيخر موسى القلب صعقًا ميتًا بسطوة تجلي الروح القدسي الرباني ويجعل جبل النفس دكًا. وكان قتله خطأ لأنه ما كان مقصودًا بالقتل في هذا التجلي وكان القصد تنويره وتصفيته وقتل النفس الكافرة. {من قتل مؤمنًا} أي قلبًا مؤمنًا: {فتحرير رقبة مؤمنة} وهي رقبة السر الروحاني فتصير رقبة السر محررة عن رق المخلوقات {ودية مسلمة إلى أهله} يعني يسلم العاقلة- وهو الله تعالى- دية القلب إلى أهل القلب وهم الأوصاف الحميدة الروحانية من جمال كمال ألطافه لتصير الأوصاف بها أخلاقًا ربانية إلاّ أن تتصدق الأوصاف بهذه الدية على مساكين أوصاف النفس الحيوانية والشيطانية {فإن كان} القتيل بالتجلي {من قوم عدوّ لكم} أي من صفات النفس {وهو مؤمن} أي هذه الصفة قد آمنت بأنوار الروح القدسي دون أخواتها من الصفات: {فتحرير رقبة مؤمنة} وهي رقبة القلب تصير محررة عن رق حب الدنيا ولادية لأهل القتيل. {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} وهم صفات النفس وميثاقها قبول أحكام الشرع ظاهرًا وترك المحاربة مع القلب وأوصافه {فدية مسلمة} على عاقلة الرحمة إلى أهل تلك الصفة المقبولة وهم بقية صفات النفس كما قال تعالى: {إلاّ ما رحم ربي} [يوسف: 53] وتحرير رقبة مؤمنة وهي رقبة الروح يصيرها محررة عن رقة الكونين. {فمن لم يجد} رقبة مؤمنة من الروح والقلب والسر للتحرير بأن تكون رقابهم قد حررت عن رق ما سوى الله: {فصيام شهرين متتابعين} أي فعليه الإمساك وعن مشارب العالمين على التتابع والدوام مراقبًا قلبه لا يدخله شيئًا من الدنيا والآخرة مراعيًا وقته. فلو أفطر بأدنى شيء من المشارب كلها يستأنف الصوم ولا يفطر بشيء دون لقاء الله تعالى.
قال قائلهم:
لقد صام طرفي عن شهود سواكم ** وحق له لما اعتراه نواكم

يعيد قوم حين يبدو هلالهم ** ويبدو هلال الصب حين يراكم

{توبة من الله} جذبة منه. {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا} أي النفس الكافرة إذا قتلت قلبًا مؤمنًا متعمدًا للعداوة الأصلية بينهما ففي حياة أحدهما موت الآخر {فجزاؤه جهنم} وهي سفل عالم الطبيعة. {إذا ضربتم في سبيل الله} بقدم السلوك حتى صار الإيمان إيقانًا والإيقان إحسانًا والإحسان عيانًا والعيان عينًا والعين شهودًا والشهود شاهدًا والشاهد مشهودًا وهذا مقام الشيخوخة {فتبينوا} عن حال المريد في الرد والقبول {ولا تقولوا} له {لست مؤمنًا} صادقًا ولا تنفروه بالتشديدات والتصرف في النفس والمال {تبتغون عرض الحياة الدنيا} أي تهتمون أجل رزقه فإن الضيف إذا نزل نزل برزقه {كذلك كنتم} ضعفاء في الصدق والطلب محتاجين إلى الصحبة في بدو الإرادة {فمنّ الله عليكم} بصحبة المشايخ وقبولهم إياكم {إن الذين توفاهم الملائكة} هم العوام الذين ظلموا أنفسهم بتدنيسها {فيم كنتم} في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري، وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون، وفي أي روضة من رياض الدنيا تسرحون؟ أكنتم تؤثرون الفاني على الباقي وتنسون الشراب الطهور والساقي؟ {مستضعفين} عاجزين لاستيلاء النفس الأمارة وغلبة الهوى {ألم تكن أرض الله} أي أرض القلب {واسعة} فتخرجوا عن مضيق سجن البشرية إلى قضاء هواء الهوية {لا يستطيعون حيلة} في الخروج عن الدنيا لكثرة العيال وضعف الحال {ولا يهتدون سبيلًا} إلى صاحب ولاية وهؤلاء المستضعفون هم الخواص المقتصدون، وأما خواص الخواص، وهم السابقون بالخيرات فهم المجاهدون الجهاد الأكبر وقد مر.
{ومن يهاجر} عن بلد البشرية في طلب حضرة الربوبية {يجد} في أرض الإنسانية {مراغمًا} متحوّلًا ومنازل مثل القلب والروح والسر {وسعة} في تلك العوالم من رحمة الله: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156] «لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن» فافهم يا قصير النظر كثير الفكر قليل العبر والله أجل وأكبر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (102):

قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه وتعالى بيان القصر في الكمية مقرونًا بالخوف لما ذكر، وكان حضور النبي صلى الله عليه وسلم مظنة الأمن بالتأييد بالملائكة ووعد العصمة من الناس، وما شهر به من الشجاعة ونصر به من الرعب وغير ذلك من الأمور القاضية بأن له العاقبة؛ بيَّن سبحانه وتعالى حال الصلاة في الكيفية عند الخوف، وأن صلاة الخوف تفعل عند الأنس بحضرته كما تفعل عند الاستيحاش بغيبته صلى الله عليه وسلم، فجوازها لقوم ليس هو صلى الله عليه وسلم فيهم مفهوم موافقة، فقال سبحانه وتعالى: {وإذا كنت} حال الخوف الذي تقدم فرضه {فيهم} أي في أصحابك سواء كان ذلك في السفر أو في الحضر {فأقمت} أي ابتدأت وأوجدت {لهم الصلاة} أي الكاملة وهي المفروضة {فلتقم طائفة منهم معك} أي في الصلاة ولتقم الطائفة الأخرى وجاه العدو ويطوفون في كل موضع يمكن أن يأتي منه العدو {وليأخذوا} أي المصلون لأنهم المحتاجون إلى هذا الأمر لدخولهم في حالة هي بترك السلاح أجدر {أسلحتهم} كما يأخذها من هو خارج الصلاة، وسبب الأمر بصلاة الخوف- كما في صحيح مسلم وغيره عن جابر رضي الله تعالى عنه «أنهم غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقاتلوا قومًا من جهينة فقاتلوا قتالًا شديدًا، قال جابر رضي الله تعالى عنه: فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبرئيل عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد فلما حضرت العصر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة» الحديث {فإذا سجدوا} يمكن أن يكون المراد بالسجود ظاهره، فيكون الضمير في {فليكونوا} للجمع الذين منهم هذه الطائفة- المذكورين بطريق الإضمار في قوله: {وإذا كنت فيهم} وفي {فلتقم طائفة منهم} أي فإذا سجد الذين قاموا معك في الصلاة فليكن المحدث عنهم وهم الباقون الذين أنت فيهم.
وهذه الطائفة منهم {من ورائكم} فإذا أتمت هذه الطائفة صلاتها فلتذهب إلى الحراسة {ولتأت طائفة أخرى} أي من الجماعة {لم يصلوا فليصلوا معك} كما صلت الطائفة الأولى، فإن كانت الصلاة ثنائية ولم تصل بكل طائفة جميع الصلاة فلتسلم بالطائفة الثانية، وإن كانت رباعية ولم تصل بكل فرقة جميع الصلاة فلتتم صلاتها، ولتذهب إلى وجاه العدو ولتأت طائفة أخرى- هكذا حتى تتم الصلاة؛ ويمكن أن يكون المراد بالسجود الصلاة- من إطلاق اسم الجزء على الكل، فكأنه قال: فإذا صلوا، أي أتموا صلاتهم- على ما مضت الإشارة إليه، والضمير حينئذ في «فليكونوا» للطائفة الساجدة، وقوله: {وليأخذوا} يمكن أن يكون ضميره للكل، لئلا يتوهم أن الأمر بذلك يختص بالمصلي، لأن غيره لا عائق له عن الأخذ متى شاء، أو ولتأخذ جميع الطوائف الحارسون والمصلون {حذرهم وأسلحتهم} في حال صلاتهم وحراستهم وإتيانهم إلى الصلاة وانصرافهم منها فجعل الحذر الذي هو التيقظ والتحرز بإقبال الفكر على ما يمنع كيد العدو كالآلة المحسوسة، وخص في استعماله في الصلاة في شأن العدو وخص آخر الصلاة بزيادة لاحذر إشارة إلى أن العدو في أول الصلاة قلما يفطنون لكونهم في الصلاة بخلاف الآخر، فلهذا خص بمزيد الحذر، وهذا الكلام على وجازته محتمل- كما ترى- لجميع الكيفيات المذكورة في الفقه لصلاة الخوف إذا لم يكن العدو في وجه القبلة على أنها تحتمل التنزيل على ما إذا كان في وجه القبلة بأن يحمل الواء على ما واراه السجود عنكم وإتيان الطائفة الأخرى على الإقبال على المتابعة للإمام في الأفعال {ولم يصلوا} اي بقيد المتابعة له فيها- والله سبحانه وتعالى الهادي.