فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهي كلها صحاح ثابتة، فعلى أي حديث صلّى منها المصلّي صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله.
وكذلك قال أبو جعفر الطبري.
وأما مالك وسائر أصحابه إلاَّ أشهب فذهبوا في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حَثْمَة، وهو ما رواه في موَطَّئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خَوّات الأنصاريّ أن سهل بن أبي حَثْمة حدّثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجَهة العدوّ، فيركع الإمام ركعة ويسجدُ بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا ثبت، وأَتَموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم يُسلمون وينصرفون والإمام قائم، فيكونون وجاه العدوّ، ثم يُقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبّرون وراء الإمام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم يسلم، فيقومون ويركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون.
قال ابن القاسم صاحبُ مالك: والعمل عند مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوّات.
قال ابن القاسم: وقد كان يأخذ بحديث يزيد بن رُومان ثم رجع إلى هذا.
قال أبو عمر: حديث القاسم وحديث يزيد بن رُومان كلاهما عن صالح بن خوّات: إلاَّ أن بينهما فصلًا في السَّلام، ففي حديث القاسم أن الإمام يسلم بالطائفة الثانية ثم يقومون فيقضون لأنفسهم الركعة، وفي حديث يزيد بن رُومان أنه ينتظرهم ويسلّم بهم.
وبه قال الشافعيّ وإليه ذهب؛ قال الشافعيّ: حديث يزيد ابن رُومان عن صالح بن خوّات هذا أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله، وبه أقول.
ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم القياسُ على سائر الصلوات، في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدًا سبقه بشيء منها، وأن السنّة المجتمعَ عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سَلام الإمام.
وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك، وقال أحمد كقول الشافعيّ في المختار عنده؛ وكان لا يعيب من فعل شيئًا من الأوجه المروية في صلاة الخوف.
وذهب أشهب من أصحاب مالك إلى حديث ابن عمر قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفةُ الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أُولئك ثم صلى بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة.
وقال ابن عمر: فإذا كان خوفٌ أكثر من ذلك صلّى راكبًا أو قائمًا يومئ إيماء، أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك وغيرهم.
وإلى هذه الصفة ذهب الأوزاعيّ، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر، قال: لأنه أصحُّها إسنادًا، وقد ورد بنقل أهل المدينة وبهم الحجة على من خالفهم، ولأنه أشبه بالأُصول، لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلاَّ بعد خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصَّلاة، وهو المعروف من سنّته المجتَمع عليها في سائر الصلوات.
وأما الكوفيون: أبو حنيفة وأصحابه إلاَّ أبا يوسف القاضي يعقوب فذهبوا إلى حديث عبد الله بن مسعود، أخرجه أبو داود والدارقطني قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفّين، صفًا خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم وصفًّا مستقبِل العدوّ، فصلى بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ركعة، وجاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدوّ فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلّم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلّموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أُولئك مستقبلين العدوّ، ورجع أُولئك إلى مقامهم فصلّوا لأنفسهم ركعة ثم سلّموا.
وهذه الصفة والهيئة هي الهيئة المذكورة في حديث ابن عمر إلاَّ أن بينهما فرقًا؛ وهو أن قضاء أُولئك في حديث ابن عمر يظهر أنه في حالة واحدة ويبقى الإمام كالحارس وحده، وهاهنا قضاؤهم متفرق على صفة صلاتهم.
وقد تأوّل بعضهم حديث ابن عمر على ما جاء في حديث ابن مسعود.
وقد ذهب إلى حديث ابن مسعود الثوريّ في إحدى الروايات الثلاث عنه وأشهب بن عبد العزيز فيما ذكر أبو الحسن اللخمي عنه، والأوّل ذكره أبو عمر وابن يونس وابن حبيب عنه.
وروى أبو داود من حديث حذيفة وأبي هريرة وابن عمر: أنه عليه السَّلام صلّى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، وهو مقتضى حديث ابن عباس «وفي الخوف ركعة».
وهذا قول إسحاق.
وقد تقدّم في البقرة الإشارة إلى هذا، وأن الصَّلاة أولى بما احتيط لها، وأن حديث ابن عباس لا تقوم به حجة، وقوله في حديث حذيفة وغيره: «ولم يقضوا» أي في علم من روى ذلك، لأنه قد رُوي أنهم قضوا ركعة في تلك الصَّلاة بعينها، وشهادة من زاد أوْلى.
ويحتمل أن يكون المراد لم يقضوا، أي لم يقضوا إذا أمنوا، وتكون فائدة أن الخائف إذا أمن لا يقضي ما صلّى على تلك الهيئة من الصلوات في الخوف، قال جميعه أبو عمر.
وفي صحيح مسلم عن جابر: أنه عليه السَّلام صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين.
قال: فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان.
وأخرجه أبو داود والدّارقطني من: حديث الحسن عن أبي بكرة وذكرا فيه أنه سلم من كل ركعتين.
وأخرجه الدّارقطني أيضًا عن الحسن عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعتين ثم سلّم، ثم صلّى بالآخرين ركعتين ثم سلّم» قال أبو داود: وبذلك كان الحسن يفتي، وروي عن الشافعيّ.
وبه يحتج كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصَّلاة، وهو مذهب الشافعيّ والأوزاعيّ وابن عُلَيّة وأحمد بن حنبل وداود.
وعَضَدُوا هذا بحديث جابر: أن معاذًا كان يصلّي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتي فيؤمُّ قومه، الحديثَ.
وقال الطحاويّ: إنما كان هذا في أول الإسلام إذ كان يجوز أن تصلّي الفريضة مرتين ثم نسخ ذلك، والله أعلم.
فهذه أقاويل العلماء في صلاة الخوف.
وهذه الصَّلاة المذكورة في القرآن إنما يُحتاج إليها والمسلمون مستدبرون القبلة ووجه العدوّ القبلة، وإنما اتفق هذا بذات الرِّقاع، فأما بعُسْفان والموضع الآخر فالمسلمون كانوا في قبالة القبلة.
وما ذكرناه من سبب النزول في قصة خالد بن الوليد لا يلائم تفريق القوم إلى طائفتين، فإن في الحديث بعد قوله: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} قال: فحضرت الصَّلاة فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا السلاح وصَفّنا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميعًا، قال: ثم رفع فرفعنا جميعًا، قال: ثم سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه قال: والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، قال: ثم تقدّم هؤلاء في مَصافّ هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مَصافّ هؤلاء.
قال: ثم ركع فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، والآخرون قيام، يحرسونهم فلما جلس الآخرون سجدوا ثم سلّم عليهم.
قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرّة بعُسْفان ومرّة في أرض بني سليم.
وأخرجه أبو داود من حديث أبي عياش الزُّرَقيّ وقال: وهو قول الثوريّ وهو أحوطها.
وأخرجه أبو عيسى الترمذيّ من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضَجَنان وعُسْفان؛ الحديث.
وفيه أنه عليه السَّلام صدعهم صدعيْن وصلّى بكل طائفة ركعة، فكانت للقوم ركعة ركعة، وللنبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتان، قال: حديث حسن صحيح غريب.
وفي الباب عن عبد الله ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبي عَيّاش الزّرَقي واسمه زيد بن الصامت، وابن عمر وحذيفة وأبي بكر وسهل بن أبي حَثْمَة.
قلت: ولا تعارض بين هذه الروايات، فلعله صلى بهم صلاة كما جاء في حديث أبي عياش مجتمعين، وصلى بهم صلاة أُخرى متفرقين كما جاء في حديث أبي هريرة، ويكون فيه حجة لمن يقول صلاة الخوف ركعة.
قال الخطابِيّ: صلاة الخوف أنواعٌ صلاها النبيّ صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتوخّى فيها كلها ما هو أحوط للصَّلاة وأبلغ في الحراسة. اهـ. بتصرف يسير.

.قال أبو حيان:

ونحن نذكر تلك الكيفيات على سبيل الاختصار، لأنها مبينة ما أجمل في القرآن.
الكيفية الأولى: صلت طائفة معه، وطائفة وجاه العدو، وثبتت قائمة حتى تتم صلاتهم ويذهبوا وجاه العدوّ، وجاءت هذه التي كانت وجاه العدوّ أولًا فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا حتى أتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، وهذه كانت بذات الرقاع.
الكيفية الثانية: كالأولى، إلا أنه حين صلى بالطائفة الأخيرة ركعة سلم، ثم قضت بعد سلامه.
وهذه مروية في ذات الرقاع أيضًا.
الكيفية الثالثة: صف العسكر خلفه صفين، ثم كبر وكبروا جميعًا، وركعوا معه، ورفعوا من الركوع جميعًا، ثم سجد هو بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون الى مصاف المتأخرين، ثم ركعوا معه جميعًا، ثم سجد فسجد معه الصف الذي يليه، فلما صلى سجد الآخرون، ثم سلم بهم جميعًا.
وهذه صلاته بعسفان والعدو في قبلته.
الكيفية الرابعة: مثل هذا إلا أنه قال: ينكص الصف المتقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود، ويتقدم الآخر فيسجدون في مصاف الأولين.
الكيفية الخامسة: صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والأخرى مواجهة العدوّ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدوّ، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم، ثم قضى بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد.
الكيفية السادسة: يصلي بطائفة ركعة ثم ينصرفون تجاه العدوّ، وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم، وتقوم التي معه تقضي، فإذا فرغوا ساروا تجاه العدوّ، وقضت الأخرى.
الكيفية السابعة: صلى بكل طائفة ركعة، ولم يقض أحد من الطائفتين شيئًا زائدًا على ركعة واحدة.
الكيفية الثامنة: صلى بكل طائفة ركعتين ركعتين، فكانت له أربع، ولكل رجل ركعتان.
الكيفية التاسعة: يصلي بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين، والأخرى بإزاء العدو، ثم تقف هذه بإزاء العدوّ وتأتي الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة، وتتم صلاتها ثم تحرس، وتأتي الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها، وكذا في المغرب.
إلا أنه يصلي بالأولى ركعتين، وبالثانية ركعة.
الكيفية العاشرة: قامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدوّ وظهورهم إلى القبلة، فكبرت الطائفتان معه، ثم ركع وركع معه الذين معه وسجدوا كذلك، ثم قام فصارت التي معه إلى إزاء العدوّ، وأقبلت التي كانت بإزاء العدوّ فركعوا وسجدوا وهو قائم كما هو، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه وسجدوا معه، ثم أقبلت التي بإزاء العدوّ فركعوا وسجدوا وهو قاعد، ثم سلم وسلم الطائفتان معه جميعًا.
وهذه كانت في غزوة نجد.
الكيفية الحادية عشرة: صلى بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعتين وسلم.
وهذه كانت ببطن نخل.
واختلاف هذه الكيفيات يرد على مجاهد قوله: إنه ما صلى الرسول إلا مرتين: مرة بذات الرقاع من أرض بني سليم، ومرة بعسفان والمشركون بضخيان بينهم وبين القبلة. اهـ.