فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} أي وإذا كنت أيها النبي مع المؤمنين في غزواتهم وخوفهم {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة فَلْتَقُمْ طائفة منهم معك} والمعنى فاجعلهم طائفتين، فلتقم منهم طائفة معك فصل بهم وليأخذوا أسلحتهم، والضمير إما للمصلين وإما لغيرهم، فإن كان للمصلين فقالوا: يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر، وذلك لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط وأمنع للعدو من الإقدام عليهم، وإن كان لغير المصلين فلا كلام فيه.
ويحتمل أن يكون ذلك أمرًا للفريقين بحمل السلاح لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} يعني جماعة منهم تقف معك في الصَّلاة.
{وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} يعني الذين يصلون معك.
ويُقال: {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} الذين هم بإزاء العدوّ، على ما يأتي بيانه.
ولم يذكر الله تعالى في الآية لكل طائفة إلاَّ ركعة واحدة، ولكن رُوي في الأحاديث أنهم أضافوا إليها أخرى، على ما يأتي.
وحذفت الكسرة من قوله: {فَلْتَقُمْ} و{فَلْيَكُونُواْ} لثقلها.
وحكى الأخفش والفرّاء والكسائي أن لام الأمر ولام كي ولام الجحود يُفْتَحْن.
وسيبويه يمنع من ذلك لعلة موجبة، وهي الفرق بين لام الجر ولام التأكيد.
والمراد من هذا الأمر الانقسام، أي وسائرهم وجاه العدوّ حَذَرا من توقّع حملته. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} بيان لما قبله من النص المجمل في مشروعية القصر بطريق التفريع وتصوير لكيفيته عند الضرورة التامة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق التجريد، وتعلق بظاهره من خص صلاة الخوف بحضرته عليه الصلاة والسلام كالحسن بن (زيد)، ونسب ذلك أيضًا لأبي يوسف، ونقله عنه الجصاص في كتاب «الأحكام»، والنووي في المهذب، وعامة الفقهاء على خلافه فإن الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم نوابه وقوّام بما كان يقوم به فيتناولهم حكم الخطاب الوارد له عليه الصلاة والسلام كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} [التوبة: 103] وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم عن ثعلبة بن زهدم قال: «كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، ثم وصف له ذلك فصلوا كما وصف ولم يقضوا، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكره أحد منهم وهم الذين لا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم» وهذا يحل محل الإجماع، ويرد ما زعمه المزني من دعوى النسخ أيضًا {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} أي أردت أن تقيم بهم الصلاة {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ} بعد أن جعلتهم طائفتين ولتقف الطائفة الأخرى تجاه العدو للحراسة ولظهور ذلك ترك {وَلْيَأْخُذُواْ} أي الطائفة المذكورة القائمة معك {أَسْلِحَتَهُمْ} مما لا يشغل عن الصلاة كالسيف والخنجر.
وعن ابن عباس أن الآخذة هي الطائفة الحارسة فلا يحتاج حينئذٍ إلى التقييد إلا أنه خلاف الظاهر، والمراد من الأخذ عدم الوضع وإنما عبر بذلك عنه للإيذان بالاعتناء باستصحاب الأسلحة حتى كأنهم يأخذونها ابتداءًا. اهـ.

.قال الفخر:

{فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ} يعني غير المصلين {مِن وَرَائِكُمْ} يحرسونكم، وقد ذكرنا أن أداء الركعة الأولى مع الإمام في صلاة الخوف كهو في صلاة الأمن، إنما التفاوت يقع في أداء الركعة الثانية فيه، وقد ذكرنا مذاهب الناس فيها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُواْ} الضّمير في {سَجَدُوا} للطائفة المصلّية فلينصرفوا؛ هذا على بعض الهيئات المرويّة.
وقيل: المعنى فإذا سَجَدُوا ركعة القضاء وهذا على هيئة سهل بن أبي حَثْمة.
ودلت هذه الآية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصلاة؛ وهوكقوله عليه السلام: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين» أي فليصل ركعتين وهو في السنَّة.
والضمير في قوله: {فَلْيَكُونُواْ} يحتمل أن يكون للذين سَجدُوا، ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أوّلًا بإزاء العدّو. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِذَا سَجَدُواْ} أي القائمون معك أي إذا فرغوا من السجود وأتموا الركعة كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ} أي فلينصرفوا (للحراسة من العدو) {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ} بعد وهي التي كانت تحرس، ونكرها لأنها لم تذكر قبل {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} الركعة الباقية من صلاتك، والتأنيث والتذكير مراعاة للفظ، والمعنى ولم يبين في الآية الكريمة حال الركعة الباقية لكل من الطائفتين، وقد بين ذلك بالسنة، فقد أخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن سالم عن أبيه في قوله سبحانه: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} هي صلاة الخوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مقبلة على العدو، ثم انصرفت التي صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا مقام أولئك مقبلين على العدو، وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبلة على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى، ثم سلم بهم، ثم قامت كل طائفة فصلوا ركعة ركعة فتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل من الطائفتين ركعتان ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعة بعد سلامه وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الأخرى ركعة كما في الآية فجاءت الطائفة الأولى وذهبت هذه إلى مقابلة العدو حتى قضت الأولى الركعة الأخرى بلا قراءة وسلموا، ثم جاءت الطائفة الأخرى وقضوا الركعة الأولى بقراءة حتى صار لكل طائفة ركعتان، وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، وإنما سقطت القراءة عن الطائفة الأولى في صلاتهم الركعة الثانية بعد سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم وإن كانوا في ثانيته عليه الصلاة والسلام في مقابلة العدو إلا أنهم في الصلاة وفي حكم المتابعة فكانت قراءة الإمام قائمة مقام قراءتهم كما هو حكم الاقتداء ولا كذلك الطائفة الأخرى لأنهم اقتدوا بالإمام في الركعة الثانية وأتم الإمام صلاته فلابد لهم من القراءة في ركعتهم الثانية إذ لم يكونوا مقتدين بالإمام حينئذٍ، وذهب بعضهم إلى أن صلاة الخوف هي ما في هذه الآية ركعة واحدة، ونسب ذلك إلى ابن عباس وغيره، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي شيبة والنحاس عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: «فرض الله تعالى على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» وأخرج الأولان وابن أبي حاتم عن يزيد الفقير «قال سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر أقصرهما فقال: الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفت طائفة وطائفة وجوهها قبل العدو فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فسلم وسلم الذين خلفه وسلم الأولون فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة ركعة ثم قرأ الآية»، وذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه إلى أن كيفية صلاة الخوف أن يصلي الإمام بطائفة ركعة فإذا قام للثانية فارقته وأتمت وذهبت إلى وجه العدو وجاء الواقفون في وجهه والإمام ينتظرهم فاقتدوا به وصلى بهم الركعة الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم، وهذه كما رواه الشيخان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، وهي أحد الأنواع التي اختارها الشافعي رضي الله تعالى عنه، واستشكل من ستة عشر نوعًا، ويمكن حمل الآية عليها، ويكون المراد من السجود الصلاة؛ والمعنى فإذا فرغوا من الصلاة فليكونوا إلخ، وأيد ذلك بأنه لا قصور في البيان عليه، وبأن ظاهر قوله سبحانه: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} أن الطائفة الأخيرة تتم الصلاة مع الإمام، وليس فيه إشعار بحراستها مرة ثانية وهي في الصلاة ألبتة، وتحتمل الآية بل قيل: إنها ظاهرة في ذلك أن الإمام يصلي مرتين كل مرة بفرقة وهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الشيخان أيضًا ببطن نخل، واحتمالها للكيفية التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان بعيد جدًا، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كما قال ابن عباس ورواه عنه أحمد وأبو داود وغيرهما صف الناس خلفه صفين، ثم ركع فركعوا جميعًا، ثم سجد بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع عليه الصلاة والسلام فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا ثم سجد هو والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم وتمام الكلام يطلب من محله. اهـ.

.قال الفخر:

قد بينا أن هذه الآية دالة على صحة قول الشافعي.
ثم قال: {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} والمعنى أنه تعالى جعل الحذر وهو التحذر والتيقظ آلة يستعملها الغازي، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ وجعلا مأخوذين.
قال الواحدي رحمه الله: وفيه رخصة للخائف في الصلاة بأن يجعل بعض فكره في غير الصلاة.
فإن قيل: لم ذكر في الآية الأولى {أَسْلِحَتَهُمْ} فقط، وذكر في هذه الآية حذرهم وأسلحتهم.
قلنا: لأن في أول الصلاة قلما يتنبه العدو لكون المسلمين في الصلاة، بل يظنون كونهم قائمين لأجل المحاربة أما في الركعة الثانية فقد ظهر للكفار كونهم في الصلاة، فههنا ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم، فلا جرم خص الله تعالى هذا الموضع بزيادة تحذير فقال: {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} وقال: {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} هذا وصاة بالحذر وأخذ السلاح لئلا ينال العدو أملَه ويدرك فرصته.
والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب، قال عنترة:
كسَوْتُ الجَعْدَ جعد بني أَبانٍ ** سِلاحي بعد عُرْيٍ وافتضاح

يقول؛ أعرته سلاحي ليمتنع بها بعد عُريه من السلاح.
قال ابن عباس: {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} يعني الطائفة التي وُجاه العدوّ، لأن المُصَلّية لا تحارب.
وقال غيره: هي المُصَليّة أي وليأخذ الذين صلّوْا أوْلًا أسلحتهم، ذكره الزجاج.
قال: ويحتمل أن تكون الطائفة الذين هم في الصلاة أمِروا بحمل السلاح؛ أي فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهَبُ للعدو.
النحاس: يجوز أن يكون للجميع؛ لأنه أهيبُ للعدوّ.
ويحتمل أن يكون للتي وجاه العدوّ خاصة.
قال أبو عمر: أكثر أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلاحه إذا صلى في الخوف، ويحملون قوله: {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} على النّدب؛ لأنه شيء لولا الخوف لم يجب أخذهُ؛ فكان الأمر به ندبًا.
وقال أهل الظاهر: أخذ السّلاح في صلاة الخوف واجب لأمر الله به، إلا لمن كان به أذّى من مَطَر، فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه.
قال ابن العربي إذا صلّوا أخذوا سلاحهم عند الخوف، وبه قال الشافعي وهو نصّ القرآن.
وقال أبو حنيفة: لا يحملونها؛ لأنه لو وجب عليهم حملها لبطَلت الصلاة بتركها.
قلنا: لم يجب حملها لأجل الصلاة وإنما وجب عليهم قوّة لهم ونظَرًا. اهـ.