فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قياما وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ} فيه قولان:
الأول: فإذا قضيتم صلاة الخوف فواظبوا على ذكر الله في جميع الأحوال، فإن ما أنتم عليه من الخوف والحذر مع العدو جدير بالمواظبة على ذكر الله والتضرع إليه، الثاني: أن المراد بالذكر الصلاة، يعني صلوا قيامًا حال اشتغالكم بالمسابقة والمقارعة، وقعودًا حال اشتغالكم بالرمي، وعلى جنوبكم حال ما تكثر الجراحات فيكم فتسقطون على الأرض، فإذا اطمأننتم حين تضع الحرب أوزارها فأقيموا الصلاة، فاقضوا ما صليتم في حال المسابقة.
هذا ظاهر على مذهب الشافعي في إيجاب الصلاة على المحارب في حال المسابقة إذا حضر وقتها، وإذا اطمأنوا فعليهم القضاء إلا أن على هذا القول إشكالًا، وهو أن يصير تقدير الآية: فإذا قضيتم الصلاة فصلوا، وذلك بعيد لأن حمل لفظ الذكر على الصلاة مجاز فلا يصار إليه إلا لضرورة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فاذكروا الله قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ} ذهب الجمهور إلى أن هذا الذّكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف؛ أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله بالقلب واللسان، على أي حال كنتم {قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ} وأديموا ذكره بالتكبير والتهليل والدعاء بالنصر لاسيما في حال القتال.
ونظيره {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
ويقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة} بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب، أو قياما أو قعودا أو على جنوبكم إن لم تستطيعوا القيام، إذا كان خوفا أو مرضا؛ كما قال تعالى في آية أخرى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]
وقال قوم: هذه الآية نظيرة التي في آل عمران؛ فروي أن عبد الله بن مسعود رأى الناس يَضِجّون في المسجد فقال: ما هذه الضجة؟ قالوا: أليس الله تعالى يقول: {فاذكروا الله قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ}؟ قال: إنما يعني بهذا الصلاة المكتوبة إن لم تستطع قائمًا فقاعدًا، وإن لم تستطع فَصَلّ على جنبك.
فالمراد نفس الصلاة؛ لأن الصلاة ذكر الله تعالى، وقد اشتملت على الأذكار المفروضة والمسنونة؛ والقول الأوّل أظهر. والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {فَإذَا قَضَيتُمُ الصَلاَّةَ فَاذْكُرُواْ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} يعني ذكر الله بالتعظيم والتسبيح والتقديس بعد صلاته في خوفٍ وغيره: قال ابن عباس: لم يعذر أحد في تركه إلا مغلوبًا على عقله. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة} أي فإذا أديتم صلاة الخوف على الوجه المبين وفرغتم منها.
{فاذكروا الله قياما وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ} أي فداوموا على ذكره سبحانه في جميع الأحوال حتى في حال (المسابقة) والمقارعة والمراماة، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال عقب تفسيرها: لم يعذر الله تعالى أحدًا في ترك ذكره إلا المغلوب على عقله، وقيل: المعنى وإذا أردتم أداء الصلاة واشتد الخوف أو التحم القتال فصلوا كيفما كان، وهو الموافق لمذهب الشافعي من وجوب الصلاة حال المحاربة وعدم جواز تأخيرها عن الوقت، ويعذر المصلي حينئذ في ترك القبلة لحاجة القتال لا لنحو جماح دابة وطال الفصل، وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح لا الصياح أو النطق بدونه ولو دعت الحاجة إليه كتنبيه من خشي وقوع مهلك به أو زجر الخيل أو الإعلام بأنه فلان المشهور بالشجاعة لندرة الحاجة ولا قضاء بعد الأمن فيه، نعم لو صلوا كذلك لسواد ظنوه ولو بإخبار عدل عدوًا فبان أن لا عدو وأن بينهم وبينه ما يمنع وصوله إليهم كخندق، أو أن بقربهم عرفًا حصنًا يمكنهم التحصن به من غير أن يحاصرهم فيه قضوا في الأظهر، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك في غاية البعد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

القضاء: إتمام الشيء كقوله: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءهم أو أشدّ ذكرًا} [البقرة: 200].
والظاهر من قوله: {فإذا قضيتم الصلاة} أنّ المراد من الذكر هنا النوافل، أو ذكر اللسان كالتسبيح والتحميد، (فقد كانوا في الأمن يجلسون إلى أن يفرغوا من التسبيحِ ونحوه)، فرخّص لهم حين الخوف أن يذكروا الله على كلّ حال والمراد القيام والقعود والكون على الجنوب ما كان من ذلك في أحوال الحرب لا لأجل الاستراحة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية مسبوقة بحكمين:
أولهما: بيان القصر وهو صلاة السفر، والثاني: صلاة الخوف، ثم إن قوله: {فَإِذَا اطمأننتم} يحتمل نقيض الأمرين، فيحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان أن لا يبقى الإنسان مسافرًا بل يصير مقيمًا، وعلى هذا التقدير يكون المراد: فإذا صرتم مقيمين فأقيموا الصلاة تامة من غير قصر ألبتة، ويحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان أن لا يبقى الإنسان مضطرب القلب، بل يصير ساكن القلب ساكن النفس بسبب أنه زال الخوف، وعلى هذا التقدير يكون المراد: فإذا زال الخوف عنكم فأقيموا الصلاة على الحالة التي كنتم تعرفونها، ولا تغيروا شيئًا من أحوالها وهيآتها، ثم لما بالغ الله سبحانه وتعالى في شرح أقسام الصلاة فذكر صلاة السفر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِذَا اطمأننتم} أي أمنتم.
والطمأنينة سكون النفس من الخوف.
{فَأَقِيمُواْ الصلاة} أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر، وبكمال عددها في الحَضَر. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِذَا اطمأننتم} أي أقمتم كما قال قتادة ومجاهد وهو راجع إلى قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأرض} [النساء: 101] ولما كان الضرب اضطرابًا وكنى به عن السفر ناسب أن يكنى بالاطمئنان عن الإقامة، وأصله السكون والاستقرار أي إذا استقررتم وسكنتم من السير والسفر في أمصاركم {فَأَقِيمُواْ الصلاة} أي أدوا الصلاة التي دخل وقتها وأتموها وعدلوا أركانها وراعوا شروطها وحافظوا على حدودها، وقيل: المعنى فإذا أمنتم فأتموا الصلاة أي جنسها معدلة الأركان ولا تصلوها ماشين أو راكبين أو قاعدين، وهو المروي عن ابن زيد، وقيل: المعنى: فإذا اطمأننتم في الجملة فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي حال القلق والانزعاج، ونسب إلى الشافعي رضي الله عنه وليس بالصحيح لما علمت من مذهبه {وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} تفريع عن قوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس علكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} [النساء: 101] إلى آخر الآية.
فالاطمئنان مراد به القفول من الغزو، لأنّ في الرجوع إلى الأوطان سكونًا من قلاقل السفر واضطراب البدن، فإطلاق الاطمئنان عليه يشبه أن يكون حقيقة، وليس المراد الاطمئنان الذي هو عدم الخوف لعدم مناسبته هنا، وقد تقدّم القول في الاطمئنان عند قوله تعالى: {ولكن ليطمئنّ قلبي} من سورة [البقرة: 260].
ومعنى: {فأقيموا الصلاة} صلّوها تامّة ولا تقصروها، هذا قول مجاهد وقتادة، فيكون مقابل قوله: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101]، وهو الموافق لما تقدّم من كون الوارد في القرآن هو حكم قصر الصلاة في حال الخوف، دون قصر السفر من غير خوف.
فالإقامة هنا الإتيان بالشيء قائمًا أي تامًّا، على وجه التمثيل كقوله تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط} [الرحمن: 9] وقوله: {أنْ أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه} [الشورى: 13].
وهذا قول جمهور الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وسفيان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لاَ يؤدّي المجاهد الصلاة حتّى يزول الخَوف، لأنّه رأى مباشرة القتال فعلًا يفسد الصلاة.
وقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض إلى قوله فإذا اطمأننتم} [النساء: 101 103] يرجْح قول الجمهور، لأنّ قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} مسوق مساق التعليل للحرص على أدائها في أوقاتها. اهـ.

.قال الفخر:

المراد بالكتاب هاهنا المكتوب كأنه قيل: مكتوبة موقوتة، ثم حذف الهاء من الموقوت كما جعل المصدر موضع المفعول والمصدر مذكر، ومعنى الموقوت أنها كتبت عليهم في أوقات موقتة، يقال: وقته ووقته مخففًا، وقرئ {وَإِذَا الرسل وقتت} [المرسلات: 11] بالتخفيف.
واعلم أنه تعالى بيّن في هذه الآية أن وجوب الصلاة مقدّر بأوقات مخصوصة، إلا أنه تعالى أجمل ذكر الأوقات هاهنا وبينها في سائر الآيات، وهي خمسة: أحدها: قوله تعالى: {حافظوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] فقوله: {الصلوات} يدل على وجوب صلوات ثلاثة، وقوله: {والصلاة الوسطى} يمنع أن يكون أحد تلك الثلاثة وإلا لزم التكرار، فلابد وأن تكون زائدة على الثلاثة ولا يجوز أن يكون الواجب أربعة، وإلا لم يحصل فيها وسطى، فلابد من جعلها خمسة لتحصل الوسطى، وكما دلت هذه الآية على وجوب خمس صلوات دلت على عدم وجوب الوتر، وإلا لصارت الصلوات الواجبة ستة، فحينئذ لا تحصل الوسطى فهذه الآية دلّت على أن الواجب خمس صلوات إلا أنها غير دالة على بيان أوقاتها.
وثانيها: قوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْءانَ الفجر} [الإسراء: 78] فالواجب من الدلوك إلى الغسق هو الظهر والعصر، والواجب من الغسق إلى الفجر هو المغرب والعشاء والواجب في الفجر هو صلاة الصبح، وهذه الآية توهم أن للظهر والعصر وقتًا واحدًا وللمغرب والعشاء وقتًا واحدًا.
وثالثها: قوله سبحانه: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] والمراد منه الصلاتان الواقعتان في طرفي النهار وهما المغرب والصبح، ثم قال: {وَلَهُ الحمد في السموات والأرض وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] فقوله: {وَعَشِيًّا} المراد منه الصلاة الواقعة في محض الليل وهي صلاة العشاء، وقوله: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} المراد الصلاة الواقعة في محض النهار، وهي صلاة الظهر كما قدم في قوله: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] صلاة الليل على صلاة النهار في الذكر، فكذلك قدم في قوله: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الليل على صلاة النهار في الذكر، فصارت الصلوات الأربعة مذكورة في هذه الآية، وأما صلاة العصر فقد أفردها الله تعالى بالذكر في قوله: {والعصر} تشريفًا لها بالإفراد بالذكر.
ورابعها: قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفًا مِّنَ الليل} [هود: 114] فقوله: {طَرَفَىِ النهار} يفيد وجوب صلاة الصبح ووجوب صلاة العصر لأنهما كالواقعتين على الطرفين، وإن كانت صلاة الصبح واقعة قبل حدوث الطرف الأول وصلاة العصر واقعة قبل حدوث الطرف الثاني.
وقوله: {وَزُلَفًا مِّنَ الليل} يفيد وجوب المغرب والعشاء، وكان بعضهم يستدل بهذه الآية على وجوب الوتر قال: لأن الزلف جمع، وأقله ثلاثة، فلابد وأن يجب ثلاث صلوات في الليل عملًا بقوله: {وَزُلَفًا مِّنَ الليل} وخامسها: قوله تعالى: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءانَاء الليل فَسَبّحْ} فقوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] إشارة إلى الصبح والعصر، وهو كقوله: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفًا مِّنَ الليل} [هود: 114] وقوله: {وَمِنْ ءانَاء الليل} إشارة إلى المغرب والعشاء، وهو كقوله: {وَزُلَفًا مِّنَ الليل} وكما احتجوا بقوله: {وَزُلَفًا مِّنَ الليل} فكذلك احتجوا عليه بقوله: {وَمِنْ ءانَاء الليل} لأن قوله آناء الليل جمع وأقله ثلاثة، فهذا مجموع الآيات الدالة على الأوقات الخمسة للصلوات الخمس.