فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن الحاجب في مختصره الأصولي في مبحث العام، ما نصه: الفعل المثبت لا يكون عامًا في أقسامه مثل صلى داخل الكعبة فلا يعم الفرض والنفل. إلى أن قال: وكان يجمع بين الصلاتين لا يعم وقتيهما وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوي كان يجمع كقولهم كان حاتم يكرم الضيف إلخ.
قال شارحه العضد ما نصه: وإذا قال كان يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء فلا يعم جمعهما بالتقديم في وقت الأولى، والتأخير في وقت الثانية، وعمومه في الزمان لا يدل عليه أيضًا، وربما توهم ذلك من قوله كان يفعل، فإنه يفهم منه التكرار كما إذا قيل: كان حاتم يكرم الضيف وهو ليس مما ذكرناه في شيء.
لأنه لا يفهم من الفعل، وهو يجمع. بل من قول الراوي، وهو كان، حتى لو قال: جمع لزال التوهم، انتهى محل الغرض منه بلفظه بحذف يسير لما لا حاجة إليه في المراد عندنا فقوله: حتى لو قال: جمع زال التوهم، يدل على أن قول ابن عباس في الحديث المذكور جمع لا يتوهم فيه العموم، وإذن فلا تتعين صورة من صور الجمع، إلا بدليل منفصل.
وقد قدمنا الدليل على أن المراد الجمع الصوري.
وقال صاحب جمع الجوامع عاطفًا على ما لا يفيد العموم ما نصه، والفعل المثبت، ونحو كان يجمع في السفر.
قال شارحه صاحب الضياء اللامع: ما نصه، ونحو كان يجمع في السفر أي: بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، لا عموم له أيضًا. لأنه فعل في سياق الثبوت فلا يعم جمعهما بالتقديم في وقت الأولى، والتأخير إلى وقت الثانية، بهذا فسر الرهوني كلام ابن الحاجب إلى أن قال: وإنما خص المصنف هذا الفعل الأخير بالذكر مع كونه فعلًا في سياق الثبوت. لأن في كان معنى زائد، وهو اقتضاؤها مع المضارع التكرار عرفًا فيتوهم منها العموم نحو كان حاتم يكرم الضيفان.
وبهذا صرح الفهري والرهوني وذكر ولي الدين عن الإمام في المحصول أنها لا تقتضي التكرار عرفًا ولا لغة.
قال ولي الدين والفعل في سياق الثبوت لا يعم كالنكرة المثبتة، إلا أن تكون في معرض الامتنان كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِكُمْ}.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الذِّكْرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} يُرْوَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَأَى النَّاسَ يَصِيحُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا هَذَا النُّكْرُ؟ قَالُوا: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}؟ فَقَالَ: إنَّمَا يَعْنِي بِهَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ قَائِمًا فَقَاعِدًا، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَصَلِّ عَلَى جَنْبِك.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}: هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ.
فَهَذَا الذِّكْرُ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا أَيْضًا أَذْكَارٌ مَسْنُونَةٌ وَمَفْرُوضَةٌ.
وَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ} فَلَيْسَ هُوَ الصَّلَاةُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَفِيمَا فِي خَلْقِهِ وَصُنْعِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَعَلَى حُكْمِهِ وَجَمِيلِ صُنْعِهِ.
وَالذِّكْرُ الثَّانِي: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ؛ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمْ يُعْذَرْ أَحَدٌ فِي تَرْكِ الذِّكْرِ إلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ»، وَالذِّكْرُ الْأَوَّلُ أَشْرَفُهُمَا وَأَعْلَاهُمَا مَنْزِلَةً.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الذِّكْرِ الصَّلَاةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}.
وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: «فَإِذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْوَطَنِ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ».
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: «فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُتِمُّوا رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا غَيْرَ مُشَاةٍ وَلَا رُكْبَانٍ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ تَأَوَّلَ الْقَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ} عَلَى أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، جَعَلَ قَوْلَهُ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} عَلَى إتْمَامِ الرَّكَعَاتِ عِنْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ.
وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِيمَاءِ أَوْ عَلَى إبَاحَةِ الْمَشْيِ فِيهَا، جَعَلَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أَمْرًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَفْعُولَةِ قَبْلَ الْخَوْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ».
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطِيَّةَ: «مَفْرُوضًا».
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا، كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ جَاءَ نَجْمٌ آخَرُ».
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ انْتَظَمَ ذَلِكَ إيجَابَ الْفَرْضِ وَمَوَاقِيتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {كِتَابًا} مَعْنَاهُ فَرْضًا، وَقَوْلُهُ: {مَوْقُوتًا} مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَأَجْمَلَ ذِكْرَ الْأَوْقَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَّنَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَحْدِيدِ أَوَائِلِهَا وَأَوَاخِرِهَا، وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْدِيدَهَا وَمَقَادِيرَهَا.
فَمِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ قَوْلَهُ: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ذَكَرَ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: «إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ» {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: «بُدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ».
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي دُلُوكِهَا أَنَّهُ زَوَالُهَا.
وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إنَّ دُلُوكَهَا غُرُوبُهَا» وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ نَحْوُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا تَأَوَّلُوا الْآيَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ الزَّوَالِ وَمِنْ الْغُرُوبِ دَلَّ عَلَى احْتِمَالِهَا لَهُمَا لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَأَوَّلَهُ السَّلَفُ عَلَيْهِمَا؛ وَالدُّلُوكُ فِي اللُّغَةِ: الْمَيْلُ، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا، وَقَدْ تَمِيلُ تَارَةً لِلزَّوَالِ وَتَارَةً لِلْغُرُوبِ؛ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ دُلُوكَهَا هُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَغَسَقَ اللَّيْلِ نِهَايَتُهُ وَغَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} و«إلَى» غَايَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَقْتُ الْعَصْرِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدُّلُوكِ هاهنا هُوَ الْغُرُوبُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ هاهنا هُوَ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ وَيَكُونُ نِهَايَةً لَهُ؛ وَاحْتِمَالُ الزَّوَالِ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقْتُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ، فَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لِصَلَاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَتَمَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} وَالْمَرَافِقُ دَاخِلَةٌ فِيهَا، وَقَوْلِهِ: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} وَالْغُسْلُ دَاخِلٌ فِي شَرْطِ الْإِبَاحَةِ؛ فَإِنْ حُمِلَ الْمَعْنَى عَلَى الزَّوَالِ انْتَظَمَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ.
ثُمَّ قَالَ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} وَهُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، فَتَنْتَظِمُ الْآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ وَهَذَا مَعْنًى قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ إفْرَادُهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِالذِّكْرِ؛ إذْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقْتٌ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَبَانَ تَعَالَى أَنَّ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ وَقْتًا لِصَلَوَاتٍ مَفْعُولَةٍ فِيهِ، وَأَفْرَدَ الْفَجْرَ بِالذِّكْرِ؛ إذْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ فَاصِلَةُ وَقْتٍ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا بَيَانَ وَقْتِ صَلَاتَيْنِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالدُّلُوكِ الْغُرُوبَ وَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْفَجْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أَقِمْ الصَّلَاةَ مَعَ غَسَقِ اللَّيْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ} وَمَعْنَاهُ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ؛ وَيَكُونُ غَسَقُ اللَّيْلِ حِينَئِذٍ وَقْتًا لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ؛ وَقَدْ رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «دُلُوكُ الشَّمْسِ حِينَ تَزُولُ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ حِين تَجِبُ الشَّمْسُ»؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «دُلُوكُ الشَّمْسِ: حِين تَجِبُ، إلَى غَسَقِ: اللَّيْلِ حِين يَغِيبُ الشَّفَقُ».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: «هَذَا غَسَقُ اللَّيْلِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «غَسَقُ اللَّيْلِ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ»، وَقَالَ الْحَسَنُ: «غَسَقُ اللَّيْلِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: «غَسَقُ اللَّيْلِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ».
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «غَسَقُ اللَّيْلِ انْتِصَافُهُ».
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «غَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ».
فَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا احْتِمَالٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ}، رَوَى عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {طَرَفَيْ النَّهَارِ} قَالَ: «صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَالْأُخْرَى الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ» {وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} قَالَ: «الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ».
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ انْتَظَمَتْ الْآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
وَرَوَى يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ} قَالَ: «الْفَجْرُ وَالْعَصْرُ».
وَرَوَى لَيْثٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الْفَجْرَ {وَعَشِيًّا} الْعَصْرَ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظُّهْرَ».
وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ.
وَرَوَى أَبُو رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قَالَ: «الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ» وَقَالَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مُنْتَظِمَةٌ لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِيهَا ذِكْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لَهَا، إلَّا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الدُّلُوكِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَوَّلَ وَقْتٍ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ، وَوَقْتُ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ مَعْلُومَانِ، وقَوْله تَعَالَى: {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ نِهَايَةِ الْوَقْتِ بِلَفْظٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ لِلْمَعَانِي، وَقَوْلُهُ: {حِينَ تُمْسُونَ} إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَغْرِبَ كَانَ مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ {تُصْبِحُونَ} لِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ مَعْلُومٌ، وَقَوْلُهُ: {طَرَفَيْ النَّهَارِ} لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَحْدِيدِ الْوَقْتِ لَاحْتِمَالِهِ أَنْ يُرِيدَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَسَطَ النَّهَارِ هُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ فَهُوَ طَرَفٌ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَهُوَ طَرَفٌ.
وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَصْرَ؛ لِأَنَّ آخِرَ النَّهَارِ مِنْ طَرَفِهِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعَصْرَ دُونَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ طَرَفَ الشَّيْءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَهُ أَوْ نِهَايَتَهُ وَآخِرَهُ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا قَرُبَ مِنْ الْوَسَطِ طَرَفًا؛ إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو قَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ يُونُسُ أَنَّهُ الْعَصْرُ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْآيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ مَا يَلِي نِهَايَتَهُ وَلَا يُسَمَّى مَا قَرُبَ مِنْ وَسَطِهِ طَرَفًا؟ فَهَذِهِ الْآيُ دَالَّةٌ عَلَى أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ.
وقَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وِتْرٌ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ لَا وَسَطَ لَهُ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَتْ الْأُمَّةُ عَنْهُ قَوْلًا وَفِعْلًا فَرْضَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.