فصل: من فوائد أبي حيان في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُجَادَلَةِ عَنْ الْخَوَنَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ كُلُّهُ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مَعُونَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ مُحِقًّا.
وقَوْله تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ} رُبَّمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ شَيْئًا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ كُلَّهَا كَانَتْ تَصْدُرُ عَنْ النُّصُوصِ، وَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ شَيْئًا مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَا صَدَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ وَعَرَّفَهُ إيَّاهُ وَمِمَّا أَوْحَى بِهِ إلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الِاجْتِهَادِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحْكَامِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}: إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ عَنْهُمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَمَّ بِالدَّفْعِ عَنْهُمْ مَيْلًا مِنْهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْيَهُودِيِّ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُحِقِّينَ؛ وَإِذَا كَانَ ظَاهِرُ الْحَالِ وُجُودُ الدِّرْعِ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ فَكَانَ الْيَهُودِيُّ أَوْلَى بِالتُّهْمَةِ وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى بِبَرَاءَةِ السَّاحَةِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ يَهُودِيًّا، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَكُونُ لَهُ مَيْلٌ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَا حُرْمَةٍ لَهُ وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ وُجُودَ السَّرِقَةِ فِي يَدِ إنْسَانٍ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى الْيَهُودِيِّ بِوُجُودِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ؛ إذْ كَانَ جَاحِدًا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآخِذُ.
وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلُ مَا فَعَلَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ جَعَلَ الصَّاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ بِالصَّاعِ وَاحْتَبَسَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَكَانُوا يَسْتَرِقُّونَ السَّارِقَ، فَاحْتَبَسَهُ عِنْدَهُ؛ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَرِقَّهُ، وَلَا قَالَ إنَّهُ سَرَقَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ غَيْرُهُ ظَنَّهُ سَارِقًا.
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ الْحُكْمِ بِالظَّنِّ وَالْهَوَى بِقَوْلِهِ: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ}، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ».
وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}، وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ مَيْلًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ بِوُجُودِ الدِّرْعِ الْمَسْرُوقَةِ فِي دَارِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَمَّ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بَرَاءَةَ سَاحَةِ الْيَهُودِيِّ وَنَهَاهُ عَنْ مُجَادَلَتِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُجَادِلُونَ عَنْ السَّارِقِ.
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ شَاهِدَةً لِلْخَائِنِ بِالْبَرَاءَةِ سَائِلَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ بِعُذْرِهِ فِي أَصْحَابِهِ وَأَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْهَرَ مُعَاوَنَتَهُ لِمَا ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ بِبَرَاءَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بَاطِنَ أُمُورِهِمْ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} بِمَسْأَلَتِهِمْ مَعُونَةَ هَذَا الْخَائِنِ.
وَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَعَانُوا الْخَائِنَ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُونُوا أَيْضًا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِ الْخَائِنِ وَسَرِقَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْحُكْمُ جَائِزًا عَلَى الْيَهُودِيِّ بِالسَّرِقَةِ لِأَجْلِ وُجُودِ الدِّرْعِ فِي دَارِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ضَلَالًا إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ؟ قِيلَ لَهُ: لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِظَاهِرِ الْحَالِ ضَلَالًا وَإِنَّمَا الضَّلَالُ إبْرَاءُ الْخَائِنِ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةِ عِلْمٍ، فَإِنَّمَا اجْتَهَدُوا أَنْ يُضِلُّوهُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآيتين:

قال رحمه الله:
{ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون} قيل: تزلت في الجهاد مطلقًا.
وقيل: في انصراف الصحابة من أحد، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم باتباع أبي سفيان وأصحابه، أمر أن لا يخرج إلا مَن كان معه في أحد، فشكوا بأنّ فيهم جراحات.
وهذه الآية تشير إلى أن القضاء في قوله: {فإذا قضيتم الصلاة} إنما هو قضاء صلاة الخوف.
وقرأ الحسن: تهنوا بفتح الهاء وهي لغة.
فتحت الهاء كما فتحت دال يدع، لأجل حرف الحلق، والمعنى: ولا تضعفوا أو تخوروا جبنًا في طلب القوم.
وقرأ عبيد بن عمير: ولا تهانوا من الإهانة.
نهوا عن أن يقع منهم ما يترتب عليه إهانتهم من كونهم يجنون على أعدائهم فيهانون كقولهم: «لا أريناك هاهنا»، ثم شجعهم على طلب القوم وألزمهم الحجة، فإنّ ما فيهم من الألم مشترك، وتزيدون عليهم أنكم ترجون من الله الثواب وإظهار دينه بوعده الصادق، وهم لا يرجونه، فينبغي أن تكونوا أشجع منهم وأبعد عن الجبن.
وإذا كانوا يصبرون على الآلام والجراحات والقتل، وهم لا يرجون ثوابًا في الآخرة، فأنتم أحرى أن تصبروا.
ونظير ذكر هذا الأمر المشترك فيه قول الشاعر:
قاتلوا القوم يا خداع ولا ** يأخذكم من قتالهم قتل

القوم أمثالكم لهم شعر ** في الرأس لا ينشرون أن قتلوا

والرجاء هنا على بابه، وقيل: معناه الخوف الذي تخافون من عذاب الله ما لا تخافون كقوله: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها، أي: لم يخف.
وزعم الفراء أنّ الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع النفي، ولا يقال رجوتك بمعنى خفتك.
وقرأ الأعرج: أن تكونوا بفتح الهمزة على المفعول من أجله.
وقرأ ابن المسيفع: تئلمون بكسر التاء.
وقرأ ابن وثاب ومنصور بن المعتمر: تئلمون بكسر تاء المضارعة فيهما ويائهما، وهي لغة.
{وكان الله عليمًا حكيمًا} أي عليمًا بنياتكم حكيمًا فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا} طوَّل المفسرون في سبب النزول، ولخصنا منه انتهاء ما في قول قتادة وغيره.
نزلت في طعمة بن أبيرق، سرق درعًا في جرب فيه دقيق لقتادة بن النعمان وخبأها عند يهودي، فحلف طعمة ما لي بها علم، فاتبعوا أثر الدقيق إلى دار اليهودي، فقال اليهودي: دفعها إليّ طعمة.
وقيل: استودع يهودي درعًا فخانه، فلما خاف اطلاعهم عليها ألقاها في دار أبي مليك الأنصاري.
قال السدي: وقيل: السلاح والطعام كان لرفاعة بن زيد عم قتادة، وأن بني أبريق نقبوا مشربيته وأخذوا ذلك، وهم بشير بضم الباء ومبشر وبشر، وأهموا أنَّ فاعل ذلك هو لبيد بن سهل، فشكاهم قتادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول همَّ أن يجادل عن طعمه، أو عن أبيرق، ويقال فيه: طعيمة.
وقال الكرماني: أجمع المفسرون على أنّ هذه الآيات نزلت في طعمة بن أبيرق أحمد بني ظفر بن الحرث، إلا ابن بحر فإنه قال: نزلت في المنافقين، وهو متصل بقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} انتهى.
وفي هذه الآية تشريف للرسول صلى الله عليه وسلم، وتفويض الأمور إليه بقوله: {لتحكم بين الناس بما أراك الله}.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما صرح بأحوال المنافقين، واتصل بذلك أمر المحاربة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية، رجع إلى أحوال المنافقين، فإنهم خانوا الرسول على ما لا ينبغي، فأطلعه الله على ذلك وأمره أن لا يلتفت إليهم، وكان بشير منافقًا ويهجو الصحابة وينحل الشعر لغيره، وأما طعمة فارتد، وأنه لما بين الأحكام الكثيرة عرف أنّ كلها من الله، وأنه ليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلبًا لرضا قوم.
أو أنه لما أنه يجاهد الكفار، أنه لا يجوز إلحاق ما لم يفعلوا بهم، وأنّ كفره لا يبيح المسامحة في النظر إليه، بل الواجب في الدين أن يحكم له وعليه بما أنزل الله، ولا يلحق به حيف لأجل أن يرضي المنافق.
والكتاب هنا القرآن.
ومعنى بالحق: أي لا عوج فيه ولا ميل.
والناس هنا عام، وبما أراك الله بما أعلمك من الوحي.
وقيل: بالنظر الصحيح فإنه محروس في اجتهاده، معصوم في الأقوال والأفعال.
وقيل: بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة وصفاء الباطن.
وعن عمر: «لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه، لأن الرأي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا، لأن الله تعالى كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكليف دون الإهمال، أو بماله عاقبة حميدة، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل».
وقال الماتريدي: بالحق أي: موافقًا لما هو الحق على العباد، ولما لبعضهم على بعض ليعلموا بذلك، أو بيانًا لأمره.
وحق كائن ثابت وهو البعث والقيامة، ليتزودوا له.
أو بما يحمل عليهم فاعله، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل.
بما أراك الله: فيه دليل جواز اجتهاده، واجتهاده كالنص، لأن الله تعالى أخبر أنه يريه ذلك أو لا يريه غير الصواب انتهى كلامه.
{ولا تكن للخائنين خصيمًا} أي: مخاصمًا، كجليس بمعنى مجالس، قاله: الزجاج والفارسي وغيرهما.
ويحتمل أن يكون للمبالغة من خصم، والخائنون جمع.
فإنّ بني أبريق الثلاثة هم الذين نقبوا المشربة، فظاهر إطلاق الجمع عليهم وإن كان وحده هو الرّجل الذي خان في الدرع أو سرقها، فجاء الجمع باعتباره واعتبار من شهد له بالبراءة من قومه كأسيد بن عروة ومن تابعه ممن زكاه، فكانوا شركاء له في الإثم، خصوصًا من يعلم أنه هو السارق.
أو جاء الجمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته، فلا يخاصم لخائن قط، ولا يحاول عنه.
وخصيمًا يحتاج متعلقًا محذوفًا أي البراء.
والبريء مختلف فيه حسب الاختلاف في السبب: أهو اليهودي الذي دفع إليه طعمة الدّرع وهو زيد بن السمين، أو أبو مليك الأنصاري؟ وهو الذي ألقى طعمة الدرع في داره لما خاف الافتضاح، أو لبيد بن سهل؟ وقال يحيى بن سلام: وكان يهوديًا.
وذكر المهدوي أنه كان مسلمًا.
وأدخله أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الصحابة، فدل على إسلامه كما ذكر المهدوي.
ولما نزلت هذه الآيات هرب طعمة إلى مكة وارتد، ونزل على سلافة فرماها حسان به في شعر قاله ومنه:
وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ** ينازعها جلد استها وتنازعه

ظننتم بأن يخفي الذي قد صنعتمو ** وفينا نبي عنده الوحي واضعه

فأخرجته ورمت رحله خارج المنزل وقالت: ما كنت تأتيني بخير أهديت لي شعر حسان، فنزل على الحجاج بن علاط وسرقه فطرده، ثم نقب بيتًا ليسرق منه فسقط الحائط عليه فمات.
وقيل: اتبع قومًا من العرب فسرقهم فقتلوه.
{واستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا} أي: استغفر لأمتك المذنبين المتخاصمين بالباطل.
قال الزمخشري: واستغفر الله مما هممت به من عقاب اليهودي.
وقال الطبري والزجاج: واستغفر الله أي من ذنبك في خصامك لأجل الخائنين.
قال ابن عطية: وهذا ليس بذنب، لأنه عليه السلام إنما دافع على الظاهر وهو يعتقد برائتهم انتهى.
وقيل: هو أمر بالاستغفار على سبيل التسبيح من غير ذنب أو قصد توبة، كما يقول الرجل: استغفر الله.
وقيل: الخطاب صورة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بنو أبيرق.
وقيل: المعنى واستغفر الله مما هممت به قبل النبوّة. اهـ.