فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: استودع رجل من الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع فغاب، فلما قدم الأنصاري فتح مشربته فلم يجد الدرع، فسأل عنها طعمة بن أبيرق فرمى بها رجلًا من اليهود يقال له زيد بن السمين، فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه، فلما رأى ذلك قومه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكلموه ليدرأ عنه، فهم بذلك، فأنزل الله: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس} إلى قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} يعني طعمة بن أبيرق وقومه {ها أنتم هؤلاء جادلتم} إلى قوله: {يكون عليهم وكيلًا} محمد صلى الله عليه وسلم وقوم طعمة {ثم يرم به بريئًا} يعني زيد بن السمين {فقد احتمل بهتانًا} طعمة بن أبيرق {ولولا فضل الله عليك ورحمته} لمحمد صلى الله عليه وسلم {لهمت طائفة} قوم طعمة {لا خير في كثير} [النساء: 114] الآية للناس عامة {ومن يشاقق الرسول} [النساء: 115] قال: لما أنزل القرآن في طعمة بن أبيرق لحق بقريش ورجع في دينه، ثم عدا على مشربة للحجاج بن علاط البهري فنقبها، فسقط عليه حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة، فخرج فلقي ركبًا من قضاعة، فعرض لهم فقال: ابن سبيل منقطع به. فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق، فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات. فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله: {إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به} [النساء: 116].
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، استودع درعًا فجحدها صاحبها، فلحق به رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب له قومه وأتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خوّنوا صاحبنا وهو أمين مسلم، فأعذره يا نبي الله وازجر عنه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فعذره وكذب عنه وهو يرى أنه بريء وأنه مكذوب عليه، فأنزل الله بيان ذلك فقال: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} إلى قوله: {أمن يكون عليهم وكيلًا} فبين خيانته فلحق بالمشركين من أهل مكة وارتد عن الإسلام، فنزل فيه {ومن يشاقق الرسول} [النساء: 115] إلى قوله: {وساءت مصيرًا} [النساء: 115]. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية العوفي «أن رجلًا يقال له طعمة بن أبيرق سرق درعًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فألقاها في بيت رجل، ثم قال لأصحاب له: انطلقوا فاعذروني عند النبي صلى الله عليه وسلم فإن الدرع قد وجد في بيت فلان. فانطلقوا يعذرونه عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرم به بريئًا فقد احتمل بهتانًا} قال: بهتانه قذفه الرجل».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} قال: اختان رجل من الأنصار عمًّا له درعًا فقذف بها يهوديًا كان يغشاهم، فجادل الرجل قومه، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ثم لحق بدار الشرك، فنزلت فيه {ومن يشاقق الرسول...} [النساء: 115] الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إياكم والرأي، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {لتحكم بين الناس بما أراك الله} ولم يقل بما رأيت.
وأخرج ابن المنذر عن عمرو بن دينار. أن رجلًا قال لعمر {بما أراك الله} قال: مه، إنما هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية العوفي {لتحكم بين الناس بما أراك الله} قال: الذي أراه في كتابه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال: إن الله أنزل القرآن وترك فيه موضعًا للسُّنة، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة وترك فيها موضعًا للرأي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال: قال لي مالك: الحكم الذي يحكم به بين الناس على وجهين، فالذي يحكم بالقرآن والسنة الماضية فذلك الحكم الواجب والصواب، والحكم يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شيء فلعله أن يوفق. قال: وثالث التكلف لما لا يعلم، فما أشبه ذلك أن لا يوفق.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {لتحكم بين الناس بما أراك الله} قال: بما بين الله لك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر {لتحكم بين الناس بما أراك الله} قال: بالبينات والشهود.
وأخرج عبد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا قال «من صلى صلاة عند الناس لا يصلي مثلها إذا خلا فهي استهانة استهان بها ربه، ثم تلا هذه الآية {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم}».
وأخرج عبد بن حميد عن حذيفة مثله، وزاد، ولا يستحيي أن يكون الناس أعظم عنده من الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي رزين {إذ يبيتون} قال: إذ يؤلفون ما لا يرضى من القول.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله} قال: أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا ثم استغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال.
وأخرج ابن جرير وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبًا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه، وإذا أصاب البول شيئًا منه قرضه بالمقراض، فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرًا فقال ابن مسعود: ما آتاكم الله خير مما آتاهم، جعل لكم الماء طهورًا وقال: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا}. {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول..} [النساء: 64] الآية.
وأخرج ابن جرير عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل، فسألته عن امرأة فجرت فحبلت ولما ولدت قتلت ولدها فقال: ما لها إلا النار. فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين {من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} فمسحت عينها ثم مضت.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن مردويه عن علي قال: سمعت أبا بكر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه إلا كان حقًا على الله أن يغفر له، لأن الله يقول: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا}».
وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلسنا حوله، وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما يكون عليه، وأنه قام فترك نعليه، فأخذت ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته، فقال: «إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه {من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} فأردت أن أبشر أصحابي. قال أبو الدرداء: وكانت قد شقت على الناس التي قبلها {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] فقلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ثم استغفر ربه غفر الله له؟ قال: نعم. قلت: الثانية... قال: نعم. قلت: الثالثة... قال: نعم. على رغم أنف عويمر».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين {ثم يرم به بريئًا} قال: يهوديًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وعلمك ما لم تكن تعلم} قال: علَّمه الله بيان الدنيا والآخرة. بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك على خلقه.
وأخرج عن الضحاك قال: علمه الخير والشر. والله أعلم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال النيسابوري:
التأويل: الصلاة صورة جذبة الحق ومعراج العبد فلهذا فرضت في الخوف والأمن وشدة القتال والسفر والحضر والصحة المرض ليكون العبد مجذوب العناية على الدوام {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} أي أدمتها لهم لأن النظر إليك عبادة كما أن الصلاة عبادة، وكما أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإنك تنهاهم عن الفحشاء والمنكر {فلتقم طائفة} هم الخواص {منهم} أي من عوامهم {معك} أي مع الله لأنك مع الله كقوله: {لا تحزن إنّ الله معنا} [التوبة: 40] {وليأخذوا} يعني طائفة من بقية القوم {أسلحتهم} من الطاعات والعبادات دفعأً لعدو النفس والشيطان {فإذا سجدوا} يعني من معك ونزّلوا مقامات القرب {فليكونوا} أي هؤلاء القوم {من ورائكم} في المرتبة والمقام والمتابعة يحفظونكم باشتغالكم بالأمور الدنيوية لحوائجكم الضرورية للإنسان. {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا معك} في الصحبة {فليصلوا معك} في الوصلة {وليأخذوا حذرهم} وهو آداب الطريقة {وأسلحتهم} وهي أركان الشريعة {ودّ الذين كفروا} هم عدوّ النفس وصفاتها {إن كان بكم أذى من مطر} يعني أشغال الدنيا وضروريات حوائج الإنسان يمطر عليكم في بعض الأوقات أن تضعوا أسحلة الطاعة والأركان ساعة فساعة {وخذوا حذركم} من التوجه إلى الحق ومراقبة الأحوال وحفظ القلب وحضوره مع الله وخلو السر عن الالتفات لغير الله ورعاية التسليم والتفويض إلى الله والاستمداد من همم أعاظم الدين والالتجاء إلى ولاية النبوة {إنّ الله أعد} بهذه الأسباب {للكافرين} من كفار النفس والشيطان {عذابًا مهينًا فإذا قضيتم الصلاة} المكتوبة {فاذكروا الله} في جميع حالاتكم إنّ الصلاة كانت في الأزل {على المؤمنين كتابًا موقوتًا} مؤقتًا إلى الأبد كما أشار إليه بقوله: {إنا فتحنا لك} [الفتح: 1] أي بابًا من القدم إلى الحدوث {ليغفر لك الله} [الفتح: 2] بما فتح عليك {ما تقدم} في الأزل {من ذنبك} [الفتح: 2] بأن لم تكن مصليًا {وما تأخر} [الفتح: 2] من ذنبك بأن لا تكون مصليًا {ويتم نعمته عليك} [الفتح: 2] بأن يجعل سيئاتك وهي عدم صلاتك في الأزل أو الأبد مبدلة بالحسنات وهي الصلاة المقبولة من الأزل إلى الأبد {ويهديك صراطًا مستقيمًا} من الأزل إلى الأبد ومن الأبد إلى الأزل {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} النفس وصفاتها {أن تكونوا تألمون} في الجهاد بعناء الرياضات والعبادات فإنهم يألمون في طلب اللذات والشهوات {كما تألمون وترجون من الله} العواطف الأزلية والعوارف الأبدية {ما لا يرجون} لأنّ همم النفس الدنية لا تجاوز قصورها الدنية المجازية الفانية {بما أراك الله} حين أوحى إليك بلا واسطة ما أوحى وأراك آياته الكبرى. اهـ.