فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فعلى الأول يكون مُنْقَطِعًا؛ لأنَّ مَنْ أمَر لَيْس تَنَاجِيًا؛ فكأنه قيل: لكنْ مَنْ أمَر بصدَقةٍ، ففي نَجْوَاه الخيرُ، والكوفِيُّون يقدِّرون المُنْقَطع بـ «بل»، وجعل بعضهم الاستِثْنَاء متَّصِلًا، وإنْ أُريد بالنَّجْوى: المصدرُ، وذلك على حَذْفِ مُضَافٍ؛ كأنه قيل: إلا نَجْوَى مَنْ أمر وعلى هذا يَجُوز في مَحَلٍّ «مِنْ» وجهان:
أحدهما: الخَفْضُ بدل من «نَجْوَاهُم»؛ كما تقول: «ما مَرَرْتُ بأحد إلا زَيْدٌ».
والثاني: النَّصْب على الاستِثْناء كما تقول: مَا جَاءني أحَدٌ إلا زَيْدٌ، على الاستثناء؛ لأنَّ هذا استِثْنَاء الجِنْس من الجِنْس وإن جعلنا النَّجْوى بِمَعنى: المُتناجين، كان مُتَّصِلًا، وقد عَرَفْتَ مِمَّا تقدَّم أن المنقطع مَنْصُوبٌ أبدًا في لغة الحِجاز، وأنَّ بَنِي تَمِيم يُجرونه مُجْرى المُتَّصِل، بشرط توجُّه العَامِل عليه، وأنَّ الكَلاَمَ إذا كان نفيًا أو شبهه، جاز في المُسْتَثْنَى الإتباعُ بدلًا، وهو المختار، والنَّصْبُ على أصْل الاستِثْنَاء، فقوله: {إلا مَنْ أمَر}: إما مَنصُوبٌ على الاستِثْنَاء المُنْقَطِع، إنْ جَعَلْتَه مُنْقطعًا في لغة الحِجَاز، أو على أصْلِ الاستِثْنَاء إن جعلته مُتَّصلًا، وإمَّا مَجْرورٌ على البَدَلِ من {كثير}، أو من {نجواهم}، أو صِفَةٌ لحدهما؛ كما تقُول: «لا تَمُرُّ بجماعة من القَوْم إلا زيد» إنْ شئت جَعلْتَ زَيْدًا تَابِعًا للجماعةِ أو للقوم، ولم يجعله الزَّمَخْشَرِي تَابِعًا إلا «لِكَثير» قال: إلا نَجْوَى مَنْ أمَر، على أنَّه مَجْرورٌ بَدَلٌ من {كَثِيرٍ}؛ كما تقُولُ: «لا خير في قِيامهم إلا قيام زيدٍ» وفي التَّنْظِير بالمثال نظرٌ لا تَخْفَى مباينته للآية، هذا كُلُّه إن جعلنا الاستِثْناء مُتصِلًا بالتَّأويلين المَذْكُورين، أو مُنْقَطِعًا على لغة تميم، وتلخَّص فيه سِتَّة أوْجُه: النَّصبُ على الانقطاع في لغة الحجاز، أو على أصْلِ الاستثناءِ، والجرُّ على البَدَل من {كَثِير}، أو من {نَجْوَاهُم}، أو على الصِّفَةِ لأحدهما.
و{مِنْ نَجْوَاهُمْ} متعلقٌ بمحذُوفٍ؛ لأنه صِفَةٌ لـ {كثير} في مَحَلِّ جَر.
قوله: {بَيْن} يجُوز أن يكون مَنْصُوبًا بِنَفْس إصْلاح، تقول: أصْلَحْت بَيْن القَوْم، قال تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وأن يتعلَّق بِمَحْذُوف على أنَّه صِفَة لإصلاح.
وقوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} أي: هذه الأشْيَاء، {ابتغاء مَرْضَاتِ الله} أي: طَلَب رِضَاه، و{ابْتِغَاء} مَفْعُول من أجْله، وألِفُ {مَرْضَاتِ} عن وَاوٍ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُه.
{فسوف يُؤتيه} بالياء نظرًا إلى الاسْمِ الظَّاهر في قوله: {مَرْضَات الله}، وقرئ بالنُّون؛ نظرًا لِقَوله بعدُ: {نُولِّه}، {ونُصْلِه} وهو أوقعُ للتَّعْظِيم. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)}
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد أسلم في قوله: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} من جاءك يناجيك في هذا فاقبل مناجاته، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت عنه ذاك لا تناجيه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان {إلا من أمر بصدقة أو معروف} قال: المعروف القرض.
وأخرج الترمذي وابن ماجه وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي الدنيا في الصمت وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد بن حنيش قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده ومعنا سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان: أعد عليَّ الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح. قال: حدثتني أم صالح بنت صالح، عن صفية بنت شيبة، عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، أو ذكر الله عز وجل» فقال محمد بن يزيد: ما أشد هذا الحديث! فقال سفيان: وما شدة هذا الحديث؟ إنما جاءت به امرأة عن امرأة، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صلى الله عليه وسلم، أما سمعت الله يقول: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} فهذا هو بعينه، أو ما سمعت الله يقول: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38] فهو هذا بعينه، أو ما سمعت الله يقول: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: السورة كلها] فهو هذا بعينه.
وأخرج مسلم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
وأخرج البخاري والبيهقي عن سهل بن سعد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة».
وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي عن سهل بن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان: الفم والفرج».
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله مرني بأمر أعتصم به في الإسلام؟ قال: «قل آمنت بالله ثم استقم. قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ قال: هذا، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه».
وأخرج البيهقي «عن أبي عمرو والشيباني قال: حدثني صاحب هذه الدار- يعني عبد الله بن مسعود- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: أن يسلم الناس من لسانك. قال: ثم سكت، ولو استزدته لزادني».
وأخرج الترمذي والبيهقي عن عقبة بن عامر قال: قلت يا نبي الله ما النجاة؟ قال: «أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن أبي الدينا في الصمت والبيهقي عن أسود بن أبي أصرم المحاربي قال: قلت يا رسول الله أوصني. قال: «هل تملك لسانك؟ قلت: فما أملك إذا لم أملك لساني. قال: فهل تملك يدك؟ قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي! قال: فلا تقل بلسانك إلا معروفًا ولا تبسط يدك إلا إلى خير».
وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار: «رحم الله امرأً تكلم فغنم أو سكت فسلم».
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله عبدًا تكلم فغنم أو سكت فسلم».
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود. أنه أتى على الصفا فقال: يا لسان قل خيرًا تغنم أو اصمت تسلم من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا شيء تقوله أو سمعته؟ قال: لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه».
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: رأيت ابن عباس آخذًا بثمرة لسانه وهو يقول: يا لساناه قل خيرًا تغنم أو اسكت عن شر تسلم قبل أن تندم. فقال له رجل: ما لي أراك آخذًا بثمرة لسانك تقول كذا وكذا؟! قال: إنه بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو عن شيء أحنق منه على لسانه.
وأخرج أبو يعلى والبيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يسلم فليلزم الصمت».
وأخرج البيهقي عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي أبا ذر فقال ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: عليك بحسن الخلق وطول الصمت، والذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق بمثلهما».
وأخرج البيهقي «عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله، فإنه أزين لأمرك كله. قلت: زدني... قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض. قلت: زدني... قال: عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك. قلت: زدني... قال: إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه. قلت: زدني... قال: قل الحق ولو كان مرًّا. قلت: زدني... قال: لا تخف في الله لومة لائم. قلت: زدني... قال: ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك».
وأخرج البيهقي عن ركب المصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله».
وأخرج الترمذي والبيقهي عن أبي سعيد الخدري رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن كل شيء من الجسد يكفر اللسان يقول: ننشدك الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت أعوججنا».
وأخرج أحمد في الزهد والنسائي والبيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه. أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر وهو يمد لسانه قال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: إن هذا الذي أوردني الموارد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته».
وأخرج البيهقي عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: فسكتوا، فلم يجبه أحد. قال: هو حفظ اللسان».
وأخرج البيهقي عن عمران بن الحصين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مقام الرجل بالصمت أفضل من عبادة ستين سنة».
وأخرج البيهقي «عن معاذ بن جبل قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأصاب الناس ريح فتقطعوا، فضربت ببصري فإذا أنا أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأغتنمن خلوته اليوم، فدنوت منه فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يقربني- أو قال- يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وأنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير. قلت: أجل يا رسول الله. قال: الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل يبتغي به وجه الله، ثم قرأ الآية {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [ألم السجدة: 16] ثم قال: إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه. قلت أجل يا رسول الله. قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد، وإن شئت أنبأتك بأملك الناس من ذلك كله. قلت: ما هو يا رسول الله؟ فأشار بإصبعه إلى فيك. فقلت: وإنا لَنُؤَاخَذَ بكل ما نتكلم به؟! فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكِبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم، وهل تتكلم إلا ما عليك أو لك؟!».
وأخرج البيهقي عن عطاء بن أبي رباح قال: إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لابد لك منها، أتذكرون أن عليكم حافظين {كرامًا كاتبين} [الانفطار: 11] {عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18] أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته.
وأخرج ابن سعد عن أنس بن مالك قال: لا يتقي الله عبد حتى يخزن من لسانه.
وأخرج أحمد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال: ما في المؤمن بضعة أحب إلى الله من لسانه، به يدخله الجنة، وما في الكافر بضعة أبغض إلى الله من لسانه، به يدخله النار.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تنطق فيما لا يعنيك، وأخزن لسانك كما تخزن درهمك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: أكثر الناس ذنوبًا أكثرهم كلامًا في معصية الله.