فصل: تفسير الآية رقم (124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليبتلي عبده بالبلاء والألم حتى يتركه من ذنبه كالفضة المصفاة».
وأخرج البيهقي عن المسيب بن رافع. أن أبا بكر الصديق قال: إن المرء المسلم يمشي في الناس وما عليه خطيئة. قيل: ولم ذلك يا أبا بكر؟ قال: بالمصائب والحجر والشوكة والسشع ينقطع.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الصداع والمليلة لا يزال بالمؤمن وإن ذنبه مثل أحد فما يتركه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل».
وأخرج أحمد عن خالد بن عبدالله القسري عن جده يزيد بن أسد. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: ما يسرني بليلة أمرضها حمر النعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عياض بن غضيف قال: دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده، فإذا وجهه مما يلي الجدار، وامرأته قاعدة عند رأسه قلت: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: بات بأجر. فأقبل علينا بوجهه فقال: إني لم أَبِتْ بأجر، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: إن المؤمن يصيبه الله بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لسيئاته ومستعتبًا فيما بقي، وإن الفاجر يصيبه الله بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله، لا يدري لمَ عقلوه ثم أرسلوه فلا يدري لمَ أرسلوه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمار. أنه كان عنده أعرابي، فذكروا الوجع فقال عمار: ما اشتكيت قط؟ قال: لا. فقال عمار: لست منا، ما من عبد يبتلى إلا حط عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها، وإن الكافر يبتلى فمثله مثل البعير عُقِل فلم يدرِ لمَ عَقِلْ، وأُطْلِقَ فلم يدرِ لمَ أُطْلِقَ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الشرك.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الكافر، ثم قرأ {وهل يجازى إلا الكفور} [سبأ: 17]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (124):

قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أبدى جزاء المسيء تحذيرًا، أولاه أجر المحسن تبشيرًا فقال: {ومن يعمل} وخفف تعالى عن عباده بقوله: {من الصالحات} ولما عمم بذكر (من) صرح بما اقتضته في قوله: {من ذكر وأنثى} وقيد ذلك بقوله: {وهو} أي والحال أنه {مؤمن} ليكون بناؤه الأعمال على أساس الإيمان {فأولئك} أي العالو الرتبة، وبنى فعل الدخول للمفعول في قراءة ابن كثير وأبي عمروا وأبي جعفر وأبي بكر عن عاصم وروح عن يعقوب، وللفاعل في قراءة غيرهم، لأن المقصود نفس الفعل، لا كونه من فاعل معين؛ وإن كانت قراءة الأولين أكثر فائدة {يدخلون} أي يدخلهم الله {الجنة} أي الموصوفة {ولا يظلمون} وبنى الفعل للمجهول، لأن المقصود الخلاص منه لا بقيد فاعل معين {نقيرًا} أي لا يظلم الله المطيع منهم بنقص شيء ما، ولا العاصي بزيادة شيء ما، والنقير: ما في ظهر النواة من تلك الوقبة الصغيرة جدًا، كني بها عن العدم، وهذا على ما يتعارفه الناس وإلا فالله تعالى له أن يفعل ما يشاء، فإن مِلكه ومُلكه عام، لا يتصور منه ظلم كيف ما فعل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم {يَدْخُلُونَ الجنة} بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله، وكذلك في سورة مريم وفي حم المؤمن، والباقون بفتح الياء وضم الخاء في هذه السورة جميعًا على أن الدخول مضاف إليهم، وكلاهما حسن، والأول أحسن لأنه أفخم، ويدل على مثيب أدخلهم الجنة ويوافق {وَلاَ يُظْلَمُونَ} وأما القراءة الثانية فهي مطابقة لقوله تعالى: {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} [الزخرف: 70] ولقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ} [الحجر: 46] [ق: 34]، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قالوا: الفرق بين {مِنْ} الأولى والثانية أن الأولى للتبعيض، والمراد من يعمل بعض الصالحات لأن أحدًا لا يقدر على أن يعمل جميع الصالحات، بل المراد أنه إذا عمل بعضها حال كونه مؤمنًا استحق الثواب.
واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن صاحب الكبيرة لا يبقى مخلدًا في النار، بل ينقل إلى الجنة، وذلك لأنا بينا أن صاحب الكبيرة مؤمن، وإذا ثبت هذا فنقول: إن صاحب الكبيرة إذا كان قد صلّى وصام وحج وزكى وجب بحكم هذه الآية أن يدخل الجنة، ولزم بحكم الآيات الدالة على وعيد الفساق أن يدخل النار، فأما أن يدخل الجنة ثم ينقل إلى النار فذلك باطل بالإجماع، أو يدخل النار ثم ينقل إلى الجنة فذلك هو الحق الذي لا محيد عنه، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

شرط الإيمان لأن المشركين أدلوا بخدمة الكعبة وإطعام الحجيج وقِرَى الأضياف، وأهل الكتاب بسبقهم، وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه؛ فبيّن تعالى أن الأعمال الحسنة لا تقبل من غير إيمان. اهـ.

.قال الفخر:

النقير: نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة، والمعنى أنهم لا ينقصون قدر منبت النواة.
فإن قيل: كيف خص الله الصالحين بأنهم لا يظلمون مع أن غيرهم كذلك كما قال: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وقال: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين} [آل عمران: 108].
والجواب من وجهين:
الأول: أن يكون الراجع في قوله: {وَلاَ يُظْلَمُونَ} عائدًا إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعًا، والثاني: أن كل ما لا ينقص عن الثواب كان بأن لا يزيد في العقاب أولى هذا هو الحكم فيما بين الخلق، فذكر الله تعالى هذا الحكم على وفق تعارف الخلق. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} أي بعضَها أو شيئًا منها فإن كلَّ أحدٍ لا يتمكن من كلها وليس مكلَّفًا بها {مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} في موضع الحالِ من المستكنّ في {يَعْمَلُ} ومن للبيان أو من الصالحات فمن للابتداء أي كائنةً من ذكر إلخ، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} حالٌ، شرَط اقترانَ العملِ بها في استدعاء الثوابِ المذكورِ تنبيهًا على أنه لا اعتدادَ به دونه {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى {مِنْ} بعنوان اتصافِه بالإيمان والعملِ الصالحِ، والجمعُ باعتبار معناها كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظِها وما فيه من معنى البُعد لما مر غيرَ مرةٍ من الإشعار بعلوّ رُتبةِ المُشار إليه وبُعد منزلتِه في الشرف {يَدْخُلُونَ الجنة} وقرئ يُدخَلون مبنيًا للمفعول من الإدخال {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} أي لا يُنقصون شيئًا حقيرًا من ثواب أعمالِهم فإن النقيرَ عَلَم في القلة والحَقارةِ وإذا لم يُنقص ثوابُ المطيعِ فلأَنْ لا يزادَ عقابُ العاصي أولى وأحرى، كيف لا والمجازي (هو) أرحمُ الراحمين، وهو السرُّ في الاقتصار على ذكره عَقيبَ الثواب. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ} الأعمال {الصالحات} أي بعضها أو شيئًا منها لأن أحدًا لا يمكنه عمل كل الصالحات وكم من مكلف لا حج عليه ولا زكاة ولا جهاد، فمن تبعيضية، وقيل: هي زائدة.
واختاره الطبرسي وهو ضعيف، وتخصيص الصالحات بالفرائض كما روي عن ابن عباس خلاف الظاهر، وقوله سبحانه: {مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} في موضع الحال من ضمير {يَعْمَلُ} و{مِنْ} بيانية.
وجوز أن يكون حالًا من {الصالحات} و{مِنْ} ابتدائية أي: كائنة من ذكر إلخ، واعترض بأنه ليس بسديد من جهة المعنى، ومع هذا الأظهر تقدير كائنًا لا كائنة لأنه حال من شيئًا منها وكون المعنى الصالحات الصادرة من الذكر والأنثى لا يجدي نفعًا لما في ذلك من الركاكة ولعل تبيين العامل بالذكر والأنثى لتوبيخ المشركين في إهلاكهم إناثهم، وجعلهن محرومات من الميراث، وقوله تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} حال أيضًا، وفي اشتراط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب الذي تضمنه ما يأتي تنبيه على أنه لا اعتداد به دونه، وفيه دفع توهم أن العمل الصالح ينفع الكافر حيث قرن بذكر العمل السوء المضر للمؤمن والكافر، والتذكير لتغليب الذكر على الأنثى كما قيل، وقد مر لك قريبًا ما ينفعك فتذكر.
{فَأُوْلَئِكَ} إشارة إلى من بعنوان اتصافه بالعمل الصالح والإيمان، والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد السابق باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة.
{يَدْخُلُونَ الجنة} جزاء عملهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر {يَدْخُلُونَ} مبنيًا للمفعول من الإدخال {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} أي لا ينقصون شيئًا حقيرًا من ثواب أعمالهم، فإن النقير علم في القلة والحقارة، وأصله نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة، ويعلم من نفي تنقيص ثواب المطيع نفي زيادة عقاب العاصي من باب الأولى لأن الأذى في زيادة العقاب أشد منه في تنقيص الثواب، فإذا لم يرض بالأول وهو أرحم الراحمين فكيف يرضى بالثاني وهو السر في تخصيص عدم تنقيص الثواب بالذكر دون ذكر عدم زيادة العقاب مع أن المقام مقام ترغيب في العمل الصالح فلا يناسبه إلا هذا، والجملة تذييل لما قبلها أو عطف عليه. اهـ.

.قال في الميزان:

قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} هذا هو الشق الثاني المتضمن لجزاء عامل العمل الصالح وهو الجنة، غير أن الله سبحانه شرط فيه شرطا يوجب تضييقا في فعلية الجزاء وعمم فيه من جهة أخرى توجب السعة.
فشرط في المجازاة بالجنة أن يكون الآتى بالعمل الصالح مؤمنا إذ الجزاء الحسن إنما هو بإزاء العمل الصالح ولا عمل للكافر، قال تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام- 88]، وقال تعالى: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف- 105].
قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات} فأتى بمن التبعيضية، وهو توسعة في الوعد بالجنة، ولو قيل: ومن يعمل الصالحات- والمقام مقام الدقة في الجزاء- أفاد أن الجنة لمن آمن وعمل كل عمل صالح، لكن الفضل الإلهى عمم الجزاء الحسن لمن آمن وأتى ببعض الصالحات فهو يتداركه فيما بقى من الصالحات أو اقترف من المعاصي بتوبة أو شفاعة كما قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء- 116] وقد تقدم تفصيل الكلام في التوبة وفي قوله تعالى: {إنما التوبة على الله} [النساء- 17] في الجزء الرابع، وفي الشفاعة في قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا} [البقرة- 48] في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وقال تعالى: {من ذكر أو أنثى} فعمم الحكم للذكر والأنثى من غير فرق أصلا خلافا لما كانت تزعمه القدماء من أهل الملل والنحل كالهند ومصر وسائر الوثنيين أن النساء لا عمل لهن ولا ثواب لحسناتهن، وما كان يظهر من اليهودية والنصرانية أن الكرامة والعزة للرجال، وأن النساء أذلاء عند الله نواقص في الخلقة خاسرات في الأجر والمثوبة والعرب لا تعدو فيهن هذه العقائد فسوى الله تعالى بين القبيلين بقوله: {من ذكر أو أنثى}.
ولعل هذا هو السر في تعقيب قوله: {فأولئك يدخلون الجنة} بقوله: {ولا يظلمون نقيرا} لتدل الجملة الأولى على أن النساء ذوات نصيب في المثوبة كالرجال، والجملة الثانية على أن لا فرق بينهما فيها من حيث الزيادة والنقيصة كما قال تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران- 195]. اهـ.