فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} الآية. مَنْ تَعَنَّي في خدمتنا لم يبق عن نَيْلِ نعمتنا، بل من أغنيناه في طلبنا أكرمناه بوجودنا، بل من جرَّعْنَاه كأسَ اشتياقنا أنلناه أُنْسَ لقائنا. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} دخل في ذلك سائر الأعمال القلبية والبدنية، ودخل أيضا كل عامل من إنس أو جن، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. ولهذا قال: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وهذا شرط لجميع الأعمال، لا تكون صالحة ولا تقبل ولا يترتب عليها الثواب ولا يندفع بها العقاب إلا بالإيمان.
فالأعمال بدون الإيمان كأغصان شجرة قطع أصلها وكبناء بني على موج الماء، فالإيمان هو الأصل والأساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء، وهذا القيد ينبغي التفطن له في كل عمل أطلق، فإنه مقيد به.
{فَأُولَئِكَ} أي: الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [ص 206] المشتملة على ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} أي: لا قليلا ولا كثيرا مما عملوه من الخير، بل يجدونه كاملا موفرا، مضاعفا أضعافا كثيرة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
وجاءت كلمتا {ذكر} و{أنثى} هنا حتى لا يفهم أحد أن مجيء الفعل بصيغة التذكير في قوله (يعمل) أن المرأة معفية منه؛ لأن المرأة في كثير من الأحكام نجد حكمها مطمورًا في مسألة الرجل، وفي ذلك إيحاء بأن امرها مبني على الستر.
لكن الأشياء التي تحتاج إلى النص فيها فسبحانه ينص عليها. {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}. وجاء سبحانه هنا بلفظة (مِن) التي تدل على التبعيض.. أي على جزءٍ من كلّ فيقول: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} ولم يقل: «ومن يعمل الصالحات» لأنه يعلم خلقه. فلا يوجد إنسان يعمل كل الصالحات، هناك من يحاول عمل بعضٍ من الصالحات حسب قدرته. والمطلوب من المؤمن أن يعمل من الصالحات على قدر إمكاناته ومواهبه.
وتبدأ الأعمال الصالحة من أن يترك الإنسان الأمور الصالحة على صلاحها، فإبقاء الصالح على صلاحه معناه أن المؤمن لن يعمل الفساد، هذه هي أول مرتبة، ومن بعد ذلك يترقى الإنسان في الأعمال الصالحة التي تتفق مع خلافته في الأرض، وكل عمل تصلح به خلافة الإنسان في الأرض هو عمل صالح؛ فالذي يرصف طريقًا حتى يستريح الناس من التعب عمل صالح، وتهيئة المواصلات للبشر حتى يصلوا إلى غايتهم عمل صالح، ومن يعمل على ألاّ ينشغل بال البشر بأشياء من ضروريات الحياة فهذا عمل صالح.
كل ما يعين على حركة الحياة هو عمل صالح. وقد يصنع الإنسان الأعمال الصالحة وليس في باله إله كعلماء الدول المتقدمة غير المؤمنة بإله واحد. كذلك العلماء الملاحدة قد يصنعون أعمالًا صالحة للإنسان، كرصف طرق وصناعة بعض الآلات التي ينتفع بها الناس، وقاموا بها للطموح الكشفي، والواحد من تلك الفئة يريد أن يثبت أنه اخترع واكتشف وخدم الإنسانية ونطبق عليه أنه عمل صالحًا، لكنه غير مؤمن؛ لذلك سيأخذ هؤلاء العلماء جزاءهم من الإنسانية التي عملوا لها، وليس لهم جزاء عند الله.
أما من يعمل الصالحات وهو مؤمن فله جزاء واضح هو: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]
قد يقول البعض: إن عدم الظلم يشمل من عمل صالحًا أو سوءا ونجد من يقول: من يعمل السوء هو الذي يجب أن يتلقى العقاب، وتلقيه العقاب أمر ليس فيه ظلم، والحق هو القائل: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27]
ومن يصنع الحسنة يأخذ عشرة أمثالها. وقد يكون الجزاء سبعمائة ضعف ويأتيه ذلك فضلا من الله، والفضل من الله غير مقيد وهو فضل بلا حدود، فكيف يأتي في هذا المقام قوله تعالى: {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} وهم قد أعطوا أضعافًا مضاعفة من الجزاء الحسن، ونقول: إن الفضل من الخلق غير ملزم لهم، مثل من يستأجر عاملًا ويعطيه مائة جنيه كأجر شهري، وفي آخر الشهر يعطيه فوق الأجر خمسين جنيهًا أو مائة، وفي شهر آخر لا يعطيه سوى أجره، وهذه الزيادة إعطاؤها ومنحها فضل من صاحب العمل.
أما الفضل بالنسبة لله فأمره مختلف. إنه غير محدود ولا رجوع فيه. وهذا هو معنى {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، فسبحانه لا يكتفي بجزاء صاحب الحسنة بحسنة، بل يعطي جزاء الحسنة عشر أمثالها وإلى سبعمائة ضعف، ولا يتراجع عن الفضل؛ فالتراجع في الفضل- بالنسبة لله- هو ظلم للعبد. ولا يقارن الفضل من الله بالفضل من البشر. فالبشر يمكن أن يتراجعوا في الفضل أما الله فلا رجوع عنده عن الفضل.
وهو القائل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]
وأصحاب العمل الصالح مع الإيمان يدخلون الجنة مصداقًا لقوله تعالى: {فَأُوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} والنقير هو: النقرة في ظهره النواة، وهي أمر ضئيل للغاية. وهناك شيء آخر يسمى «الفتيل» وهو المادة التي تشبه الخيط في بطن نواة التمر، وشيء ثالث يشبه الورقة ويغلف النواة واسمه «القطمير».
وضرب الله الأمثال بهذه الأشياء القليلة لنعرف مدى فضله سبحانه وتعالى في عطائه للمؤمنين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ} «من» الأولَى: للتَّبعيضِ؛ لأنَّ المكلَّف لا يطيق عَمَل كل الصَّالِحَات.
وقال الطَّبَرِي: «هي زائدةٌ عند قَوْم» وفيه ضعفٌ، لعدم الشَّرْطَيْن، و«مِنْ» الثانية للتبيين، وأجاز أبو البقاء أن تكُونَ حالًا، وفي صَاحِبها وجهان:
أحدهما: أنه الضَّميرُ المَرْفُوع بـ «يَعْمَل».
والثاني: أنه الصَّالحات، أي: الصالحات كَائِنةً من ذكر أو أنثى، وقد تقدَّم إيضاح هذا في قوله: {لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} [آل عمران: 195] والكلامُ على «أوْ» أيضًا، وقوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} جملة حَالِيّة من فَاعِل {يَعْمَل}.
قوله: {يدخلون} قرأ أبو عَمْرو، وابن كَثير، وأبُو بَكْر عن عَاصِم: {يُدْخَلون} هُنَا، وفي مَرْيم، وأوَّل غَافِر بضم حَرْف المُضَارَعة، وفتح الخَاء مبنيًا للمَفْعُول، وانفردَ ابنُ كَثِيرٍ وأبو بكْرٍ بثانية غَافِر، وأبو عمرو بالتي في فَاطِر، والبَاقُون: بفتحِ حَرْفِ المُضَارعة، وضمِّ الخَاءِ مبنيًا للفاعِل، وذلك للتفنُّنِ في البلاغَةِ.
والأوّل أحْسن؛ لأنَّهُ أفْخَم، ولِكَوْنه مُوافقًا لقوله: {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.
وأما القِرَاءة الثَّانية: فهي مُطَابِقَةٌ لقوله: {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} [الزخرف: 70]، ولقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ} [الحجر: 46].
والنقير: النَّقْرَة في ظَهْر النَّوَاة، مِنْها تَنْبُت النَّخْلَة، والمَعْنَى: أنَّهم لا يُنْقَصُون قدر مَنْبَت النَّوَاة. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق قال: لما نزلت {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب...} [النساء: 123] الآية. قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء. فنزلت هذه الآية {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} ففجلوا عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي في قوله: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية {ومن يعمل من الصالحات} قال: الفرائض.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: قد يعمل اليهودي والنصراني والمشرك الخير، فلا ينفعهم في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: إنما يتقبل الله من العمل ما كان في الإيمان.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: النقير هي النكتة التي تكون في ظهر النواة.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي قال: «القطمير» القشرة التي تكون على النواة والفتيل الذي يكون في بطنها و«النقير» النقطة البيضاء التي في وسط النواة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (125):

قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كشف سبحانه زورهم وبيَّن فجورهم، أنكر أن يكون أحد أحسن دينًا ممن اتبع ملة إبراهيم الذي يزعمون أنه كان على دينهم زعمًا تقدم كشف عواره وهتك أستاره في آل عمران، فقال عاطفًا على ما تقديره: فمن أحسن دائنًا ومجازيًا وحاكمًا منه سبحانه وتعالى: {ومن أحسن دينًا} أو يكون التقدير: لأنهم أحسنوا في دينهم ومن أحسن دينًا منهم! لكنه أظهر الوصف تعميمًا وتعليقًا للحكم به وتعليمًا لما يفعل يفعل المؤمن وحثًا عليه فقال: {ممن أسلم} أي أعطى.
ولما كان المراد الإخلاص الذي هو أشرف الأشياء، عبر عنه بالوجه الذي هو أشرف الأعضاء فقال: {وجهه} أي قياده، أي الجهة التي يتوجه إليها بوجهه أي قصده كله الملازم للإسلام نفسه كلها {لله} فلا حركة له سكنة إلا فيما يرضاه، لكونه الواحد الذي لا مثل له، فهو حصر بغير صيغة الحصر، فأفاد فساد طريق من لفت وجهه نحو سواه باستعانة أو غيرها ولاسيما المعتزلة الذين يرون الطاعة من أنفسهم، ويرون أنها موجبة لثوابهم، والمعصية كذلك وأنها موجبة لعقابهم، في الحقيقة لا يرجون إلا أنفسهم، ولا يخافون غيرها؛ وأهل السنة فوّضوا التدبير والتكوين والخلق إلى الحق، فهم المسلمون.
ولما عبر تعالى عن كمال الاعتقاد بالماضي، شرط فيه الدوام والأعمال الظاهرة بقوله: {وهو} أي والحال أنه {محسن} أي مؤمن مراقب، لا غفلة عنده أصلًا، بل الإحسان صفة له راسخة، لأنه يعبد الله كأنه يراه، فقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله أصلًا وفرعًا مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذم الكامل لغيره.
ولما كان هذا ينتظم مَنَ كان على دين أي نبي كان قبل نسخه، قيده بقوله: {واتبع} أي بجهد منه {ملة إبراهيم} الذي اشتهر عند جميع الطوائف أنه ما دعا إلا إلى الله سبحانه وتعالى وحده، وتبرأ مما سواه من فلك وكوكب وصنم وطبيعة وغيرها حال كون ذلك المتبع {حنيفًا} أي لينًا سهلًا ميّالًا مع الدليل، والملة: ما دعت إليه الفطرة الأولى بمساعدة العقل السليم من كمال الإسلام بالتوحيد.
ولما كان التقدير ترغيبًا في هذا الاتباع: فقد جعل الله سبحانه وتعالى ملة إبراهيم أحسن الملل، وخلقه يوم خلقه حنيفًا، عطف عليه قوله: {واتخذ الله} أي الملك الأعظم أخذ من معين بذلك مجتهد فيه {إبراهيم خليلًا} لكونه كان حنيفًا، وذلك عبارة عن اختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من ترديد الرسل بالوحي بينه وبينه، وإجابة الدعوة، وإظهار الخوارق عليه وعلى آله، والنصرة على الأعداء وغير ذلك من الألطاف، وأظهر اسمه في موضع الإضمار تصريحًا بالمقصود احتراسًا من الإبهام وإعلاءً لقدره تنويهًا بذكره. اهـ.