فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج هذه الآثار الثلاثة البخاريّ في صحيحه تعليقًا في (باب إذا كان الولي هو الخاطب) أي: هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى وليّ آخر.
قال ابن المنير: ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معًا، ليكل الأمر في ذلك إلى نظر المجتهد.
قال الحافظ ابن حجر: لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز، فإن الآثار التي فيها أسر الوليّ غيره أن يزوجه- ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه.
ثم قال: وقد اختلف السلف في ذلك، فقال الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه: يزوج الوليّ نفسه: ووافقهم أبو ثور.
وعن مالك: لو قالت الثيب لوليها: زوجني بمن رأيت، فزوجها من نفسه، أو ممن اختار، لزمها ذلك، ولو لم تعلم عين الزوج.
وقال الشافعيّ: يزوجهما السلطان أو وليّ آخر مثله، أو أقعد منه، ووافقه زفر وداود، وحجتهم أن الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح منكحًا، كما لا يبيع من نفسه. انتهى.
الحكم الثالث: أنه يجوز للأولياء التصرف في المال، لأن القيام بالقسط لا يتم إلا بذلك.
{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} لاسيما في حق الضعفاء من حفظ أموالهم والقيام بتدبيرهم والإقساط لهم.
{فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} فيجزيكم به. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}
{ويستفتونك} أي يطلبون الفتيا، ونعرف أن الدين قد مرّ بمراحل منها قول الحق: {يسألونك}.
وهي تعبير عن سؤال المؤمنين في مواضع كثيرة. ومرحلة ثانية هي: {ويستفتونك}. وما الفارق بين الاثنين؟
لقد سألوا عن الخمر والأهلَّة والمحيض والإنفاق. والسؤال هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه قال: «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».
أي أنه طلب منهم ألاّ ينبشوا وألاّ يُفتشوا في أشياء قد يجلبون بها على أنفسهم تكاليف جديدة، ومع ذلك سألوه عن رغبة في معرفة أي حكم يحدد حركة الإنسان في الحياة.
ولو كانوا لا يريدون تحديد حركة حياتهم فلماذا يسألونه؟. كان السؤال دليلًا على أن السائل قد عشق منهج الله فأحب أن يجعل منهج الله مسيطرا على كل أفعاله، فالشيء الذي أجمله وأوجزه الله يحب أن يسأل عنه.
وأيضًا فالإسلام جاء ليجد عاداتٍ للجاهلية وللعرب ولهم أحكام يسيرون عليها صنعوها لأنفسهم فلم يغير الإسلام فيها شيئًا، فما أحبوا أن يستمروا في ذلك لمجرد أنه من عمل آبائهم، ولكن أحبوا أن يكون كل سلوك لهم من صميم أمر الإسلام؛ لذلك سألوه في أشياء كثيرة.
أما الاستفتاء فهو عن أمر قد يوجد فيه حكم ملتبس، ولذلك يقول الواحد في أمر ما: فلنستفت عالمًا في هذا الأمر؛ لأن معنى الاستفتاء عدم قدرة واحد من الناس أو جماعة منهم في استنباط حكم أو معرفة هذا الحكم، ولذلك يردون هذا الأمر إلى أهله.
والحق يقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة النساء: 83]
الاستفتاء- إذن- يكون لحكم موجود، ولكن المستفتي لا يملك القدرة على استنباطه. ولذلك نجد المجتمعات الإسلامية تخصص دارًا للإفتاء؛ لأن المؤمن قد لا يعلم كل الجزئيات في الدين. وقد يعيش حياته ولا تمر به هذه الجزئيات، مثل أبواب الوقف أو المضاربة أو الميراث، فإن حدثت له مسألة فهو يستفتي فيها أهل الذكر. فالسؤال يكون محل العمل الرتيب، أما الفتوى فهي أمر ليس المطلوب أن تكون المعرفة به عامة. ولذلك يتجه المستفتي إلى أهل الذكر طالبًا الفتيا.
والحق يقول: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} كأنهم قالوا للرسول: نريد حكم الله فيما يتعلق بالنساء حلًا وحرمة وتصرفًا. فكيف يكون الجواب؟: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} ولم يؤجل الله الفتوى لاستفتائهم بل سبق أن قاله، وعلى الرغم من ذلك فإنه سبحانه يفتيهم من جديد.
فلعل الحكم الذي نزل أولًا ليس على بالهم أو ليسوا على ذكر منه.
فقال الحق: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [النساء: 127].
أي أن الحق يفتيكم في أمرهن، وسبق أن نزل في الكتاب، آية من سورة النساء. قال الحق فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وتوالت آيات من بعد ذلك في أمر النساء.
فقوله الحق: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}.
إنما يعلمنا أن الإنسان لا يصح أن يتعجل الاستفتاء في شيء إلا إذا استعرض قبل ذلك ما عنده من علم لعله يجد فيه الجواب الذي يغنيه عن أن يستفتي.
ومع أن الاستفتاء في أمر النساء جملة: صغيرات وكبيرات، يتيمات وغير يتيمات فلماذا جاء الجواب في يتامى النساء؛ لأن النساء الكبيرات لهن القدرة على أن يبحثن أمورهن، ولسن ضعيفات، أمّا اليتيمة فهي ضعيفة الضعيفات، وعرفنا معنى اليتيم، واليتيم حيث لا يبلغ الإنسان المبلغ الذي يصبح فيه مستقلًا، فلا يقال لمن بلغ حَدَّ البلوغ سواء أكان رجلًا أم امرأة أنه يتيم؛ لذلك جاء الجواب خاصًا بيتامى النساء؛ لأن يتامى النساء هُنَّ دائمًا تحت أولياء، هؤلاء الأولياء الذين نسميهم في عصرنا بـ «الأوصياء» حالتان: فإن كانت البنت جميلة وذات مالٍ فالوصي يحب أن ينكحها ليستمتع بجمالها ويستولي على مالها. وإن كانت دميمة فالوصي لا يرغب في زواجها لذلك يعضلها، أي يمنعها من أن تتزوج؛ لأنها إن تزوجت فسيكون الزوج هو الأولى بالمال.
فاحتاجت هذه المسألة إلى تشريع واضح. وها نحن أولاء نجد سيدنا عمر رضي الله عنه وكانت له الفراسات التي تُسمى الفراسات الفاروقية جاءه واحد يسأله عن أمر يتيمة تحت وصايته، فقال سيدنا عمر:
- إن كانت جميلة فدعها تأخذ خيرًا منك، وإن كانت دميمة فخذها زوجة وليكن مالها شفيعًا لدمامتها.
ويقول الحق: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} [النساء: 127]
والذي كتب لهن إما أن يكون مهورًا. وإمّا أن يكون تركة، وجاء القول الحكيم ليرفع عن المرأة عسف الولي. وجاء الأمر بهذا الأسلوب العالي الذي لا يمكن أن يقوله غير رب كريم، ونجد مادة «رغب» تعني «أحب». فإذا ما كان الحال «أحب أن يكون» يقال: «رغب فيه»، وإذا «أحب ألاّ يكون» فيقال: «رغب عنه». ولذلك قال الحق: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130]
ومادامت «عن» جاءت كما في الآية فما بعدها هو المتروك. لكن لو كان القول «رغب في» فهو لأمر محبوب. وكلمة «ترغبون» في هذه الآية نجدها محذوفة الحرف الذي يقوم بالتعدية حبًا أو كرهًا؛ لأنها تقصد المعنيين.
فإن كانت الرغبة في المرأة.. تصير «ترغبون في» وإن كانت المرأة دميمة وزهد فيها القول يكون: «ترغبون عن» ولا يقدر أحد غير الله على أن يأتي بأسلوب يجمع بين الموقفين المتناقضين. وجاء الحق ليقنن للأمرين معًا.
ويأتي الحق من بعد ذلك بالقول: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} بجانب اليتيمات وهو الصنف المستضعف الاخر، أي اليتيم الذي لم يبلغ مبلغ الرجال وحينما يتكلم سبحانه عن الولاية والوصاية على مثل هؤلاء فهو يتكلم بأسلوبين اثنين، وإن لم يكن للإنسان ملكة استقبال الأسلوب البليغ فقد يقول: هذا كلام متناقض، لكن لو تمتع الإنسان بملكة استقبال الأسلوب البليغ فقد يقول: إن عظمة هذا الأسلوب لا يمكن أن يأتي به إلا رب كريم. فالحق قال: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]
قال الله ذلك على الرغم من أن الأموال هي في الأصل ملك للسفهاء؛ فالمال ليس ماله إلى أن يعود إليه رشده، وقد جعل الإسلام الأخوة الإيمانية للتكاتف والتكافل، وساعة يرى المسلمون واحدًا من السفهاء فهم يحجرون على سلوكه حماية لماله من سفهه، والمال يصان ويحفظ ومطلوب من الوصيّ والولي أن يحميه، هذا ما قاله الحق في السفهاء.
والحق يتكلم في اليتامى. فيقول سبحانه: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]
لأن السفيه أو المبذر ليس لأي منهما سلطة التصرف في المال بل سلطة التصرف تكون للوصي، وينتسب المال في هذه الحالة للوصي لأنه القائم عليه والحافظ له، لكن ما إن يبلغ القاصر الرشد فعلى الوصي أن يرد له المال.
ونحن أمام آية تضع القواعد لليتامى من النساء والمستضعفين من الولدان: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127]
ما معنى القيامة لليتامى بالقسط؟ والقسط- بالكسر- تعني العدل. وتختلف عن «القَسط»- بفتح القاف- وهو يعني الجور، قَسَط- يقْسِط أي عدل، وقسط يَقْسُط، أي جار، فالعدل مصدره «القِسط» بالكسر للقاف، والجور مصدره «القَسط» بالفتح للقاف.
وبعض من الذين يريدون الاستدراك على كلام الله سفها بغير علم- قالوا:
- يأتي القرآن بالقسط بمعنى العدل في آيات متعددة، ثم يأتي في موقع آخر ليقول: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15]
و{القاسطون} هي اسم فاعل من قسط، ونقول: ومن قال لكم: إن «قسط» تستخدم فقط في معنى «عدل»، إنها تستعمل في «عدل» وفي «جار».
وسبحانه يقول عن العادلين: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]
القاسط يذهب إلى النار، وهي مأخوذة من «قَسَط يقسُط». والمقسط يذهب إلى الجنة، ومقسط مأخوذة من أقسط.
وعندما نرى «أقسط» نراها تبدأ بهمزة الإزالة، أي كان هناك جور فأزلناه. أما القِسط- بالكسر- فهو العدل من البداية هو «يقسِط». بكسر السين في المضارع، أما يقسُط- بضم السين في المضارع- تعني «يجور ويظلم». ومن محاسن اللغة نجد اللفظ الواحد يُستعمل لأكثر من معنى؛ ليتعلم الإنسان لباقة الاستقبال، وليفهم الكلمات في ضوء السياق.
وقديمًا كانت اللغة ملكة لا صناعة كما هي الآن في عصرنا. كانت اللغة ملكة إلى درجة أنهم إذا شكلوا الكتاب إلى المرسل إليه يغضب، ويرد الكتاب إلى مرسله ويقول لمن أرسله: أتشك في قدرتي على قراءة كتابك دون تشكيل؟. فتشكيل الكتاب سوء ظن بالمكتوب إليه، وفي عصرنا نجد من يلقي خطابًا يطلب تشكيل الخطاب حتى ينطق النطق السليم.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} وجاء الحكم في قوله الحق: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] وسبحانه يتكلم في المهور والأموال ويرتفع بالأمر إلى مرتبة اعتبار حسن التصرف في أمور اليتامى من المسئولية الإيمانية؛ فقد تكون اليتيمة لا مال لها وليست جميلة حتى يُطمع فيها أو في مالها، وفي هذه الحالة يجب على الولي أن يرعاها ويرعى حق الله فيها.
وقوله الحق: {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} هو أمر بأن يقوم المؤمن على أمر اليتامى بالعدل؛ لأن اليتيمة قد تكون مع الولي ومع أهله، وقد يكون لليتيمة شيء من الوسامة، فيسرع إليها الولي بعطف وحنان زائد عن أولاده، وينبه الحق أن رعاية اليتيمة يجب أن تتسم بالعدل، ولا تزيد. ويقول سبحانه: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} ليدلنا على أن أمر الفعل والقيام به ليس مناط الجزاء، ولكن أمر النية في الفعل هو مناط الجزاء، فإياك أيها المؤمن أن تقول: فعلت، ولكن قل: فعلت بنيّة كذا.