فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي آية أخرى بعد: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما}.
فيهما سؤالان:
قوله في الأولى: {وإن تحسنوا وتتقوا} وفى الثانية {وإن تصلحوا} والختامان {خبيرا} في الأولى و{غفورا} في الثانية.
والجواب والله أعلم: أن الآية الأولى فيما بين المرأة وزوجها فإذا خافت منه وأرادت تآلفه وبقاءه وكينونتها في عصمته فلا جناح عليهما أن تعطى شيئا من نفسها وتترك بعض حقها كأن تؤثر ضرتها في القسمة أو تترك هي حظها كما فعلت سودة رضى الله عنها أو تهب له من حالها لا جناح عليهما في هذا ولا على زوجها في قبول ذلك منها وإن كان الطبع يأبى من إسقاط حق أو تنقصه لما جبلت عليه النفوس وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح} ثم قال تعالى: {وإن تحسنوا وتتقوا} فندب كلا منهما إلى الإحسان والتقوى والزوج أخص بذلك وأولى وأن يحتمل كل منهما من صاحبه ويصبر فإن الله مطلع عليه خبير بما يكنه ويخفيه، ثم قال: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بيم النساء ولو حرصتم} لأن القلوب لا تملك ولا بيد الإنسان فسادها ولا صلاحها فإن عدل في القسمة والمحادثة والإنفاق والنظر وبشاشة الوجه وجميل الملاقاة وفرضنا اجتهاده في هذا كله حتى تحصل المساواة لم يقدر أن يميل بقلبه إلى كلهن على حال سواء: {فلا تميلوا كل الميل} بل على الإنسان أن يجتهد وفى الحديث عنه عليه السلام: «اللهم هذه قسمتى فيما أملك فلا تلمنى فيما لا أملك»، «فتذروها كالمعلقة» لا ممسكة ولا مطلقة ثم قال تعالى: {وإن تصلحوا وتتقوا} والمراد ما استطعتم وكان في إمكانكم فإن الله يغفر لكم ما سوى ذلك.
والآية الأولى مقصودها يستدعى ما ختمت به من أنه تعالى خبير بأفعال عباده وأعمالهم الظاهرة والباطنة ومساق هذه الأخرى يستدعى مغفرته تعالى إذ قد عرفت الآية أن العدل لا يستطاع فإن لم تكن المغفرة هلك الملكف فورد أعقاب كل آية بما يناسب وأما ورود {وإن تحسنوا} في الآية الأولى وورود {وإن تصلحوا} هنا فمفهوم مما تمهد وأنسب شيء والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}
صحبة الخلق بعضهم مع بعض إن تجردت عن حديث الحق فإنها تتعرض للوحشة والملامة، وممازجة النفرة والسامة. فمَنْ أعرض عن الله بقلبه أعرض الخلْقُ عن مراعاة حقه، وخرج الكافة عليه باستصغار أمره واستحقار قَدْرِه. ومَنْ رجع إلى الله بقلبه، استوى له- في الجملة والتفصيل- أمرُه، واتسع لاحتمال ما يستقبل من سوء خُلُقِ الخَلْق صدرُه فهو يسحب ذيلَ العفو على هَنَاتِ جميعهم، ويُؤثِرُ الصلح بترك نصيبه وتسليم نصيبهم قال الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
واتضاعك في نفسك عن منافرة مَنْ يخاصمك أجدى عليك، وأحرى لك من تطاولك على خصمك باغيًا الانتقام، وشهودِ مَالَكَ في مزية المقام. وأكثر المنافقين في أسْرِ هذه المحنة.
قوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ}: وشُحُّ النَفْس قيام العبد بحظِّه.
فلا محالة مَنْ حُجِبَ عن شهود الحق رُدَّ إلى شهود النَّفْس.
قوله تعالى: {وَإِن تُحْسِنُوا}: يعني يكن ذلك خيرًا لكم. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
{وَتَتَّقُوا}: يعني عن رؤيتكم مقامَ أنفسكم، وشهود قَدْرِكم، يعني وأنْ تروا ربَّكم، وتفنوا برؤيته عن رؤية قدْرِكم.
{إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} يعني إذا فنيتم عنكم وعن عملكم، فكفى بالله عليمًا بعد فنائكم، وكفى به موجدًا عقب امتحائكم. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنِ امرأة خافت} شروعٌ في بيان ما لم يُبيَّن فيما سلف من الأحكام أي إن توقعت امرأةٌ {مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا} أي تجافيًا عنها وترفّعًا عن صحبتها كراهةً لها ومنعًا لحقوقها {أَوْ إِعْرَاضًا} بأن يُقِلَّ محادثَتَها ومؤانستَها لما يقتضي ذلك من الدواعي والأسباب {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} حينئذ {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} أي في أن يصلحا بينهما بأن تحُطَّ عنه المَهرَ أو بعضَه أو القَسْمَ كما فعلت سَودةُ بنتُ زَمعةٍ حين كرِهت أن يفارِقَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فوهَبت يومَها لعائشة رضي الله عنها أو بأن تهَبَ له شيئًا تستميلُه، وقرئ {يَصّالحا} من يتصالحا ويصَّلِحا من يصطلحا ويُصالِحا من المفاعلة، وصُلحًا إما منصوبٌ بالفعل المذكورِ على كل تقديرٍ على أنه مصدرٌ منه بحذف الزوائدِ، وقد يُعبّر عنه باسم المصدرِ كأنه قيل: إصلاحًا أو تصَالُحًا أو اصطلاحًا حسبما قرئ الفعل أو بفعل مترتبٍ على المذكور أي فيُصلِح حالَهما صلحًا، وبينهما ظرفٌ للفعل أو حال من صُلحًا، والتعرُّضُ لنفي الجُناحِ عنهما مع أنه ليس من جنابها الأخذُ الذي هو المَظِنَّةُ للجُناح لبيان أن هذا الصلحَ ليس من قبيل الرَّشوةِ المحرمة للمعطي والآخذ.
{والصلح خَيْرٌ} أي من الفُرقة أو من سوء العِشرةِ أو من الخصومة فاللامُ للعهد أو هو خيرٌ من الخيور فاللامُ للجنس والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبله وكذا قوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} أي جعلت حاضرةً له مطبوعةً عليه لا تنفك عنه أبدًا، فلا المرأةُ تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجلُ يجود بحسن المعاشرةِ مع دمامتها فإن فيه تحقيقًا للصلح وتقريرًا له بحثِّ كلَ منهما عليه لكنْ لا بالنظر إلى حال نفسِه فإن ذلك يستدعي التماديَ في المماسكة والشقاقِ بل بالنظر إلى حال صاحبِه فإن شحَّ نفسِ الرجلِ وعدمَ ميلِها عن حالتها الجِبِلِّية بغير استمالةٍ مما يحمِل المرأةَ على بذل بعض حقوقِها إليه لاستمالته وكذا شحُّ نفسِها بحقوقها مما يحمل الرجلَ على أن يقتنع من قِبَلها بشيء يسير ولا يُكلّفَها بذلَ الكثيرِ فيتحقق بذلك الصلح {وَإِن تُحْسِنُواْ} في العِشرة {وَتَتَّقُواْ} النشوزَ والإعراضَ مع تعاضُد الأسبابِ الداعيةِ إليهما وتصبِروا على ذلك مراعاةً لحقوق الصُّحبةِ ولم تَضْطَرُّوهن إلى بذل شيءٍ من حقوقهن {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي من الإحسان والتقوى أو بما تعملون جميعًا فيدخُل ذلك فيه دخولًا أوليًا {خَبِيرًا} فيجازيكم ويثبتُكم على ذلك ألبتةَ لاستحالة أن يُضيِّعَ أجرَ المحسنين. وفي خطاب الأزواجِ بطريق الالتفاتِ والتعبيرِ عن رعاية حقوقِهن بالإحسان ولفظِ التقوى المنبئ عن كون النشوزِ والإعراض مما يُتوقى منه وترتيبِ الوعدِ الكريمِ عليه من لطف الاستمالةِ والترغيب في حسن المعاملةِ ما لا يخفى. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا أَنْ يُفَارِقَهَا، فَيَقُولُ: أَجْعَلُك مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ.
قَالَ الْقَاضِي رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الصِّدِّيقَة الطَّاهِرَةِ: لَقَدْ وَفَتَّ مَا حَمَلَهَا رَبُّهَا مِنْ الْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}.
وَلَقَدْ خَرَجَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ الْعَهْدِ.
«وَهَذَا كَانَ شَأْنُهَا مَعَ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ لَمَّا أَسَنَّتْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَآثَرَتْ الْكَوْنَ مَعَ زَوْجَاتِهِ.
فَقَالَتْ لَهُ: امْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَتْ وَهِيَ مِنْ أَزْوَاجِهِ»
.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَائِشَةَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الرُّعْنِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الرَّجُلَ إذَا أَخَذَ شَبَابَ الْمَرْأَةِ وَأَسَنَّتْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَبَدَّلَ بِهَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَفَعَ حَرَجًا وَجَعَلَ مِنْ هَذِهِ الضِّيقَةِ مَخْرَجًا. اهـ.

.من فوائد الفيروزابادي:

بصيرة في الامرأة:
اعلم أَنَّ المَرْءَ والمرأَة اسمان على فَعْل وفَعْلة.
وهما من الاسماءِ الموصولة؛ مثل ابن، وابنة، واثنين، واثنتين.
والأَصل فيهما مرٌ ومرَة من غير همزة، لكن أَلحقوا بهما همزتين، إِحداهما في الآخرِ للوقف، والأُخرَى في الأَوّل لتسهيل النّطق والابتداءِ.
ومن عجائب الأَسماءِ امُرؤ؛ لأَنَّ إِعراب الأَسماءِ في آخرها دون أَوّلها ووسطها.
وهذا فيه ثلاث لغات: فتح الرّاءِ دائمًا: وضمّها دائمًا، وإِعرابها دائمًا.
وتقول أَيضًا: هذا امرؤ، ومُرْءٌ، ورأَيت امرءًا، ومررت بامرئ وبِمِرءٍ، معربًا من مكانين.
والمَرْءُ والمرأَةُ- مثَلة الميم- الإِنسان.
ولا يجمع من لفظه.
وقيل: سُمِع مَرْءُون؛ قال الحَسَن: أَحسِنُوا أَخلاقكم أَيّها المَرْءُون.
وجاءَ الامرأَة في القرآن على اثنى عشر وجهًا.
الأَوّل: بمعنى زَلِيخا المصريّة.
{امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} {لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}.
الثانى: بمعنى بِلْقِيس: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ}.
الثالث: بمعنى آسِية {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ}.
الرّابع: بمعنى سارة زوج الخليل إبراهيم عليه السّلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}.
الخامس: بمعنى حَنَّة امرأَة عمران بن هامان أَمّ مريم الصدّيقة: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ}.
السّادس: بمعنى زَوْج لُوط النبي واسمها واهله {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ}.
السّابع: بمعنى واعلة زوج نوح عليه السلام {مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ}.
الثامن: بمعنى أَمَّ جَمِيل زوج أَبى لهب: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.
التَّاسع: بنت محمّد بن مَسْلمة، وقيل أُخته {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا}.
العاشر: بنتا شعيب عليه السلام {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ}.
الحادى عشر: أَمّ شَرِيك التي قدّمت نفسها للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وخصّصها الله تعالى بالذِّكر، وشهد لها بالإِيمان {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}.
الثانى عشر: واحدة من نساءِ المسلمين الصّالحات العادلات {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}
وساعة نرى «إن» وبعدها اسم مرفوع كما في قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6]
فلنعرف أن «إنْ» هذه داخلة على فعل، أي أن ترتيبها الأساسي هو: وإن استجارك أحد من المشركين فأجره. وهنا في هذه الآية: يكون التقدير: وإن خافت إمرأة من بعلها نشوزًا، وما الخوف؟. هو توقع أمر محزن أو مسيء؛ لم يحدث بعد ولكن الإنسان ينتظره، وحين يخاف الإنسان فهو يتوقع حدوث الأمر السيء. وهكذا نجد أنّ الخوف هو توقع ما يمكن أن يكون متعبًا. وقوله الحق: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} أي أن النشوز لم يحدث ولكن المرأة تخاف أن يحدث. ورتب الحق الحكم على مجرد الخوف من النشوز لا حدوث النشوز بالفعل، وهذه لفتة لكل منا ألا يترك المسائل حتى تقع، بل عليه أن يتلافى أسبابها قبل أن تقع؛ لأنها إن وقعت ربما استعصى عليه تداركها وإن رأت المرأة بعضًا من ملامح نشوز الزوج فعليها أن تعالج الأمر.