فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: هم اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت، وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} قال: هؤلاء اليهود، آمنوا بالتوراة ثم كفروا، ثم ذكر النصارى فقال: {ثم آمنوا ثم كفروا} يقول: آمنوا بالإنجيل ثم كفروا به {ثم ازدادوا كفرًا} بمحمد صلى الله عليه وسلم {ولا ليهديهم سبيلًا} قال: طريق هدى وقد كفروا بآيات الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: هؤلاء المنافقون آمنوا مرتين وكفروا مرتين {ثم ازدادوا كفرًا}.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: هم المنافقون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي أنه قال في المرتد: إن كنت لمستتيبه ثلاثًا، ثم قرأ هذه الآية {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازداودا كفرًا}.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن فضالة بن عبيد. أنه أتي برجل من المسلمين قد فر إلى العدوّ فأقاله الإسلام، فأسلم ثم فر الثانية، فأتي به فأقاله الإسلام، ثم فر الثالثة، فأتي به فنزع بهذه الآية {إن الذين آمنوا ثم كفروا} إلى {سبيلًا} ثم ضرب عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ازدادوا كفرًا} قال: تموا على كفرهم حتى ماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد. مثله.
وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي وابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول كل يوم: أنا ربكم العزيز، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز». اهـ.

.تفسير الآية رقم (140):

قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وقد} أي يتخذونهم والحال أنه قد {نزل عليكم} أي أيتها الأمة، الصادقين منكم والمنافقين {في الكتاب} أي في سورة الأنعام النازلة بمكة المشرفة النهي عن مجالستهم فضلًا عن ولايتهم، أفلا تخافون عزة من نهاكم عن ذلك أن يضربكم بذل لا تخلصون منه أبدًا، لأنهم لا ينفكون عن الكفر بآيات الله فإنه لا تباح ولايتهم في حال من الأحوال إلا عند الإعراض عن الكفر، وذلك هو المراد من قوله: {أنْ} أي إنه {إذا سمعتم آيات الله} أي ذي الجلال والإكرام.
ولما كان السماع مجملًا بين المراد بقول: {يكفر بها} أي يستر ما أظهرت من الأدلة من أي كافر كان من اليهود وغيرهم {ويستهزأ بها} أي يطلب طلبًا شديدًا أن تكون مما يهزأ به {فلا تقعدوا معهم} أي الذين يفعلون ذلك بها {حتى يخوضوا} وعبر عن الشروع بالخوض إيماء إلى أن كلامهم لا يخلو عن شيء في غير موضعه، رمزًا إلى عدم مجالستهم على كل حال {في حديث غيره} فهذا نهي من مجرد مجالستهم فكيف بولايتهم.
ولما كانت آية الأنعام مكية اقتصر فيها على مجرد الإعراض وقطع المجالسة لعدم التمكن من الإنكار بغير القلب، وأما هذه الآية فمدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكن لكل مسلم، فالمجالس من غير نكير راض، فلهذا علل بقوله: {إنكم إذًا} أي إذا قعدتم معهم وهم يفعلون ذلك {مثلهم} أي في الكفر لأن مجالسة المظهر للإيماء المصرح بالكفران دالة على أن إظهاره لما أظهر نفاق، وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر والرضى بالكفر كفر، فاشتد حسن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم بقوله مستأنفًا لجواب السؤال عما تكون به المماثلة: {إن الله} أي الذي أحاط علمه فتمت قدرته {جامع}.
ولما كان حال الأخفى أهم قدم قوله: {المنافقين} أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فيقعدون مع من يسمعونه بكفر {والكافرين} أي الذين يجاهرون بكفرهم لرسوخهم فيه {في جهنم} التي هي سجن الملك {جميعًا} كما جمعهم معهم مجلس الكفر الذي هو طعن في ملك الملك، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصي ومجالسه بالخلطة من غير إنكار. اهـ.

.قال الفخر:

قال المفسرون: إن المشركين كانوا في مجالسهم يخوضون في ذكر القرآن ويستهزئون به، فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في ءاياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ في حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] وهذه الآية نزلت بمكة، ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون مثل فعل المشركين، والقاعدون معهم والموافقون لهم على ذلك الكلام هم المنافقون، فقال تعالى مخاطبًا للمنافقين إنه: {قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايات الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} والمعنى إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، ولكن أوقع فعل السماع على الآيات والمراد به سماع الاستهزاء.
قال الكسائي: وهو كما يقال: سمعت عبد الله يلام.
وعندي فيه وجه آخر وهو أن يكون المعنى: إذا سمعتم آيات الله حال ما يكفر بها ويستهزأ بها، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى ما قال الكسائي، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غير الكفر والاستهزاء.
ثم قال: {إِنَّكُمْ إِذًا مّثْلُهُمْ}.
والمعنى: أيها المنافقون أنتم مثل أولئك الأحبار في الكفر.
قال أهل العلم: هذا يدل على أن من رضي بالكفر فهو كافر، ومن رضي بمنكر يراه وخالط أهله وإن لم يباشر كان في الإثم بمنزلة المباشر بدليل أنه تعالى ذكر لفظ المثل ههنا، هذا إذا كان الجالس راضيًا بذلك الجلوس، فأما إذا كان ساخطًا لقولهم وإنما جلس على سبيل التقية والخوف فالأمر ليس كذلك، ولهذه الدقيقة قلنا بأن المنافقين الذين كانوا يجالسون اليهود، وكانوا يطعنون في القرآن والرسول كانوا كافرين مثل أولئك اليهود، والمسلمون الذين كانوا بالمدينة كانوا بمكة يجالسون الكفار الذين كانوا يطعنون في القرآن فإنهم كانوا باقين على الإيمان، والفرق أن المنافقين كانوا يجالسون اليهود مع الاختيار، والمسلمين كانوا يجالسون الكفار عند الضرورة.
ثم إنه تعالى حقق كون المنافقين مثل الكافرين في الكفر فقال: {إِنَّ الله جَامِعُ المنافقين والكافرين في جَهَنَّمَ جَمِيعًا}.
يريد كما أنهم اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله في الدنيا فكذلك يجتمعون في عذاب جهنم يوم القيامة، وأراد جامع بالتنوين لأنه بعد ما جمعهم ولكن حذف التنوين استخفافًا من اللفظ وهو مراد في الحقيقة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} أي غير الكفر.
{إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضِي فعلهم، والرّضا بالكفر كفر؛ قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}.
فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكِر عليهم يكون معهم في الوِزر سواء، وينبغي أن ينكِر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعمِلوا بها؛ فإن لم يقدر على النكِير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قومًا يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} أي إن الرضا بالمعصية معصية؛ ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبِّه بحكم الظاهر من المقارنة؛ كما قال:
فكل قرين بالمقارِن يقتدي

وقد تقدّم.
وإذا ثبت تجنّب أصحاب المعاصي كما بيّنا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى.
وقال الكلبيّ: قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} نسخ بقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} [الأنعام: 69].
وقال عامة المفسرين: هي محكمة.
وروى جويبر عن الضحاك قال: دخل في هذه الآية كل محدِث في الدين مُبْتَدِع إلى يوم القيامة. اهـ.

.قال الشوكاني:

وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص، والاستهزاء للأدلة الشرعية، كما يقع كثيرًا من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه بكذا، وإذا سمعوا من يستدلّ على تلك المسألة بآية قرآنية، أو بحديث نبوي سخروا منه، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسًا، ولا بالوا به بالة، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع، وخطب شنيع، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه العايل، واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل، مقدّمًا على الله، وعلى كتابه، وعلى رسوله، فإنا لله، وإنا إليه راجعون، ما صنعت هذه المذاهب بأهلها، والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم براء من فعلهم، فإنهم قد صرّحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم، كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة بالقول المفيد في حكم التقليد وفي مؤلفنا المسمى بأدب الطلب، ومنتهى الأرب اللهم انفعنا بما علمتنا، واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار، يا مجيب السائلين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وقد نبّهت الآية على التحذير من مجالسة العصاة، قال إِبراهيم النخعي: إِن الرجل ليجلس في المجلس فيتكلم بالكلمة، فيرضي الله بها، فتصيبُه الرحمة فتعمُّ من حوله، وإِن الرجل ليجلس في المجلس، فيتكلم بالكلمة، فيسخط الله بها، فيصيبه السخط، فيعم من حوله. اهـ.