فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ} خطاب للمنافقين بطريق الالتفات مفيد لتشديد التوبيخ الذي يستدعيه تعديد جناياتهم.
وقرأ ما عدا عاصمًا ويعقوب {نَزَّلَ} بالبناء لما لم يسم فاعله، والجملة حال من ضمير {يَتَّخِذُونَ} [النساء: 139] مفيدة أيضًا لكمال قباحة حالهم ببيان أنهم فعلوا ما فعلوا من موالاة أعداء الله تعالى مع تحقق ما يمنعهم عن ذلك، وهو ورود النهي عن المجالسة المستلزم للنهي عن الموالاة على آكد وجه وأبلغه إثر بيان انتفاء ما يدعوهم إليه بالجملة المعترضة كأنه قيل: تتخذونهم أولياء؛ والحال أنه تعالى نزل عليكم قبل هذا بمكة {فِى الكتاب} أي القرآن العظيم الشأن.
{أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايات الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ في حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في ءاياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] الآية، وهذا يقتضي الانزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة، فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم؟ا و{إن} هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر أي أنه إذا سمعتم، وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أي أنكم، وكون المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلا لضرورة كما قال أبو حيان في حيز المنع، وقد صحح غير واحد جواز ذلك من غير ضرورة، والجملة الشرطية خبر وهي تقع خبرًا في كلام العرب، و{إن} وما بعدها في موضع النصب على أنه مفعول به لنزل وهو القائم مقام الفاعل على القراءة الثانية، واحتمال أنه قد يجعل القائم مقامه عليكم، وتكون {إن} مفسرة لأن التنزيل في معنى القول لا يلتفت إليه، و{يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ} في موضع الحال من الآيات جئ بهما لتقييد النهي عن المجالسة، فإن قيد القيد قيد، والمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات، وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها، والضمير في {مَعَهُمْ} للكفرة المدلول عليهم بـ {يَكْفُرْ} {وَيُسْتَهْزَأُ} والضمير في غيره راجع إلى تحديثهم بالكفر والاستهزاء، وقيل: الكفر والاستهزاء لأنهما في حكم شيء واحد.
وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مّثْلُهُمْ} تعليل للنهي غير داخل تحت التنزيل و{إِذَا} ملغاة لأن شرط عملها النصب في الفعل أن تكون في صدر الكلام فلذا لم يجئ بعدها فعل، ومثل خبر عن ضمير الجمع وصح مع إفراده لأنه في الأصل مصدر، فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، وقيل: لأنه كالمصدر في الوقوع على القليل والكثير؛ أو لأنه مضاف لجمع فيعم، وقد يطابق ما قبله كقوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} [محمد: 38]، والجمهور على رفعه، وقرئ شاذًا بالنصب، فقيل: إنه منصوب على الظرفية لأن معنى قولك: زيد مثل عمرو في أنه حال مثله، وقيل: إنه إذا أضيف إلى مبنى اكتسب البناء ولا يختص ذلك بما المصدرية كما توهم بل يكون فيها مثل {مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23]، وفي غيرها كقوله:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ** إذ هم قريش وإذ (ما) مثلهم بشر

وابن مالك يشترط لاكتساب البناء أن لا يقبل المضاف التثنية والجمع كدون وغير وبين ولم يصحح ذلك في مثل وأعربه حالًا من الضمير المستتر في حق في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23].
وقوله تعالى: {إِنَّ الله جَامِعُ المنافقين والكافرين في جَهَنَّمَ جَمِيعًا} تعليل لكونهم مثلهم في الكفر ببيان ما يستلزمه من شركتهم لهم في العذاب، والمراد من المنافقين إما المخاطبون، وأقيم المظهر مقام المضمر تسجيلًا لنفاقهم وتعليلًا للحكم بمأخذ الإشتقاق، وإما للجنس وهم داخلون دخولًا أوّليًا وتقديمهم لتشديد الوعيد على المخاطبين وانتصابه على الحال طرز ما مر، واستشكل كون الخطاب للمنافقين بأنهم مثل الكافرين في الكفر من غير سببية القعود معهم فلا وجه لترتب الجزاء على الشرط، والعدول عن كون المماثلة في الكفر إلى المماثلة في المجاهرة به لا يحسن معه كون جملة {إِنَّ الله} إلخ تعليلًا لكونهم مثلهم بتلك المماثلة بالطريق الذي ذكر، وأيضًا الذين نهوا عن مجالسة الكافرين والمستهزئين بمكة هم المؤمنون المخلصون لا المنافقون لأن نجم النفاق إنما ظهر بالمدينة، فكيف يذكر المنافقون فيها بنهي نزل في مكة قبل أن يكونوا؟.
وأجيب عن هذا بأنه إن سلم أن المنزل على النبي كان خوطب به خاصة منزل على الأمة مخلصهم ومنافقهم إلى قيام الساعة، صح دخول المنافقين وإن لم يكونوا وقت النزول وإن لم يسلم ذلك فإن ادّعى الاقتصار على النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المؤمنون المخلصون أيضًا.
وإن ادّعى دخولهم فقط دون المنافقين الذين هم مؤمنون ظاهرًا فلا دليل عليه، كيف وجميع الأحكام متعلقة بالمؤمنين كيف كانوا ولسنا مكلفين بأن نشق على قلوب العباد، بل لنا الظاهر والله تعالى يتولى السرائر، على أنه قد قام الدليل على أن الأحكام الشرعية التي كانت صدر الإسلام ولم تنسخ مخاطب بها من نطق بالكلمة الطيبة وبلغته قبل يوم الساعة، فقد قال الله تعالى: {لاِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19] ولهذه الدغدغة قال بعض المحققين: إن المقصود من الخطاب هنا المؤمنون الصادقون، والمراد بمن يكفر ويستهزئ أعم من المنافقين والكافرين، وضمير {مَعَهُمْ} للمفهوم من الفعلين، ويؤيد ذلك ما نقل عن الواحدي أنه قال: كان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن فنهى الله تعالى المسلمين عن مجالستهم، والمراد من المماثلة في الجزاء المماثلة في الإثم لأنهم قادرون على الإعراض والإنكار لا عاجزون كما في مكة، أو في الكفر على معنى إن رضيتم بذلك وهو مبني على أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل، وهي رواية عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عثر عليها صاحب [الذخيرة].
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرًا إذا كان يستجيز الكفر أو يستحسنه أما إذا لم يكن كذلك ولكن أحب الموت أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيًا حتى ينتقم الله تعالى منه فهذا لا يكون كفرًا، ومن تأمل قوله تعالى: {رَبَّنَا اطمس} [يونس: 88] الآية يظهر له صحة هذه الدعوى وهو المنقول عن الماتريدي، وقول بعضهم: إن من جاءه كافر ليسلم فقال: اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفره لرضاه بكفره في زمان موافق لما روي عن الإمام لكن يدل على خلافه ما روي في الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يده ونظر إليه ثلاث مرات وهو معروف في السير، وهو يدل بظاهره على أن التوقف مطلقًا ليس كما قالوه كفرًا.
واستدل بعضهم بالآية على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، وإليه ذهب ابن مسعود وإبراهيم وأبو وائل، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وروى عنه هشام بن عروة أنه ضرب رجلًا صائمًا كان قاعدًا مع قوم يشربون الخمر، فقيل له في ذلك: فتلا الآية، وهي أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه والاعتماد على المعنى، ومن هنا قيل: إن مدار الإعراض عن الخائضين فيما يرضي الله تعالى هو العلم بخوضهم، ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالستهم لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط، وعن الجبائي إن المحذور مجالستهم من غير إظهار كراهة لما يسمعه أو يراه، وعلى هذا الذي ذهب إليه بعض المحققين يحتمل أن يراد بالمنافقين والكافرين في جملة التعليل ما أريد بضمير {مَعَهُمْ}، وصرح بهذا العنوان لما أشرنا إليه قبل، ويحتمل أن يراد الجنس ويدخل أولئك فيه دخولًا أوليًا. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
و(أنْ) في قوله: {أنْ إذا سمعتم} تفسيرية، لأنّ (نُزّل) تضمّن معنى الكلام دون حروف القول، إذ لم يقصد حكاية لفظ (ما نُزّل) بل حاصل معناه.
وجعَلها بعضهم مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوفًا، وهو بعيد.
وإسناد الفعلين: {يُكْفَر} و{يستهزأ} إلى المجهول لتتأتّى، بحذف الفاعل، صلاحية إسناد الفعلين إلى الكافرين والمنافقين.
وفيه إيماء إلى أنّ المنافقين يركنون إلى المشركين واليهود لأنّهم يكفرون بالآيات ويستهزئون، فتنثلج لذلك نفوس المنافقين، لأنّ المنافقين لا يستطيعون أن يتظاهروا بذلك للمسلمين فيشفي غليلَهم أن يسمع المسلمون ذلك من الكفّار.
وقد جعل زمان كفرهم واستهزائهم هو زمن سماع المؤمنين آيات الله.
والمقصود أنّه زمن نزول آيات الله أو قراءة آيات الله، فعدل عن ذلك إلى سماع المؤمنين، ليشير إلى عجيب تضادُّ الحالين، فلفي حالة اتّصاف المنافقين بالكفر باللَّه والهزل بآياته يتّصف المؤمنون بتلّقي آياته والإصغاء إليها وقصدِ الوعي لها والعمل بها.
وأعقب ذلك بتفريع النهي عن مجالستهم في تلك الحالة حتّى ينتقلوا إلى غيرها، لئلاّ يَتَوسّل الشيطان بذلك إلى استضعاف حرص المؤمنين على سماع القرآن، لأنّ للأخلاق عَدْوى، وفي المثل تُعدي الصّحاحَ مَبَارِك الجُرْب.
وهذا النهي يقتضي الأمر بمغادرة مجالسهم إذا خاضوا في الكفر بالآيات والاستهزاء بها.
وفي النهي عن القعود إليهم حكمة أخرى: وهي وجوب إظهار الغضب لله من ذلك كقوله: {تُلْقُونَ إليهم بالمودّة وقد كَفروا بما جاءكم من الحقّ} [الممتحنة: 1].
و(حتّى) حرف يعطف غاية الشيء عليه، فالنهي عن القعود معهم غايته أم يكفّوا عن الخوض في الكفر بالآيات والاستهزاء بها.
وهذا الحكم تدريج في تحريم موالاة المسلمين للكافرين، جُعل مبدأ ذلك أن لا يحضروا مجالس كفرهم ليَظهرَ التمايزُ بين المسلمين الخُلَّص وبين المنافقين، ورخّص لهم القعود معهم إذ خاضوا في حديث غير حديث الكفر.
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ تَرضَونَها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره} [التوبة: 23، 24].
وجعل جواب القُعود معهم المنهي عنه أنّهم إذا لم ينتهوا عن القعود معهم يكونون مثلهم في الاستخفاف بآيات الله إذ قال: {إنَّكم إذَنْ مثلُهم} فإنِّ (إذَنْ) حرف جواب وجزاء لكلام مَلفوظ به أو مقدّر.
والمجازاة هنا لكلام مقدّر دلّ عليه النهي عن القعود معهم؛ فإنّ التقدير: إن قعدتم معهم إذن إنّكم مثلهم.
ووقوع إذن جزاء لكلام مقدّر شائع في كلام العرب كقول العنبري:
لو كنتُ من مَازن لم تستبح إبلي ** بنو اللقيطة من ذُهْللِ شَيْبَانا

إذَنْ لقام بنصري مَعْشَر خُشُن ** عند الحَفيظة إن ذُو لَوْثَة لاَنا

قال المرزوقي في شرح الحماسة: وفائدة (إذن) هو أنّه أخرج البيت الثاني مَخرج جواب قائل له: ولو استباحوا مَاذا كان يَفعل بنو مازن؟ فقال: إذن لقام بنصري معشر خشن.
قلت: ومنه قوله تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذًا لارتابَ المُبطلون} [العنكبوت: 48].
التقدير: فلو كنت تتلو وتخطّ إذن لارتابَ المبطلون.
فقد علم أنّ الجزاء في قوله: {إنّكم إذن مثلهم} عن المنهي عنه لا عن النهي، كقول الراجز، وهو من شواهد اللغة والنحو:
لاَ تَتْرُكَنِّي فيهم شَطِيرا ** أنّي إذَنْ أهْلِكَ أو أطِيرا

والظاهر أنّ فريقًا من المؤمنين كانوا يجلسون هذه المجالس فلا يقدمون على تغيير هذا ولا يقُومون عنهم تَقيةً لهم فنُهوا عن ذلك.
وهذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقًا بجلوسه إلى المنافقين، وأرَيد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنّكم تصيرون مثلهم في التلبّس بالمعاصي.
وقوله: {إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا} تحذير من أن يكونوا مثلهم، وإعلام بأنّ الفريقين سواء في عدواة المؤمنين، ووعيد للمنافقين بعدم جدوى إظهارهم الإسلام لهم. اهـ.