فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ}
لمّا عَدِمُوا الإخلاص في الحقيقة، وما ذقوا فيما استشعروا من العقيدة، امتازوا عن المسلمين في الحُكْم، وباينوا الكافرين في الاسم، وواجبٌ على أهل الحقِّ التحرُّزُ عنهم والتحفُّظ منهم، ثم ضمن لهم سبحانه جميلَ الكفاية بقوله: {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وهذا على العموم؛ فإن وبال كيدهم إليهم مصروف، وجزاء مَكْرِهم عليهم موقوف، والحقُّ- من قِبَلِ الحقِّ سبحانه- منصورٌ أهلُه، والباطلُ- بنصر الحقِّ سبحانه- مُجْتثٌ أصلُه. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: سَبِيلًا فِي الْآخِرَةِ.
وَعَنْ السُّدِّيِّ: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةً، يَعْنِي فِيمَا فَعَلُوا بِهِمْ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ فَهُمْ فِي ذَلِكَ ظَالِمُونَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
وَيُحْتَجُّ بِظَاهِرِهِ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِرِدَّةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يُثْبِتُ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ سَبِيلًا فِي إمْسَاكِهَا فِي بَيْتِهِ وَتَأْدِيبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَعَلَيْهَا طَاعَتُهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، فَاقْتَضَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِرِدَّةِ الزَّوْجِ وَزَوَالِ سَبِيلِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَحُقُوقُهُ ثَابِتَةٌ وَسَبِيلُهُ بَاقٍ عَلَيْهَا.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ: {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فَلَا تَدْخُلُ النِّسَاءُ فِيهِ.
قِيلَ لَهُ إطْلَاقُ لَفْظِ التَّذْكِيرِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، كَقَوْلِهِ: {إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وَقَدْ أَرَادَ بِهِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
وَيُحْتَجُّ بِظَاهِرِهِ أَيْضًا فِي الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَفِي الْحَرْبِيِّ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا تَحْتَهُ أَبَدًا.
وَيَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي إبْطَالِ شَرِّي الذِّمِّيِّ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمِلْكِ يَسْتَحِقُّ السَّبِيلَ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الشِّرَى لَيْسَ هُوَ السَّبِيلُ الْمَنْفِيُّ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَى لَيْسَ هُوَ الْمِلْكُ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا يَتَعَقَّبُ الشِّرَى، وَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ السَّبِيلَ عَلَيْهِ؛ فَإِذًا لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَفْيُ الشِّرَى إنَّمَا فِيهَا نَفْيُ السَّبِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الشِّرَى هُوَ الْمُؤَدِّي إلَى حُصُولِ السَّبِيلِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا كَمَا كَانَ السَّبِيلُ مُنْتَفِيًا.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ السَّبِيلُ عَلَيْهِ مُنْتَفِيًا وَيَكُونَ الشِّرَى الْمُؤَدِّي إلَى حُصُولِ السَّبِيلِ جَائِزًا، وَإِنَّمَا أَرَدْت نَفْيَ الشِّرَى بِالْآيَةِ نَفْسِهَا، فَإِنْ ضَمَمْت إلَى الْآيَةِ مَعْنًى آخَرَ فِي نَفْيِ الشِّرَى فَقَدْ عَدَلْت عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَا وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ صِحَّةَ الشِّرَى؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِصِحَّةِ الشِّرَى السَّبِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِالْبَيْعِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ هاهنا سَبِيلٌ عَلَيْهِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.
هَذَا خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ، وَنَحْنُ نَرَى الْكَافِرِينَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي بِلَادِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، فَقَالَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فِي الْحُجَّةِ، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ.
الثَّانِي: ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فِي الْحُجَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ وُجُودِ الْحُجَّةِ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَذَلِكَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحُجَّةِ لِلْكَافِرِ مُحَالٌ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْجَعْلُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ.
وَأَمَّا نَفْيُ وُجُودِ الْحُجَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضَعِيفٌ؛ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْخَبَرِ فِيهِ؛ وَإِنْ أَوْهَمَ صَدْرُ الْكَلَامِ مَعْنَاهُ؛ لِقَوْلِهِ: {فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فَأَخَّرَ الْحُكْمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ فِي الدُّنْيَا دُولَةً تَغْلِبُ الْكُفَّارُ تَارَةً وَتُغْلَبُ أُخْرَى بِمَا رَأَى مِنْ الْحِكْمَةِ وَسَبَقَ مِنْ الْكَلِمَةِ، ثُمَّ قَالَ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.
فَتَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ آخِرَ الْكَلَامِ يَرْجِعُ إلَى أَوَّلِهِ، وَذَلِكَ يُسْقِطُ فَائِدَتَهُ.
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا يَمْحُو بِهِ دَوْلَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبُ آثَارَهُمْ، وَيَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَدَعَوْت رَبِّي أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا».
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَجْعَلُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا مِنْهُ إلَّا أَنْ تَتَوَاصَوْا بِالْبَاطِلِ، وَلَا تَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَتَتَقَاعَدُوا عَنْ التَّوْبَةِ؛ فَيَكُونُ تَسْلِيطُ الْعَدُوِّ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ وَهَذَا نَفِيسٌ جِدًّا.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَجْعَلُ لَلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا بِالشَّرْعِ؛ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَبِخِلَافِ الشَّرْعِ، وَنَزَعَ بِهَذَا عُلَمَاؤُنَا فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ؛ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَفَى السَّبِيلَ لِلْكَافِرِ عَلَيْهِ، وَالْمِلْكُ بِالشِّرَاءِ سَبِيلٌ فَلَا يُشْرَعُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ مَعْنَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} فِي دَوَامِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّا نَجِدُ ابْتِدَاءَهُ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِالْإِرْثِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدٌ كَافِرٌ فِي يَدَيْ كَافِرٍ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ، فَقَبْلَ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ مَاتَ، فَيَرِثُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَارِثُ الْكَافِرِ، فَهَذِهِ سَبِيلٌ قَدْ ثَبَتَتْ ابْتِدَاءً، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ.
وَرَأَى مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ بِمِلْكِ الْمِيرَاثِ ثَابِتٌ قَهْرًا لَا قَصْد فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مِلْكُ الشِّرَاءِ ثَبَتَ بِقَصْدِ الْيَدِ، فَقَدْ أَرَادَ الْكَافِرُ تَمَلُّكَهُ بِاخْتِيَارِهِ.
قُلْنَا: فَإِنَّ الْحُكْمَ بِعَقْدِ بَيْعِهِ وَثُبُوتِ مِلْكِهِ؛ فَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ قَصْدُهُ وَجَعَلَ لَهُ سَبِيلُ الْيَدِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَة عَظِيمَةٌ، وَقَدْ حَقَّقْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَحَكَمْنَا بِالْحَقِّ فِيهَا فِي كتاب [الْإِنْصَافِ لِتَكْمِلَةِ الْإِشْرَافِ]، فَلْيُنْظَرْ هُنَا لَك. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ}
إما بدل من: {الّذِينَ يَتّخِذُونَ} وإما صفة للمنافقين: أي: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو هزيمة.
{فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّهِ} أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة: {قَالُواْ} لكم: {أَلم نَكُن مّعَكُمْ} أي: مظاهرين لكم، فَلَنَا دخل في فتحكم، فليكن لنا شركة في غنيمتكم.
{وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} أي: [إدالة] على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإن الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة.
{قَالُواْ} أي: الكفرة توددًا إليهم، ومصانعة لهم، ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم لضعف إيمانهم.
{أَلم نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم.
{وَنَمْنَعْكُم مّنَ المؤْمِنِينَ} بأن ثبطناهم عنكم، وتَوَاَنَيْنَا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم، وإلا لكنتم نهبة للنوائب، وتسمية (ظفر المسلمين) فتحًا، و(ما للكافرين) نصيبًا؛ لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين.
قال في الانتصاف: وهذا من محاسن نكت القرآن، فإن الذين كان يتفق للمسلمين فيه، استئصالٌ لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤها، وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحًا، فالتفريق بينهما أيضًا مطابق للواقع، والله أعلم.
قال بعض الزيدية: في الآية دلالة على وجوب محبة نصرة المؤمنين وكراهة أن تكون اليد عليهم، وتحريم خذلانهم، وإن المنافق لا سهم له، لأن في الآية إشارة إلى أنهم طلبوا لما منعوا، فقالوا: ألم نكن معكم؟ ثم قال، يجوز التأليف من الغنيمة للمنافقين، كما فعل الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يوم حنين، حتى أعطى الواحد منهم مائة ناقة، والواحد من المسلمين الشاة أو البعير.
{فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: حكمًا يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب، أي: فلا يغتر المنافقون بحقن دمائهم في الدنيا لتلفظهم بالشهادة، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا ينفعهم ظواهرهم.
وقوله تعالى: {وَلَن يجعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ردٌّ على المنافقين فيما أمَّلُوُه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفًا على أنفسهم منهم، إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: {فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} إلى قوله: {نَادِمينَ} [المائدة: 52]، أي: لن يسلط الله الكافرين على المؤمنين فيستأصلوهم بالكية، وإن حصل لهم ظفر حينًا ما، أفاده ابن كثير.
وهذا التأويل روعي فيه سابق الآية ولاحقها، وأن السياق في (المنافقين) وهو جيد، ويقرب منه ما في تفسير ابن عباس من حمل (الكافرين) على يهود المدينة، ومن وقف مع عمومها، قال: المراد بالسبيل الحجة، وتسميتها (سَبيلًا) لكونها موصلًا للغلبة، أو المراد: ما دام المؤمنون عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مّن مّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] قال: فلا يراد أنه قد يُدال للكافرين.
تنبيه:
قد يستدل بهذه الآية على أن الكافر لا ينكح مؤمنة، وأنه لا يلي على مؤمنة في نكاح ولا سفر، وأن الكافر لا يشفع المؤمن، وهذا قول الهادي في الأحكام والنفس الزكية والراضي بالله، وروي مثله عن الحسن الشعبي وأحمد.
وقال في [المنتخب] والمؤيد بالله والحنفية والشافعية: له الشفعة، لعموم أدلة الشفعة، وبالقياس على رد المعيب فيما شرى من مسلم، ويستدل بأن المرتد تبين منه امرأته المسلمة، والخلاف: هل بنفس الردة كما يقول الحنفية، أو بانقضاء العدة كما يقول المؤيد بالله والشافعية؟ وكذلك بيع العبد المسلم من الذمي، أجازه الحنفية ومنعه المؤيد والشافعية، لكن على الأول، يجبر على بيعه، فلا يستخدمه، قيل: أو الأمة مجمع على تحريم بيعها من الكافر إذا كانت مسلمة.
ولا خلاف أن الآية مخصوصة بأمور، منها: الدَّين يثبت للكافر على المؤمن، ومنها: أنه ينفق المؤمن على أبويه الكافرين ونحو ذلك، وإذا خص العموم فقد اختلف الأصوليون: هل تبقى دلالته على الباقي حقيقة أم مجازًا؟ انتهى.
وزاد بعض المفسرين: إن الكافر لا يرث المسلم، وإن المسلم لا يقتل بالذمي. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ}