فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأمّ القرآن» وقال: «لا تُجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صُلْبَه في الركوع والسجود» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، يرون أن يقيم الرجل صُلْبه في الركوع والسجود.
قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صُلْبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صُلْبه في الركوع والسجود».
قال ابن العربي وذهب ابن القاسم وأبو حنيفة إلى أن الطُّمأنينة ليست بفرض.
وهي رواية عراقية لا ينبغي لأحد من المالكين أن يشتغل بها.
وقد مضى في البقرة هذا المعنى.
الثانية: قال ابن العربي: إن من صلّى صلاة ليراها الناس ويرونه فيها فيشهدون له بالإيمان، أو أراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة وجواز الإمامة فليس ذلك بالرياء المنهي عنه، ولم يكن عليه حَرَجٌ؛ وإنما الرياء المعصية أن يُظهِرها صَيْدًا للناس وطريقًا إلى الأكل، فهذه نية لا تجزئ وعليه الإعادة.
قلت: قوله وأراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة فيه نظر.
وقد تقدّم بيانه في [النساء] فتأمله هناك.
ودلّت هذه الآية على أن الرياء يدخل الفرض والنفل: لقول الله تعالى: {وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ} فعمّ.
وقال قوم: إنما يدخل النفل خاصّة؛ لأن الفرض واجب على جميع الناس والنفل عرضة لذلك.
وقيل بالعكس، لأنه لو لم يأت بالنوافل لم يؤاخذ بها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}
استئناف ابتدائي، فيه زيادة بيان لمساويهم.
والمناسبةُ ظاهرة.
وتأكيد الجملة بحرف (إنّ) لتحقيق حالتهم العجيبة وتحقيق ما عقبها من قوله: {وهو خادعهم}.
وتقدّم الكلام على معنى مخادعة المنافقين الله تعالى في سورة البقرة (9) عند قوله: {يخادعون الله والذين آمنوا} وزادت هذه الآية بقوله: {وهو خادعهم} أي فقابلهم بمثل صنيعهم، فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتبعين أمر الله ورسوله خداعًا لله تعالى، كان إمْهال الله لهم في الدنيا حتى اطمأنّوا وحسبوا أن حيلتهم وكيدهم راجعا على المسلمين وأنّ الله ليس ناصرهم، وإنذارهُ المؤمنين بكيدهم حتّى لا تنطلي عليهم حيلهم، وتقديرُ أخذه إيّاهم بأخَرَة، شبيهًا بفعل المخادع جزءًا وفاقًا.
فإطلاق الخداع على استدراج الله إيّاهم أستعارة تمثيلية، وحسنَّتَهْا المشاكلة؛ لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللفظ المستعار.
فالمشاكلة ترجع إلى التلميح، أي إذا لم تكن لإطلاق اللفظ على المعنى المراد علاقةٌ بين معنى اللفظ والمعنى المراد إلاّ محاكاة اللفظ، سميّت مشاكلة كقول أبي الرقَعْمَق.
قالوا:
اقترْحْ شيئًا نجد لك طبخه ** قلتُ: أطبخوا لي جُبَّةً وقَميصًا

و{كُسالى} جمع كسلان على وزن فُعالى، والكَسلان المتّصف بالكسل، وهو الفتور في الأفعال لسآمةٍ أو كراهية.
والكسل في الصلاة مؤذن بقلّة اكتراث المصلّي بها وزهده في فعلها، فلذلك كان من شيم المنافقين.
ومن أجل ذلك حذّرت الشريعة من تجاوز حدّ النشاط في العبادة خشية السآمة، ففي الحديث: «عليكم من الأعمال بما تطيقون فإنّ الله لا يَمَلُّ حتّى تَمَلّوا».
ونهى على الصلاة والإنسان يريد حاجته، وعن الصلاة عند حضور الطعام، كلّ ذلك ليكون إقبال المؤمن على الصلاة بَشَرهٍ وعزم، لأنّ النفس إذا تطرّقتها السآمة من الشيء دبّت إليها كراهيته دبيبًا حتّى تتمكّن منها الكراهِية، ولا خطَر على النفس مثلُ أن تكره الخير.
و{كسالى} حال لازمة من ضمير {قاموا}، لأنّ قاموا لا يصلح أن يقع وحده جوابًا ل {إذا} التي شرطها {قاموا}، لأنّه لو وقع مجرّدًا لكان الجواب عين الشرط، فلزم ذكر الحال، كقوله تعالى: {وإذا مرّوا باللغو مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] وقول الأحوص الأنصاري:
فإذا تَزُولُ تَزُولُ عن مُتَخَمِّطٍ ** تُخْشَى بَوادره على الأقران

. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ المنافقين يخادعون الله} أي يفعلون ما يفعل المخادع فيظهرون الإيمان ويضمرون نقيضه، وعن الحسن واختاره الزجاج أن المراد يخادعون النبي صلى الله عليه وسلم على حد {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10] {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} أي فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث تركهم في الدنيا معصومي الدماء والأموال وأعد لهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار، وقيل: خداعه تعالى لهم أن يعطيهم سبحانه نورًا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين ثم يسلبهم ذلك النور ويضرب بينهم بسور، وروي ذلك عن الحسن، أيضًا والسدي واختاره جماعة من المفسرين وقد مر تحقيق ذلك ولله تعالى الحمد.
والجملة في محل نصب على الحال أو معطوفة على خبر {إن} أو مستأنفة كالأولى.
{وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى} أي متثاقلين متباطئين لا نشاط لهم ولا رغبة كالمكره على الفعل لأنهم لا يعتقدون ثوابًا في فعلها ولا عقابًا على تركها، وقرئ بفتح الكاف وهما جمعا كسلان. اهـ.

.قال الفخر:

المعنى أنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا لأجل الرياء والسمعة، لا لأجل الدين.
فإن قيل: ما معنى المراآة وهي مفاعلة من الرؤية.
قلنا: إن المرائي يريهم عمله وهم يرونه استحسان ذلك العمل، وفي قوله: {وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} وجوه: الأول: أن المراد بذكر الله الصلاة، والمعنى أنهم لا يصلون إلا قليلًا، لأنه متى لم يكن معهم أحد من الأجانب لم يصلوا، وإذا كانوا مع الناس فعند دخول وقت الصلاة يتكلفون حتى يصيروا غائبين عن أعين الناس.
الثاني: أن المراد بذكر الله أنهم كانوا في صلاتهم لا يذكرون الله إلا قليلًا، وهو الذي يظهر مثل التكبيرات، فأما الذي يخفى مثل القراءة والتسبيحات فهم لا يذكرونها.
الثالث: المراد أنهم لا يذكرون الله في جميع الأوقات سواء كان ذلك الوقت وقت الصلاة أو لم يكن وقت الصلاة إلا قليلًا نادرًا.
قال صاحب الكشاف: وهكذا نرى كثيرًا من المتظاهرين بالإسلام، ولو صحبته الأيام والليالي لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة، ولكن حديث الدنيا يستغرق به أيامه وأوقاته لا يفتر عنه.
الرابع: قال قتادة إنما قيل: إلا قليلًا، لأن الله تعالى لم يقبله، وما رده الله تعالى فكثيره قليل، وما قبله الله فقليله كثير. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُرَاءونَ الناس} ليحسبوهم مؤمنين، والمراآة مفاعلة من الرؤية إما بمعنى التفعيل لأن فاعل بمعنى فعل وارد في كلامهم كنعم وناعم وقراءة عبد الله وإسحق يروون تدل على ذلك، أو للمقابلة لأنهم لفعلهم في مشاهد الناس يرون الناس والناس يرونهم وهم يقصدون أن ترى أعمالهم والناس يستحسنونها، فالمفاعلة في الرؤية متحدة وإنما الاختلاف في متعلق الإراءة، فلا يرد على هذا الشق أن المفاعلة لابد في حقيقتها من اتحاذ الفعل ومتعلقه، والجملة إما استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: فماذا يريدون بقيامهم هذا؟ فقيل: يراءون إلخ، أو حال من ضمير {قَامُواْ} أو من الضمير في {كسالى}.
{وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} عطف على {يُرَاءونَ}، وقيل: حال من فاعله أي ولا يذكرونه سبحانه مطلقًا إلا زمانًا قليلًا، أو إلا ذكرًا قليلًا إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه وهو أقل أحواله، أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالنسبة إلى الذكر بالقلب، وقيل: إنما وصف بالقلة لأنه لم يقبل وكل ما لم يقبله الله تعالى قليل وإن كان كثيرًا، وروي ذلك عن قتادة، وأخرج البيهقي وغيره عن الحسن ما بمعناه.
وأخرج ابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل وقيل: المراد بالذكر الذكر الواقع في الصلاة نحو التكبير والتسبيح، وإليه ذهب الجبائي، وأيد بما أخرجه مسلم وأبو داود عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلًا».، وقيل: الذكر بمعنى الصلاة لأن الكلام فيها لا بمعناه المتبادر منه، وجوز أن يراد بالقلة العدم، واستشكل توجيه الاستثناء حينئذٍ.
وأجيب بأن المعنى: لا يذكرون الله تعالى إلا ذكرًا ملحقًا بالعدم لأنه لا ينفعهم فلا إشكال، ولا يخفى ما فيه فإن القلة بمعنى العدم مجاز، وجعل العدم بمعنى مالآنفع فيه مجاز آخر، ومع ذلك ليس في الكلام ما يدل عليه، وقال بعض المحققين: في توجيه الكلام على ذلك التقدير أن المعنى حينئذٍ لو صح أن يعد عدم الذكر ذكرًا فذلك ذكرهم على طريقة قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

وفيه وإن كان أهون من الأول ما فيه، واستدل بالآية على استحباب دخول الصلاة بنشاط، وعلى كراهة قول الإنسان كسلت، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يكره أن يقول الرجل إني كسلان ويتأول هذه الآية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ويُراءون} فعل يقتضي أنّهم يُرون الناس صلاتهم ويُريهم الناس.
وليس الأمر كذلك، فالمفاعلة هنا لمجرد المبالغة في الإراءة، وهذا كثير في باب المفاعلة.
وقوله: {ولا يذكرون الله إلاّ قليلًا} معطوف على {يُراءُون} إن كان {يراءون} حالًا أو صفة، وإن كان {يراءون} استئناف فجملة {ولا يذكرون} حال، والواو واو الحال، أي: ولا يذكرون الله بالصلاة إلاّ قليلًا.
فالاستثناء إمّا من أزمنة الذكر، أي إلاّ وقتًا قليلًا، وهو وقت حضورهم مع المسلمين إذ يقومون إلى الصلاة معهم حينئذٍ فيذكرون الله بالتكبير وغيره، وإمّا من مصدر {يذكرون}، أي إلاّ ذكرًا قليلًا في تلك الصلاة التي يُراءون بها، وهو الذكر الذي لا مندوحة عن تركه مثل: التأمين، وقول ربنا لك الحمد، والتكبير، وما عدا ذلك لا يقولونه من تسْبيحِ الركوع، وقراءةِ ركعات السرّ.
ولك أن تجعل جملة {ولا يذكرون} معطوفة على جملة {وإذا قاموا}، فهي خبر عن خصالهم، أي هم لا يذكرون الله في سائر أحوالهم إلاّ حالا قليلًا أو زمنًا قليلًا وهو الذكر الذي لا يخلو عنه عبد يحتاج لربّه في المنشط والمكره، أي أنّهم ليسوا مثل المسلمين الذين يذكرون الله على كلّ حال، ويكثرون من ذكره، وعلى كلّ تقدير فالآية أفادت عبوديتهم وكفرَهم بنعمة ربّهم زيادة على كفرهم برسوله وقرآنه. اهـ.

.قال الفخر:

مذبذبين: أي متحيرين، وحقيقة المذبدب الذي يذب عن كلا الجانبين، أي يرد ويدفع فلا يقر في جانب واحد، إلا أن الذبذبة فيها تكرير وليس في الذب، فكان المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه.
واعلم أن السبب في ذلك أن الفعل يتوقف على الداعي، فإن كان الداعي إلى الفعل هو الأغراض المتعلقة بأحوال هذا العالم كثر التذبذب والاضطراب، لأن منافع هذا العالم وأسبابه متغيرة سريعة التبدل، وإذا كان الفعل تبعًا للداعي، والداعي تبعًا للمقصود ثم إن المقصود سريع التبدل والتغير لزم وقوع التغير في الميل والرغبة، وربما تعارضت الدواعي والصوارف فيبقى الإنسان في الحيرة والتردد.
أما من كان مطلوبه في فعله إنشاء الخيرات الباقية، واكتساب السعادات الروحانية، وعلم أن تلك المطالب أمور باقية بريئة عن التغير والتبدل لا جرم كان هذا الإنسان ثابتًا راسخًا فلهذا المعنى وصف الله تعالى أهل الإيمان بالثبات فقال: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ} [إبراهيم: 27] وقال: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] وقال: {يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة} [الفجر: 26]. اهـ.