فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} فيه ثلاثة أقْوَالٍ:
أحدها: ذكرَه أبُو البقاء: أنه نَصْبٌ على الحَالِ.
والثاني: أنَّها في مَحَلِّ رفعٍ عطْفًا على خَبَر إنَّ.
الثالث: أنَّها استِئْنَاف إخْبَار بِذَلك.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وخادعٌ: اسم فاعِل من خَادعْتُه، فَخَدَعْتهُ إذا غَلَبْتهُ، وكنت أخْدَع مِنْه.
قوله: {وإذا قَامُوا} عطفٌ على خَبَر إنَّ أخبر عَنْهم بِهَذِه الصِّفَاتِ الذَّميمة، و{كُسَالى}: نصبٌ على الحَالِ من ضَمِير {قَامُوا} الواقع جوابًا، والجُمهورُ على ضمِّ الكاف، وهي لُغة أهل الحِجاز جمع كَسْلان: كسَكَارَى، وقرأ الأعرج بفتحها، وهي لُغَةُ تميم وأسَدٍ، وقرأ ابن السَّمَيْفع: {كَسْلى} وصَفَهم بِمَا تُوصف به المُؤنَّثَة المفردةُ، اعْتِبَارًا بمعنى الجماعة؛ كقوله: {وتَرَى الناسَ سَكْرى}، والكسلُ: الفُتُورُ والتواني، وأكْسَل: إذا جَامَعَ وفَتَر ولم يُنْزل.
قوله: {يُراؤون النَّاسَ} في هذه الجُمْلَةِ ثلاثةُ أوجه:
أحدُها: أنها حَالٌ من الضَّمير المُسْتَتر في {كُسَالى}.
الثاني: أنها بَدَلٌ من {كُسَالَى}؛ ذكره أبو البقاء، فيكونُ حالًا من فاعل {قَامُوا} وفيه نظر، لأنَّ الثَّاني ليس الأوَل ولا بَعْضَه ولا مُشْتَمِلًا عليه.
الثالث: أنها مُستأنفةٌ أخْبر عَنْهم بذلك، وأصلُ يُراؤون: يُرائِيُون، فأعِلَّ كَنَظائره، والجمهور على: {يُراؤون} من المُفاعلةِ.
قال الزَّمْخْشَرِيُّ: فإنْ قلت: ما مَعْنَى المراءاة، وهي مُفاعَلَة من الرُّؤيَة؟ قلت: لها وجهان:
أحدهما: أنَّ المُرَائِيَ يُريهم عَمَلَه، وهم يُرُونه الاسْتحْسَانَ.
والثاني: أن تكُونَ من المُفاعلة بمعنى: التَّفْعِيل، يقال: نعَّمه وناعَمَهُ، وفَنَّقه وفَانَقَه، وعيش مُفَانِق، وروى أبو زَيْد: رأَّت المَرْأةُ المِرْآة [الرَّجُل] إذا أمْسكَتْها له ليرى وَجهَه؛ ويدل عليه قراءةُ ابن أبي إسحاق: {يُرَؤّونَهُم} بهمزةٍ مُشَدَّدةٍ مثل: يُدَعُّونهم، أي: يُبَصِّرونهم ويُرَاؤونهم كذلك، يعني: أن قراءةَ: {يُرَؤُّنهم} من غير ألفٍ، بل بهمزةٍ مَضْمُومةٍ مشدَّدَةٍ توضِّح أنَّ المُفاعَلَة هنا بِمَعْنَى التفعيل.
قال ابن عَطِيَّة: وهي- يعني هذه القراءة- أقْوَى من {يُرَاؤُونَ} في المعنى؛ لأنَّ مَعْنَاها يَحْمِلُون النَّاسَ على أنْ يَرَوْهم، ويتظاهَرُون لهم بالصَّلاة ويُبْطنُون النِّفَاقَ وهذا منه ليس بجيِّد؛ لأنَّ المُفَاعَلة إنْ كَانَت عَلَى بابها، فهي أبْلَغُ لِما عُرِفَ غيرَ مرَّة، وإنْ كانت بِمَعْنَى التفعيل، فهي وَافِيةٌ بالمَعْنَى الذي أرَادَه، وكأنه لم يَعْرِف أنَّ المفاعلة قد تَجِيءُ بمعنى التَّفْعِيل.
ومتعلَّقُ المُرَاءاةِ محذُوفٌ؛ لِيَعُمَّ كلَّ ما يُراءى به، والأحْسَن أن تُقَدِّر: يُراؤون النَّاسَ بأعْمَالِهم.
قوله: {وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} {ولا يَذْكُرُون}، يجوز أن يكون عَطْفًا على {يُرَاؤُون}، وأن يكون حالًا من فاعِل {يُراؤُون} وهو ضعيفٌ؛ لأن المُضارع المَنْفِيَّ بـ {لا} كالمُثْبَتِ، والمُثْبَتُ إذا وَقَع حالًا، لا يَقْترِنُ بالوَاوِ، فإنْ جَعَلها عَاطِفَةً، جَازَ.
وقوله: {قليلًا}: نعتٌ لمصدرٍ محذُوفٍ، أو لزمان مَحْذوفٍ، أي: ذكْرًا قليلًا أو زمنًا قليلًا، والقلةُ هُنَا على بابها، وجَوَّز الزَّمَخْشَرِيُّ وابن عطِيَّة: أن تكون بِمَعْنَى العَدَم، ويأباه كَوْنُه مُسْتَثْنى، وقد تقدَّم الردُّ عليهمَا في ذَلِكَ.
قوله: {مُذَبْذَبِينَ}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه [حالٌ] من فاعل {يراءون}.
الثاني: أنه حالٌ من فاعل {وَلاَ يَذْكُرُون}.
الثالث: أنه منصوبٌ على الذَّمِّ، والجمهور على {مُذَبْذَبينَ} بميم مضمومة وذَالَيْن معجمتَيْن، ثانيتهما مفتوحةٌ على أنه اسم مفعول، من ذَبْذَبْتُهُ، فَهُوَ مُذَبْذَبٌ، أي: مُتَحَيِّرٌ، وقرأ ابن عبَّاس وعمرو بنُ فائدٍ بكَسْر الذال الثانيةِ اسمَ فاعلٍ، وفيه احتمالان:
أحدهما: أنه من ذَبْذَب متعدِّيًا، فيكونُ مفعولُه محذوفًا، أي: مُذَبْذَبينَ أنْفُسَهُمْ أو دينهُمْ، أو نحو ذلك.
الثاني: أنه بمعنى تَفَعْلَل، نحو: صَلْصَلَ فيكون قاصرًا؛ ويَدُلُّ على هذا الثاني قراءةُ أبَيٍّ، وما في مصحف عبد الله: {مُتَذَبْذِبِينَ} فلذلك يُحْتَمَلُ أن تكونَ قراءةُ ابن عبَّاس بمعنى مُتَذَبْذبين، وقرأ الحَسَنُ البصريُّ {مَذَبْذَبِين} بفتح الميم.
قال ابن عطيَّة: وهي مردودةٌ وقال غيره: لا ينبغي أن تَصِحَّ عنه، واعتذر أبو حيان عنها لأجْلِ فصاحة الحَسَن، واحتجاجِ الناس بكلامه بأنَّ فتْح الميم لأجل إتباعها بحركة الذال؛ قال: وإذا كانُوا قد أتبعوا في مِنْتِنٍ حركة الميم بحركة التاء، مع الحاجز بينهما، وفي نحو مُنْحَدُر أتبعوا حركة الدال بحركة الراء حالة الرفع، مع أنَّ حركة الإعراب غيرُ لازمة؛ فلأنْ يُتْبِعُوا في نحو {مَذَبْذَبِينَ} أوْلَى.
قال شهاب الدين: وهذا فاسدٌ؛ لأن الإتباع في الأمثلة التي أوردها ونظائِرَها إنما هو إذا كانت الحركةُ قويةً، وهي الضمةُ والكسرةُ، وأمَّا الفتحةُ فخفيفةٌ، فلم يُتْبِعُوا لأجْلها، وقرأ ابن القعقاع بدَالَيْن مُهْملتَيْنِ من الدُّبَّة، وهي الطريقة الَّتي يُدَبُّ فيها يقال: خَلِّني وَدُبَّتِي أي: طريقَتِي؛ قال: [الطويل]
طَهَا هُذْرُبَانٌ قَلَّ تَغْمِيضُ عَيْنِهِ ** عَلَى دُبَّةٍ مِثْلِ الْخَنِيفِ المُرَعْبَلِ

وفي حديث ابن عبَّاس: اتَّبِعُوا دُبَّةَ قُرَيْشٍ، أي: طَريقَهَا، فالمعنى على هذه القراءة: أن يأخُذَ بهم تارةً دُبَّةً، وتارة دُبَّةً أخرى، فَيَتْبَعُونَ متحيِّرين غيرَ ماضينَ على طريقٍ واحدٍ.
ومُذَبْذَبٌ وشبهُه نحْوُ: مُكَبْكَبٍ ومُكَفْكَفٍ؛ مِمَّا ضُعِّفَ أولُه وثانيه، وصَحَّ المعنى بإسقاط ثالثه- فيه مذاهبٌ:
أحدها:- وهو قولُ جمهور البصريين-: أنَّ الكلَّ أصولٌ؛ لأنَّ أقلَّ البنية ثلاثةُ أصولٍ، وليس أحدُ المكرَّرين أوْلَى بالزيادةِ من الآخر.
الثاني- ويُعْزَى للزجَّاج-: أنَّ ما صَحَّ إسقاطُه زائدٌ.
الثالث- وهو قول الكوفيين-: أن الثالث بدلٌ من تضعيف الثاني، ويزعُمُون أن أصل كَفْكَفَ: كَفَّفَ بثلاث فاءات، وذَبْذَبَ: ذَبَّبَ بثلاث ياءات، فاستُثْقِل توالي ثلاثةِ أمثالٍ، فأبْدَلُوا الثالثَ من جنْس الأوَّل، أمَّا إذا لم يَصِحَّ المعنى بحذفِ الثالث، نحو: سِمْسِم وَيُؤيُو وَوَعْوَعٍ؛ فإنَّ الكلَّ يزعمون أصالةَ الجميعِ، والذَّبْذَبَةُ في الأصل: الاضطرَابُ والحركة ومنه سُمِّي الذُّباب؛ لكَثْرة حركَتِه.
قال عليه السلام: «من وُقي شر قَبْقَبه وذبذبه ولَقْلَقِه وجبت له الجَنَّة» يعني: الذكر يُسَمَّى بذلك لتَذَبْذُبِه، أي: حركته، وقيل التَّذَبْذُب: التَّرَدُّد بين حَالَيْن.
قال النابغة: [الطويل]
ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورَةً ** تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ

وقال آخر: [الطويل]
خَيَالٌ لأمِّ السَّلْسَبِيلِ وَدُونَهَا ** مَسِيرَةُ شَهْرٍ للْبَعيرِ المُذَبْذِبِ

بكسر الذال الثانية، قال ابنُ جنِّي: أي: القَلق الذي لا يستقرُّ؛ قال الزمخشريُّ: وحقيقةُ المذبذب الذي يُذَبُّ عن كلا الجانبين، أي: يُذاد ويُدْفع، فلا يقرُّ في جانبٍ واحدٍ، كما يقال: فُلانٌ يُرْمَى به الرَّحَوانِ، إلا أنَّ الذبذبة فيها تكريرٌ ليْسَ في الذَّبِّ، كأنَّ المعنى: كلَّما مالَ إلى جانبٍ ذَبَّ عنه.
قال ابن الأثير في [النهاية] وأصْلُه من الذَّبِّ وهو الطَّرْدُ؛ ومنه قوله- عليه الصلاة والسلام: «تزوَّجْ وإلاَّ فأنْتَ مِنَ المُذَبْذَبِينَ» أي: المَطْرُودين عن المؤمنين لأنَّكَ لم تَقْتَدِ بهم، وعن الرُّهْبَانِ؛ لأنك تَرَكْتَ طَريقَتَهُم، ويجُوز أن يكُونَ من الأوّل.
و{بَيْنَ} معمولٌ لقوله: {مُذَبْذَبِينَ} و{ذَلِكَ} إشارةٌ إلى الكُفْر والإيمانِ المدلولِ عليهما بذكْرِ الكافرين والمؤمنين، ونحو: [الوافر]
إذا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إليه

أي: إلى السَّفَهِ؛ لدلالة لفظ السفيه عليه، وقال ابن عطية: أشر إليه، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ؛ لتضمُّن الكلام له؛ نحو: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] يعني توارتِ الشمسُ، وكُلُّ من على الأرْضِ؛ قال أبو حيان وليس كذلك، بل تقدَّم ما يدُلُّ عليه وذكر ما قدَّمْتُه، وأشير بذَلِكَ وهو مفردٌ لاثنين؛ لما تقدَّم في قوله: {وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68].
قوله: {لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء} {إِلَى} في الموضعيْنِ متعلقةٌ بمحْذُوف، وذلك المحذوف هو حالٌ حُذِفَ؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير: مُذَبْذَبينَ لا مَنْسُوبينَ إلى هؤلاء ولا منسوبين إلى هؤلاء، فالعاملُ في الحال نَفْسُ {مُذَبْذَبينَ}، قال أبو البقاء: وموضعُ {لا إلى هؤلاءِ} نصبٌ على الحالِ من الضمير في مذبذبين، أي: يتذبذبون مُتَلَوِّنينَ وهذا تفسير معنًى، لا إعراب. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم، فتلك خديعة الله إياهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {وهو خادعهم} قال: يعطيهم يوم القيامة نورًا يمشون فيه مع المسلمين كما كانوا معه في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير. نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي، وأبي عامر بن النعمان.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في الصمت عن ابن عباس. أنه كان يكره أن يقول الرجل: إني كسلان ويتأوّل هذه الآية.
وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {يراؤون الناس} قال: والله لولا الناس ما صلى المنافق، ولا يصلي إلا رياء وسمعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن {ولا يذكرون الله إلا قليلًا} قال: إنما لأنه كان لغير الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {ولا يذكرون الله إلا قليلًا} قال: إنما قل ذكر المنافق لأن الله لم يقبله، وكل ما رد الله قليل، وكل ما قبل الله كثير.
وأخرج ابن المنذر عن علي قال: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟.