فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما آية الأحزاب فمقصود بها ما يعم الطرفين من الخير والشر ألا ترى ما تقدمها من قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} وما تقدم في هذه السورة من ذكر المنافقين وسوء مرتكبهم في قصة الأحزاب وقولهم: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} وقولهم في الاستئذان {إن بيوتنا عورة} وكذبهم في ذلك فحذر الله المؤمنين من مرتكبات المنافقين وأعلمهم أنه تعالى لا يخفى عليه شيء {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} فقال تعالى: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه} فلما قصد في هذه الآية عموم الطرفين ورد بلفظ مطلق يعم الخير والشر فقال تعالى: {إن تبدوا شيئا} والشئ يقع على كل موجود من ذات أو معنى حتى أن بعض المتكلمين يطلقه على المعدوم المقدر الوجود فيقول بشيئة المعدوم وليس هذا من قولنا ولكن الإطلاق حاصل كيفما قيل والشئ المخفى المشار إليه في الآية إنما هو عمل قلبى موجود بمحله فلا اعتراض علينا به والخير والشر داخلان تحت ذلك وأما لفظ خير في آية النساء فقد تقدم خصوصه ومناسبته فورد كل على ما يجب ويناسب ولا يمكن فيه العكس.
والجواب عن السؤال الثاني:
ان اختلاف جواب الشرط في الآيتين إنما هو بحسب ما يستدعيه فقوله تعالى في الأحزاب: {فإن الله كان بكل شيء عليما} يبين الجوابية لقوله تعالى: {إن تبدوا خيرا أو تخقوه} وأم قوله في آية النساء {فإن الله كان عفوا قديرا} فمنزل على قوله: {أو تعفوا عن سوء}فندب سبحانه العباد إلى العفو بمفهوم هذه الكلام بإعلامهم أن تلك سنة في خلقه من عفوه عن المسئ مع القدرة على أخذه والانتقام منه {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} وهذا الجواب لقوله تعالى: {أو تعفوا عن سوء} يفهم جواب الأمرين من إبداء الخير وإخفائه وان ذلك يحبه تعالى ويثيب عليه فقد بان التناسب في هذا كله في كل واحد من الشرطين وجوابهما.
والجواب عن السؤال الثالث:
ان قوله تعالى: {أو تعفوا عن سوء} من تمام ما قصد بالآية من الندب إلى تحصيل أفعال البر وان العفو عن السوء من أجلها وبذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فاعف عنهم واصفح} في غير ما آية فقد بان التاسب في هذا كله.
ووضح أن كل ما ورد في الآيتين لا يلائمه غير موضعه والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)}
{إِن تُبْدُوا خَيْرًا} تخلقًا بآداب الشريعة، وتخفوه تحققًا بأحكام الحقيقة.
{أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ} أخذًا من الله ما ندبكم إليه من محاسن الخُلُق.
{فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا} لعيوبكم {قَدِيرًا} على تحصيل محبوبكم وتحقيق مطلوبكم.
ويقال إن تبدوا خيرًا لتكونوا للناس قدوة فيما تُسِنُّون وما تعينون غيركم على ما يُهَدْون به من سلوك سُنَّتكم، وإن تخفوه اكفاءً بعلمه، وصيانة لنفوسكم عن آفات التصنَّع، وثقةً بأن من تعملون له يرى ذلك ويعلمه منكم، وإن تعفوا عن سوءٍ أي تتركوا ما تدعوكم إليه نفوسكم فالله يجازيكم بعفوه على ما تفعلون، وهو قادر على أن يبتليكم بما ابتلى به الظالم، فيكون تحذيرًا لهم من أن يغفلوا عن شهود المنَّة، وتنبيهًا على أن يستعيذوا أن يُسلَبوا العصمة، وأنْ يُخْذَلُوا حتى يقعوا في الفتنة والمحنة.
ويقال إنْ تبدوا خيرًا فتحسنوا إلى الناس، أو تخفوه بأن تدعوا لهم في السرِّ، أو تعفوا عن سوءٍ إنْ ظُلِمْتم.
ويقال من أحسن إليك فأبْدِ معه خيرًا جهرًا، ومن كفاك شرَّه فأخلِصْ بالولاء والدعاء له سِرًّا، ومن أساء إليك فاعفُ عنه كرمًا وفضلًا؛ تجِدْ من الله عفوَه عنك عما ارتكبت، فإن ذنوبَك أكثرُ، وهو قادرٌ على أنْ يُعطيَك من الفضل والإنعام ما لا تصل إليه بالانتصاف من خصمك، وما تجده بالانتقام. اهـ.

.قال ابن عادل:

الظاهر أن الضَّمِير المَنْصُوب في تُخْفُوه عائِدٌ على خَيْرًا، والمُراد به: أعْمَالُ البرِّ كُلُّها، وأجَازَ بَعْضُهم أن يعُودَ على السُّوءِ أي: أو تُخْفُوا السُّوءَ، وهو بَعِيد. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)}
لقد عرفنا أن الحق لا يسمح لك بالجهر بالسوء من القول إلا إذا كنت مظلومًا. وهذا يعني أن المسألة تحتمل الجهر وتحتمل الإخفاء، فقال: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا} أي إن تظهر الخير، أو تخفي ذلك، أو تعفو عن السوء. وكل هذه الأمور من ظاهر وخفي من الأغيار البشرية، لكن شيئًا لا يخفى على الله. ولا يمكن أن يكون للعفو مزية إيمانية إلا إذا كان مصحوبا بقدرة، فإن كان عاجزًا لما قال: عفوت. وسبحانه يعفو مع القدرة. فإن أردت أن تعفو فلتتخلق بأخلاق منهج الله، فيكون لك العفو مع القدرة. ولنا أن نعلم أن الحق لا يريد منا أن نستخزي أو نستذل ولكن يريد منا أن نكون قادرين، ومادمنا قادرين فالعفو يكون عن قدرة وهذه هي المزية الإيمانية؛ لأن عفو العاجز لا يعتبر عفوًا.
والناس تنظر إلى العاجز الذي يقول: إنه عفا- وهو على غير قدرة- تراه أنه استخزى. أما من أراد أن يتخلق بأخلاق منهج الله فليأخذ من عطاءات الله في الكون، ليكون قادرًا وعزيزًا بحيث إن ناله سوء، فهو يعفو عن قدرة {فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}.
وقلنا من قبل: إنك إذا لمحت كلمة كان على نسبة لله سبحانه وتعالى كنسبة الغفران له أو الرحمة، فعلينا أن نقول: كان ولا يزال؛ لأن الفعل مع الله ينحل عن الزمان الماضي وعن الحاضر وعن المستقبل؛ فهو سبحانه مادام قد كان، وهو لا تناله الأغيار، فهو يظل إلى الأبد.
ويقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ...}. اهـ.

.تفسير الآيات (150- 151):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)}

.مناسبة الآيتين لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى ذلك على أتم وجه وأحسن سياق ونحو، وختم بصفتي العفو والقدرة؛ شرع في بيان أحوال من لا يعفى عنه من أهل الكتاب، وبيان أنهم هم الذين أضلوا المنافقين بما يلقون إليهم من الشبه التي وسَّعَ عقولهم لها ما أنعم به عليهم سبحانه وتعالى من العلم، فأبدوا الشر وكتموا الخير، فوضعوا نعمته حيث يكره، ثم كشف سبحانه وتعالى بعض شبههم، فقال مبينًا لما افتتح به قصصهم من أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، ويريدون ضلال غيرهم، بعد أن كان ختم هناك ما قبل قصصهم بقوله عفوًا قديرًا: {إن الذين يكفرون} أي يسترون ما عندهم من العلم {بالله} أي الذي له الاختصاص بالجلال والجمال {ورسله}.
ولما ذكر آخر أمرهم ذكر السبب الموقع فيه فقال: {ويريدون أن يفرقوا بين الله} أي الذي له الأمر كله، ولا أمر لأحد معه {ورسله} أي فيصدقون بالله ويكذبون ببعض الرسل فينفون رسالاتهم، المستلزم لنسبتهم إلى الكذب على الله المقتضي لكون الله سبحانه وتعالى بريئًا منهم.
ولما ذكر الإرادة ذكر ما نشأ عنها فقال: {ويقولون نؤمن ببعض} أي من الله ورسله كاليهود الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام وغيره إلا عيسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم فكفروا بهما {ونكفر ببعض} أي من ذلك وهم الرسل كمحمد صلى الله عليه وسلم {ويريدون أن يتخذوا} أي يتكلفوا أن يأخذوا {بين ذلك} أي الإيمان والكفر {سبيلًا} أي طريقًا يكفرون به، وعطف الجمل بالواو- وإن كان بعضها سببًا لبعض- إشارة إلى أنهم جديرون بالوصف بكل منها على انفراده، وأن كل خصلة كافية في نسبة الكفر إليهم، وقدم نتيجتها، وختم بالحكم بها على وجه أضخم، تفظيعًا لحالهم، وأصل الكلام: أرادوا سبيلًا بين سبيلين، فقالوا: نكفر ببعض، فأرادوا التفرقة، فكفروا كفرًا هو في غاية الشناعة على علم منهم، فأنتج ذلك: {أولئك} أي البعداء البغضاء {هم الكافرون} أي الغريقون في الكفر {حقًا} ولزمهم الكفر بالجميع لأن الدليل على نبوة البعض لزم منه القطع بنبوة كل من حصل منه مثل ذلك الدليل، وحيث جوز حصول الدليل بدون المدلول تعذر الاستدلال به على شيء كالمعجزة، فلزم حينئذ الكفر بالجميع، فثبت أن من كذب بنبوة أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لزمه الكفر بجميع الأنبياء، ومن لزمه الكفر بهم لزمه الكفر بالله وكل ما جاء به.
ولما كان التقدير: فلا جرم أنا أعتدنا- أي هيأنا- لهم عذابًا مهينًا، عطف عليه تعميمًا: {وأعتدنا للكافرين} أي جميعًا {عذابًا مهينًا} أي كما استهانوا ببعض الرسل وهم الجديرون بالحب والكرامة، والآية شاملة لهم ولغيرهم ممن كان حاله كحالهم، وإيلاء ذلك بيان أحوال المنافقين أنسب شيء وأحسنه للتعريف بأنهم منافقون، من حيث أنهم يظهرون شيئًا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويبطنون غيره وإن كان ما يظهرونه على الضد مما يظهره المنافقون، وبأنهم هم الذين أضلوا المنافقين، وللتحذير من أقوالهم وتزييف ما حرفوا من محالهم، وفي ذلك التفات إلى أول هذه القصة {يا أيها الذين ءامنوا ءامِنوا بالله ورسوله} [النساء: 136]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما تكلم على طريقة المنافقين عاد يتكلم على مذاهب اليهود والنصارى ومناقضاتهم وذكر في آخر هذه السورة من هذا الجنس أنواعًا:
النوع الأول: من أباطيلهم: إيمانهم ببعض الأنبياء دون البعض.
فقال: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ} فإن اليهود آمنوا بموسى والتوراة وكفروا بعيسى والإنجيل، والنصارى آمنوا بعيسى والإنجيل وكفروا بمحمد والقرآن {وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ} أي يريدون أن يفرقوا بين الإيمان بالله ورسله {وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا} أي بين الإيمان بالكل وبين الكفر بالكل سبيلًا أي واسطة، وهي الإيمان بالبعض دون البعض. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ...} الآية.
فيه ثلاث مسائل:
الأُولى: قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ} لمّا ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب، اليهود والنصارى؛ إذ كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيّن أن الكفر به كفر بالكل؛ لأنه ما من نبيّ إلا وقد أمر قومه بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ومعنى {وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ} أي بين الإيمان بالله ورسله؛ فنص سبحانه على أن التفريق بين الله ورسله كفر؛ وإنما كان كفرًا لأنّ الله سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردّوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أُمروا بالتزامها؛ فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية.
وكذلك التفريق بين رسله في الإيمان بهم كفر، وهي:
المسألة الثانية لقوله تعالى: {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} وهم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد؛ وقد تقدّم هذا من قولهم في البقرة.
ويقولون لعوامّهم: لم نجد ذكر محمد في كتبنا.
{وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا} أي يتخذوا بين الإيمان والجحد طريقًا، أي دينًا مبتدعًا بين الإسلام واليهودية، وقال: ذلِكَ ولم يقل ذينك؛ لأن ذلك تقع للاثنين ولو كان ذينك لجاز. اهـ.