فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله جلّ ذكره: {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا}.
حجةً ظاهرةً، بل تفردًا صَانَه من التمثيل والتعطيل.
والسلطان المبين التحصيل والتنزيه المانع من التعطيل والتشبيه.
ويقال السلطان المبين القوة بسماع الخطاب من غير واسطة.
ويقال السلطان المبين لهذه الأمة غدًا، وهو بقاؤهم في حال لقائهم- قال صلى الله عليه وسلم: «لا تضامون في رؤيته»- في خبر الرؤية. اهـ.
فنحن نعرف من مذهبه في المعرفة أن العقل يعول عليه فقط في البداية، يقول في رسالته ص197 (تجب البداءة بتصحيح اعتقاد بين العبد وبين اللّه تعالى صاف عن الظنون والشبه خال من الضلال والبدع صادر عن البراهين والحجج) ولكن العقل بعدئذ غير جدير بمواصلة الصعود إلى ما هو أعلى من ذلك لأنه يصاب بآفات (التجويز والتحير والتوهم والتحدد) ويناط بغير العقل من الملكات الأخرى وهى القلب والروح والسر وعين السر أو سر السر أن تواصل القصود نحو الذرى العليا. فما أشبه الذين يريدون تطبيق الوسائل العقلية على الربوبية بمن عبدوا العجل! وعكفوا بعقولهم على المحدود!

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {يسألك أهلُ الكتاب} في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم سألوه أن ينزِّل كتابًا عليهم خاصة، هذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني: أن اليهود والنصارى أتوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نُبايعك حتى تأتينا بكتابٍ من عند الله إِلى فلان أنك رسول الله، وإِلى فلان بكتاب أنك رسول الله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن جريج.
والثالث: أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء مكتوبًا كما نزلت التوراة على موسى، هذا قول القرظي، والسدي.
وفي المراد بأهل الكتاب قولان:
أحدهما: اليهود والنصارى.
والثاني: اليهود.
وفي المراد بأهل الكتاب المنزّل من السماء قولان:
أحدهما: كتاب مكتوب غير القرآن.
والثاني: كتاب بتصديقه في رسالته، وقد بيّنا في (البقرة) معنى سؤالهم رؤية الله جهرة، واتخاذهم العجل.
والبينات: الآيات التي جاء بها موسى.
فإن قيل: كيف قال: ثم اتخذوا العجل، وثم تقتضي التراخي، والتأخر، أفكان اتخاذ العجل بعد قولهم: {أرنا الله جهرة}؟ فعنه أربعة أجوبة ذكرهن ابن الأنباري.
أحدهن: أن تكون ثم مردودة على فعلهم القديم، والمعنى: وإِذْ وَعَدْنا موسى أربعين ليلة، فخالفوا أيضًا، ثم اتخذوا العجل.
والثاني: أن تكون مقدمة في المعنى، مؤخّرة في اللفظ، والتقدير: فقد اتخذوا العجل، ثم سألوا موسى أكبر من ذلك.
ومثله {فأَلْقِهْ إِليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون} [النمل: 28] المعنى: فألقه إِليهم، ثم انظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم.
والثالث: أن المعنى، ثم كانوا اتخذوا العجل، فأضمر الكون.
والرابع: أن ثم معناها التأخير في الإِخبار، والتقديم في الفعل، كما يقول القائِل: شربت الماء، ثم أكلت الخبز، يريد: شربت الماء ثم أخبركم أني أكلت الخبز بعد إِخباري بشرب الماء.
قوله تعالى: {فعفونا عن ذلك} أي: لم نستأصل عبدة العجل.
والسلطان المبين: الحجّة البيّنة.
قال ابن عباس: اليد والعصا.
وقال غيره: الآيات التسع. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء} قال السدي: قالت اليهود: إن كنت صادقًا فجيء بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالكتاب.
وقال محمد بن كعب القرظي: قالوا: ائت بألواح فيها كتابك كما أتى موسى بألواح فيها التوراة.
وقال الحسن وقتادة: سألوه أن يأتي بكتاب خاص لليهود يأمرهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جريج: قالوا: لن نتابعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله فلان وإلى فلان إنك رسول الله.
فعلى قول ابن جريج يقتضي أن سؤالهم كان على نحو سؤال عبد الله بن أمية الزهري، وقيل: كتابًا نعاينه حتى ينزل، وسمي من سائلي اليهود: كعب بن الأشرف، وفنحاص بن عازوراء.
وقيل: السائلون هم اليهود والنصارى وسؤالهم إنما هو على سبيل التعنت.
وقال الحسن: لو سألوه لكي يتبين الحق لأعطاهم، فإن فيما أعطاكم كفاية.
{فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} قدروا قبل هذا كلامًا محذوفًا، فجعله الزمخشري شرطًا هذا جوابه وتقديره: أن استكبرت ما سألوه منك، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك.
وقدره ابن عطية: فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشطيطهم، فإنها عادتهم، فقد سألوا موسى.
وأسند السؤال إليهم، وإن كان إنما وقع من آبائهم من نقبائهم السبعين، لأنهم راضون بفعل آبائهم ومذاهبهم، ومشابهون لهم في التعنت.
وقرأ الحسن: أكثر بالثاء المثلثة بدل الباء في قراءة الجمهور، ومعنى جهرة: عيانًا رؤية منكشفة بينة.
والجهرة من وصف الرّوية.
واختلف في النقل عن ابن عباس فروى عنه: أن جهرة من صفة السؤال، فقد سألوا موسى.
أو حالًا من ضمير سألوا أي: سألوه مجاهرين.
وروى عنه أن التقدير: فقالوا جهرة منه وتصريحًا أرنا الله، فيكون من صفة القول.
{فأخذتهم الصاعقة بظلمهم} أي: تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه.
وقال الزمخشري: بظلمهم بسبب سؤالهم الرؤية، ولو طلبوا أمرًا جائزًا لما سموا ظالمين، ولما أخذتهم الصاعقة.
كما سأل ابراهيم عليه السلام أن يريه إحياء الموتى فلم يسمه ظالمًا، ولا رماه بالصاعقة للمشبهة ورميا بالصواعق انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في استحالة رؤية الله عندهم.
وأهل السنة يعتقدون أنهم لم يسألوا محالًا عقلًا، لكنه ممتنع من جهة الشرع، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا، والرؤية في الآخرة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر، وهي جائزة عقلًا، وتقدّم الكلام في البقرة على الصاعقة.
وقرأ السلميّ والنخعي: فأخذتهم الصعقة، والجمهور الصاعقة.
{ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات} ثم: للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر، ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل: أي آباؤهم، والذين صعقوا غير الذين اتخذوا العجل.
والبينات: إجازة البحر، والعصا، وغرق فرعون، وغير ذلك.
وقال الحوفي: أعلم نبيه بعنادهم وإصرارهم فالمعنى: أنه لو نزل عليهم الذي سألوا لخالفوا أمر الله كما خالفوه من بعد إحياء الله لهم من صعقتهم، وعبدوا العجل واتخذوه إلهًا.
{فعفونا عن ذلك} أي: عن اتخاذهم العجل إلهًا عن جميع ما تقدم من مخالفتهم.
والأوّل أظهر، لأنه قد صرح في قصة العجل بالتوبة.
ويعني: بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم، ثم وقع العفو عن الباقين منهم.
{وآتينا موسى سلطانًا مبينًا} أي: حجة وتسلطًا واستيلاء ظاهرًا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه، واحتبوا بأفتيتهم، والسيوف تتساقط عليهم، فيا له من سلطان مبين. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
لمَّا ذكر معاذير أهل الكتابين في إنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أعقبها بذكر شيء من اقتراحهم مجيء المعجزات على وفق مطالبهم.
والجملة استئناف ابتدائي.
ومجيء المضارع هنا: إمّا لقصد استحضار حالتهم العجيبة في هذا السؤال حتّى كأنّ السامع يراهم كقوله: {ويَصْنَعُ الفُلْك} [هود: 38]، وقوله: {بل عَجِبْتَ وَيَسْخَرُون} [الصافات: 12]، وقوله: {الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابًا} [فاطر: 9].
وإمَّا للدلالة على تكرار السؤال وتجدّده المرّة بعد الأخرى بأن يكونوا ألَحّوا في هذا السؤال لِقصد الإعنات، كقول طريف بن تميم العنبري:
بعثوا إليّ عَريفَهم يَتَوَسَّمُ ** أي يكرّر التوسّم.

والمقصود على كلا الاحتمالين التعجيب من هذا السؤال، ولذلك قال بعده: {فقد سألوا موسى}.
والسَّائلُون هم اليهود، سألوا معجزة مثلَ معجزة موسى بأن ينزل عليه مثل ما أنزلت الألواح فيها الكلمات العشر على موسى، ولم يريدوا جميع التوراة كما توهّمه بعض المفسّرين فإنّ كتاب التوراة لم ينزل دفعة واحدة.
فالمراد بأهل الكتاب هنا خصوص اليهود.
والكتاب هنا إمَّا اسم للشيء المكتوب كما نزلت ألواح موسى، وإمّا اسم لقطعة ملتئمة من أوراق مكتوبة، فيكونون قد سألوا معجزة تغاير معجزة موسى.
والفاء في قوله: {فقد سألوا موسى} فاء الفصيحة دالّة على مقدّر دلّت عليه صيغة المضارع المراد منها التعجيب، أي فلا تعجب من هذا فإنّ ذلك شنشنة قديمة لأسلافهم مع رسولهم إذ سألوه معجزة أعظم من هذا، والاستدلال على حالتهم بحالة أسلافهم من قبيل الاستدلال بأخلاق الأمم والقبائل على أحوال العشائر منهم، وقد تقدّم بيان كثير منه في سورة البقرة.
وفي هذا الكلام تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم ودلالة على جراءتهم، وإظهارُ أنّ الرسل لا تجيء بإجابة مقترحات الأمم في طلب المعجزات بل تأتي المعجزات بإرادة الله تعالى عند تحدّي الأنبياء، ولو أجاب الله المقترحين إلى ما يقترحون من المعجزات لجعل رسله بمنزلة المشعوذين وأصحاب الخنقطرات والسيمياء، إذ يتلقّون مقترحات الناس في المحافل والمجامع العامَّة والخاصّة، وهذا ممَّا يحُطّ من مقدار الرسالة.
وفي إنجيل متَّى: أنّ قومًا قالوا للمسيح: نريد أن نرى منك آية فقال: جِيل شِرّير يطلب آية ولا تعطى له آية.
وتكرّر ذلك في واقعة أخرى.
وقد يُقبل ذلك من المؤمنين، كما حكى الله عن عيسى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن يُنزّل علينا مائدة من السماء قال اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين إلى قوله قال الله إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنِّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} [المائدة: 112، 115]، وقال تعالى: {وما منعنا أن نُرسل بالآيات إلاّ أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمودَ الناقةَ مُبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلاّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].