فصل: من فوائد السمرقندي في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله:
فإذا كانت هذه حال المتقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح، وبقاء أخبارهم فيهم، والدولة دولتهم، والكلمة لهم، وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا، واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى، ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون، لا يثبت لهم قدم، ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم، بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه، وباح باللعن والبراءة ممن اتبع سواه، فما الظن بحثالة الماضين، ونفاية الغابرين، وزبالة الحائرين، وذرية الضالين، وقد طال عليهم الأمد، وبعد العهد، وصار دينهم ما يتلقونه عن الرهبان؟!!.
وقوم إذا كشفت عنهم وجدتهم أشبه شيء بالأنعام، وإن كانوا في صور الأنام، بل هم كما قال تعالى ومن أصدق من الله قيلًا: {إِنْ هُمْ إِلاّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وهؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}، ومن أمة الضلال بشهادة الله ورسوله عليهم، وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم بلعن بعضهم بعضًا، وقد لعنهم الله سبحانه على لسان رسوله في قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما فعلوه.
هذا، والكتاب واحد، والرب واحد، والنبي واحد، والدعوى واحدة، وكلهم يتمسك بالمسيح وإنجيله وتلاميذه، ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين، فمنهم من يقول: إنه إله، ومنه من يقول: ابن الله، ومنهم من يقول: ثالث ثلاثة، ومنهم من يقول: إنه عبد، ومنهم من يقول: إنه أقنوم وطبيعة، ومنهم من يقول: أقنومان وطبيعتان، إلى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن أسلافهم، وكل منهم يكفر صاحبه.
فلو أن قومًا لم يعرفوا لهم إلهًا ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا لتوقفوا عنه، وامتنعوا من قبوله.
فوازن بين هذا وبين ما جاء به خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله عليه وسلامه؛ تعلم علمًا يضارع المحسوسات أو يزيد عليها أن الدين عند الله الإسلام. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآيات:

قال رحمه الله:
ثم قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيمًا} وذلك أن مريم كانت متعبدة لله تعالى ناسكة، اصطفاها الله تعالى بولد بغير أب، فعيرها اليهود واتهموها وقذفوها بيوسف بن ماثان، وكان يوسف خادم بيت المقدس ويقال: كان ابن عمها، فأنزل الله تعالى إكذابًا لقولهم وبيّن بهتانهم فقال: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيمًا} يعني لعنهم الله وخذلهم بذلك {وَقَوْلِهِمْ} أي وبقولهم: {إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} هذا قول الله لا قول اليهود وقول اليهود إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم.
ثم قال الله تعالى: {رَسُولِ الله} يعني الذي هو رسول الله؛ وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتله هرب منهم ودخل في بيت، فأمر ملك اليهود رجلًا يدخل البيت يقال له يهوذا ويقال ططيانوس، فجاء جبريل عليه السلام ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، فلما دخل الرجل إلى البيت لم يجده، فألقى الله شبه عيسى عليه، فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه.
ثم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا فيما بينهم، فأنزل الله تعالى إكذابًا لقولهم فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبّهَ لَهُمْ} يعني ألقي شبه عيسى على غيره فقتلوه.
ثم قال: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِى شَكّ مّنْهُ} أي من قتله {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} يعني لم يكن عندهم علم يقين أنه قتل أو لم يقتل {إِلاَّ اتباع الظن} أي قالوا قولًا بالظن {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} أي لم يستيقنوا بقتله، ويقال: يقينًا ما قتلوه {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} وقال مقاتل: بل رفعه الله إلى السماء في شهر رمضان ليلة القدر.
وقال الضحاك: رفعه في يوم عاشوراء بين صلاتي المغرب والعشاء.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله عَزِيزًا} أي منيعًا حين منع عيسى من القتل {حَكِيمًا} حين حكم رفعه إلى السماء. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{وبكفرهم} أي في أمر عيسى عليه السلام، وقولهم على مريم بهتانًا، يعني رميهم إياها بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد، وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر والبهتان: مصدر من قولك بهته إذا قابله بأمر مبهت يحار معه الذهن وهو رمي بباطل.
هذه الآية والتي قبلها عدد الله تعالى فيها أقوال بني إسرائيل وأفعالهم على اختلاف الأزمان وتعاقب القرون، فاجتمع من ذلك توبيخ خلفهم المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيان الحجة في أن وجبت لهم اللعنة وضربت عليهم الذلة والمسكنة، فهذه الطائفة التي قالت: {إنا قتلنا المسيح} غير الذين نقضوا الميثاق في الطور، وغير الذين اتخذوا العجل، وقول بني إسرائيل إنما هو إلى قوله: {عيسى ابن مريم} وقوله عز وجل: {رسول الله} إنما هو إخبار من الله تعالى بصفة لعيسى وهي الرسالة، على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل، ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوا عيسى لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول، ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى فكأنهم قتلوه، وإذا كانوا قتلوه فليس يرفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول، كما أن قريشًا في تكذيبها رسول الله لا ينفعهم فيه اعتقادهم أنه كذاب، بل جازاهم الله على حقيقة الأمر في نفسه، ثم أخبر تعالى أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى ولا صلبوه ولكن شبه لهم، واختلفت الرواة في هذه القصة وكيفيتها اختلافًا شديدًا أنا أختصر عيونه، إذ ليس في جميعه شيء يقطع بصحته، لأنه لم يثبت عن النبي عليه السلام فيه شيء، وليس لنا متعلق في ترجيح شيء منه إلا ألفاظ كتاب الله، فالذي لا نشك فيه أن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويدعو إلى الله، وكانت بنو إسرائيل تطلبه، وملكهم في ذلك الزمان يجعل عليه الجعائل، وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريون يسيرون معه حيث سار، فلما كان في بعض الأوقات شعر بأمر عيسى، فروي أن أحد الحواريين رشي عليه فقبل الرشوة ودل على مكانه، فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين بهم دخلوا بيتًا بمرأى من بني إسرائيل فروي: أنهم عدوهم ثلاثة عشر، وروي ثمانية عشر وحصروا ليلًا فروي أن عيسى فرق الحواريين عن نفسه تلك الليلة، ووجههم إلى الآفاق، وبقي هو ورجل معه فرفع عيسى وألقي شبهه على الرجل فصلب ذلك الرجل، وروي أن الشبه ألقي على اليهودي الذي دل عليه فصلب، وروي أن عيسى عليه السلام لما أحيط بهم قال لأصحابه: أيكم يلقي شبهي عليه فيقتل ويخلص هؤلاء وهو رفيقي في الجنة؟ فقال سرجس: أنا، وألقي عليه شبه عيسى، ويروى أن شبه عيسى عليه السلام ألقي على الجماعة كلها، فلما أخرجهم بنو إسرائيل نقص واحد من العدة، فأخذوا واحدًا ممن ألقي عليه الشبه حسب هذه الرويات التي ذكرتها، فصلب ذلك الشخص، وروي: أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر فصلب ذلك الشخص وأبعد الناس عن خشبته أيامًا حتى تغير ولم تثبت له صفة، وحينئذ دنا الناس منه ومضى الحواريون يحدثون بالآفاق أن عيسى صلب، فهذا أيضًا يدل على أنه فرقهم وهو في البيت، أو على أن الشبه ألقي على الكل، وروي أن هذه القصة كلها لم يكن فيها إلقاء شبه شخص عيسى على أحد وإنما المعنى {ولكن شبه لهم} أي شبه عليهم الملك الممخرق، ليستديم ملكه، وذلك أنه لما نقص واحد من الجماعة وفقد عيسى عمد إلى أحدهم وبطش بصلبه وفرق الناس عنه.
وقال: هذا عيسى قد صلب وانحل أمره، وقوله تعالى: {وإن الذين اختلفوا فيه} يعني اختلاف المحلولين لأخذه، لأنهم حين فقدوا واحدًا من العدد وتحدث برفع عيسى اضطربوا واختلفوا، وعلى رواية من روى أنه ألقي شبه يوشك أنه بقي في ذلك الشبه مواضع للاختلاف، لكن أجمعوا على صلب واحد على غير ثقة ولا يقين أيهم هو.
قال القاضي- رحمه الله: الذي صح فيه نقل الكافة عن حواسها هو أن شخصًا صلب، وأما هل هو عيسى أم لا؟ فليس من علم الحواس، فلذلك لم ينفع في ذلك نقل كافة اليهود والنصارى، ونفى الله عنهم أن يكون لهم في أمره علم على ما هو به، ثم استثنى اتباع الظن وهو استثناء متصل، إذ الظن والعلم يضمهما جنس واحد أنهما من معتقدات النفس، وقد يقول الظان على طريق التجوز: علمي في هذا الأمر أنه كذا، وهو يعني ظنه. وقوله تعالى: {وما قتلوه يقينًا} اختلف المتأولون في عود الضمير من {قتلوه} فقالت فرقة: هو عائد على الظن كما تقول: قتلت هذا الأمر علمًا، فالمعنى وما صح ظنهم عندهم ولا تحققوه يقينًا، هذا قول ابن عباس والسدي وجماعة، وقال قوم: الضمير عائد على عيسى، أخبر أنهم لم يقتلوه يقينان فيصح لهم الإصفاق ويثبت نقل كافتهم، ومضمن الكلام أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة لا يقينًا ولا شكًا، لكن لما حصلت في ذلك الدعوى صار قتله عندهم مشكوكًا فيه، وقال قوم من أهل اللسان: الكلام تام في قوله: {وما قتلوه} و{يقينًا} مصدر مؤكد للنفي في قوله: {وما قتلوه} المعنى يخبركم يقينًا، أو يقص عليكم يقينًا، أو أيقنوا بذلك يقينًا، وقوله تعالى: {بل رفعه الله إليه} يعني إلى سمائه وكرامته، وعيسى عليه السلام حي في السماء الثانية على ما تضمن حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج، وذكره غيره، وهو هناك مقيم حتى ينزله الله لقتل الدجالة، وليملأ الأرض عدلًا، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآيات:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} يعني حين رموها بالزنا وذلك أنهم أنكروا قدرة الله تعالى على خلق الولد من غير أب ومنكر قدرة الله كافر.
فالمراد بقوله وبكفرهم هو إنكارهم قدرة الله تعالى والمراد بقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا هو رميهم إياها بالزنا وإنما سماه بهتانًا عظيمًا لأنه قد ظهر عند ولادة مريم من المعجزات ما يدل على براءتها من ذلك فلهذا السبب وصف الله قول اليهود على مريم بالبهتان العظيم.
قوله عز وجل: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} ادعت اليهود أنهم قتلوا عيسى عليه السلام وصدقتهم النصارى على ذلك فكذبهم الله عز وجل جميعًا وردّ عليهم بقوله: {وما قتلوه وما صلبوه} وفي قول رسول الله قولان: أحدهما أنه من قول اليهود فيكون المعنى أنه رسول الله على زعمه.
والقول الثاني أن من قول الله لا على وجه الحكاية عنهم وذلك أن الله تعالى أبدل ذكرهم في عيسى عليه السلام القول القبيح بالقول الحسن رفعًا لدرجته عما كانوا يذكرونه من القول القبيح.
وقوله تعالى: {ولكن شبه لهم} يعني ألقى شبه عيسى غيره حتى قتل وصلب.
واختلف العلماء في صفة التشبيه الذي شبه على اليهود في أمر عيسى عليه السلام.
فروى الطبري بسنده عن وهب بن منبه أنه قال أتى اليهود عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صورهم الله تعالى كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم: سحرتمونا لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعًا فقال عيسى لأصحابه من يشتري نفسه منكم اليوم بالجنة فقال رجل منهم أنا فخرج إليهم فقال: أنا عيسى وقد صوره الله تعالى على صورة عيسى فأخذوه وصلبوه فمن ثم شبه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وظنت النصارى مثل ذلك.
ورفع الله عز وجل عيسى عليه السلام من يومه ذلك.
وفي رواية أخرى عن وهب أن عيسى عليه السلام قال لأصحابه: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات وليبيعني بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين.