فصل: من فوائد أبي حيان في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: أنه رجُلٌ من أصحاب عيسى، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن عيسى خرج على أصحابه لما أراد الله رفعه، فقال: أيكم يُلقى عليه شبهي، فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب، فقال: أنا، فقال: اجلس، ثم أعاد القول، فقام الشاب، فقال عيسى: اجلس، ثم أعاد، فقال الشاب: أنا، فقال: نعم أنت ذاك، فألقي عليه شبه عيسى، ورفع عيسى، وجاء اليهود، فأخذوا الرجل، فقتلوه، ثم صلبوه.
وبهذا القول قال وهب بن منبه، وقتادة، والسدي.
قوله تعالى: {وإِن الذين اختلفوا فيه} في المختلفين قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، فعلى هذا في هاء فيه قولان:
أحدهما: أنها كناية عن قتله، فاختلفوا هل قتلوه أم لا؟.
وفي سبب اختلافهم في ذلك قولان:
أحدهما: أنهم لما قتلوا الشخص المشبّه كان الشبه قد أُلقي على وجهه دون جسده، فقالوا: الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره، ذكره ابن السائب.
والثاني: أنهم قالوا: إِن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وإِن كان هذا صاحبنا، فأين عيسى؟ يعنون الذي دخل في طلبه، هذا قول السدي.
والثاني: أن الهاء كناية عن عيسى، واختلافهم فيه قول بعضهم: هو ولد زنى، وقول بعضهم: هو ساحر.
والثاني: أن المختلفين النصارى، فعلى هذا في هاء فيه قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله، هل قتل أم لا؟ والثاني: أنها ترجع إِليه، هل هو إِله أم لا؟ وفي هاء منه قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله.
والثاني: إِلى نفسه هل هو إِلهٌ، أم لغيرِ رشدة، أم هو ساحر؟
قوله تعالى: {ما لهم به من علم إِلا اتباع الظن} قال الزجاج: اتباع منصوب بالاستثناء، وهو استثناء ليس من الأول.
والمعنى: ما لهم به من علم إِلا أنهم يتبعون الظن، وإِن رُفع جاز على أن يجعل علمهم اتباع الظن، كما تقول العرب: تحيّتك الضّرب.
قوله تعالى: {وما قتلوه} في الهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى الظن فيكون المعنى: وما قتلوا ظنّهم يقينًا، هذا قول ابن عباس.
والثاني: أنها ترجع إِلى العلم، أي: ما قتلوا العلم به يقينًا، تقول: قتلته يقينًا، وقتلته علمًا للرأي والحديث هذا قول الفراء، وابن قتيبة.
قال ابن قتيبة: وأصل هذا: أن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء وغلبة، يقول: فلم يكن علمهم بقتل المسيح علمًا أحيط به، إِنما كان ظنًا.
والثالث: أنها ترجع إلى عيسى، فيكون المعنى: وما قتلوا عيسى حقًا، هذا قول الحسن.
وقال ابن الأنباري: اليقين مؤخر في المعنى، فالتقدير: وما قتلوه، بل رفعه الله إِليه يقينًا. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآيات:

قال رحمه الله:
{وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} الظاهر في قوله: {وبكفرهم}، وقولهم أنه معطوف على قوله: {فبما نقضهم} وما بعده.
على أن الزمخشري أجاز أن يكون قوله: {وبكفرهم وقولهم}، معطوفًا على بكفرهم.
وتكرار نسبة الكفر إليهم بحسب متعلقاته، إذ كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد عليه السلام، فعطف بعض كفرهم على بعض.
قال الزمخشري: أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه، كأنه قيل: فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتلهم الأنبياء وقولهم: {قلوبنا غلف}، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم، وافتخارهم بقتل عيسى عليه السلام، عاقبناهم.
أو بل طبع الله عليها وجمعهم بين كفرهم، وكذا وكذا.
وقال الزمخشري أيضًا:
(فإن قلت): هلا زعمت أنّ المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم}؟ (قلت): لم يصح هذا التقدير، لأن قوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم}، ردّ وإنكار لقولهم: قلوبنا غلف، فكان متعلقًا به انتهى.
وهو جواب حسن، ويمتنع من وجه آخر وهو أنّ العطف ببل يكون للإضراب عن الحكم الأول، وإثباته للثاني على جهة إبطال الأول، أو الانتقال عامًا في كتاب الله في الإخبار، فلا يكون إلا للانتقال.
ويستفاد من الجملة الثانية ما لا يستفاد من الجملة الأولى.
والذي قدّره الزمخشري لا يسوغ فيه هذا الذي قرّرناه، لأن قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله}، {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم}، فأفادت الجملة الثانية ما أفادت الجملة الأولى وهو لا يجوز.
لو قلت: مر زيد بعمرو، بل مر زيد بعمرو، لم يجز.
وقد أجاز ذلك أبو البقاء وهو أن يكون التقدير: فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وكذا طبع على قلوبهم.
وقيل: التقدير فبما نقضهم ميثاقهم لا يؤمنون إلا قليلًا، والفاء مقحمة.
وما في قوله: {فبما نقضهم} كهي في قوله: {فبما رحمة} وتقدّم الكلام فيها.
والبهتان العظيم رميهم مريم عليها السلام بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى عليه السلام في المهد.
قال ابن عطية: وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر انتهى.
ووصف بالعظم لأنهم تمادوا عليه بعد ظهور الآية وقيام المعجزة بالبراءة، وقد جاءت تسمية الرمي بذلك بهتانًا عظيمًا في قوله: {سبحانك هذا بهتان عظيم} {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} الظاهر أن رسول الله من قولهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء، كقول فرعون أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وقوله: {إنك لأنت الحليم الرشيد} ويجوز أن يكون من كلام الله تعالى وضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنه رفعًا لعيسى عليه السلام، كما كانوا يذكرونه به.
ذكر الوجهين الزمخشري، ولم يذكر ابن عطية سوى الثاني قال: هو إخبار من الله تعالى بصفة عيسى عليه السلام، وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوا عيسى، لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول.
ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أنّ قتلهم وقع في عيسى، فكأنهم قتلوه، وليس يدفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول.
{وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} هذا إخبار منه تعالى بأنهم ما قتلوا عيسى وما صلبوه.
واختلف الرواة في كيفية القتل والصلب، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء غير ما دل عليه القرآن.
ومنتهى ما آل إليه أمر عيسى عليه السلام أنه طلبته اليهود فاختفى هو والحواريون في بيت، فدلوا عليه وحضروا ليلًا وهم ثلاثة عشر، أو ثمانية عشر، ففرقهم تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق، وبقي هو ورجل معه، فرفع عيسى، وألقى شبهه على الرجل فصلب.
وقيل: هو اليهودي الذي دل عليه.
وقيل: قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويخلص هؤلاء، وهو رفيقي في الجنة؟ فقال سرجس: أنا، فألقي عليه شبه عيسى.
وقيل: ألقي شبهه على الجميع، فلما أخرجوا نقص واحد من العدّة، فأخذوا واحدًا ممن عليه الشبه فصلب.
وروي أنّ الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر، فصلب ذلك الشخص، وأبعد الناس عن خشبته أيامًا حتى تغير، ولم تثبت له صفة، وحينئذ دنا الناس منه، ومضى الحواريون يتحدثون في الآفاق أن عيسى صلب.
وقيل: لم يلق شبهه على أحد، وإنما معنى: ولكن شبه لهم، أي شبه عليهم الملك المخرق ليستديم بما نقص واحد من العدة، وكان بادر بصلب واحد وأبعد الناس عنه، وقال: هذا عيسى، وهذا القول هو الذي ينبغي أن يعتقد في قوله: {ولكن شبه لهم}.
أمّا أن يلقى شبهه على شخص، فلم يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعتمد عليه.
وقد اختلف فيمن ألقي عليه الشبه اختلافًا كثيرًا.
فقيل: اليهودي الذي دل عليه.
وقيل: خليفة قيصر الذي كان محبوسًا عنده.
وقيل: واحد من اليهود.
وقيل: دخل ليقتله.
وقيل: رقيب وكلته به اليهود.
وقيل: ألقى الشبه على كل الحواريين.
وقيل: ألقى الشبه على الوجه دون البدن، وهذا الوثوق مما يدفع الوثوق بشيء من ذلك.
ولهذا قال بعضهم: إن جاز أن يقال: إنّ الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة.
وقيل: سبب اجتماع اليهود على قتله هو أنّ رهطًا منهم سبوه وسبوا أمّه فدعا عليهم: اللهم أنت ربي، وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله.
وشبه مسند إلى الجار والمجرور كقوله: خيل إليه، ولكن وقع لهم التشبيه.
ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول الدال عليه: إنا قتلنا أي: ولكن شبه لهم من قتلوه.
ولا يجوز أن يكون ضمير المسيح، لأن المسيح مشبه به لا مشبه.
{وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} اختلف فيه اليهود فقال بعضهم: لم يقتل ولم يصلب، الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره.
وقيل: أدخلوا عليه واحدًا ليقتله، فألقى الشبه عليه فصلب، ونقص من العدد واحد.
وكانوا علموا عدد الحواريين فقالوا: إنْ كان المصلوب صاحبنا فأين عيسى؟ وإن كان عيسى فأين صاحبنا؟ وقيل: قال العوامّ: قتلنا عيسى، وقال من عاين: رفعه إلى السماء ما قتل ولا صلب.
قال ابن عطية: واليقين الذي صح فيه نقل الكافة عن حواسها هو أنّ شخصًا صلب، وهل هو عيسى أم لا؟ فليس هو من علم الحواس، فلذلك لم يقع في ذلك نقل كافة.
والضمير في فيه عائد على القتل معناه: في قتله، وهذا هو الظاهر الذي يدل عليه ما قبله وما بعده.
وقيل: الضمير في اختلفوا عائد على اليهود أيضًا، واختلافهم فيه قول بعضهم: إنه إله.
وقول بعضهم: إنه ابن الله تعالى.
وقيل: اختلافهم فيه أن النسطورية قالوا: وقع الصلب على ناسوته دون لاهوته.
وقيل: وقع القتل والصلب عليهما.