فصل: من فوائد الثعالبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: عائد على اليهود والنصارى، فإن اليهود قالوا: هو ابن زنا.
وقالت النصارى: هو ابن الله.
وقيل: اختلافهم من جهة أن النصارى قالوا: إن اليهود قتلته وصلبته، واليهود الذين عاينوا رفعه قالوا: رفع إلى السماء.
والجمهور على أنّ إلا اتباع الظنّ استثناء منقطع، لأن اتباع الظنّ ليس من جنس العلم.
أي: ولكنّ اتباع الظنّ لهم.
وقال الزمخشري: يعني ولكنهم يتبعون الظنّ، وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب.
وقال ابن عطية: هو استثناء متصل، إذ الظنّ والعلم يضمهما أنهما من معتقدات اليقين.
وقد يقول الظان على طريق التجوّز: علمي في هذا الأمر أنه كذا، وهو يعني ظنه انتهى.
وليس كما ذكر، لأنّ الظنّ ليس من معتقدات اليقين، لأنه ترجيح أحد الجائزين، وما كان ترجيحًا فهو ينافي اليقين، كما أن اليقين ينافي ترجيح أحد الجائزين.
وعلى تقدير أنّ الظنّ والعلم يضمهما ما ذكر، فلا يكون أيضًا استثناء متصلًا، لأنه لم يستثني الظنّ من العلم.
فليست التلاوة ما لهم به من علم إلا الظنّ، وإنما التلاوة إلا اتباع الظنّ، والاتباع للظنّ لا يضمه والعلم جنس ما ذكر.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): لم وصفوا بالشك والشك أنّ لا يترجح أحد الجائزين؟ ثم وصفوا بالظنّ والظنّ أن يترجح أحدهما، فكيف يكونون شاكين ظانين؟
قلت: أريد أنهم شاكون ما لهم من علم قط، ولكن لاحت لهم أمارة فظنوا انتهى.
وهو جواب سؤاله، ولكن يقال: لا يرد هذا السؤال لأنّ العرب تطلق الشك على ما لم يقع فيه القطع، واليقين فيدخل فيه كلما يتردّد فيه، إما على السواء بلا ترجيح، أو بترجيح أحد الطرفين.
وإذا كان كذلك اندفع السؤال.
{وما قتلوه يقينًا} قال ابن عباس والسدي وجماعة: الضمير في قتلوه عائد على الظن.
تقول: قتلت هذا الأمر علمًا إذا قطعت به وجزمت الجزم الذي لا يخالجه شيء.
فالمعنى: وما صح ظنهم عندهم وما تحققوه يقينًا، ولا قطعوا الظن باليقين.
وقال الفراء وابن قتيبة؛ الضمير عائد على العلم أي: ما قتلوا العلم يقينًا.
يقال: قتلت العلم والرأي يقينًا، وقتلته علمًا، لأن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء، فكأنه قيل: لم يكن علمهم بقتل المسيح علمًا أحيط به، إنما كان ظنًا.
قال الزمخشري: وفيه تهكم، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفيًا كليًا بحرف الاستغراق ثم قيل: وما علموه علم يقين، وإحاطة لم يكن إلا تهكمًا انتهى.
والظاهر قول الجمهور: إن الضمير يعود على عيسى بجعل الضمائر كلها كشيء واحد، فلا تختلف.
والمعنى صحيح بليغ، وانتصاب يقينًا على أنه مصدر في موضع الحال من فاعل قتلوه أي: متيقنين أنه عيسى كما ادعوا ذلك في قولهم: إنا قتلنا المسيح قاله: السدي.
أو نعت لمصدر محذوف أي: قتلًا يقينًا جوزه الزمخشري.
وقال الحسن: وما قتلوه حقًا انتهى.
فانتصابه على أنه مؤكد لمضمون الجملة المنفية كقولك: وما قتلوه حقًا أي: حق انتفاء قتله حقًا.
وما حكي عن ابن الأنباري أنه في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وإن يقينًا منصوب برفعه الله أليه، والمعنى: بل رفعه الله إليه يقينًا، فلعله لا يصح عنه.
وقد نص الخليل على أن ذلك خطأ، لأنه لا يعمل ما بعد بل في ما قبلها.
{بل رفعه الله إليه} هذا إبطال لما ادعوه من قتله وصلبه، وهو حي في السماء الثانية على ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج.
وهو هنالك مقيم حتى ينزله الله إلى الأرض لقتل الدجال، وليملأها عدلًا كما ملئت جورًا، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما تموت البشر.
وقال قتادة: رفع الله عيسى إليه فكساه الريش وألبسه النور، وقطع عنه المطعم والمشرب، فصار مع الملائكة، فهو معهم حول العرش، فصار إنسيًّا ملكيًا سماويًا أرضيًا.
والضمير في إليه عائد إلى الله تعالى على حذف التقدير إلى سمائه، وقد جاء {ورافعك إليّ} وقيل: إلى حيث لا حكم فيه إلا له.
ولا يوجه الدعاء إلا نحوه، وهو راجع إلى الأول.
وقال أبو عبد الله الرازي: أعلم الله تعالى عقيب ذكره أنه وصل إلى عيسى أنواع من البلايا، أنه رفعه إليه فدل أنّ رفعه إليه أعظم في إيصال الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية انتهى.
وفيه نحو من كلام المتفلسفة.
{وكان الله عزيزًا حكيمًا} قال أبو عبد الله الرازي: المراد من العزة كمال القدرة، ومن الحكمة كمال العلم، فنبه بهذا على أنّ رفع عيسى عليه السلام من الدنيا إلى السموات وإن كان كالمتعذر على البشر، لكنْ لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وحكمتي انتهى.
وقال غيره: عزيزًا أي قويًا بالنقمة من اليهود، فسلط عليهم بطرس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة.
حكيمًا حكم عليهم باللعنة والغضب.
وقيل: عزيزًا أي: لا يغالب، لأن اليهود حاولت بعيسى عليه السلام أمرًا وأراد الله خلافه.
حكيمًا أي: واضع الأشياء مواضعها.
فمن حكمته تخليصه من اليهود، ورفعه إلى السماء لما يريد وتقتضيه حكمته تعالى.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله تعالى إلى عيسى على رأس ثلاثين سنة، ثم رفعه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فكانت نبوته ثلاث سنين.
وقيل: بعث الله جبريل عليه السلام فأدخله خوخة فيها روزنة في سقفها، فرفعه الله تعالى إلى السماء من تلك الروزنة. اهـ.

.من فوائد الثعالبي في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَبِكُفْرِهِمْ}: أيْ: بعيسى، و{قَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا}، هو رمْيُهم إياها بالزِّنَا بعد رُؤْيتهم الآية في كلامِ عيسى في المهد؛ و{قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ...} الآية: هذه الآيةُ والَّتِي قبلها عدَّدَ اللَّه تعالى فيهما أقوالَ بَنِي إسرائيل، وأفعالَهُمْ؛ على اختلافِ الأزمان، وتعاقُبِ القرون؛ فاجتمع مِنْ ذلك توبيخُ خَلَفِهِمُ المعاصِرِينَ لنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، فهذه الطائفةُ التي قالَتْ: إنا قَتَلْنَا المسيحَ غَيْرُ الذين نقضوا الميثاقَ في الطُّور، وغَيْرُ الذين اتَّخَذُوا العجْلَ، وقولُ بني إسرائيل إنَّمَا هُوَ إلى قوله: {عِيسَى ابن مَرْيَمَ}.
وقوله تعالى: {رَسُولَ الله}، إنما هو إخبارٌ من اللَّه تعالى بصفةٍ لعيسى، وهي الرسالةُ، على جهة إظهار ذَنْب هؤلاء المُقِرِّين بالقَتْل، ولزمهم الذنْبُ، وهم لم يقتلوا عيسى؛ لأنهم صَلَبُوا ذلك الشخْصَ؛ على أنه عيسى، وعلى أنَّ عيسى كَذَّابٌ ليس برَسُولِ اللَّه، فلزمهم الذنْبُ مِنْ حيث اعتقدوا أنَّ قتلهم وَقَعَ في عيسى.
قال * ص *: و{عيسى}: بدلٌ أو عطفُ بيانٍ من {المسيح}، و{رَسُولَ الله} كذلك، ويجوزُ أنْ يكون صفةً لـ {عيسى}، وأنْ يكون نصبًا على إضمار أعني.
قُلْتُ: وهذا الأخير أحسنها مِنْ جهة المعنى. انتهى.
ثم أخبر سبحانه أنَّ بني إسرائيل ما قَتَلُوا عيسى، وما صَلَبوه، ولكنْ شُبِّه لَهُمْ، واختلفتِ الرُّوَاةُ في هذه القصَّة، والذي لا يُشَكُّ فيه أنَّ عيسى عليه السلام كان يَسِيحُ في الأَرْضِ ويدعو إلى اللَّه، وكانَتْ بنو إسرائيل تَطْلُبُه، ومَلِكُهُمْ في ذلك الزَّمَانِ يجعَلُ عليه الجَعَائِلَ، وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريُّون يَسِيرُونَ معه؛ حيثُ سار، فلَمَّا كان في بعض الأوقات، شُعِرَ بأمْر عيسى، فَرُوِيَ أنَّ رجلًا من اليهود جُعِلَ له جُعْلٌ، فما زال يَنْقُرُ عنه؛ حتى دلَّ على مكانه، فلما أحَسَّ عيسى وأصحابُهُ بتلاحُقِ الطَّالبين بهم، دخلوا بَيْتًا بمرأى مِنْ بني إسرائيل، فرُوِيَ أنهم عَدُّوهم ثلاثةَ عَشَرَ، ورُوِيَ: ثمانيةَ عَشَرَ، وحُصِرُوا لَيْلًا، فرُوِيَ أنَّ عيسى فرق الحواريِّين عن نَفْسه تلك الليلةَ، ووجَّههم إلى الآفاقِ، وبقي هُوَ ورجُلٌ معه، فَرُفِعَ عيسى، وأُلْقِيَ شَبْهُهُ على الرجُلِ، فَصُلِبَ ذلك الرجُلُ، ورُوِيَ أنَّ الشَّبَهَ أُلْقِيَ على اليهوديِّ الذي دَلَّ عليه، فَصُلِبَ، وروي أنَّ عيسى عليه السلام لما أُحِيطَ بهم، قال لأصْحَابِهِ: أَيُّكُمْ يلقى عَلَيْه شَبَهِي، فَيُقْتَلُ، ويُخَلِّصُ هؤلاءِ، وهو رَفِيقي في الجَنَّةِ، فقَالَ سِرْجِسُ: أَنَا، فألقي عليه شبه عيسى، وروي أنَّ شَبَهَ عيسى أُلْقِيَ علَى الجَمَاعَةِ كلِّها، فلما أخرجهم بَنُو إسرائيل، نقصوا واحدًا مِنَ العِدَّة، فأخذوا واحدًا مِمَّنْ عليه الشَّبَهُ حَسَب هذه الرواياتِ التي ذكَرْناها، فَصَلَبُوه، ورُوِيَ أنَّ المَلِكَ والمتناوِلِينَ لَمْ يَخْفَ عليهم أَمْرُ رَفْعِ عيسى، لِمَا رأَوْه مِنْ نقصانِ العدَّة، واختلاط الأمْرِ.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ...} الآية: يعني اختلافَ المحاولين لأخْذه؛ لأنهم حين فقدوا واحدًا من العدد، وتُحُدِّثَ برَفْع عيسَى، اضطربوا، واختلفوا، لكنْ أجمعوا على صَلْبِ واحدٍ مِنْ غير ثقَةٍ، ولا يقينٍ، أنه هو.
وقولُه تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}، قال ابن عَبَّاس وجماعةٌ: المعنى: وما صَحَّ ظنُّهم عندهم، ولا تحقَّقوه يقينًا، فالضميرُ في قتلوه عندهم عائدٌ على الظَّنِّ؛ كما تقُولُ: ما قَتَلْتُ هذا الأمْرِ عَلْمًا، قلْتُ: وعبارةُ السُّدِّيِّ: وما قَتَلُوا أمره يقينًا أنَّ الرجُلَ هو عيسَى. انتهى من مختصر الطَّبَرِيِّ، وقال قومٌ: الضميرُ عائدٌ على عيسى، أخبر سبحانه أنهم ما قَتَلُوهُ في الحقيقةِ جملةً واحدةً، لا يقينًا ولا شكًّا، لكنْ لما حصَلَتْ في ذلك الدعوى، صَارَ قتله عنْدَهم مشْكُوكًا فيه، وقال قوم مِنْ أهل اللسانِ: الكلامُ تامٌّ في قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ}، و{يَقِينًا}: مصدرٌ مؤكِّد للنفْي في قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ}، المعنى: نخبرُكُمْ يقينًا، أو نقصُّ عليكم يقينًا، أو أَيْقَنُوا بذلك يَقينًا.
وقال * ص *: بعد كلام: والظاهرُ أنَّ الضمير في {قَتَلُوهُ} عائدٌ إلى عيسى لِتَتَّحِدَ الضمائرُ، و{يَقِينًا}: منصوبٌ في موضعِ الحالِ من فَاعِلِ {قَتَلُوهُ}: أي: مستيقنين أنه عيسى، أو نعت لمصدرٍ محذوفٍ، أي: قتلًا يقينًا. انتهى.
وقوله تعالى: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ}: يعني: إلى سمائِهِ وكرامتِهِ، وعيسى عليه السلام في السَّماءِ؛ على ما تضمَّنه حديثُ الإِسراء في ذِكْرِ ابني الخالةِ عيسى ويحيى، ذكره البخاريُّ في حديث المعراج، وذكره غيره، وهو هنالك مُقِيمٌ؛ حتى يُنزله اللَّه تعالى لِقَتْلِ الدَّجَّال، وليملأَ الأرْضَ عَدْلًا وَيَحْيَا فيها أربعين سَنَةً، ثم يَمُوتُ، كما يموتُ البَشَر. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآيات:

قال عليه الرحمة:
{وَبِكُفْرِهِمْ} أي بعيسى عليه السلام، وهو عطفٌ على {قولهم} وإعادةُ الجارِّ لطول ما بينهما بالاستطراد، وقد جُوِّز عطفُه على بكفرهم فيكون هو وما عُطف عليه من أسباب الطبعِ، وقيل: هذا المجموعُ معطوفٌ على مجموع ما قبلَه، وتكريرُ ذكر الكفرِ للإيذان بتكرُّر كفرِهم حيث كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد عليهم الصلاة والسلام {وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيمًا} لا يقادَر قدرُه حيث نسبوها إلى ما هي عنه بألف منزل {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} نظمُ قولِهم هذا في سلك جناياتِهم التي نُعيت عليهم ليس لمجرد كونِه كذبًا بل لتضمُّنه لابتهاجهم بقتل النبيِّ عليه السلام والاستهزاءِ به فإن وصفَهم له عليه السلام بعنوان الرسالةِ إنما هو بطريق التهكّم به عليه السلام كما في قوله تعالى: {وَقَالُواْ يأَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر} إلخ، ولإنبائه عن ذكرهم له عليه السلام بالوجه القبيحِ على ما قيل من أن ذلك وُضِع للذكر الجميلِ من جهته تعالى مدحًا له ورفعًا لمحله عليه السلام، وإظهارًا لغاية جَراءتِهم في تصدِّيهم لقتله ونهايةِ وقاحتِهم في افتخارهم بذلك {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} حالٌ أو اعتراض.