فصل: بحث نفيس للأستاذ/ مصطفي عبد اللطيف درويش المحامي بعنوان «المسيح لم يصلب»:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن اليهود لما علموا أنه في البيت الفلاني مع أصحابه أمر يهوذا رأس اليهود رجلًا من أصحابه يقال له طيطانوس أن يدخل على عيسى ويخرجه ليقتله، فلما دخل عليه أخرج الله تعالى عيسى من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فخرج فظنوا أنه هو المسيح فصلبوه وقتلوه. وقيل: وكلوا بعيسى عليه السلام رجلًا يحرسه وصعد عيسى في الجبل ورفع إلى السماء وألقى الله الشبه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست عيسى. وقيل إن رهطًا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم: اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي. فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله فلما هموا بأخذه وكان معه عشرة من أصحابه قال لهم: من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي؟ فقال واحد منهم: أنا فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل ورفع الله عيسى. وقيل: كان رجل يدعي أنه من أصحاب عيسى وكان منافقًا، فذهب إلى اليهود ودلهم عليه فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله شبهه عليه فقتل وصلب {وإنّ الذين اختلفوا فيه لفي شك منه} قيل: إن المختلفين هم اليهود لما قتلوا الشخص المشبه ونظروا إلى بدنه قالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره. وقال السبكي: لما قتلوا اليهودي المشبه مكانه قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ وقيل: إن المختلفين هم النصارى وذلك أنهم بأسرهم متفقون على أن اليهود قتلوه إلا أن كبار فرق النصارى ثلاثة: النسطورية والملكانية واليعقوبية. فالنسطورية زعموا أن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وهو قريب من قول الحكماء إنّ القتل والموت يرد على الهيكل لا على النفس المجردة، وعلى هذا فالفرق بين عيسى وبين سائر المصلوبين أن نفسه كانت قدسية علوية مشرقة قريبة من عالم الأرواح فلم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن. وقالت الملكانية: القتل والصلب وصل إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة. وقالت اليعقوبية: القتل والصلب وقع للمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين، والشك في الأحكام استواء طرفي نقيضه عند الذاكر وقد يطلق عليه الظن وبهذا ذم في قوله: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} وأما العمل بالقياس فليس من اتباع الظن في شيء لأنه عمل بالطرف الراجح، ولأن العلم بوجوب العمل قطعي. ثم قال: {وما قتلوه يقينًا} وإنه يحتمل عدم يقين القتل أي قتلًا يقينًا أو متيقنين. واليقين عقد جازم مطابق ثابت لدليل ويحتمل يقين عدم القتل على أن {يقينًا} تأكيد لقوله: {وما قتلوه} أي حق انتفاء قتله حقًا وهذا أولى لقوله: {بل رفعه الله إليه} وقيل: هو من قولهم قتلت الشيء علمًا إذا تبالغ فيه علمه فيكون تهكمًا بهم لأنه نفى عنهم العلم أولًا نفيًا كليًا ثم نبه بقوله: {وكان الله عزيزًا حكيمًا} على أن رفع عيسى إلى السماء بالنسبة إلى قدرته سهل وأن فيه من الحكم والفوائد ما لا يحصيها إلاّ هو.
ثم قال: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليومننّ به قبل موته} فقوله: {إلاّ ليؤمنن به} جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف وإن هي النافية. التقدير: وما من أهل الكتاب أحد إلاّ ليؤمنن به كقوله: {وما منا إلاّ له مقام معلوم} [الصافات: 164] والضمير في {به} عائد إلى عيسى، وفي {موته} إلى أحد. عن شهر بن حوشب قال لي الحجاج: آية ما قرأتها إلاّ تخالج في نفسي شيء منها يعني هذه الآية وقال: إني أوتي بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك. فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا: يا عدوّ الله أتاك عيسى نبيًا فكذبت به فيقول: آمنت أنه عبد نبي. وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيًا فزعمت أنه الله أو ابن الله فيؤمن به ويقول: إنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. قال: وكان متكئًا فاستوى جالسًا فنظر إليّ وقال: ممن قلت؟ قلت: حدثني محمد بن علي ابن الحنفية فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال: لقد أخذتها من عين صافية أو من معدنها. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة: فإن أتاه رجل فضرب عنقه؟ قال: لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه. قال: وإن خر من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع؟ قال: يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به. وفائدة هذا الإخبار الوعيد وإلزام الحجة والبعث على معاجلة الإيمان به في أوان الانتفاع، لأنه إذا لم يكن بد من الإيمان به فلأن يؤمنوا به حال التكليف ليقع معتدًا به أولى. وقيل: الضميران في {به} وفي {موته} لعيسى والمراد بأهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله. روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود والنمور مع الإبل والبقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. قال بعض المتكلمين: ينبغي أن يكون هذا عند ارتفاع التكاليف أو بحيث لا يعرف إذ لو نزل مع بقاء التكليف على وجه يعرف أنه عيسى. فأما أن يكون نبيًا- ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم- أو غير نبي وعزل الأنبياء لا يجوز.
وأجيب بأنه كان نبيًا إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك انتهت مدة نبوته فلا يلزم عزله فلا يبعد أن يصير بعد نزوله تبعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم. قال في الكشاف: ويجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلاّ ليؤمن به على أن الله تعالى يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما أنزل له ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم وقيل: الضمير في {به} يرجع إلى الله تعالى وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله وكذلك كل نبي شاهد على أمته. اهـ.

.بحث نفيس للأستاذ/ مصطفي عبد اللطيف درويش المحامي بعنوان «المسيح لم يصلب»:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة:
الحمد لله علي نعمة الإسلام والصلاة والسلام علي رسوله الخاتم الذي وصلتنا النعمة علي يديه، وسلام الله علي المسيح عيسي ابن مريم رسول الله إلي بني إسرائيل والمبشر بالنبي الخاتم الذي قال: إنه يأتي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم المخوف.
وقال: متى جاء ذاك الروح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع ويخبركم بأمور آتيه. ذلك يمجدي لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. (يوحنا/ 11 14- 2).
وقال: يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلت. (يوحنا 25- 24 /14).
وفعلا جاء الرسول الخاتم الذي بشر به المسيح وأنزل الله عليه كتابا فيه حقيقة كل شيء عن المسيح ولولا القرآن لظلت هذه الحقائق خافية، وقد أعلن القرآن علي العالمين أن المسيح لم يصلب ولم يقتل كما أطلت هذه الحقيقة من بين سطور أسفار أهل الكتاب.
تذكرة لو شاء الله تعالي أن يجبر الناس علي قبول العقائد والدين لفعل لأن الله علي كل شيء قدير ولكن ذلك يتعارض مع حكمته في ابتلاء الناس ولذلك فإنه جل شأنه بين للناس الحق وتركهم يفكرون.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: من الآية 35].
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: من الآية 29]
ولهذا ليس لنا إلا أن نبين الحق، فكتمان الحق معصية، وإكراه الناس على الحق معصية والحساب علي الله.
وما توفيقي إلا بالله.
مع القرآن:
القرآن الكريم بعد أن نفي عن المسيح القتل والصلب بين أنه شبة للإسرائيليين أنهم فعلو ذلك ثم بين أنهم وقفوا في الشك والظن ذلك كله واضح في قوله تعالي: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: من الآية 157].
وذلك كلام واضح لا يحتاج إلى بيان.
ولما كان الذين يعتقدون صلب المسيح لا يؤ منون بالقرآن فنحن بتوفيق الله سنقدم الدليل علي أن المسيح لم يصلب وذلك من نفس الأسفار التي يؤمنون بها من يزعمون صلبه.
مع الإنجيل إنجيل الله:
الإنجيل الذي لا يمكن أن يكون موضعا للشك أو التضارب والاختلاف هو الإنجيل الذي أتي به المسيح عليه السلام لأنه من عند الله وهو الذي يمكن أن تطلق عليه إنجيل الله.
وهذا الإنجيل هو الذي دعا المسيح الناس إلي الإيمان به فهو في بداية دعوته قال: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وأمنوا بالإنجيل. (مرقس 1/ 14)، وإذا قال المسيح لأمته توبوا وأمنوا بالإنجيل فمعني هذا أنه قدم إليهم إنجيلا أمرهم بالإيمان به وكان ذلك في بداية دعوته فمعلوم دون أدني شك أن هذا الإنجيل لم يرد به الصلب والقتل بل ولم يرد به أي حدث من الأحداث التي أعقبت تقديم المسيح لهذا الإنجيل إلي أمته والذي طلب منهم أن يؤمنوا به ولم تكن هذه الأناجيل الأربعة وغيرها قد ظهرت في الوجود بعد فهي لذلك خارجة عن دائرة طلب المسيح الإيمان بالإنجيل، وقد جاء ذلك أيضا صريحا في رسالة بولس إلي أهل رومية..... (يسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله 1 /1).
بل ووصف صريحا إنجيل المسيح بأنه قوة الله للخلاص فلا خلاص بغيره إنجيل المسيح لأنه هو قوة الله للخلاص رسالة بولس إلى أهل رومية الأصحاح الأول عدد 16.
وهذا هو نفسه الإنجيل الذي أمر المسيح تلاميذه أن يذهبوا به إلي العالم أجمع حيث قال: اذهبوا إلي العالم اجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. (مرقس 15 /16).
بعد هذا البيان الصريح ليس من حق أحد أن يؤلف إنجيلا آخر لأن النصوص الصريحة في أن إنجيل المسيح قوة الله للخلاص وأن إنجيل الله هو الذي أمر المسيح تلاميذه أن يبلغوه للناس وان يدعوهم إلي الإيمان به.
وهو نفس الإنجيل الذي أشار إليه القرآن ووصفه بالحق والصدق والنور قال تعالي {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران 48- 49].
{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة 46]
وأمرنا الله تعالى نحن المسلمين أن نؤمن بهذا الإنجيل وأمر جل شأنه أهل الكتاب أن يحتكموا إلي هذا الإنجيل فقال جل شأنه: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائده 47].
لهذه الأسباب كلها وللنصوص الموجودة في أسفار أهل الكتاب نقول إن الأناجيل الأربعة وغيرها شيء يختلف عن إنجيل الله الذي علمه للمسيح وأمر المسيح أمته أن تؤمن به وأن تبلغه للناس.
هذه الأناجيل مجرد وصف لأحداث جاء من أشخاص بعضهم لم يعاصر المسيح ولم ينقل عنه، بل نستطيع أن نجزم بأن كل ما خالف الإنجيل الذي أتي به المسيح ليس من إنجيل المسيح وليس من الوحي المنزل وليس منزها عن الخطأ والتضارب والاختلاف، وليس هنا مجال إظهار الاختلافات الواردة بين الأناجيل.