فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد أبي حيان في الآيتين:

قال رحمه الله:
{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} المعنى: فبظلم عظيم، أو فيظلم أي ظلم.
وحذف الصفة لفهم المعنى جائز كما قال: لقد وقعت على لحم أي لحم متبع، ويتعلق بحرمنا.
وتقدم السبب على المسبب تنبيهًا على فحش الظلم وتقبيحًا له وتحذيرًا منه.
والطيبات هي ما ذكر في قوله: {وعلى الذين هادوا وحرمت عليهم} الألبان وبعض الطير والحوت، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه.
وأوضح ذلك قراءة ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم.
{وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا} أي ناسًا كثيرًا، فيكون كثيرًا مفعولًا بالمصدر، وإليه ذهب الطبري.
قال: صدوا بجحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم جمعًا عظيمًا من الناس، أو صد كثيرًا.
وقدره بعضهم زمانًا كثيرًا.
{وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه.
قالوا: والربا محرم في جميع الشرائع.
{وأكلهم أموال الناس بالباطل} أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب.
وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات.
قيل: كانوا كلما أحدثوا ذنبًا حرم عليهم بعض الطيبات، وأهمل هنا تفصيل الطيبات، بل ذكرت نكرة مبهمة.
وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب.
فقيل: ذلك جزيناهم ببغيهم، وأعيدت الباء في: {وبصدهم} لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولًا للمعطوف عليه، بل في العامل فيه.
ولم يعد في: {وأخذهم} وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه.
ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} الآية.
وبدئ في أنواع الظلم بما هو أهم، وهو أمر الدّين، وهو الصد عن سبيل الله، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجانًا لا عوض فيه.
وفي ذكر هذه الآية امتنان على هذه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبة لهم بذنوبهم.
{وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا مهينًا} لما ذكر عقوبة الدنيا ذكر ما أعد لهم في الآخرة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)}
هو سبحانه يوضح أن تحريم بعض الطيبات على بني إسرائيل جاء نتيجة لمواقف يعددها الله، لقد ارتكبوا ما ارتكبوا من ذنوب كبيرة وظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وصدوا عن دين الله، بمعنى أنهم لم يدخلوا في الإسلام.
وتستمر الحيثيات للتحريم لبعض الطيبات لتزيد على هذين الموقفين: {وَأَخْذِهِمُ الربا...}
{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [161].
وأي ظلم يتحدث عنه الحق في قوله: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}؟. الظلم معناه أن يحكم واحد لغير ذي الحق بحق، وقمة الظلم أن يحكم واحد بأن الله شريكًا، ولذلك قال سبحانه: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
وحيثيات حكم الله بتحريم أشياء كانت حلالًا لبني إسرائيل متعددة. وحين يحرم الله شيئًا فمن المؤكد أنه محدود بالنسبة للمحلَّل؛ فالمحرم قليل، وبقية ما لم يذكره الله إنما يدخل في نطاق الحلال.
مثال ذلك قوله الحق: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وبالوالدين إِحْسَانًا وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 151- 152].
يورد الحق هنا المحرمات وهي أشياء محددة محدودة، أما النعم كلها فحلال. ومن هذا الأمر نفهم اتساع مدى رحمانية الحق بالخلق، فقد وهبنا الكثير والكثير من النعم التي لا تعد ولا تحصى ولم يحرم إلا القليل. وتحريم القليل جاء لتبقى كل نعمة في مجالها.
فإذا قال الإنسان: حرم الله هذا الشيء لأنه ضار نقول: ما تقوله جائز، ولكن ليس الضرر هو سبب الحكم لِكل المحرمات، فقد يحرم سبحانه أمرًا لتأديب قوم ما.- ولله المثل الأعلى- نرى المسئول عن تربية أسرة قد يحرم على ولد فيها لونًا من الطعام أو جزءًا من مصروف اليد ويكون القصد من ذلك هو العقوبة.
ولماذا استحق بنو إسرائيل عقوبة التحريم؟. لقد جاءوا من خلف منهج الله وأحلوا لأنفسهم ما حرم الله. وماداموا قد زاغوا فأحلوا ما حرم الله فالحق يرد عليهم: لقد اجترأتم على ما حرمت فحللتموه، ومن حقي أن أحرم عليكم ما أحللت لكم من قبل ذلك، حتى لا يفهم الإنسان أنه بتحليله لنفسه ما حرم الله قد أخذ شيئًا من وراء الله فلا أحد يمكنه أن يغلب الله. ولذلك يحرم سبحانه عليه شيئًا من حلاله.
والتحريم إما أن يكون تحريم تشريع، وإما تحريم طبع أو فطرة أو ضرورة. نجد الرجل الذي أسرف على نفسه في تناول محرمات كالخمر- مثلًا- يحرم الله عليه أشياء كانت حلالًا له، ويقول له الطبيب: تهرأ كبدك وصار من الممنوع عليك أن تأكل صنوفًا كثيرة من الطعام والشراب. وهكذا نرى ظلم الإنسان لنفسه، وكيف نتج عنه تحريم أشياء كانت حلالًا له.
ومن أسرف على نفسه في تناول صنف معين من الطعام كالسكر مثلًا فأكَله فوق ما تدعو به الحاجة، نجد سنة الله الكونية تقول له: لقد أخذت أكثر من حقك. وعطلت في جسدك القدرة على حسن استخدام السكر فصرت مريضًا، إياك أن تتناول السكريات مرة أخرى. ويشتهي المريض السكر والحلوى ويملك القدرة على شرائهما، ولكنها محرمة عليه، وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول له: بظلم منك لنفسك حرمت ما أحللته لك.
وآخر يملك الثروات والخدم والمزارع الشاسعة، ويقوم له الآخرون بطحن الغلال، ويأمر بأن يصنعوا له الخبز من أنقى أصناف الدقيق الخالي من أية قدر من النخالة، ويصنعون له الخبز الأبيض، ويأكله بينما الاتباع يصنعون لأنفسهم الخبز من الدقيق الأقل نقاوة، فتقول له سنة الله: ستأكل الخبز المصنوع من النخالة بأمر الطبيب علاجًا لأمعائك لأنك أسرفت على نفسك في أكل الخبز المصنوع من أنقى أنواع الدقيق وليأكل رعاياك وعمالك الخبز المصنوع من أفخر ألوان الدقيق، فبظلم منك حرمنا ما أحل لك.
وعندما نَرى إنسانًا قد حُرمَ من نعمة من نعم الله التي هي حلال له، نعلم أنه قد حلل لنفسه شيئًا حرمه الله عليه، أو أسرف في استعمال حق أحله الله له، ولا أحد منا يفلت من رقابة الله. إذن فالتحريم قد يكون بالتشريع، إذا كانت العقوبة التحريم من المشرع، وقد يكون تحريمًا بالطبع والفطرة إن كان في الأمر إسراف من النفس.
ولنقرأ دائمًا هذه الآية: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيرًا} وكذلك الذين يأخذون مالًا بالربا، لقد أخذوا الربا ليزيد مالهم، لماذا تريدون المال؟. أتريدون المال لذات المال؛ أم لهدف آخر؟. صحيح أن المال رزق، لكنه رزق غير مباشر؛ لأنه يَشْتري به الأشياء التي ينتفع بها الإنسان، وهي الرزق المباشر. وقلنا قديمًا: هب أن إنسانًا في صحراء ومعه جبل من ذهب لكن الطعام انقطع منه، وجبل الذهب في مثل هذه الحالة لا ينفع، بل يصبح رغيف الخبز وكوب الماء في تلك الحالة أغلى من الذهب. والذي يزيد ماله بالربا، أيريد تلك الزيادة من أجل المتع؟. سبحانه يمحق ذلك المال ويُذهبه في كوارث.
ومن أراد أن يبقي له ما أحل الله إلى أن يأتي أجله فعليه ألا يبيح لنفسه أي شيء حرمه الله. وبذلك يظل متمتعًا بنعم الله عليه. فالحق هو القائل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.
الإنسان- إذن- هو الذي يظلم نفسه مصداقًا لقوله الحق: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]
وهكذا ظلم اليهود أنفسهم فحرم الله عليهم طيبات أُحِّلت لهم. ومن الذي نقل الأمر الطيب إلى أمر غير طيب؟.
إنه الإنسان. ولكن هل نقل ذات الشيء أو حكم الشيء؟. لقد نقل حكم الشيء، فجعل الشيء الحرام شيئًا حلالًا. {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيرًا}.
كيف يكون باستطاعتهم الصد عن سبيل الله؟. لقد ظلموا أنفسهم وأخذوا الربا وتلك أمور تجعلهم في ناحية الضلال وفي جانب الباطل، وليت الأمر وقف عند هذا. بل أرادوا أيضًا إضلال غيرهم، وهذا هو مضمون الصد عن سبيل الله. وجعلهم هذا الأمر أصحابَ وزر آخر فوق أوزارهم، فلم يكتفوا بضلالهم بل تحملوا أوزار إضلال غيرهم. {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]
وقد يسمع متشكك هذا القول. فيتساءل: كيف يناقض القرآن بعضه فيقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164]
ونقول: إن لكل وزر طريقًا وحسابًا، فالإنسان يحمل وزر ضلاله وحده إن لم يضل به أحدًا غيره، ولكن إن حاول إضلال غيره فهو يتحمل وزر هذا الإضلال. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله سبحانه: {فَبِظُلمٍ}: هذا الجارُّ متعلِّق بـ {حَرَّمْنَا} والباء سببية، وإنما قُدِّم على عاملِه؛ تنبيهًا على قبح سبب التحريمِ، وقد تقدَّم أنَّ قوله: {فَبِظُلْمٍ} بدلٌ من قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}، وتقدَّم الردُّ على قائله أيضًا فأغْنَى عن إعادته، و{مِنَ الذِينَ} صفة لـ {ظُلْم} أي: ظُلْمٍ صادر عن الذين هادُوا، وقيل: ثَمَّ صفةٌ للظلم محذوفةٌ للعلْمِ بها، أي: فبظُلْمٍ أيِّ ظُلْمٍ، أو فبِظُلْمٍ عَظِيمٍ؛ كقوله: [الطويل]