فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال النحاس: وهذا أصحّ ما قيل في المقيمين وقال الكسائي: والمقيمين معطوف على ما قال النحاس قال الأخفش: وهذا بعيد؛ لأن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين.
وحكى محمد بن جرير أنه قيل له: إن المقيمين هاهنا الملائكة عليهم السلام؛ لدوامهم على الصلاة والتسبيح والاستغفار، وأختار هذا القول، وحكى أن النصب على المدح بعيد؛ لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر، وخبر الراسخين في {أُولَئِكَ سَنُؤتَيِهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} فلا ينتصب المقيمين على المدح.
قال النحاس: ومذهب سيبويه في قوله: {والمؤتون} رفع بالإبتداء.
وقال غيره: هو مرفوع على إضمار مبتدأ؛ أي هم المؤتون الزكاة وقيل: والمقِيِمين عطف على الكاف التي في قَبلِكَ أي من قبلك ومن قبل المقيمين.
وقيل: المقِيمين عطف على الكاف التي في إلَيْكَ وقيل: هو عطف على الهاء والميم أي منهم ومن المقيمين؛ وهذه الأجوبة الثلاثة لا تجوز؛ لأن فيها عطف مظهر على مضمر مخفوض.
والجواب السادس ما روى أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن هذه الآية وعن قوله: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] وقوله: {والصابئون} [المائدة: 69] في [المائدة] فقالت للسائل: يا بن أخي الكُتّاب أخطئوا.
وقال أبان بن عثمان: كان الكاتب يُملَى عليه فيكتب فكتب {لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ والمؤمنون} ثم قال له: ما أكتب؟ فقيل له: اكتب {والمقيمين الصلاة} فمن ثَمّ وقع هذا.
قال القُشيري: وهذا المسلك باطل؛ لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة، فلا يظنّ بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل.
وأصح هذه الأقوال قول سيبويه وهو قول الخليل، وقول الكسائي هو اختيار القَفّال والطبري، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{والمقيمين الصلاة}
قال بعض الجهال: هذا غلط الكاتب حيث كتب مصحف الإمام، كان ينبغي أن يكتب والمقيمون فأوهم وكتب والمقيمين.
واحتج بما روي عن عائشة أنها قالت: ثلاثة أحرف في المصحف غلط من الكاتب: قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} وقوله: {والصابئون والنصارى} وقوله: {إِنْ هاذان لساحران} وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال: أرى فيه لحنًا وستقيمه العرب بألسنتها، ولكن هذا بعيد عند أهل العلم والخبر، لم يثبت عن عثمان ولا عن عائشة رضي الله عنهما، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حماة الدين والقدوة في الشرائع والأحكام، فلا يظن بهم أنهم تركوا في كتاب الله تصحيفًا يصلحه غيرهم، وهم أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمعنى في قوله: {والمقيمين الصلاة} قال بعضهم: يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة، يعني بالنبيين المقيمين الصلاة.
وقال بعضهم: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إليك. اهـ.

.قال الثعلبي:

{والمقيمين الصلاة}.
واختلفوا في وجه انتصابه.
فقالت عائشة وأبان بن عثمان: هو غلط من الكاتب، ونظيره قوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى} [المائدة: 69] وقوله تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] وقال بعض النحويين: هو نصب على المدح والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد إذا تطاولت بمدح أو ذم خالفوا من إعراب أوله وأوسطه، نظيره قوله: {والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ والصابرين فِي البأساء} [البقرة: 177] وقيل: نصب على فعل، تقديره: أعني المقيمين، على معنى: أذكر النازلين وهم الطيبون.
وقال قوم: موضعه خفض، واختلفوا في وصفه، قال بعضهم: معناه: لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة، وقيل معناه: يؤمنون بما أُنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة، وقال بعضهم: يؤمنون بما أُنزل إليك من الكتاب والمقيمين الصلاة.
ثم اختلفوا فيهم من هم؟ فقيل: هم الملائكة، وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم المؤمنون، وقيل: مؤمنوا أهل الكتاب وهم الراسخون. اهـ.

.قال الزمخشري:

و{وَالمقيمين} نصب على المدح لبيان فضل الصلاة، وهو باب واسع.
وقد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد.
ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف.
وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبي عليه أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدّها من بعدهم وخرقًا يرفوه من يلحق بهم. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقال آخرون: هو مخفوض عطفا على قوله: {بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ} يعني: وبالمقيمين الصلاة.
وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة، أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة، وهذا اختيار ابن جرير، يعني: يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالملائكة. وفي هذا نظر والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {لكن الراسخون في العلم منهم} يعني من اليهود وهذا استثناء الله عز وجل من آمن من أهل الكتاب ممن تقدم وصفهم في الآيات التي تقدمت فبين فيما تقدم حال كفار اليهود والجهال منهم وبين في هذه الآية حال من هداه لدينه منهم وأرشده للعمل بما علم فقال لكن الراسخون في العلم ولكن هنا بمعنى الاستدراك والاستثناء والراسخون في العلم الثابتون في العلم البالغون فيه أولو البصائر الثاقبة والعقول الصافية وهم عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من أهل الكتاب لأنهم رسخوا في العلم وعرفوا حقيقته فأوصلهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {والمؤمنون} يعني بالله ورسله {يؤمنون بما أنزل إليك} يعني بالقرآن الذي أنزل إليك {وما أنزل من قبلك} يعني ويؤمنون بسائر الكتاب التي أنزلها الله على أنبيائه من قبله يا محمد وفي المراد بالمؤمنين ها هنا قولان: أحدهما إنهم أهل الكتاب فيكون المعنى لكن الراسخون في العلم منهم وهم المؤمنون.
والقول الثاني أنهم المهاجرون والأنصار من هذه الأمة فيكون قوله والمؤمنون ابتداء كلام مستأنف يؤمنون بما أنزل إليك يعني أنهم يصدقون بالقرآن الذي أنزل إليك يا محمد وما أنزل من قبلك {والمقيمين الصلاة} اختلف العلماء في وجه نصبه فحكي عن عائشة وأبان بن عثمان أنه غلط من الكتاب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة.
وقال عثمان بن عفان إن في المصحف لحنًا ستقيمه العرب بألسنتهم فقيل له أفلا تغيره؟ فقال دعوه فإنه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا وذهب عامة الصحابة وسائر العلماء من بعدهم إلى أنه لفظ صحيح ليس فيه من خطأ من كاتب ولا غيره وأجيب عما روي عن عثمان بن عفان وعن عائشة وأبان بن عثمان بأن هذا بعيد جدًا لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك فكيف يتركون في كتاب الله لحنًا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم.
قال ابن الأنباري: ما روي عن عثمان لا يصلح لأنه غير متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئًا فاسدًا ليصلحه غيره ولأن القرآن منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه؟
وقال الزمخشري في الكشاف ولا يلتفت إلى ما زعموا من قوع لحن في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب يعني كتاب سيبويه ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص والمدح من الافتتان وهو باب قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد وربما غبي عليه أن السابقين الأولين كانوا أبعد همة في الغيرة في الإسلام وذب الطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله عز وجل ثلمة يسدها من بعدهم وخرقًا يرفؤه من يلحن بهم ثم اختلف العلماء في المقيمين الصلاة أهم الراسخون في العلم أم غيرهم؟ على قولين: أحدهما إنهم هم وإنما نصب على المدح والمعنى أذكر المقيمين الصلاة وهم المؤتون الزكاة قالوا العرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته وإذا تطاولت بمدح أو ذم فربما خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانًا ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب واستشهدوا على معنى الآية:
لا يبعدن قومي الذين هم ** سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك ** والطيبون معاقد الأزر

وهذا على معنى أذكر النازلين وهم الطيبون ومن هذا المعنى تقول جاءني المطعمين وهم المعينون.
والقول الثاني أن المقيمين الصلاة غير الراسخين في العلم وموضع والمقيمين الصلاة خفض بالعطف على قوله تعالى بما أنزله إليك فعلى هذا القول يكون معنى الآية: {والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة} وهم الأنبياء لأنه لم يخل شرع أحد منهم عن إقامة الصلاة وقيل المراد بهم الملائكة لأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وصحح الزجاج القول الأول واختاره وصحح الطبري القول الثاني واختاره.
وقوله تعالى: {والمؤتون الزكاة} عطف على والمؤمنون لأنه من صفتهم {والمؤمنون بالله واليوم الآخر} يعني والمصدقون بوحدانية الله تعالى وبالبعث بعد الموت وبالثواب وبالعقاب {أولئك} يعني من هذه الأوصاف صفته {سنؤتيهم أجرًا عظيمًا} يعني سنعطيهم على ما كان منهم من طاعة الله وإتباع أمره ثوابًا عظيمًا وهو الجنة. اهـ.

.قال في روح البيان:

قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في منهاج العابدين: ولقد صرت من علماء أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الراسخين في العلم إن أنت عملت بعلمك وأقبلت على عمارة معادك وكنت عبدًا عالمًا عاملًا لله تعالى على بصيرة غير جاهل ولا مقلد غير غافل فلك الشرف العظيم ولعلمك القيمة الكثيرة والثواب الجزيل وبناء أمر العبادة كله على العلم سيما علم التوحيد وعلم السر فلقد روي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام فقال: (يا داود تعلم العلم النافع) قال إلهي وما العلم النافع قال: (أن تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي وكمال قدرتي على كل شيء فإن هذا الذي يقربك إلي) وعن علي رضي الله عنه ما يسرني أن لو مت طفلًا فأدخلت الجنة ولم أكبر فاعرف ربي فإن أعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم عبادة وأحسنهم في الله نصيحة. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ لَكِنْ هاهنا اسْتِثْنَاءٌ، وَقِيلَ: إنَّ إلَّا ولَكِنْ قَدْ تَتَّفِقَانِ فِي الْإِيجَابِ بَعْدَ النَّفْيِ أَوْ النَّفْيِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَتُطْلَقُ إلَّا وَيُرَادُ بِهَا لَكِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً} وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ؛ فَأُقِيمَتْ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَقَامَ لَكِنْ.
وَتَنْفَصِلُ لَكِنْ مِنْ إلَّا بِأَنَّ إلَّا لِإِخْرَاجِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَلَكِنْ قَدْ تَكُونُ بَعْدَ الْوَاحِدِ نَحْوَ قَوْلِك: مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو، وَحَقِيقَةُ لَكِنْ الِاسْتِدْرَاكُ وإلَّا لِلتَّخْصِيصِ. اهـ.