فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال: الأعمش قرأت عند إبراهيم وطلحة بن مصرّف: {قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25)} [الشعراء: 25]، فقال: إبراهيم ما تزال تأتينا بحرف أشنع! إنما هو (لمن حوله) واستشهد طلحة فقال مثل قوله. قال الأعمش: فقلت لهما: لحنتما، لا أقاعدكما اليوم.
وقرأ يحيى بن وثّاب: {وإن تلوا أو تعرضوا} [النساء: 135] من الولاية. ولا وجه للولاية هاهنا، إنما هي تلووا- بواوين- من ليّك في الشهادة وميلك إلى أحد الخصمين عن الآخر. قال اللّه عز وجل: {يلون ألسنتهم بالكتاب} [آل عمران: 78] واتبعه على هذه القراءة الأعمش وحمزة.
وقرأ الأعمش: {وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] بكسر الياء، كأنه ظن أن الباء تخفض الحرف كله، واتّبعه على ذلك (حمزة).
وقرأ حمزة: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] فجزم الحرف الأوّل، والجزم لا يدخل الأسماء، وأعرب الآخر وهو مثله.
وقرأ نافع: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: 54] بكسر النون. ولو أريد بها الوجه الذي ذهب إليه، لكانت (فبم تبشّرونني) بنونين، لأنها في موضع رفع.
وقرأ حمزة. {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)} [الأنفال: 59] بالياء. ولو أريد بها الوجه الذي ذهب إليه لكانت {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون}.
وهذا يكثر. ولم يكن القصد في هذا الكتاب له، وستراه كله في كتابنا المؤلف في وجوه القراءات إن شاء اللّه تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{لكن الراسخون في العلم مِنْهُمْ} استدراك من قوله سبحانه: {وَأَعْتَدْنَا} [النساء: 161] إلخ، وبيان لكون بعضهم على خلاف حالهم عاجلًا وآجلًا، و{مِنْهُمْ} في موضع الحال، أي لكن الثابتون المتقنون منهم في العلم المستبصرون فيه غير التابعين للظن كأولئك الجهلة، والمراد بهم عبد الله بن سلام وأسيد وثعلبة وأضرابهم، وفي المذكورين نزلت الآية كما أخرجه البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: {والمؤمنون} أي منهم، وإليه يشير كلام قتادة، وقد وصفوا بالإيمان بعدما وصفوا بما يوجبه من الرسوخ في العلم بطريق العطف المبني على المغايرة بين المتعاطفين تنزيلًا للاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي كما مر، وقوله سبحانه: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} من القرآن {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} من الكتب على الأنبياء والرسل حال من المؤمنون مبينة لكيفية إيمانهم، وقيل: اعتراض مؤكد لما قبله.
وقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} قال سيبويه وسائر البصريين: نصب على المدح، وطعن فيه الكسائي بأن النصب على المدح إنما يكون بعد تمام الكلام، وهنا ليس كذلك لأن الخبر سيأتي، وأجيب بأنه لا دليل على أنه لا يجوز الاعتراض بين المبتدأ وخبره، وحكى ابن عطية عن قوم منع نصبه على القطع من أجل حرف العطف لأن القطع لا يكون في العطف وإنما يكون في النعوت، ومن ادعى أن هذا من باب القطع في العطف تمسك بما أنشده سيبويه للقطع مع حرف العطف من قوله:
ويأوي إلى نسوة عطل ** وشعثًا مراضيع مثل السعالى

وقال الكسائي: هو مجرور بالعطف على {ما أنزل إليك} على أن المراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قيل: وليس المراد بإقامة الصلاة على هذا أداؤها بل إظهارها بين الناس وتشريعها ليكون وصفًا خاصًا، وقيل: المراد بالمقيمين الملائكة لقوله تعالى: {يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]، وقيل: المسلمون بتقدير مضاف أي وبدين المقيمين، وقال قوم: إنه معطوف على ضمير {مِنْهُمْ}، وقيل ضمير {إِلَيْكَ}، وقيل: ضمير {قَبْلِكَ} والبصريون لا يجيزون هذه الأوجه الثلاثة لما فيها من العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وقد تقدم الكلام في ذلك، وزعم بعض المتأخرين أن الأشبه نصبه على التوهم لكون السابق مقام لكن المثقلة وضع موضعها {لَكِنِ} المخففة، ولا يخفى ما فيه، وبالجملة لا يلتفت إلى من زعم أن هذا من لحن القرآن، وأن الصواب والمقيمون بالواو كما في مصحف عبد الله، وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي إذ لا كلام في نقل النظم تواترًا فلا يجوز اللحن فيه أصلًا، وأما ما روي أنه لما فرغ من المصحف أتى به إلى عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئًا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا، فقد قال السخاوي: إنه ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع فإن عثمان رضي الله تعالى عنه جعل للناس إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلًا إلا فيما هو من وجوه القراءات، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع وهم هم كيف يقيمه غيرهم؟ا وتأول قوم اللحن في كلامه على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله:
منطق رائع وتلحن أحيا ** نًا وخير الكلام ما كان لحنًا

أي المراد به الرمز بحذف بعض الحروف خطًا كألف الصابرين مما يعرفه القراء إذا رأوه، وكذا زيادة بعض الحروف وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر.
ثم الظاهر أن المقيمين على قراءة الرفع معطوف على سابقه وينزل أيضًا التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي، والعطف على ضمير {يُؤْمِنُونَ} ليس بشيء وكذا الحال في قوله تعالى: {والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر} فإن المراد بالكل مؤمنو أهل الكتاب وصفوا أولًا بكونهم راسخين في علم الكتاب لا يعترضهم شك ولا تزلزلهم شبهة إيذانًا بأن ذلك موجب للإيمان وأن من عداهم إنما بقوا مصرين (على الكفر) لعدم رسوخهم فيه، بل هم كريشة في بيداء الضلال تقلبهم زعازع الشكوك والأوهام، ثم بكونهم مؤمنين بجميع ما أنزل من الكتب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم بكونهم عاملين بما فيها من الأحكام، واكتفى من بينها بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المستتبعين لسائر العبادات البدنية والمالية، ولما أن في إقامة الصلاة على وجهها انتصابًا بين يدي الحق جل جلاله، وانقطاعًا عن السوى، وتوجهًا إلى المولى كسى المقيمين حلة النصب ليهون عليهم النصب وقطعهم عن التبعية، فياما أحيلى قطع يشير إلى الاتصال بأعلى الرتب، ثم وصفهم بكونهم (مؤمنين) بالمبدأ والمعاد تحقيقًا لحيازتهم الإيمان بقطريه، وإحاطتهم به من طرفيه، وتعريضًا بأن من عداهم من أهل الكتاب ليسوا مؤمنين بواحد منهما حقيقة لأنهم قد مزجوا الشهد سمًا وغدوا عن اتباع الحق الصرف عميًا وصمًا.
{أولئك} إشارة إلى الموصوفين بما تقدم من الصفات الجليلة الشأن المحكمة البنيان، وهو مبتدأ وقوله تعالى: {سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} خبره، والجملة خبر المبتدأ الذي هو الراسخون، والسين لتوكيد الوعد كما قدمنا، وتنكير الأجر للتفخيم كما مر غير مرة، ولا يخفى ما في هذا من المناسبة التامة بين طرفي الاستدراك حيث أوعد الأولون بالعذاب الأليم، ووعد الآخرون بالأجر العظيم، وجوز غير واحد من المفسرين كون خبر المبتدأ الأول جملة {يُؤْمِنُونَ} وحمل المؤمنين على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن عدا أهل الكتاب والمناسبة عليه غير تامة، وذهب بعضهم إلى أن الاستدراك إنما هو من قوله تعالى: {يَسْئَلُكَ أَهْلِ الكتاب} [النساء: 153] الآية كأنه قيل: لكن هؤلاء لا يسألونك ما يسألك هؤلاء الجهال من إنزال كتاب من السماء لأنهم قد علموا صدق قولك فيما قرأوا من الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب اتباعك عليهم فلا حاجة بهم أن يسألوك معجزة أخرى إذ قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم ما يكفيهم عن ذلك، وروي هذا عن قتادة.
وتجاوب طرفي الاستدراك عليه أتم منه على قول الجمهور.
وقرأ حمزة {سيؤتيهم} بالياء مراعاة لظاهر قوله تعالى: {المؤمنون بالله}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والاستدراك بقوله: {لكن الراسخون في العلم} إلخ ناشيء على ما يوهمه الكلام السابق ابتداء من قوله: {يسألك أهل الكتاب} [النساء: 153] من توغّلهم في الضلالة حتّى لا يرجى لأحد منهم خير وصلاح، فاستدرك بأنّ الراسخين في العلم منهم ليسوا كما توهَّم، فهم يؤمنون بالقرآن مثل عبد الله بن سلام ومخيريق.
والراسخ حقيقته الثابت القدم في المشي، لا يتزلزل؛ واستعير للتمكّن من الوصف مثل العلم بحيث لا تغرّه الشبه.
وقد تقدّم عند قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العِلم} في سورة آل عمران (7).
والرّاسخ في العلم بعيد عن التكلّف وعن التعنّت، فليس بينه وبين الحقّ حاجب، فهم يعرفون دلائل صدق الأنبياء ولا يسألونهم خوارق العادات.
وعطفُ {المؤمنون} على {الراسخون} ثناء عليهم بأنّهم لم يسألوا نبيّهم أن يريهم الآيات الخوارقَ للعادة.
فلذلك قال: {يؤمنون}، أي جميعهم بما أنزل إليك، أي القرآن، وكفاهم به آية، وما أنزل من قبلك على الرسل، ولا يعادون رسل الله تعصّبًا وحميّة.
والمراد بالمؤمنين في قوله: {والمؤمنون} الذين هداهم الله للإيمان من أهل الكتاب، ولم يكونوا من الراسخين في العلم منهم، مثل اليهودي الذي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنَ به.
وعطف {المقيمين} بالنصب ثبت في المصحف الإمام، وقرآه المسلمون في الأقطار دون نكير؛ فعلمْنا أنّه طريقة عربية في عطف الأسماء الدالّة على صفات محامدَ، على أمثالها، فيجوز في بعض المعطوفات النصب على التخصيص بالمدح، والرفعُ على الاستئناف للاهتمام، كما فعلوا ذلك في النعوت المتتابعة، سواء كانت بدون عطف أم بعطف، كقوله تعالى: {ولكنْ البِرّ من آمن إلى قوله والصابرين} [البقرة: 177].
قال سيبويه في كتابه بابُ ما ينتصب في التعظيم والمدح وإن شئت جَعلته صفة فجرَى على الأول، وإن شئتَ قطعته فابتدأتَه.
وذَكر من قبيل ما نحن بصدده هذه الآية فقال: فلو كان كلُّه رفعًا كان جيّدًا، ومثْله {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضّرّاء} [البقرة: 177]، ونظيره قول الخِرْنق:
لا يبْعَدَنْ قومي الذي هُمُو ** سُمّ العُداة وآفَة الجزر

النازلون بكلّ معترك ** والطيِّبيّين معاقِدَ الأزْر

في رواية يونس عن العرب: برفع (النازلون) ونصب (الطيِّبيين)، لتكون نظير هذه الآية.
والظاهر أنّ هذا ممّا يجري على قصد التفنّن عند تكرّر المتتابعات، ولذلك تكرّر وقوعه في القرآن في معطوفات متتابعات كما في سورة البقرة وفي هذه الآية، وفي قوله: {والصابون} في سورة المائدة (69).
وروي عن عائشة وأبان بن عثمان أنّ نصب {المقيمين} خطأ، من كاتب المصحف وقد عَدّتْ من الخطأ هذه الآية.
وقوله: {ولكن البرّ من آمن بالله إلى قوله والصابرين في البأساء} [البقرة: 177] وقولهِ: {إِنّ هذَان لساحرانِ} [طه: 63].
وقوله: {والصابُون} في سورة المائدة (69).
وقرأتْها عائشة، وعبد الله بن مسعود، وأبَي بن كعب، والحسن، ومالك بن دينار، والجحدري، وسعيد بن جبير، وعيسى بن عمر، وعمرو بن عبيد: {والمقيمون} بالرفع.
ولا تردّ قراءة الجمهور المجمع عليها بقراءة شاذّة.
ومن النّاس من زعم أنّ نصب {المقيمين} ونحوه هو مظهر تأويل قول عثمان لكتّاب المصاحف حين أتمّوها وقرأها أنّه قال لهم: أحسنتم وأجملتم وأرى لحنًا قليلًا ستُقيمه العرب بألْسنتها.
وهذه أوهام وأخبار لم تصحّ عن الّذين نُسبت إليهم.
ومن البعيد جدًّا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطأ دون سابقتها أو تابعتها، وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهي التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنّى والجمع على حدّهِ.
ولا أحسب ما رواه عن عائشة وأبان بن عثمان في ذلك صحيحًا.
وقد علمتَ وجه عربيّته في المتعاطفات، وأمّا وجه عربية {إنّ هذان لساحران} فيأتي عند الكلام في سورة طه (63).
والظاهر أنّ تأويل قول عثمان هو ما وقع في رسم المصحف من نحو الألِفات المحذوفة.
قال صاحب الكشاف: وهُم كانوا أبْعَدَ همّة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدّها من بعدهم وخَرْقًا يَرْفوه مَنْ يَلْحَق بهم.
وقد تقدّم نظير هذا عند قوله تعالى: {والصابرين في البأساء والضرّاء} في سورة [البقرة 177].
والوعد بالأجر العظيم بالنسبة للراسخين من أهل الكتاب لأنَّهم آمنوا برسولهم وبمحمّد وقد ورد في الحديث الصّحيح: أنّ لهم أجرين، وبالنسبة للمؤمنين من العرب لأنَّهم سبقوا غيرهم بالإيمان.
وقرأ الجمهور: {سنوتيهم} بنون العظمة وقرأه حمزة وخلف بياء الغيبة والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله: {والمؤمنون بالله}. اهـ.