فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: على الضمير المستكن في المؤمنون.
الثالث: على الضمير في يؤمنون.
الرابع: أنه مبتدأ وما بعده الخبر وهو اسم الإشارة وما يليه.
وأما المؤمنون بالله فعطف على والمؤتون الزكاة على الوجه الذي اخترناه في رفع والمؤتون.
ولما ذكر أولًا والمؤمنون تضمن الإيمان بما يجب أن يؤمن به، ثم أخبر عنهم وعن الراسخين أنهم يؤمنون بالقرآن وبالكتب المنزلة، ثم وصفهم بصفات المدح من امتثال أشرف أوصاف الإيمان الفعلية البدنية وهي: الصلاة، والمالية وهي الزكاة، ثم ارتقى في المدح إلى أشرف الأوصاف القلبية الاعتقادية وهي الإيمان بالموجد الذي أنزل الكتب وشرع فيها الصلاة والزكاة، وباليوم الآخر وهو البعث والمعاد الذي يظهر فيه ثمرة الإيمان وامتثال تكاليف الشرع من الصلاة والزكاة وغيرهما.
ثم إنه لما استوفى ذلك أخبر تعالى أنه سيؤتيهم أجرًا عظيمًا وهو ما رتب تعالى على هذه الأوصاف الجليلة التي وصفهم بها، وأشار إليهم بأولئك، ليدل على مجموع تلك الأوصاف.
ومن أعرب والمؤمنون بالله مبتدأ وخبره ما بعده، فهو بمعزل عن إدراك الفصاحة.
والأجود إعراب أولئك مبتدأ، ومن نصبه بإضمارفعل تفسيره ما بعده: أنه سيؤتى أولئك سنؤتيهم، فيجعله من باب الاشتغال، فليس قوله براجح، لأن زيد ضربته أفصح وأكثر من زيدًا ضربته، ولأن معمول ما بعد حرف الاستقبال مختلف في جواز تقديمه في نحو: سأضرب زيدًا، وإذا كان كذلك فلا يجوز الاشتغال.
فالأجود الحمل على ما لا خلاف فيه.
وقرأ حمزة: سيؤتيهم بالياء عودًا على قوله: والمؤمنون بالله.
وقرأ باقي السبعة.
على الالتفات ومناسبة وأعتدنا. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}
إذن لم يعمم الله الحكم على أهل الكتاب، الذي سبق بكفرهم وظلمهم لأنفسهم وأخذهم الربا وغير ذلك، بل وضع الاستثناء، ومثال لذلك عبدالله بن سلام الذي أدار مسألة الإيمان برسول الله في رأسه وكان يعلم أن اليهود قوم بُهت.
فقال لرسول الله: إني أومن بك رسولًا، والله لقد عرفتك حين رأيتك كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد.
ويقول الحق عن مثل هذا الموقف: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}. ولا أحد يتوه عن معرفة ابنه؛ كذلك الراسخون في العلم يعرفون محمدًا رسولًا من الله ومبلغًا عنه، والراسخ في العلم هو الثابت على إيمانه لا يتزحزح عنه ولا تأخذه الأهواء والنزوات. بل هو صاحب ارتقاء صفائي في اليقين لا تشوبه شائبة أو شبهة.
{لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ والمؤمنون يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}، وقوله الحق: {بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ} هو القرآن، وهو أصل يُرد إليه كل كتاب سابق عليه، فحين يؤمنون بما أنزل إلى سيدنا رسول الله، لابد أن يؤمنوا بما جاء من كتب سابقة.
والملاحظ للنسق الأسلوبي سيجد أن هناك اختلافًا فيما يأتي من قول الحق: {والمقيمين الصلاة} فقد بدأ الحق الآية: {لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ والمؤمنون يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ والمقيمين الصلاة}.
ونحن نعلم أن جمع المذكر السالم يُرفع بالواو وينصب ويُجر بالياء، ونجد هنا المقيمين جاءت بالياء، على الرغم من أنها معطوفة على مرفوع، ويسمي علماء اللغة هذا الأمر بكسر الإعراب؛ لأن الإعراب يقتضي حكمًا، وهنا نلتفت لكسر الحكم. والأذن العربية التي نزل فيها القرآن طُبِعَتْ على الفصاحة تنتبه لحظة كسر الإعراب.
لذلك فساعة يسمع العربي لحنًا في اللغة فهو يفزع. وكلنا يعرف قصة العربي الذي سمع خليفة من الخلفاء يخطب، فلحن الخليفة لحنة فصرّ الأعرابي أذنيه، أي جعل أصابعه خلف أذنيه يديرهما وينصبهما ليسمع جيدًا ما يقول الخليفة، ثم لحن الخليفة لحنة أخرى، فهب الأعرابي واقفًا، ثم لحن الثالثة فقال الأعرابي: أشهد أنك وُلِّيت هذا الأمر بقضاء وقدر. وكأنه يريد أن يقول: أنت لا تستحق أن تكون في هذه المكانة.
وعندما تأتي آية في الكتاب الذي يتحدى الفصحاء وفيها كسر في الإعراب، كان على أهل الفصاحة أن يقولوا: كيف يقول محمد إنه يتحدى بالفصاحة ولم يستقم له الإعراب؛ لكن أحدًا لم يقلها، مما يدل على أنهم تنبهوا إلى السرّ في كسر الإعراب الذي يلفت به الحق كل نفس إلى استحضار الوعي بهذه القضية التي يجب أن يقف الذهن عندها: {والمقيمين الصلاة}.
لماذا؟ لأن الصلاة تضم وتشمل العماد الأساسي في أركان الإسلام؛ لأن كل ركن من الأركان له مدة وله زمن وله مناط تكليف. فالشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله يكفي أن يقولها المسلم مرة واحدة في العمر، والصوم شهر في العام وقد لا يصوم الإنسان ويأخذ برخص الإفطار إن كانت له من واقع حياته أسباب للأخذ برخص الإفطار. والزكاة يؤديها المرء كل عام أو كل زراعة إن كان لديه وعاء للزكاة. والحج قد يستطيعه الإنسان وقد لا يستطيعه. وتبقى الصلاة كركن أساسي للدين. ولذلك نجد هذا القول الكريم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين} [المدثر: 42- 43]
وأركان الإسلام- كما نعلم- خمسة وهي واضحة، ومن الجائز ألا يستطيع المسلم إقامتها كلها بل يقيم فقط ركنين اثنين، كالشهادة وإقامة الصلاة. وحين يقول الحق: {والمقيمين الصلاة}. يلفت كل مؤمن إلى استمرارية الودادة مع الله؛ فهم قد يودُّون الله شهرًا في السنة بالصيام، أو يؤدُّون بإيتاء الزكاة كلما جاء لهم عطاء من أرض أو مال، أو يودون الله فقط إن استطاعوا الذهاب إلى الحج. وبالصلاة يودُّ المؤمن ربَّه كل يوم خمس مرات، هي- إذن- إعلان دائم للولاء لقد قلنا: إن الصلاة جمعت كل أركان الدين، ففيها نقول: أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ونعلم أننا نزكي بالمال، والمال فرع العمل، والعمل يحتاج إلى وقت؛ والإنسان حين يصلي يُزكي بالوقت. والإنسان حين يصلي يصوم عن كل المحللات له؛ ففي الصلاة صيام، ويستقبل المسلم البيت الحرام في كل صلاة فكأنّه في حج.
إذن فحين يكسر الحق الإعراب عند قوله: {والمقيمين الصلاة} إنما جاء ليلفتنا إلى أهمية هذه العبادة. ولذلك يقولون: هذا كسر إعراب بقصد المدح.- فهي منصوبة على الاختصاص- ويخص به الحق المقيمين الصلاة؛ لأن إقامة الصلاة فيها دوام إعلان الولاء لله. ولا ينقطع هذا الولاء في أي حال من أحوال المسلم ولا في أي زمن من أزمان المسلم مادام فيه عقل.
ويقول الحق من بعد ذلك: {والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر} كأن كل الأعمال العبادية من أجل أن يستديم إعلان الولاء من العبد للإيمان بالله. والإيمان- كما نعلم- بين قوسين: القوس الأول: أن يؤمن الإنسان بقمة الإيمان وهو الإيمان بالله. والقوس الثاني: أن يؤمن الإنسان بالنهاية التي نصير إليها وهي اليوم الآخر. ويقول سبحانه جزاءً لهؤلاء: {أولئك سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} هو أجر عظيم؛ لأن كل واحد منهم قد شذ عن جماعته من بقية أهل الكتاب ووقف الموقف المتأبي والرافض المتمرد على تدليس غيره، ولأنه فعل ذلك ليُبيّن صدق القرآن في أن الإعلام بالرسول قد سبق وجاء في التوراة. اهـ.

.من فوائدعبد الكريم الخطيب:

قال رحمه الله:
{لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}
التفسير: الراسخون في العلم: هم أهل العلم القائم على النظر السليم، والفهم الذكىّ.
وهؤلاء الراسخون في العلم من أحبار اليهود وعلمائهم- ليسوا على شاكلة قومهم من الكفر والعناد، وقساوة القلب.. بل هم إذ يرون الحق يعرفونه ويؤمنون به، وقد آمنوا بما في أيديهم من كتاب، كما آمنوا بما نزل على محمد من كلام اللّه- فهم حيث وجدوا الحق، عرفوه، وانقادوا له، وأسلموا إليه زمامهم.. لا يعنيهم على أي يد جاءهم، ولا من أي جهة طلع عليهم.
وهكذا حكم العقل السليم على أهله.. يقودهم إلى الحق، ويجمعهم عليه.
وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ} هو عطف على قوله تعالى: {لكِنِ الرَّاسِخُونَ}.. فهؤلاء الراسخون هم والمؤمنون سواء، إذ يلتقون جميعا على الحق: {يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}.
وهؤلاء المؤمنون قد يكونون من مؤمنى اليهود، الذين آمنوا عن استجابة لدعوة الحق، ولم يتّبعوا أهواء أهل الضلال فيهم، فظلوا متمسكين بالعقيدة السليمة التي جاء بها موسى.. فهم مؤمنون.. وهؤلاء لا يرون في إيمانهم تعارضا مع ما جاء به محمد صلوات اللّه وسلامه عليه، فهم والراسخون في العلم سواء في مواجهة الدعوة الإسلامية، إذ يرونها هي والحق الذي في أيديهم على طريق واحد.
وقد يكون المراد بهؤلاء المؤمنين، المسلمون.. فهم إذ آمنوا بمحمد مدعوون إلى الإيمان برسل اللّه جميعا، وبالكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء.
قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ} هو استئناف لتقرير حكم جديد، لمن آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ذلك، الحكم هو أن اللّه سيؤتيهم أجرا عظيما.
ومناسبة هذا الحكم لما قبله، هو أنه لما ذكر اللّه سبحانه وتعالى الراسخين في العلم والمؤمنين وأنهم يؤمنون بما أنزل على محمد، وما أنزل من قبل- ناسب أن يذكر لهؤلاء آمنوا، أن وراء الإيمان عملا، وأن هذا العمل هو الذي يتمم الإيمان، ويعطى الثمرة الطيبة التي له.. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة هما أبرز عملين من أعمال المؤمنين، وأن الاستقامة عليهما سبب لمرضاة اللّه، وللأجر العظيم عنده.
وفى عطف قوله تعالى: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} على قوله سبحانه: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} مع الاختلاف في الصورة الإعرابية بين العطوف والمعطوف عليه- في هذا ما يدعو إلى التوقف والنظر.
فلم لم يكن المتعاطفون نسقا واحدا، على أية صورة.. بالرفع مثلا، هكذا: {والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر}
وقد كثرت في هذا آراء المفسرين والنحاة.. ولم نر فيما قاله هؤلاء وهؤلاء وجها نستريح له، ونرضى به، ونطمئن إليه.. إذ كلها محاولات لتسوية هذا التخالف، الذي يبدو وكأنه تناقض وخروج على أساليب العرب، ومألوف كلامهم.. وكأنهم- أي المفسرون والنحاة- يلتمسون المعاذير للقرآن، لهذا الخلل الذي ظهر فيه هنا.!!
وللقرآن الكريم، أن يكون متفقا مع قواعد النحاة أو مخالفا لها، جاريا ما عرف من أساليب العرب أو خارجا عنها.. وعلى النحاة أن يصححوا نحوهم عليه، وعلى الأساليب العربية أن تستقيم على ما طلع عليه بها القرآن من أساليب جديدة، وأن تجعلها من مذخورها الذي تحرص عليه، وتثرى باقتنائه، وتعتزّبه.
فلنتحرر إذن من قواعد النحو، وأساليب العرب، حينما نستقبل جديدا من أساليب القرآن وإعجازه، ولنلقه بقلوبنا، لقاءنا لمعجزة قاهرة متحدية.
ونعم، فإننا بين يدى كل آية من آيات الكتاب الكريم، في مواجهة معجزة متحدية، لا تكشف لنا عن وجهها إلا بعد توقف ونظر.. ولكنا حين نكون بين يدى آية تطلع علينا بأسلوب غير مألوف من أساليب العربية، وغير جار على مقررات النحاة وقواعد النحو- فإننا نكون حينئذ في مواجهة آية تكشف لنا عن وجه من وجوه إعجازها، وتدعونا إليها، وتحملنا حملا على النظر في وجهها.