فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
قال أبو عبيد في فضائل القرآن:
حدثنا أبومعاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى: {إن هذان لساحران}.
وعن قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}.
وعن قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}
فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتاب، أخطئوا في الكتاب.
هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال: حدثنا حجاج عن هارون بن موسى، أخبرني الزبير بن الحريث عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجدت فيها حروفًا من اللحن، فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها: أوقال: ستعربها بألسنتها، لوكان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف.
أخرجه ابن الأنباري كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان وابن أشتة في كتاب المصاحف.
ثم أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، وابن أشتة نحوه من طريق يحيى بن يعمر.
وأخرج من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ- والمقيمين الصلاة- ويقول هو لحن من الكتاب، وهذه الآثارات مشكلة جدًا، وكيف يظن بالصحابة أولًا أنهم يلحنون في الكلام فضلًا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيًا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه، ثم كيف يظن بهم ثالثًا اجتماعهم كلهم عن الخطأ وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعًا عدم تنبيههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهي عن تغييره، ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفًا عن سلف، هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة.
وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة.
أحدها: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل للناس إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ وأيضًا فإنه لم يكتب مصحفًا واحدًا بل كتب عدة مصاحف.
فإن قيل إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقهم على ذلك، أوفي بعضها فهواعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هومن وجوه القراءة وليس ذلك بلحن.
الوجه الثاني على تقدير صحة الرواية: أن ذلك محمولًا على الرمز والإشارة ومواضع الحذف نحو: الكتاب، والصابرين وما أشبه ذلك.
الثالث: أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا: لأوضعوا، لأذبحنه بألف بعد لا، وجزاؤا الظالمين بواو وألف، وبأييد بياءين.
فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحنًا، وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.
وقال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان: في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هوإمام الناس في زمنه يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللًا ويشاهد في خطه زللًا فلا يصلحه، كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه.
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنًا: أرى في خطه لحنًا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب، لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه فهولاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق، ومعلوم أنه كان مواصلًا لدرس القرآن متقنًا لألفاظه موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي، ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن هانئ البربري مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى ابن كعب فيها: لم يتسن، وفيها: لا تبديل للخلق، وفيها: فأمهل الكافرين.
قال: فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب: لخلق الله، ومحى فأمهل وكتب فمهل، وكتب لم يتسنه ألحق بها الهاء.
قال ابن الأنباري: فكيف يدعي عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه وهويوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده انتهى.
قلت: ويؤيد هذا أيضًا ما أخرجه ابن أشتة في المصاحف قال: حدثنا الحسن بن عثمان، أنبأنا الربيع بن بدر عن سوار ابن سبئة قال: سألت ابن الزبير عن المصاحف فقال: قام رجل إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القرآن، فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة فطعن طعنته التي مات فيها، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالمصحف فعرضناها عليها حتى قاومناها ثم أمر بسائرها فشققت.
فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.
ثم قال ابن أشتة: أنبأنا محمد بن يعقوب، أنبأنا أبوداود سليمان بن الأشعث، أنبأنا أحمد بن مسعدة، أنبأنا إسماعيل، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم، أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا، فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته فرأى فيها شيئًا كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في التابوه والتابوت، فوعد بأن سيقيمه على لسان قريش، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك فيه شيئًا، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عند حرفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر من عثمان فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب به عن ذلك ولله الحمد.
وبعد فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة.
أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى.
وأما الجواب بالرمز وما بعده فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابقه، فقد أجاب عنه ابن أشتة وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن معنى قولها أخطئوا: أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز.
قال: والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه.
قال: وأما قول سعيد بن جبير: لحن من الكاتب، فيعني باللحن القراءة، واللغة: يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته وفيها قراءة أخرى.
ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: إن هذان لساحران، وإن هذين لساحرين سواء، لعلهم كتبوا الألف مكان الياء والواو.
وفي قوله والصابئون والراسخون مكان الياء.
قال ابن أشتة: يعني أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف مثل الصلوة والزكوة والحيوة وأقول: هذا الجواب إنما يحسن لوكانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها.
وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا، وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجههوها على أحسن توجيه.
أما قوله: {إن هذان لساحران} ففيه أوجه:
أحدها: أنه جاز على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاث وهي لغة مشهورة لكنانة، وقيل لبني الحارث.
الثاني: أن اسم ضمير الشأن محذوفًا، والجملة مبتدأ وخبر خبر إن.
الثالث: كذلك إلا أن ساحران خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لهما ساحران.
الرابع: أن إن هنا بمعنى نعم.
الخامس: أن ها ضمير القصة اسم إن، وذان لساحران مبتدأ وخبر، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال إن واتصال ها في الرسم.
قلت: وظهر لي وجه آخر وهوأن الإتيان بالألف لمناسبة يريدان كما نون سلاسلًا لمناسبة أغلالًا، ومن سبأ لمناسبة بنبأ.
وأما قوله: {والمقيمين الصلاة} ففيه أيضًا أوجه: أحدها: أنه مقطوع إلى المدح بتقدير أمدح لأنه أبلغ.
الثاني: أنه معطوف على المجرور في- يؤمنون بما أنزل إليك- أي ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء، وقيل الملائكة، وقيل التقدير: يؤمنون بدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين، وقيل بإجابة المقيمين.
الثالث: أنه معطوف على قبل: أي ومن قبل المقيمين فحذفت قبل وأقيم المضاف إليه مقامه.
الرابع: أنه معطوف على الكاف في قبلك.
الخامس: أنه معطوف على الكاف في إليك.
السادس: أنه معطوف على الضمير في منهم، حكى هذه الأوجه أبو البقاء.
وأما قوله: {والصابئون} ففيه أيضًا أوجه:
أحدها أنه مبتدأ حذف خبره: أي والصابئون كذلك.
الثاني: أنه معطوف على محل إن مع إسمها، فإن محلها رفع الابتداء.
الثالث: أنه معطوف على الفاعل في هادوا.
الرابع: أن إن بمعنى نعم، فالذين آمنوا وما بعده في موضع رفع، والصابئون عطف عليه.
الخامس: أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد والنون حرف الإعراب، حكى هذه الأوجه أبو البقاء. اهـ.