فصل: المسألة التاسعة: (هل يدل الفعل على الفاعل المبهم)؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة التاسعة: [هل يدل الفعل على الفاعل المبهم]؟

إذا قلنا: ضرب، فهو يدل على صدور الضرب عن شيء ما إلا أن ذلك الشيء غير مذكور على التعيين، بحسب هذا اللفظ، فإن قالوا: هذا محال، ويدل عليه وجهان: الأول: أنه لو كان كذلك لكانت صيغة الفعل وحدها محتملة للتصديق والتكذيب، الثاني: أنها لو دلت على استناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر وجب أن يمتنع إسناده إلى شيء معين، وإلا لزم التناقض، ولو دلت على استناد الضرب إلى شيء معين فهو باطل، لأنا نعلم بالضرورة أن مجرد قولنا ضرب ما وضع لاستناد الضرب إلى زيد بعينه أو عمرو بعينه، والجواب عن هذين السؤالين بجواب واحد، وهو أن ضرب صيغة غير موضوعة لإسناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر، بل وضعت لإسناده إلى شيء معين يذكره ذلك القائل فقبل أن يذكره القائل لا يكون الكلام تامًا ولا محتملًا للتصديق والتكذيب، وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل.

.المسألة العاشرة: [الحرف ما جاء لمعنى في غيره]:

قالوا الحرف ما جاء لمعنى في غيره، وهذه لفظ مبهم، لأنهم إن أرادوا معنى الحرف أن الحرف ما دل على معنى يكون المعنى حاصلًا في غيره وحالًا في غيره لزمهم أن تكون أسماء الأعراض والصفات كلها حروفًا، وإن أرادوا به أنه الذي دل على معنى يكون مدلول ذلك اللفظ غير ذلك المعنى فهذا ظاهر الفساد، وإن أرادوا به معنى ثالثًا فلابد من بيانه.

.المسألة الحادية عشرة: [التركيبات الممكنة من أقسام الاسم]:

التركيبات الممكنة من هذه الثلاثة ستة: الاسم مع الاسم، وهو الجملة الحاصلة من المبتدأ والخبر، والاسم مع الفعل، وهو الجملة الحاصلة من الفعل والفاعل وهاتان الجملتان مفيدتان بالاتفاق، وأما الثالث وهو الاسم مع الحرف فقيل: إنه يفيد في صورتين.
الصورة الأولى: قولك: يا زيد فقيل: ذلك إنما أفاد لأن قولنا يا زيد في تقدير أنادي واحتجوا على صحة قولهم بوجهين: الأول: أن لفظ يا تدخله الإمالة ودخول الإمالة لا يكون إلا في الاسم أو الفعل، والثاني: أن لام الجر تتعلق بها فيقال: يا لزيد فإن هذه اللام لام الاستغاثة وهي حرف جر، ولو لم يكن قولنا يا قائمة مقام الفعل وإلا لما جاز أن يتعلق بها حرف الجر، لأن الحرف لا يدخل على الحرف، ومنهم من أنكر أن يكون يا بمعنى أنادي واحتج عليه بوجوه: الأول: إن قوله أنادي إخبار عن النداء، والأخبار عن الشيء مغاير للمخبر عنه، فوجب أن يكون قولنا أنادي زيدًا مغايرًا لقولنا يا زيد، الثاني: أن قولنا أنادي زيدًا كلام محتمل للتصديق والتكذيب وقولنا يا زيد لا يحتملها، الثالث: أن قولنا يا زيد ليس خطابًا إلا مع المنادى، وقولنا أنادي زيدًا غير مختص بالمنادى.
الرابع: أن قولنا يا زيد يدل على حصول النداء في الحال، وقولنا أنادي زيدًا لا يدل على اختصاصه بالحال، الخامس: أنه يصح أن يقال أنادي زيدًا قائمًا، ولا يصح أن يقال يا زيد قائمًا، فدلت هذه الوجوه الخمسة على حصول التفرقة بين هذين اللفظين.
الصورة الثانية: قولنا: زيد في الدار فقولنا زيد مبتدأ والخبر هو ما دل عليه قولنا في إلا أن المفهوم من معنى الظرفية قد يكون في الدار أو في المسجد، فأضيفت هذه الظرفية إلى الدار لتتميز هذه الظرفية عن سائر أنواعها، فإن قالوا: هذا الكلام إنما أفاد لأن التقدير زيد استقر في الدار وزيد مستقر في الدار، فنقول: هذا باطل، لأن قولنا استقر معناه حصل في الاستقرار فكان قولنا فيه يفيد حصولًا آخر؛ وهو أنه حصل فيه حصول ذلك الاستقرار وذلك يفضي إلى التسلسل وهو محال، ثبت أن قولنا زيد في الدار كلام تام ولا يمكن تعليقه بفعل مقدر مضمر.

.المسألة الثانية عشرة: [الجملة المركبة]:

الجملة المركبة إما أن تكون مركبة تركيبًا أوليًا أو ثانويًا، أما المركبة تركيبًا أوليًا فهي الجملة الاسمية أو الفعلية، والأشبه أن الجملة الاسمية أقدم في الرتبة من الجملة الفعلية لأن الاسم بسيط والفعل مركب، والبسيط مقدم على المركب، فالجملة الاسمية يجب أن تكون أقدم من الجملة الفعلية، ويمكن أن يقال: بل الفعلية أقدم؛ لأن الاسم غير أصيل في أن يسند إلى غيره، فكانت الجملة الفعلية أقدم من الجملة الاسمية، وأما المركبة تركيبًا ثانويًا فهي الجملة الشرطية كقولك: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لأن قولك: الشمس طالعة جملة وقولك: النهار موجود جملة أخرى، ثم أدخلت حرف الشرط في إحدى الجملتين، وحرف الجزاء في الجملة الأخرى، فحصل من مجموعهما جملة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

.الباب الرابع: في تقسيمات الاسم إلى أنواعه:

وهي من وجوه:
أنواع الاسم:

.التقسيم الأول:

إما أن يكون نفس تصور معناه مانعًا من الشركة، أو لا يكون، فإن كان الأول، فإما أن يكون مظهرًا، وهو العلم، وإما أن يكون مضمرًا، وهو معلوم، وأما إذا لم يكن مانعًا من الشركة فالمفهوم منه: إما أن يكون ماهية معينة، وهو أسماء الأجناس، وإما أن يكون مفهومه أنه شيء ما موصوف بالصفة الفلانية، وهو المشتق، كقولنا أسود، فإن مفهومه أنه شيء ماله سواد.
فثبت بما ذكرناه أن لاسم جنس تحته أنواع ثلاثة: أسماء الأعلام، وأسماء الأجناس، والأسماء المشتقة، فلنذكر أحكام هذه الأقسام.
النوع الأول: أحكام الأعلام:
وهي كثيرة: الحكم الأول: قال المتكلمون: اسم العلم لا يفيد فائدة أصلًا، وأقول: حق أن العلم لا يفيد صفة في المسمى.
وأما ليس بحق أنه لا يفيد شيئًا، وكيف وهو يفيد تعريف تلك الذات المخصوصة؟ الحكم الثاني: اتفقوا على أن الأجناس لها أعلام، فقولنا: أسد اسم جنس لهذه الحقيقة؛ وقولنا: أسامة اسم علم لهذه الحقيقة، وكذلك قولنا: ثعلب اسم جنس لهذه الحقيقة، وقولنا: ثعالة اسم علم لها وأقول: الفرق بين اسم الجنس وبين علم الجنس من وجهين: الأول: إن اسم العلم هو الذي يفيد الشخص المعين من حيث إنه ذلك المعين، فإذا سمينا أشخاصًا كثيرين باسم زيد فليس ذلك لأجل أن قولنا: زيد موضوع لإفادة القدر المشترك بين تلك الأشخاص، بل لأجل أن لفظ زيد وضع لتعريف هذه الذات من حيث أنها هذه، ولتعريف تلك من حيث إنها تلك على سبيل الاشتراك، إذا عرفت هذا فنقول: إذا قال الواضع: وضعت لفظ أسامة لإفادة ذات كل واحد من أشخاص الأسد بعينها من حيث هي هي على سبيل الاشتراك اللفظي، كان ذلك علم الجنس، وإذا قال: وضعت لفظ الأسد لإفادة الماهية التي هي القدر المشترك بين هذه الأشخاص فقط من غير أن يكون فيها دلالة على الشخص المعين، كان هذا اسم الجنس، فقد ظهر الفرق بين اسم الجنس وبين علم الجنس.
الثاني: أنهم وجدوا أسامة اسمًا غير منصرف وقد تقرر عندهم أنه ما لم يحصل في الاسم شيئان لم يخرج عن الصرف، ثم وجدوا في هذا اللفظ التأنيث، ولم يجدوا شيئًا آخر سوى العلمية، فاعتقدوا كونه علمًا لهذا المعنى.
الحكمة الداعية إلى وضع الأعلام:
الحكم الثالث: اعلم أن الحكمة الداعية إلى وضع الأعلام أنه ربما اختص نوع بحكم واحتج إلى الأخبار عنه بذلك الحكم الخاص، ومعلوم أن ذلك الأخبار على سبيل التخصيص غير ممكن إلا بعد ذكر المخبر عنه على سبيل الخصوص، فاحتج إلى وضع الأعلام لهذه الحكمة.
الحكم الرابع: أنه لما كانت الحاجات المختلفة تثبت لأشخاص الناس فوق ثبوتها لسائر الحيوانات، لا جرم كان وضع الأعلام للأشخاص الإنسانية أكثر من وضعها لسائر الذوات.
العلم اسم ولقب وكنية:
الحكم الخامس: في تقسيمات الأعلام، وهي من وجوه:
الأول: العلم إما أن يكون اسمًا كإبراهيم وموسى وعيسى، أو لقبًا كإسرائيل، أو كنية كأبي لهب:
واعلم أن هذا التقسيم يتفرع عليه أحكام: الحكم الأول: الشيء إما أن يكون له الاسم فقط، أو اللقب فقط، أو الكنية فقط، أو الاسم مع اللقب، أو الاسم مع الكنية، أو اللقب مع الكنية، واعلم أن سيبويه أفرد أمثلة الأقسام المذكورة من تركيب الكنية والاسم، وهي ثلاثة: أحدها: الذي له الاسم والكنية كالضبع، فإن اسمها حضاجر، وكنيتها أم عامر، وكذلك يقال للأسد أسامة وأبو الحارث، وللثعلب ثعالة وأبو الحصين، وللعقرب شبوة وأم عريط.
وثانيها: أن يحصل له الاسم دون الكنية كقولنا قثم لذكر الضبع، ولا كنية له.
وثالثها: الذي حصلت له الكنية ولا اسم له، كقولنا للحيوان المعين أبو براقش.
الحكم الثالث: الكنية قد تكون بالإضافات إلى الآباء، وإلى الأمهات، وإلى البنين، وإلى البنات، فالكنى بالآباء كما يقال للذئب أبو جعدة للأبيض، وأبو الجون، وأما الأمهات فكما يقال للداهية أم حبو كرى، وللخمر أم ليلى، وأما البنون فكما يقال للغراب ابن دابة، وللرجل الذي يكون حاله منكشفًا ابن جلا، وأما البنات فكما يقال لصدى ابنة الجبل، وللحصاة بنت الأرض.
الحكم الرابع: الإضافة في الكنية قد تكون مجهولة النسب نحو ابن عرس وحمار قبان وقد تكون معلومة النسب نحو ابن لبون وبنت لبون وابن مخاض وبنت مخاض، لأن الناقة إذا ولدت ولدًا ثم حمل عليها بعد ولادتها فإنها لا تصير مخاضًا إلا بعد سنة، والمخاض الحامل المقرب، فولدها إن كان ذكرًا فهو ابن مخاض، وإن كان أنثى فهي بنت مخاض، ثم إذا ولدت وصار لها لبن صارت لبونًا فأضيف الولد إليها بإضافة معلومة.
الحكم الخامس: إذا اجتمع الاسم واللقب: فالاسم إما أن يكون مضافًا أو لا، فإن لم يكن مضافًا أضيف الاسم إلى اللقب يقال هذا سعيد كرز وقيس بطة، لأنه يصير المجموع بمنزلة الاسم الواحد، وأما إن كان الاسم مضافًا فهم يفردون اللقب فيقولون هذا عبد الله بطة.
السر في وضع الكنية:
الحكم السادس: المقتضى لحصول الكنية أمور: أحدها: الأخبار عن نفس الأمر كقولنا أبو طالب، فإنه كني بابنه طالب، وثانيها: التفاؤل والرجا كقولهم أبو عمرو لمن يرجو ولدًا يطول عمره، وأبو الفضل لمن يرجو ولدًا جامعًا للفضائل: وثالثها: الإيماء إلى الضد كأبي يحيى للموت، ورابعها: أن يكون الرجل إنسانًا مشهورًا وله أب مشهور فيتقارضان الكنية فإن يوسف كنيته أبو يعقوب ويعقوب كنيته أبو يوسف، وخامسها: اشتهار الرجل بخصلة فيكنى بها إما بسبب اتصافه بها أو انتسابه إليها بوجه قريب أو بعيد.

.التقسيم الثاني للأعلام:

التقسيم الثاني للأعلام: العلم إما أن يكون مفردًا كزيد، أو مركبًا من كلمتين لا علاقة بينهما كبعلبك، أو بينهما علاقة وهي: أما علاقة الإضافة كعبد الله وأبي زيد، أو علاقة الإسناد وهي إما جملة اسمية أو فعلية، ومن فروع هذا الباب أنك إذا جعلت جملة اسم علم لم تغيرها ألبتة، بل تتركها بحالها مثل تأبط شرًا وبرق نرحه.

.التقسيم الثالث للأعلام:

التقسيم الثالث: العلم إما أن يكون منقولًا أو مرتجلًا، أما المنقول فإما أن يكون منقولًا عن لفظ مفيد أو غير مفيد، والمنقول من المفيد إما أن يكون منقولًا عن الاسم، أو الفعل أو الحرف، أو ما يتركب منها، أما المنقول عن الاسم فإما أن يكون عن اسم عين: كأسد وثور، أو عن اسم معنى: كفضل ونصر، أو صفة حقيقية: كالحسن، أو عن صفة إضافية كالمذكور والمردود، والمنقول عن الفعل إما أن يكون منقولًا عن صيغة الماضي كشمر، أو عن صيغة المضارع كيحيى، أو عن الأمر كاطرقا، والمنقول عن الحرف كرجل سميته بصيغة من صيغ الحروف، وأما المنقول عن المركب من هذه الثلاثة فإن كان المركب مفيدًا فهو المذكور في التقسيم، وإن كان غير مفيد فهو يفيد، وأما المنقول عن صوت فهو مثل تسمية بعض العلوية بطباطبا، وأما المرتجل فقد يكون قياسًا مثل عمران وحمدان فإنهما من أسماء الأجناس مثل سرحان وندمان، وقد يكون شاذًا قلما يوجد له نظير مثل محبب وموهب.