فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال النيسابوري:
التأويل: {أرنا الله جهرة} لعل خرة موسى بلن تراني كانت بشؤم القوم وما كان في انفسهم من سوء أدب هذا السؤال لئلا يطمعوا في مطلوب لم يعطه نبيهم، فما اتعظوا بحالة نبيهم لأنهم كانوا أشقياء والسعيد من وعظ بغيره. فكما زاد عنادهم زاد بلاؤهم وابتلاؤهم كرفع الطور فوقهم وغير ذلك. قال أهل الإشارة: ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات والطيبات التي أحلت لهم ولأزواجهم الطيبين قبل التلوث بقذر المخالفات والإسراف في المباحات يستتبع حرمان المناجاة والقربات {لكن الراسخون في العلم} هم الذين رسخوا بقدمي الصدق والعمل في العلم إلى أن بلغوا معادن العلوم فاتصلت علومهم الكسبية بالعلوم العطائية واللدنية {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} أي كل ما أوحينا إليك من سر {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10] {ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل} أي ليلة المعراج {ورسلًا لم نقصصهم عليك} [النساء: 164] الآن في القرآن مفصلة {أنزله بعلمه} تجلى له بصفة العالمية حتى علم بعلمه ما كان وما سيكون {والملائكة يشهدون} على تلك الخلوة وإن لم يكونوا معك في الخلوة {وكفى بالله شهيدًا} على ما جرى.
قد كان ما كان سرًا لا أبوح به ** ظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (170):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وضح بالحجاج معهم الحق، واستبان بمحو شبههم كلها من وجوه كثيرة الرشدُ، وأوضح فساد طرقهم، وأبلغ في وعيدهم؛ أنتج ذلك صدق الرسول وحقيقة ما يقول: فأذعنت النفوس، فكان أنسب الأشياء أن عمم سبحانه في الخطاب لما وجب من اتباعه على وجه العموم عند بيان السبيل ونهوض الدليل، فقال مرغبًا مرهبًا {يا أيها الناس} أي كافة {قد جاءكم الرسول} أي الكامل في الرسلية الذي كان ينتظره أهل الكتاب لرفع الارتياب ملتبسًا {بالحق} أي الذي يطابقه الواقع، وستنظرون الوقائع فتطبقونها على ما سبق من الأخبار، كائنًا ذلك الحق {من ربكم} أي المحسن إليكم، فإن اتبعتم رسوله قبلتم إحسانه، فتمت نعمته عليكم، ولهذا سبب عن ذلك قوله: {فآمنوا}.
ولما كان التقدير بما أرشد إليه السياق توعدًا لهم: إن تؤمنوا يكن الإيمان {خيرًا لكم}، عطف عليه قوله: {وإن تكفروا} أي تستمروا على كفرانكم، أو تجددوا كفرًا، يكن الكفران شرًا لكم، أي خاصًا ذلك الشر بكم، ولا يضره من ذلك شيء، ولا ينقصه من ملكه شيئًا، كما أن الإيمان لم ينفعه شيئًا ولا زاد في ملكه شيئًا لأن له الغنى المطلق، وهذا معنى قوله: {فإن الله} أي الكامل العظمة {ما في السماوات والأرض} فإنه من إقامة العلة مقام المعلول، ولم يؤكد بتكرير ما وإن كان الخطاب مع المضطربين، لأن قيام الأدلة أوصل إلى حد من الوضوح بشهادة الله ما لا مزيد عليه، فصار المدلول به كالمحسوس.
ولما كان التقدير: فهو غني عنكم، وله عبيد غيركم لا يعصونه، وهو قادر على تعذيبكم بإسقاط ما أراد من السماء، وخسف ما أراد من الأرض وغير ذلك، وكان تنعيم المؤالف وتعذيب المخالف وتلقي النصيحة بالقبول دائرًا على العلم وعلى الحكمة التي هي نتيجة العلم والقدرة قال: {وكان الله} أي الذي له الاختصاص التام بجميع صفات الكمال أزلًا وأبدًا مع أن له جميع الملك {عليمًا} أي فلا يسع ذا لب أن يعدل عما أخبر به من أن أمر هذا الرسول حق إذ هو لم يخبر به إلا عن تمام العلم، ولا يخفى عليه عاص ولا مطيع {حكيمًا} فلا ينبغي لعاقل أن يضيع شيئًا من أوامره لأنه لم يضعها إلا على كمال الأحكام، فهو جدير بأن يحل بمخالفه أي انتقام، ويثيب من أطاعه بكل إنعام. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{فسنحشرهم} بالنون: المفضل. الباقون بالياء.

.الوقوف:

{خيرًا لكم} ط. {والأرض} ط {حكيمًا} o {إلاّ الحق} ط. {وكلمته} ج للاستئناف مع اتحاد المقصود. {وروح منه} ز لعطف المختلفين ولكن فاء التعقيب توجب تعجيل الإيمان مع تمام البيان. {ورسله} ط. {ثلاثة} ط {خيرًا لكم} ط {إله واحد} ط. {ولد} ج لأن المنفي منه مطلق الولد ولو وصل أوهم أن المنفي ولد موصوف بأنه له ما في السموات وما في الأرض. {وكيلًا} o {المقربون} ط {جميعًا} o {من فضله} ج {أليمًا} o {ولا نصيرًا} o {مبينًا} o {وفضل} لا للعطف. {مستقيمًا} o {يستفتونك} ط. {الكلالة} ط {ما ترك} ج لأن ما بعده مبتدأ ولكن الكلام متحد البيان. {لها ولد} ط لأن جملة الشرط تعود إلى قوله: {فلها نصف} وبينهما عارض {مما ترك} ط لابتداء حكم جامع للصنفين {الأنثيين} ط {أن تضلوا} ط {عليم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهة اليهود على الوجوه الكثيرة وبيّن فساد طريقتهم ذكر خطابًا عامًا يعمهم ويعم غيرهم في الدعوة إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام فقال: {يا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبّكُمْ} وهذا الحق فيه وجهان: الأول: أنه جاء بالقرآن، والقرآن معجز فيلزم أنه جاء بالحق من ربه.
والثاني: أنه جاء بالدعوة إلى عبادة الله والإعراض عن غيره، والعقل يدل على أن هذا هو الحق، فيلزم أنه جاء بالحق من ربه.
ثم قال تعالى: {فآمنوا خيرًا لكم} يعين فآمنوا يكن ذلك الإيمان خيرًا لكم مما أنتم فيه، أي أحمد عاقبة من الكفر، وإن تكفروا فإن الله غني عن إيمانكم لأنه مالك السموات والأرض وخالقهما، ومن كان كذلك لم يكن محتاجًا إلى شيء، ويحتمل أن يكون المراد: فإن لله ما في السموات والأرض، ومن كان كذلك كان قادرًا على إنزال العذاب الشديد عليكم لو كفرتم، ويحتمل أن يكون المراد: أنكم إن كفرتم فله ملك السموات والأرض وله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره وحكمه.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} أي عليمًا لا يخفى عليه من أعمال عباده المؤمنين والكافرين شيء، و{حَكِيمًا} لا يضيع عمل عامل منهم ولا يسوي بين المؤمن والكافر والمسيء والمحسن، وهو كقوله: {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين في الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} [ص: 28]. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يَا أَيُّهَا الناس} قال ابن عباس: يعني أهل مكة {قَدْ جَاءكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبّكُمْ} أي بشهادة أن لا إله إلا الله، ويقال: ببيان الحق.
ويقال: للحق، يعني للعرض والحجة وقوله تعالى: {قَدْ جَاءكُمُ} على وجه المجاز، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان فيهم، ولكن معناه أنه قد ظهر فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال في آية أخرى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] أي ظهر فيكم ثم قال: {يأَيُّهَا الناس قَدْ} أي صدقوا بوحدانية الله تعالى، والقرآن الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا لكم من عبادة الأوثان، لأن عبادة الأوثان لا تغنيكم شيئًا.
ثم قال تعالى: {وَإِن تَكْفُرُواْ} أي إن تجحدوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله غنيٌّ عنكم {فَإِنَّ للَّهَ مَا فِي السموات والأرض} كلهم عبيده وإماؤه {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بخلقه {حَكِيمًا} في أمره. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الناس} هذا خطاب للكل.
{قَدْ جَاءَكُمُ الرسول} يريد محمدًا عليه الصلاة والسلام.
{بالحق} بالقرآن.
وقيل: بالدّين الحق؛ وقيل: بشهادة أن لا إله إلاَّ الله؛ وقيل: الباء للتعدية؛ أي جاءكم ومعه الحق؛ فهو في موضع الحال.
قوله تعالى: {فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ} في الكلام إضمار؛ أي وأتوا خيرًا لكم؛ هذا مذهب سيبويْه، وعلى قول الفراء نعت لمصدر محذوف؛ أي إيمانًا خيرًا لكم، وعلى قول أبي عبيدة يكن خيرًا لكم. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أَيُّهَا الناس} خطاب لجميع المكلفين بعد أن حكى سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم تعلل اليهود بالأباطيل واقتراحهم الباطل تعنتًا، ورد جل شأنه عليهم بما رد وأكد ذلك بما أكد، وفي توجيه الخطاب إليهم وأمرهم بالإيمان مشفوعًا بالوعد والوعيد بعد تنبيه على أن المحجة قد وضحت والحجة قد لزمت فلم يبق لأحد عذر في القبول، وقيل: الخطاب لأهل مكة لأن الخطاب بيا أيها الناس أينما وقع لهم، ولا يخفى أن التعميم أولى، وما ذكر في حيز الاستدلال وإن روى عن بعض السلف أغلبي، وقيل: هو للكفار مطلقًا إبقاءًا للأمر على ظاهره، ولم يحتج إلى حمله على ما يعم الأحداث والثبات.
{قَدْ جَاءكُمُ الرسول} يعني به محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته {بالحق} أي متلبسًا به، وفسر بالقرآن.
وبدين الإسلام.
وبشهادة التوحيد، وجوز أن تكون الباء للتعدية أو للسببية متعلقة بجاء أي جاءكم بسبب إقامة الحق، وقوله سبحانه: {مّن رَّبّكُمْ} متعلق إما بالفعل أيضًا، أو بمحذوف وقع حالًا من (الحق)؛ أي جاءكم به من عند الله تعالى، أو كائنًا منه سبحانه، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين للإيذان بأن ذلك لتربيتهم وتبليغهم إلى كمالهم اللائق بهم ترغيبًا لهم في الامتثال لما بعد من الأمر كما أن في ذكر الجملة تمهيدًا لما يعقبها من ذلك؛ وقيل: إنها تكرير للشهادة وتقرير للمشهود به وتمهيد لما ذكر.
{فَئَامِنُواْ} أي بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من الحق، والفاء للدلالة على إيجاب ما قبلها لما بعدها، وقوله سبحانه: {خَيْرًا لَّكُمْ} منصوب بفعل محذوف وجوبًا تقديره وافعلوا أو ائتوا خيرًا لكم، وإلى هذا ذهب الخليل وسيبويه، وذهب الفراء إلى أنه نعت لمصدر محذوف أي إيمانًا خيرًا لكم، وأورد عليه أنه يقتضي أن الإيمان ينقسم إلى خير وغيره ودفع بأنه صفة مؤكدة، وأن مفهوم الصفة قد لا يعتبر، وعلى القول باعتباره قد يقال: إن ذكره تعريض بأهل الكتاب فإن لهم إيمانًا ببعض ما يجب الإيمان به كاليوم الآخر مثلًا إلا أنه ليس خيرًا حيث لم يكن على الوجه المرضي.
وذهب الكسائي وأبو عبيدة إلى أنه خبر كان مضمرة، والتقدير يكن الإيمان خيرًا لكم، ورد بأن كان لا تحذف مع اسمها دون خبرها إلا في مواضع اقتضته، وأن المقدر جواب شرط محذوف فيلزم حذف الشرط وجوابه إذ التقدير إن تؤمنوا يكن الإيمان خيرًا، وأجيب بأن تخصيص حذف كان واسمها في مواضع لا يسلمه هذا القائل؛ وبأن لزوم حذف الشرط وجوابه مبني على أن الجزم بشرط مقدر، وإن قلنا: بأنه بنفس الأمر وأخواته كما هو مذهب لبعض النحاة لم يرد ذلك، ونقل مكي عن بعض الكوفيين أنه منصوب على الحال وهو بعيد.
{وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} من الموجودات سواء كانت داخلة في حقيقتهما وبذلك يعلم حال أنفسهما على أبلغ وجه وآكده، أو خارجة عنهما مستقرة فيهما من العقلاء وغيرهم ويدخل في ذلك المخاطبون دخولًا أوليًا أي كل ذلك له تعالى خلقًا وملكًا وتصرفًا، ولا يخرج من ملكوته وقهره ذرة فما دونها، والجملة دليل الجواب أقيم مقامه لأن مضمونها مقرر قبل كفرهم فلا يصلح للجواب، والتقدير وإن تكفروا فهو سبحانه قادر على تعذيبكم بكفرهم لأن له جل شأنه ما في السموات والأرض، أو فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم، وقال بعضهم: التقدير وإن تكفروا فقد كابرتم عقولكم فإن لله سبحانه ما له مما يدل على ما ينافي حالكم واعتقادكم فكيف يتأتى الكفر به مع ذلك، وقيل: التقدير وإن تكفروا فإن عبيدًا غيركم لا يكفرون بل يعبدونه وينقادون لأمره ولا يخلو عن بعد.
{وَكَانَ الله عَلِيمًا} بأحوال كل ويدخل في ذلك كفرهم دخولًا أوليًا {حَكِيمًا} في جميع أفعاله وتدبيراته، ويدخل في ذلك كذلك تعذيب من كفر. اهـ.