فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{فَئآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ} في الثلاثة قولان:
أحدهما: هو قول النصارى أب وابن وروح القدس، وهذا قول بعض البصريين.
والثاني: هو قول من قال: آلهتنا ثلاثة، وهو قول الزجاج. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} قال مقاتل: نزلت في نصارى نجران، السّيد والعاقِب، ومَن معهما.
والجمهور على أن المراد بهذه الآية: النصارى.
وقال الحسن: نزلت في اليهود والنصارى.
والغلو: الإفراط ومجاوزة الحد، ومنه غلا السّعر، وقال الزجاج: الغلو: مجاوزة القدر في الظلم.
وغلو النصارى في عيسى: قول بعضهم: هو الله، وقول بعضهم: هو ابن الله، وقول بعضهم: هو ثالث ثلاثة.
وعلى قول الحسن غلو اليهود فيه قولهم: إنه لغير رشدة.
وقال بعض العلماء: لا تغلوا في دينكم بالزيادة في التشدّد فيه.
قوله تعالى: {ولا تقولوا على الله إِلا الحق} أي: لا تقولوا إِن الله له شريك أو ابن أو زوجة.
وقد ذكرنا معنى المسيح والكلمة في آل عمران.
وفي معنى {وروح منه} سبعة أقوال:
أحدها: أنه روح ٌمن أرواح الأبدان.
قال أبيّ بن كعب: لما أخذ الله الميثاق على بني آدم كان عيسى روحًا من تلك الأرواح، فأرسله إِلى مريم، فحملت به.
والثاني: أن الروح النفخ، فسُمّي روحًا، لأنه حدث عن نفخة جبريل في درع مريم.
ومنه قول ذي الرمّة:
وَقُلتُ لهُ ارْفعهَا إِليك وأحْيِها ** بروحِك واقْتَتْه لها قيتَةً قدْرَا

هذا قول أبي رَوق.
والثالث: أن معنى {وروحٌ منه} إِنسان حيٌ بإحياء الله له.
والرابع: أن الروح: الرحمة، فمعناه: ورحمة منه، ومثله {وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22].
والخامس: أن الروح هاهنا جبريل.
فالمعنى: ألقاها الله إلى مريم، والذي ألقاها روحٌ منه.
ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو سليمان الدمشقي.
والسادس: أنه سمّاه روحًا، لأنه يحيا به الناس كما يحيون بالأرواح، ولهذا المعنى: سمي القرآن روحًا، ذكره القاضي أبو يعلى.
والسابع: أن الروح: الوحي أوحى الله إلى مريم يبشرها به، وأوحى إِلى جبريل بالنفخ في درعها، وأوحى إِلى ذات عيسى أن: كن فكان.
ومثله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} [النحل: 2] أي: بالوحي، ذكره الثعلبي.
فأما قوله: {منه} فانه إِضافة تشريفٍ، كما تقول: بيت الله، والمعنى من أمره، ومما يقاربها قوله: {وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه} [الجاثية: 13]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَآمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} أي آمنوا بأن الله إله واحد خالق المسيح ومرسِله، وآمنوا برسله ومنهم عيسى فلا تجعلوه إلهًا.
{وَلاَ تَقُولُواْ} آلهتنا {ثَلاَثَةٌ} عن الزجاج.
قال ابن عباس: يريد بالتثليث الله تعالى وصاحبته وابنه.
وقال الفرّاء وأبو عبيد: أي لا تقولوا هم ثلاثة؛ كقوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ} [الكهف: 22].
قال أبو عليّ: التقدير ولا تقولوا هو ثالث ثلاثة؛ فحذف المبتدأ والمضاف.
والنصارى مع فِرقهم مجمعون على التثليث ويقولون: إن الله جوهر واحد وله ثلاثة أقانيمَ؛ فيجعلون كل أُقنُوم إلهًا ويعنون بالأقانيم الوجود والحياة والعلم، وربما يعبّرون عن الأقانيم بالأب والابن ورُوح القُدُس؛ فيعنون بالأب الوجود، وبالروح الحياة، وبالابن المسيح، في كلام لهم فيه تخبط بيانه في أُصول الدين.
ومحصول كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله بما كان يجريه الله سبحانه وتعالى على يديه من خوارق العادات على حسب دواعيه وإرادته؛ وقالوا: قد علمنا خروج هذه الأُمور عن مقدور البشر، فينبغي أن يكون المقتَدر عليها موصوفًا بالإلهية؛ فيقال لهم: لو كان ذلك من مقدوراته وكان مستقلًا به كان تخليص نفسه من أعدائه ودفع شرهم عنه من مقدوراته، وليس كذلك؛ فإن اعترفت النصارى بذلك فقد سقط قولهم ودعواهم أنه كان يفعلها مستقلًا به؛ وإن لم يسلموا ذلك فلا حجة لهم أيضًا؛ لأنهم معارضون بموسى عليه السلام، وما كان يجري على يديه من الأُمور العظام، مثل قلبِ العصا ثعبانًا، وفلْقِ البحر واليدِ البَيْضاء والمنّ والسلوى، وغير ذلك؛ وكذلك ما جرى على يد الأنبياء؛ فإن أنكروا ذلك فننكر ما يدّعونه هم أيضًا من ظهوره على يد عيسى عليه السلام، فلا يمكنهم إثبات شيء من ذلك لعيسى؛ فإن طريق إثباته عندنا نصوص القرآن وهم ينكرون القرآن، ويكذبون من أتى به، فلا يمكنهم إثبات ذلك بأخبار التواتر.
وقد قيل: إن النصارى كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعد ما رُفع عيسى؛ يصلون إلى القِبلة؛ ويصومون شهر رمضان، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس، قتل جماعة من أصحاب عيسى فقال: إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا وجحدنا وإلى النار مصيرنا، ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار؛ وإني أحتال فيهم فأضلهم فيدخلون النار؛ وكان له فرس يقال لها العقاب، فأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب وقال للنصارى: أنا بولس عدوّكم قد نوديت من السماء أن ليست لك توبة إلا أن تتنصر، فأدخلوه في الكنيسة بيتًا فأقام فيه سنة لا يخرج ليلًا ولا نهارًا حتى تعلم الإنجيل؛ فخرج وقال: نوديت من السماء أن الله قد قبِل توبتك فصدّقوه وأحبّوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم نُسْطُورَا وأعلمه أن عيسى ابن مريم إله، ثم توجه إلى الرّوم وعلمهم اللاهوت والناسوت وقال: لم يكن عيسى بإنس فتأنّس ولا بجسم فتجسّم ولكنه ابن الله.
وعلم رجلًا يقال له يعقوب ذلك؛ ثم دعا رجلًا يقال له الملك فقال له؛ إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى؛ فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدًا واحدًا وقال له: أنت خالِصتي ولقد رأيت المسيح في النوم ورضي عني، وقال لكل واحد منهم: إني غدًا أذبح نفسي وأتقرّب بها، فادع الناس إلى نِحلتك، ثم دخل المذبح فذبح نفسه؛ فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نِحلته، فتبع كل واحد منهم طائفة، فاقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا، فجميع النصارى من الفرق الثلاث؛ فهذا كان سبب شركهم فيما يقال؛ والله أعلم.
وقد رويت هذه القصة في معنى قوله تعالى.
{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء إلى يَوْمِ القيامة} [المائدة: 14] وسيأتي إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

{انتهوا خَيْرًا لَّكُمْ} قد ذكرنا وجه انتصابه عند قوله: {فآمنوا خيرًا لكم}.
ثم أكد التوحيد بقوله: {إِنَّمَا الله إله واحد} ثم نزّه نفسه عن الولد بقوله: {سبحانه أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ودلائل تنزيه الله عن الولد قد ذكرناها في سورة آل عمران وفي سورة مريم على الاستقصاء.
وقرأ الحسن: إن يكون، بكسر الهمزة من {إن} ورفع النون من يكون، أي سبحانه ما يكون له ولد، وعلى هذا التقدير فالكلام جملتان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {انتهوا خَيْرًا لَّكُمْ} {خيرًا} منصوب عند سيبويه بإضمار فعل؛ كأنه قال: ائتوا خيرًا لكم، لأنه إذا نهاهم عن الشرك فقد أمرهم بإتيان ما هو خير لهم؛ قال سيبويه: ومما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره {انتهوا خَيْرًا لَّكُمْ} لأنك إذا قلت: ائته فأنت تخرجه من أمر وتدخله في آخر؛ وأنشد:
فواعِدِيه سَرْحَتَيْ مالِكٍ ** أَوِ الرُّبَا بينهما أسْهَلاَ

ومذهب أبي عبيدة: انتهوا يكن خيرًا لكم؛ قال محمد بن يزيد: هذا خطأ؛ لأنه يضمر الشرط وجوابه، وهذا لا يوجد في كلام العرب.
ومذهب الفرّاء أنه نعت لمصدر محذوف؛ قال عليّ بن سليمان: هذا خطأ فاحش؛ لأنه يكون المعنى: انتهوا الانتهاء الذي هو خير لكم.
قوله تعالى: {إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ} هذا ابتداء وخبر؛ و{وَاحِدٌ} نعت له.
ويجوز أن يكون {إله} بدلًا من اسم الله عز وجل و{واحد} خبره؛ التقدير إنما المعبود واحد.
{سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} أي تنزيهًا عن أن يكون له ولد؛ فلما سقط عن كان أن في محل النصب بنزع الخافض؛ أي كيف يكون له ولد؟ وولد الرجل مُشْبِه له، ولا شبيه لله عز وجل. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه سبحانه في كل موضع نزّه نفسه عن الولد ذكر كونه ملكًا ومالكًا لما في السموات وما في الأرض فقال في مريم {إِن كُلُّ مَن في السموات والأرض إِلاَّ آتِى الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] والمعنى: من كان مالكًا لكل السموات والأرض ولكل ما فيها كان مالكًا لما هو أعظم منهما فبأن يكون مالكًا لهما أولى، وإذا كانا مملوكين له فكيف يعقل مع هذا توهم كونهما له ولدًا وزوجة. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَّهُ وما فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} فلا شريك له، وعيسى ومريم من جملة ما في السَّموات وما في الأرض، وما فيهما مخلوق، فكيف يكون عيسى إلهًا وهو مخلوق! وإن جاز ولد فليجزْ أولاد حتى يكون كل من ظهرت عليه معجزة ولدًا له. اهـ.

.قال الفخر:

المعنى أن الله سبحانه كاف في تدبير المخلوقات وفي حفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى القول بإثبات إله آخر، وهو إشارة إلى ما يذكره المتكلمون من أنه سبحانه لما كان عالمًا بجميع المعلومات قادرًا على كل المقدورات كان كافيًا في الإلهية، ولو فرضنا إلهًا آخر معه لكان معطلًا لا فائدة فيه، وذلك نقص، والناقص لا يكون إلهًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{وكفى بالله وَكِيلًا} أي لأوليائه؛ وقد تقدّم. اهـ.