فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} أي لا يبخس أحدًا قليلًا ولا كثيرًا، والزيادة يحتمل أن يكون في أن الحسنة بعشر إلى سبعمائة، والتضعيف الذي ليس بمحصور في قوله: {والله يضاعف لمن يشاء} قال معناه ابن عطية رحمه الله تعالى.
{وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابًا أليمًا ولا يجدون لهم من دون الله وليًا ولا نصيرًا} هذا وعيد شديد للذين يتركون عبادة الله أنفة تكبرًا.
وقال ابن عطية: وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه كفعل حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر وأبي جهل وغيرهم بالرسول، فإذا فرضت أحدًا من البشر عرف الله فمحال أن تجده يكفر به تكبرًا عليه، والعناد إنما يسوق إليه الاستكبار على البشر، ومع تفاوت المنازل في ظن المستكبر انتهى.
وقدّم ذكر ثواب المؤمن لأنّ الإحسان إليه مما يعم المستنكف إذا كان داخلًا في جملة التنكيل به، فكأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحشر إذا رأى أجور العاملين، وبما يصيبه من عذاب الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وضمير {ولا يجدون} عائد إلى {الَّذين استنكفوا واستكبروا}، أي لا يجدون وليًّا حين يحشر الله النّاس جميعًا.
ويجوز أن يعود إلى الَّذين {استنكفوا واستكبروا} ويكون {جميعًا} بمعنى مجموعين إلى غيرهم، منصوبًا، فإنّ لفظ جميع له استعمالات جمّة: منها أن يكون وصفًا بمعنى المجتمع، وفي كلام عمر للعبّاس وعليّ: ثم جئتُماني وأمركما جميع أي متّفق مجموع، فيكون منصوبًا على الحال وليس تأكيدًا.
وذكر فريق المؤمنين في التفصيل يدلّ على أحد التقديرين.
والتوفية أصلها إعطاء الشيء وافيًا، أي زائدًا على المقدار المطلوب، ولمّا كان تحقّق المساواة يخفَى لقلّة المَوازين عندهم، ولاعتمادهم على الكيل، جعلوا تحقّق المساواة بمقدار فيه فضْل على المقدار المساوي، أطلقت التوفية على إعطاء المعادل؛ وتُقابَل بالخسان وبالغبن، قال تعالى حكاية عن شعيب: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين} [الشعراء: 181] ولذلك قال هنا: {ويزيدُهم من فضله}، وهذه التوفية والزيادة يرجعان إلى تقدير يعلمه الله تعالى.
وقوله: {ولا يجدون لهم من دون الله وليًّا ولا نصيرًا} تأييس لهم إذ قد عرف عند العرب وغيرهم، من أمم ذلك العصر، الاعتماد عند الضيق على الأولياء والنصراء ليكفّوا عنهم المصائب بالقتال أو الفداء، قال النابغة:
يأمُلْنَ رِحلة نَصر وابن سيَّار

ولذلك كثر في القرآن نفي الوليّ، والنصير، والفداء {فلَن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين} [آل عمران: 91]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}.
العذاب الأليم ألا يصلوا إليه أبدًا بعدما عرفوا جلاله، فإذا صارت معارفُهم ضروريةً فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا، فَحَسَراتُهم حينئذ على ما فاتهم أشدُّ عقوبة لهم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}
لماذا لم يأت الله بشرط الآية الثاني الذي يتحدث عن المستنكفين والمستكبرين مقدمًا على شطر الآية الأول؟. ولماذا لم يواصل الحديث عن الذين استنكفوا واستكبروا ليستكمل ما جاء بشأنهم في الآية السابقة ويبينْ كيف أن مصيرهم إلى العذاب حيث لا يجدون من دون الله وليًا ولا نصيرًا، ثم بعد ذلك يحدثنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟.
ذلك أن الحق ساعة يتكلم عن جماعة خرجت عن المنهج فهو لا يمنحهم ثواب هؤلاء الذين لم يخرجوا عن المنهج، فيأتي أوّلًا بثواب الطائعين ليستشرف إليه الخارجون عن طاعة الله، ثم يحرمهم من هذا الثواب لتكون حسرة الخارجين عن المنهج أشد. والضد يظهر حسنه الضد.
لقد قال الحق: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ} ونعلك أن الأجر على العمل. لماذا الفضل إذن؟. لقد عرفنا من قبل أن العمل جاء فيه حديث شريف: «لن يُدخل أحدًا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب».
والحق قد قال: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58]
وفطن الناس إلى ذلك فقالوا: اللهم بالفضل لا بالعدل؛ لأن الفضل هو الذي يعطينا المنازل المتميزة، وقد يضيعنا العدل.
ويقول الحق مرة أخرى عن هؤلاء الذين استنكفوا واستكبروا: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الذين استنكفوا واستكبروا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} أي أنهم لن يجدوا من يشفع لهم عند الله، ولا من ينصرهم ولا أحد بقادر أن يرد عنهم العذاب. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لن يستنكف} قال: لن يستكبر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فيوفِّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: «{أجورهم} يدخلهم الجنة {ويزيدهم من فضله} الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا». والله سبحانه أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين}: قد تقدَّم الكلامُ على نظيرتها، ولكن هنا سؤالٌ حسنٌ قاله الزمخشريُّ وهو: فإن قلت: التفصيل غير مطابقٍ للمفصَّلِ؛ لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصَّلُ على فريق واحد، قلتُ: هو مثلُ قولك: جَمَعَ الإمَامُ الخوارجَ: فمن لم يخرجْ عليه، كساه حُلَّةً، ومن خَرَجَ عليه، نَكَّلَ به وصحةُ ذلك؛ لوجهين:
أحدهما: أن يحذف ذكرُ أحد الفريقين؛ لدلالةِ التفصيل عليه؛ ولأنَّ ذكرَ أحدهما يدلُّ على ذكر الثاني؛ كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عَقِيبَ هذا: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ} [النساء: 175].
والثاني: وهو أن الإحسانَ إلى غيرهم مما يَغُمُّهُم؛ فكان داخلًا في جملة التنكيلِ بهم، فكأنه قيل: ومن يَسْتَنْكِف عن عبادته ويَسْتكبرْ فسيعذبُهُم بالحَسْرة، إذا رأوْا أجُورَ العاملين، وبما يصيبُهُم من عذاب الله.
انتهى، يعني بالتفصيل قوله: فأمَّا وأمَّا، وقد اشتمل على فريقين، أي: المثابين والمعاقبين، وبالمفصَّل قوله قبل ذلك: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ}، ولم يشتمل إلا على فريقٍ واحدٍ هم المعاقَبُون. اهـ.

.تفسير الآية رقم (174):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أزاح شبه جميع المخالفين من سائر الفرق: اليهود والنصارى والمنافقين، وأقام الحجة عليهم، وأقام الأدلة القاطعة على حشر جميع المخلوقات، فثبت أنهم كلهم عبيده؛ عمّ في الإرشاد لطفًا منه بهم فقال: {يا أيها الناس} أي كافة أهل الكتاب وغيرهم.
ولما كان السامع جديرًا بأن يكون قد شرح صدرًا بقواطع الأدلة بكلام وجيز جامع قال: {قد جاءكم برهان} أي حجة نيّرة واضحة مفيدة لليقين التام، وهو رسول مؤيد بالأدلة القاطعة من المعجزات وغيرها {من ربكم} أي المحسن إليكم بإرسال الذي لم تروا قط إحسانًا إلا منه.
ولما كان القرآن صفة الرحمن أتى بمظهر العظمة فقال: {وأنزلنا} أي بما لنا من العظمة والقدرة والعلم والحكمة على الرسول الموصوف، منتهيًا {إليكم نورًا مبينًا} أي واضحًا في نفسه موضحًا لغيره، وهو هذا القرآن الجامع بإعجازه وحسن بيانه بين تحقيق النقل وتبصير العقل، فلم يبق لأحد من المدعوين به نوع عذر، والحاصل أنه سبحانه لما خلق للآدمي عقلًا وأسكنه نورًا لا يضل ولا يميل مهما جرد، ولكنه سبحانه حفّه بالشهوات والحظوظ والملل والفتور، فكان في أغلب أحواله قاصرًا إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن ألحقه سبحانه بهم؛ أنزل كتبه بذلك العقل مجردًا عن كل عائق، وأمرهم أن يجعلوا عقولهم تابعة له منقادة به، لأنها مشوبة، وهو مجرد لا شوب فيه بوجه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى: لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود والنصارى وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب.
ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد عليه الصلاة والسلام فقال: {يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ} والبرهان هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما سماه برهانًا لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل، والنور المبين هو القرآن، وسماه نورًا لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ} أي بيانًا من ربكم وحجة من ربكم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} أي بيانًا من العمى وبيان الحلال من الحرام، وهو القرآن. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ عن الثوريّ؛ وسماه برهانًا لأن معه البرهان وهو المعجزة.
وقال مجاهد: البرهان هاهنا الحجة؛ والمعنى متقارب؛ فإن المعجزات حجّته صلى الله عليه وسلم.
والنور المنزل هو القرآن؛ عن الحسن؛ وسماه نورًا لأن به تتبين الأحكام ويهتدى به من الضلالة، فهو نور مبين، أي واضح بَيِّن. اهـ.