فصل: (سورة النساء: الآيات 167- 169):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قلت: الاستدراك لابد له من مستدرك فما هو في قوله: {لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ}؟ قلت: لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء وتعنتوا بذلك واحتج عليهم بقوله: {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} قال: لكن اللَّه يشهد، بمعنى أنهم لا يشهدون لكن اللَّه يشهد. وقيل: لما نزل {إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} قالوا: ما نشهد لك بهذا، فنزل {لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} ومعنى شهادة اللَّه بما أنزل إليه: إثباته لصحته بإظهار المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات. وشهادة الملائكة:
شهادتهم بأنه حق وصدق. فإن قلت: بم يجابون لو قالوا: بم يعلم أن الملائكة يشهدون بذلك؟
قلت: يجابون بأنه يعلم بشهادة اللَّه، لأنه لما علم بإظهار المعجزات أنه شاهد بصحته علم أن الملائكة يشهدون بصحة ما شهد بصحته لأنّ شهادتهم تبع لشهادته. فإن قلت: ما معنى قوله أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وما موقعه من الجملة التي قبله؟ قلت: معناه أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة، وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة. وقيل: أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه. وقيل: أنزله مما علم من مصالح العباد مشتملا عليه.
ويحتمل: أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك، كما قال في آخر سورة الجنّ. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ} والإحاطة بمعنى العلم وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا وإن لم يشهد غيره، لأنّ التصديق بالمعجزة هو الشهادة حقًا {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ}.

.[سورة النساء: الآيات 167- 169]:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)}
كَفَرُوا وَظَلَمُوا جمعوا بين الكفر والمعاصي، وكان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب كبائر، لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما إلا بالتوبة وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم. أو لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريقها يَسِيرًا أي لا صارف له عنه.

.[سورة النساء: الآيات 170- 171]:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)}
فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وكذلك {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} انتصابه بمضمر، وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث، علم أنه يحملهم على أمر فقال: {خَيْرًا لَكُمْ} أي اقصدوا، أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث. وهو الإيمان والتوحيد لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غلت اليهود في حط المسيح عن منزلته، حيث جعلته مولودا لغير رشدة. وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وهو تنزيهه عن الشريك والولد. وقرأ جعفر بن محمد {إِنَّمَا الْمَسِيحُ} بوزن السكيت. وقيل لعيسى {كلمة اللَّه} {وكلمة منه} لأنه وجد بكلمته وأمره لا غير، من غير واسطة أب ولا نطفة. وقيل له: روح اللَّه، وروح منه، لذلك، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذى روح، كالنطفة المنفصلة من الأب الحىّ وإنما اخترع اختراعا من عند اللَّه وقدرته خالصة. ومعنى أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أوصلها إليها وحصلها فيها ثَلاثَةٌ خبر مبتدإ محذوف، فإن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون: هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس. وأنهم يريدون بأقنوم الأب: الذات، وبأقنوم الابن: العلم، وبأقنوم روح القدس: الحياة، فتقديره اللَّه ثلاثة وإلا فتقديره: الآلهة ثلاثة. والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن اللَّه والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، وأنّ المسيح ولد اللَّه من مريم. ألا ترى إلى قوله: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون: في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والأم. ويدل عليه قوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} فأثبت أنه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بأمّهاتها، وأن اتصاله باللَّه تعالى من حيث أنه رسوله، وأنه موجود بأمره وابتداعه جسدا حيا من غير أب، فنفى أن يتصل به اتصال الأبناء بالآباء. وقوله: {سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} وحكاية اللَّه أوثق من حكاية غيره.
ومعنى سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد. وقرأ الحسن: إن يكون، بكسر الهمزة ورفع النون: أي سبحانه ما يكون له ولد. على أنّ الكلام جملتان لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بيان لتنزهه عما نسب إليه، يعنى أنّ كل ما فيهما خلقه وملكه، فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه، على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والأعراض وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يكل إليه الخلق كلهم أمورهم، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.

.[سورة النساء: آية 172]:

{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)}
{يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة من نكفت الدمع. إذا نحيته عن خدك بإصبعك {ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ولا من هو أعلى منه قدرًا وأعظم منه خطرًا وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش، كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومن في طبقتهم. فإن قلت: من أين دلّ قوله: {وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} على أنّ المعنى: ولا من فوقه؟ قلت: من حيث أنّ علم المعاني لا يقتضى غير ذلك. وذلك أنّ الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوّهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية، ولا من هو أرفع منه درجة، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقرّبون من العبودية، فكيف بالمسيح؟
ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة، تخصيص المقرّبين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة.
ومثاله قول القائل:
وَمَا مِثْلُهُ مِمَّنْ يُجَاوِدُ حَاتِمٌ ** وَلَا الْبَحْرُ ذُو الْأَمْوَاجِ يَلْتَجُّ زَاخِرُهْ

لا شبهة في أنه قصد بالبحر ذى الأمواج: ما هو فوق حاتم في الجود. ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله: {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى} حتى يعترف بالفرق البين. وقرأ علىّ رضى اللَّه عنه: عُبيدًا للَّه، على التصغير. وروى أن وفد نجران قالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى. قال: وأى شيء أقول؟ قالوا: تقول: إنه عبد اللَّه ورسوله. قال: إنه ليس بعار أن يكون عبدًا للَّه. قالوا: بلى، فنزلت: أي لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه، فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأنّ العار ألصق به. فإن قلت: علام عطف قوله: {وَلَا الْمَلائِكَةُ}؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يعطف على المسيح، أو على اسم «يكون» أو على المستتر في: {عَبْدًا} لما فيه من معنى الوصف، لدلالته على معنى العبادة، كقولك: مررت برجل عبد أبوه، فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد اللَّه هو ومن فوقه. فإن قلت: قد جعلت الملائكة وهم جماعة عبدًا للَّه في هذا العطف، فما وجهه؟ قلت: فيها وجهان: أحدهما أن يراد: ولا كل واحد من الملائكة أو ولا الملائكة المقرّبون أن يكونوا عبادًا للَّه، فحذف ذلك لدلالة {عبد الله} عليه إيجازًا. وأمّا إذا عطفتهم على الضمير في: {عَبْدًا}.
فقد طاح هذا السؤال. قرئَ {سَيَحْشُرُهُمْ} بضم الشين وكسرها وبالنون.

.[سورة النساء: الآيات 173- 175]:

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا (175)}
فإن قلت: التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصل على فريق واحد. قلت: هو مثل قولك: جمع الإمام الخوارج، فمن لم يخرج عليه كساه وحمله، ومن خرج عليه نكل به، وصحة ذلك لوجهين، أحدهما: أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه، ولأنّ ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني، كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ والثاني، وهو أن الإحسان إلى غيرهم مما يغمهم، فكان داخلا في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر، فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب اللَّه. البرهان والنور المبين: القرآن. أو أراد بالبرهان دين الحق أو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وبالنور المبين: ما يبينه ويصدقه من الكتاب المعجز فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ في ثواب مستحق وتفضل وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ إلى عبادته صِراطًا مُسْتَقِيمًا وهو طريق الإسلام. والمعنى: توفيقهم وتثبيتهم.

.[سورة النساء: آية 176]:

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
روى أنه آخر ما نزل من الأحكام. كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طريق مكة عام حجة الوداع، فأتاه جابر بن عبد اللَّه فقال: إنّ لي أختا، فكم آخذ من ميراثها إن ماتت؟ وقيل: كان مريضا فعاده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إنى كلالة فكيف أصنع في مالى؟ فنزلت إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر. ومحل لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الرفع على الصفة لا النصب على الحال. أى: إن هلك امرؤ غير ذى ولد. والمراد بالولد الابن وهو اسم مشترك يجوز إيقاعه على الذكر وعلى الأنثى لأن الابن يسقط الأخت، ولا تسقطها البنت إلا في مذهب ابن عباس، وبالأخت التي هي لأب وأم دون التي لأم، لأنّ اللَّه تعالى فرض لها النصف وجعل أخاها عصبة وقال فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وأما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث مسوّى بينها وبين أخيها وَهُوَ يَرِثُها وأخوها يرثها إن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ أي ابن لأن الأبن يسقط الأخ دون البنت. فإن قلت: الابن لا يسقط الأخ وحده فإن الأب نظيره في الإسقاط، فلم اقتصر على نفى الولد؟ قلت:
بين حكم انتفاء الولد، ووكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة، وهو قوله عليه السلام «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر» والأب أولى من الأخ، وليسا بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة. ويجوز أن يدل بحكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد، لأن الولد أقرب إلى الميت من الوالد، فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب، فأولى أن يرث عند انتفاء الأبعد: ولأن الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعا، فكان ذكر انتفاء أحدهما دالا على انتفاء الآخر. فإن قلت: إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ وإن كانوا إخوة؟ قلت: أصله: فان كان من يرث بالأخوة اثنتين، وإن كان من يرث بالأخوة ذكورًا وإناثًا: وإنما قيل: فان كانتا، وإن كانوا، كما قيل: من كانت أمّك. فكما أنت ضمير «من» لمكان تأنيث الخبر، كذلك ثنى وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا، لمكان تثنية الخبر وجمعه، والمراد بالإخوة. الإخوة لا الأخوات، تغليبًا لحكم الذكورة أَنْ تَضِلُّوا مفعول له. ومعناه:
كراهة أن تضلوا. عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «من قرأ سورة النساء فكأنما تصدّق على كل مؤمن ومؤمنة ورث ميراثًا، وأعطى من الأجر كمن اشترى محرّرًا، وبريء من الشرك وكان في مشيئة اللَّه من الذين يتجاوز عنهم». اهـ.