فصل: مطلب موت هارون وموسى عليهما السّلام وقصة ولدي آدم عليه السّلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما رأى موسى عزمهم على الرّجوع وخبتهم عن اللّقاء وفضلوا أن يكونوا خدما للقبط كما كانوا على صيرورتهم ملوكا وأنبياء، وخافوا أن تقتل أولادهم وأنفسهم في الجهاد، وأن يغنم أموالهم العدو، ولم يخافوا من القبط الّذين قتّلوا ذكورهم واستحيوا نساءهم للخدمة خرّ موسى وأخوه هارون ساجدين للّه ليريهما ما يقدر لهما وماذا يعملان مع قومهما، وصار يوشع وكالب يخرقان ثيابهما خوفا من نزول العذاب لما رأيا من غضب موسى وهرون، وهما المعنيان بقوله تعالى: {قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ} مقت اللّه وعقابه الّذين {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بالثبات على الإيمان والوفاء بالعهد، إذ لم يخبرا سبطيهما بما رأياه من الجبار عوج ابن عنق المار ذكره في الآية 12 {ادْخُلُوا} يا قومنا {عَلَيْهِمُ} أي الجبارين {الْبابَ} باب مدينة أريحا ولا تهابوهم، فإذا دخلتموه {فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ (23)} عليهم لأن اللّه وعدكم النّصر فهلم ادخلوا {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (24)} به وبوعده، قالوا فلما سمعوا هذا القول من كالب ويوشع أرادوا أن يرجموهما بالحجارة فضلا عن عدم الالتفات إلى قولهما، والتفتوا إلى موسى ثم {قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَدًا ما دامُوا فِيها} أي الجبارون المذكورون فإذا أردت يا موسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} هؤلاء الجبارين {إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (25)} ننتظر ما ينجم عن قتالكم، فإن ظفرتم بهم دخلنا وإلّا فقد سلمنا من بأسهم {قالَ} موسى بعد أن رفع رأسه وأخوه من السجود ورأيا ما هموا به على كالب ويوشع وما أراداه منهما وما أرادوه هم من وجود من يرأسهم ويرجعهم إلى مصر وعلم إياسه منهم {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} الذي هو في طاعتي أينما وجهته لتنفيذ أمرك {فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (26)} وهذا دعاء عليهم، لأنه طلب الحكم من اللّه فيما بينهما وبينهم، وكان هارون يؤمن على دعائه، فأوحى اللّه إليه بإجابة دعائه الذي ألهمه أثناء سجوده {قالَ} اللّه عز وجل يا موسى أتركهم {فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} لا يرون هذه الأرض المقدسة بل يبقون متحيرين في أمرهم، وهذا التحريم على الأسباط العشرة الّذين نقضوا العهد وأخبروا قومهم بما رأوا من بأس الجبارين وان عوجا اقتلع صخرة من الجبل عظيمة وأراد إلقاءها عليهم فبعث اللّه لهدهد فثقبها فوقعت في عنقه فصرعته أما يوشع وكالب، فقد دخلاها، فلما سمع موسى كلام ربه استاء على قومه شفقة منه عليهم مع إساءتهم له فقال له ربه {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (27)} الخارجين عن الطّاعة فإنهم يستحقون أكثر من هذا، وقد أراد اللّه تعالى وهو أعلم بهذه المدة أمرين الأوّل جزاء شؤمهم وتمردهم على نبيهم وعصيانهم أمره مدة أربعين يوما التي كان يعالجهم فيها لدخول الأراضي المقدسة وهم يمتنعون، فجعل عليهم التّيه والتشرد مثل تلك المدة سنين عقوبة لهم، والثاني حتى ينقرض كبارهم الّذين ألفوا الرّقّ والذل والهوان وتعودوا الخدمة والمهانة فصغرت نفوسهم عن مستواها وحقرت ولم يبق فيها حب الطموح إلى العزّة والكرامة، وينشئ اللّه بعدهم منهم من ينشأ جديدا في تلك الصحراء التي لا يد عليهم فيها إلّا يد اللّه، فيربون أحرارا أعزاء بنفوس أبية لا تعرف الضيم والرّق والذل الذي كان عليه آباؤهم، فلا تلمس أنوفهم ولا يداس حماهم ولا توطأ أرضهم، فيقدمون على الجهاد بحزم وعزم، فيبطشون ويظفرون، فيكون منهم الملوك والأمراء والأنبياء.
قالوا إن اللّه أوحى إلى موسى عليه السّلام حين سجد وأخوه (بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب، ولآتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كلّ يوم سنة، ولألقين جيفهم في هذا الفضاء، أما أبناؤهم الّذين لم يعملوا الشّر فسيدخلونها) قالوا وكانت أرض التيه تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا، وكان القوم ستمئة الف، وكانوا يرحلون اليوم كله فإذا أمسوا وجدوا أنفسهم بمكانهم، وهذا من باب فوق العادة لأنه معجزة لرسولهم عقابا لعنادهم وجزاء لعصيانهم، قالوا ثم شكوا إلى موسى الضّنك الذي لا قوة في تيههم من الجوع والعطش والتعب، فدعا اللّه ربه، فأنزل عليهم المنّ والسّلوى وظللهم بالغمام وأمر موسى بضرب الحجر فضربها فتفجرت عن اثنتي عشرة عينا لكل سبط عين، وجعل كسوتهم قائمة معهم لا تخلق وتكبر مع كبرهم وهذه أيضا من جملة المعجزات التي أظهرها اللّه لنبيهم في التيه، ومن خوارق عوائد اللّه تعالى ولا شيء عليه بعزيز، فانظر رعاك اللّه تلطف موسى بقومه ورحمته بهم على ما هو عليه من الشّدة وما هم عليه من التعنت والخلاف لأمره وأمر ربه، وهذا مما يطمع العباد في ربهم، اللهم لا تغفلنا عن مكرك، ولا تنسنا ذكرك، واسبل علينا سترك، وانشر علينا رحمتك، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا وأفعال السّفهاء منا برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

.مطلب موت هارون وموسى عليهما السّلام وقصة ولدي آدم عليه السّلام:

قالوا ومات في التيه كلّ من دخله مجاوزا عمره العشرين سنة غير يوشع وكالب ولم يدخل أريحا منهم ممن قال لن ندخلها أبدا، وكان موسى وهرون ممن مات في التيه أيضا، قالوا ولما أراد اللّه وفاة هارون أوحى اللّه إلى موسى عليهما السّلام أن ائت بهارون إلى جبل كذا، فلما أتاه به وجد هارون شجرة ومبيتا فيه فراش على سرير فيه رائحة طيبة، فأعجبه ونام عليه، فلما أحس بالموت قال يا موسى خدعتني، وقبض اللّه روحه ورفع إلى السّماء ورجع موسى إلى بنى إسرائيل، فسألوه عن هارون فقال لهم مات فاتهموه بقتله، فدعا اللّه فأنزل لهم ذلك السّرير وعليه هارون ميتا فصدقوه، ثم رفع ولم يعلم موضع قبره في الأرض أي محل قبض روحه، ثم نبأ اللّه يوشع عليه السّلام فصار موسى يغدو ويروح عليه حتى كره الحياة وأحب الموت بعد أن كان يكرهه، قالوا إن اللّه تعالى قال لموسى ضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطست يداك من شعرة سنة، قال أي رب ثم مه؟ قال ثم الموت، قال إذا فالآن، وسأل ربه أن يدنيه من الأراضي المقدسة رمية حجر، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا لم ير أحسن منه؟
فقال لمن هذا؟ قالوا لعبد كريم على ربه، فقال هذا العبد من اللّه بمنزلة ما رأيت كاليوم قط مثلها، فقالوا يا صفي اللّه أتحب أن يكون لك، قال وددت، قالوا فأنزل فنزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربه عز وجل ثم تنفس أسهل تنفس فقبض اللّه روحه الطّاهرة عليه الصّلاة والسّلام، ودفن فيه وهو تحت الكثيب الأحمر، وكان عمره مائة وستة وعشرين سنة، وهرون أكبر منه، قالوا وبعد مضي الأربعين سنة دعى يوشع بني إسرائيل لحرب الجبارين فلبوا دعوته فسار بهم وكان معه تابوت الميثاق، فأحاط بأريحاء ستة أشهر حتى أسقط سور المدينة، ودخلوها عتوة، وقتلوا الجبارين وهزموهم، قالوا وقبل أن يقضوا عليهم قاربت الشّمس على الغياب، وكان يوم جمعة فدعا يوشع عليه السّلام ربه فأخرها حتى تم له الانتقام من أعدائه قبل دخول السّبت المحرم عليهم فيه القتال.
وقال مشيرا إلى هذا أمير الشّعراء السّيد شوقي المصري بقوله:
شيعوا الشّمس ومالوا بضحاها ** فانحنى الشّرق عليها فبكاها

ليتني في الرّكب لما أفلت ** يوشع همت فنادى فثناها

إلى آخر الأبيات التي رثى بها سعد زغلول رحمهما اللّه، وقال الآخر:
فحدثت نفسي أنها الشّمس أشرقت ** وإني قد أوتيت آية يوشع

بما يدل على أن قضية رد الشّمس شائعة متواترة مشهورة لسيدنا يوشع كما هي لسيدنا داود عليهم الصّلاة والسّلام، راجع ما قدمناه مما يتعلق في هذا البحث في الآية 31 من سورة ص، وأول سورتي القمر والإسراء في ج 1، ثم تتبع ملوك الشام فاجتاح منهم واحدا وثلاثين ملكا واستولى على بلادهم وصارت كلها لبني إسرائيل، وفرق العمال في نواحيها، وجمع الغنائم فأطلق عليها النّار فلم تأكلها، فقال إن بكم غلولا أي سرقة من الغنائم لأنها لم تبح لهم ولا لغيرهم إلّا لمحمد وأصحابه وأمته بعده، راجع الآية 41 من سورة الأنفال وأولها تجد هذا البحث مستوفى فيهما، ولمعرفة السّارق أمر سيدنا يوشع بحضور رجل واحد من كلّ قبيلة ليبايعه فتهافت النّاس ولم يزل يصافحهم واحدا بعد واحد حتى لصقت يده بيد رجل منهم، فقال له أن الغلول فيكم، فأتوا به ثم جازا له برأس ثور من ذهب مكلل بالجواهر كان اختلسه رجل منهم فأحضر فوضعه هو والرّأس في القربان فأكلتهم النّار، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} يا سيد الرّسل {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} هابيل وقابيل، وهذه قصة أخرى يقصها اللّه على رسوله من أمر غيبه اخبارا {بِالْحَقِّ} ليذكرها لقومه {إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا} هو اسم لما يتقرب به إلى اللّه تعالى من صدقة أو ذبيحة أو نسك أو غيره {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما} هابيل بأن جاءت نار من السّماء فأكلته {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} قابيل إذ بقي قربانه في الأرض فأكلته الطّير والسّباع {قالَ} قابيل حاسدا لأخيه هابيل إذ تقبل قربانه دونه {لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ} ولم ولم أخطئ؟ قال لردّ قرباني وقبول قربانك {قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} بأسه التمثيل أمره ثم قال له بعد أن ذكره عقاب اللّه إن فعل ما أراده وعذابه العظيم عليه، لأن ردّ القربان ليس له به دخل إنما هو أمر اللّه، واستعطفه واسترحمه فلم ينجح به فقال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} من أجل عدم قبول قربانك الكائن من اللّه وحده، فافعل ما بدا لك، فإني لا أقابلك {ما أَنَا بِباسِطٍ} مادّ {يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} كما انك مادّها لتقتلني {إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28)} وذلك لأن الدّفاع عن النّفس لم يشرع بعد، وإلّا فهو أقوى منه على ما قالوا، ثم قال له على طريق التخويف من العاقبة {إِنِّي أُرِيدُ} بعدم إرادتي قتلك وعدم الذبّ عن نفسي {أَنْ تَبُوءَ} تحتمل وترجع إلى اللّه {بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} الذي لم يقبل لأجله قربانك، كما سيأتي بالقصة {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ} الخالدين فيها كما يفهم من معنى الصّحبة {وَذلِكَ} الجزاء الفظيع عند اللّه هو {جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29)} أمثالك الّذين يقدمون على قتل النفس عمدا بلا حق، فلم يؤثر ما أبداه له ولهذا قال تعالى حاكيا حاله وإصراره على الشّر {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} ولم يلق بالا للنصح والتهديد والوعظ، فتحين فرصة للغدر به بغياب أبيهما {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)} الدنيا لغضب أبيه وأمه وفقد أخيه والآخرة بغضب اللّه وعذاب النّار والحرمان من الجنّة، ولما فعل فعلته لم يعلم ماذا يفعل بجثته فحمله على ظهره لأنه أول قتيل أهريق دمه على وجه الأرض من بني آدم، لذلك لم يعرف ما يفعل به بعد قتله {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} وكان معه غراب مقتول (ولم يكرر لفظ الغراب ويبحث في القرآن) كان تقاتل معه فقتله، فحفر الأرض برجليه ودفنه فيها، وإنما بعثه اللّه إليه {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} فتنبه لذلك وفعل بأخيه ما فعل الغراب، ثم قال مؤنبا نفسه على فرط جهله وحمقه، إذ علم أن الغراب أفطن منه {قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} خير من أظل حاملا له، ولما دفنه رأي نفسه وحيدا {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} على قتل أخيه وحمله إياه مدة سنة على ما قيل ولم ينتبه لأن يعمل فيه ما عمله الغراب بأخيه الذي قتله مثله وزاد عليه بالمعرفة، إذ دفنه حالا.
قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ} القتل العمد ظلما {كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ} بغير {فَسادٍ فِي الْأَرْضِ} كقطع الطّريق والنّهب والسّلب {فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} في الغدر لأنه يستوجب غضب اللّه تعالى والعذاب الدائم في جهنم، فلو فرض أنه قتل جميع النّاس لا يزاد على عذابه هذا شيء إذ ما بعد التخليد في النّار من عذاب، وذلك لأن الجناية على النّفس عمدا من أعظم المحرمات بعد الإشراك باللّه، ولهذا كان مثل تخريب العالم، وعليه قوله صلّى اللّه عليه وسلم:
لزوال الدّنيا أهون على اللّه من قتل امرئ مسلم.
وقال: سباب المؤمن فسق وقتاله كفر {وَمَنْ أَحْياها} استخلصها من أسباب الهلاك وأنقذها من العطب من قتل أو حرق أو غرق أو غيره من هدم أو ترد أو ظالم وشبهه {فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
وفي هذه الآية ترغيب من اللّه لمن يتسبب من عباده في إنقاذ النّاس من الهلاك، ولهذا شرع الدّفاع عن النّفس والمال والعرض وغيره، وإذا قتل في هذا السّبيل قتل شهيدا، وإذا قتل لا شيء عليه، وإن القوانين الأرضية استقت هذا من القوانين السّماوية، فأعفت المعتدى عليه في نفسه وماله وعرضه من العقاب، حتى إنه لو فعل ذلك من أجل غيره يعفى في بعض الحالات ويعد معذورا في أخرى، فيخفف عنه الجزاء، وخلاصة هذه القصة على ما قاله الأخباريون أن حواء عليها السّلام كانت تلد في كلّ بطن ذكرا وأنثى، ولدت في عشرين بطنا أربعين، عشرين ذكورا ومثلهم إناثا، أولهم قابيل وتوءمته إقليما وآخرهم عبد المغيث وتوءمنه أم المغيث، ولم يمت آدم حتى بلغ ولده أربعون ألفا، ولم يمت منهم أحد، وكانوا يتزاوجون على الخلف بأن لا يأخذ الأخ توءمته بل التي بعدها وتوءمها يأخذ النّبي قبله وهكذا، فأمر اللّه آدم أن يزوج قابيل لودا أخت هابيل، وهابيل إقليما أخت قابيل لأنهما متقاربان في السنّ، فقال قابيل لأبيه عند ما كلفه بذلك إن أختي أحسن من أخت هابيل وأنا أحق بها لأني وإياها حملنا وولادتنا في الجنّة وهابيل وأخته حملها وولادتها في الأرض، فقال له آدم وإن كان كذلك فلا يحل لك أن تخالف أمر اللّه، فأبى أن يقبل ولم يصغ لوعظ أبيه وزجره وتهديده، فقال إذ عققتني فقرّبا أنت وأخوك قربانا فأيكما قبل قربانه أخذ أقليما، ففعلا ولكن قال قابيل في نفسه إن تقبل قرباني أو لم يتقبل فلا أتزوج إلا أختي، وقال هابيل في نفسه ما يكون من اللّه فأنا راض به، ولهذا والحكمة الأزلية قربا تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل كما مر في الآية 28 وتقدم في الآية 183 من آل عمران كيفية قبول القرابين فراجعها، فصارح قابيل إياه بعدم قبوله، وقال إن فعلت يتحدث بين الملأ أنه خير مني فيفتخر ولده على ولدي، وأضمر الشّر لأخيه وتهدده وتوعده بالقتل، ولما سنحت له الفرصة حال غياب أبيه حمل حجرا ليرضّ بها رأسه، فاستعطفه وزجره كما تقدم ولم ينجح به فوطن هابيل نفسه للاستسلام طلبا للثواب، وتركه ولم يقابله بشيء، قالوا ولم يعرف أولا أحد كيفية القتل، فتمثل له الشّيطان عليه اللّعنة وقد أخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ورضه بحجر آخر فقتله، فلما رأى قابيل ذلك فعله بأخيه هابيل إذ رض رأسه بين حجرين حالة نومه فقتله غيلة، ثم انه تاب ولكن لم تقبل توبته، لأن النّدم وحده لا يعد توبة إذ ذاك، وإنما هو من خصائص هذه الأمة، راجع الآية 57 من سورة البقرة في كيفية توبة بني إسرائيل، على أن غالب ندمه كان على حمله أخيه بعد قتله مدة سنة، حتى رأى الغراب وعمله بأخيه فعمل مثله، ولم يصرح بالندم إلّا بعد الدّفن، ولأن قتله تعمدا عنادا باللّه وبأبيه وعدم ارتداعه بعدم تقبّل القربان من اللّه، وقالوا إنه تركه بالعراء مدة، فلما رأى تقرب السّباع منه لتأكله حمله على ظهره، ولما أنتن وتحير في أمره ولم يدر ماذا يفعل به ليتخلص منه بعث اللّه له الغراب ليعلمه كيفية دفنه.