فصل: مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



على أن هنا نافية لا مخففة لأن المخففة يعقبها اللام ولا لام هنا، تدبر.
أي إلى هؤلاء الّذين كذبوا الرّسل وقتلوهم تيقنوا {أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} بلاء وعذاب بذلك عليهم كلا بل يكون بأشد مما يتصوره العقل {فَعَمُوا} عن الحق وقتلوا زكريا ويحيى وبزعمهم عيسى فكذبهم اللّه وأخزاهم وأعم قلوبهم وأعمى أبصارهم عنه بدلالة ما جاء في الآية 158 المارة من سورة النّساء وكذبوا محمدا بزعمهم أن كلّ رسول يأتيهم بغير شرعهم يجب عليهم تكذيبه وقتله قاتلهم اللّه {وَصَمُّوا} عن سماع الحق منهم كما صموا عن سماع قول هارون عليه السّلام ومن معه حينما نهاهم عن عبادة العجل، راجع الآية 90 من سورة طه في ج 1 {ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بعد ذلك {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} زمن الرّسل من بعد موسى ولم يصغوا لأوامرهم، ثم أبدل من ضمير عموا وصموا على طريق بدل البعض من الكل قوله جل قوله: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} أي أن أكثر اليهود كانوا كذلك، وإن القليل منهم رأى وسمع وأذعن وآمن {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71)} لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وأقوالهم.
قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} تقدمت هذه الجملة بعينها في الآية 15 المارة وكررت بمناسبة تبرأ عيسى من قولهم هذا كما حكى اللّه عنه بقوله عز قوله: {وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} لا فرق بيني وبينكم في عبوديته وربوبيته فاعبدوه مثلي لأني عبد له، واعترفوا بربوبيته، لأنه ربي وأنتم كذلك ثم حذرهم عن الإشراك به بما حكى اللّه عنه {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} غيره أو أشركه في عبادته فعبد غيره من إنسان وحيوان وجماد وكوكب وملائكة وجن وانس {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} إذا مات على شركه ومن يحرم اللّه عليه الجنّة يغضب عليه {وَمَأْواهُ النَّارُ} في الآخرة بسبب كفره وظلمه لنفسه {وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72)} يمنعونهم من عذاب اللّه ويحولون دون تنفيذه فيهم ثم ذكر اللّه تعالى نوعا آخر من كفرهم فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ} وهم عند نزول القرآن المرقوسية والنّسطورية من فرق النصارى ويريدون بقولهم هذا أن اللّه تعالى ومريم وعيسى آلهة ثلاثة والإلهية مشتركة بينهم، وكلّا منهم إله، كما سيأتي تفصيله آخر هذه السّورة عند قوله تعالى: {أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية الآتية، فيكون المعنى على قولهم هذا أن اللّه أحد ثلاثة آلهة أو واحد منها، وفي تفسير آخر أنه جوهر وأحد ثلاثة أقانيم أب وابن وروح قدس، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية 17 من سورة النّساء المارة، والأقنوم هو الأصل، فيكون المعنى أن مجموع هذه الثلاثة إله واحد كما تقول إن الشّمس تتناول القرص والشّعاع والحرارة وكلها شمس، ويعنون بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبروح القدس الحياة، وإن الكلمة التي هي قول اللّه اختلطت بعيسى اختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله والابن إله والرّوح إله والكل واحد، وكلّ من هذين التفسيرين باطل بداهته لأن الثلاثة لا تكون واحدا، والواحد لا يكون ثلاثة {وَما} في الوجود {مِنْ إِلهٍ} البتة يعبد بحق {إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ} وهو اللّه الفرد الصّمد لا ثاني له ولا شريك ولا ولد ولا صاحبة ولا والد له وهو واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له ولا ند ولا ضد ولا وزير ولا معين أبدا، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، ثم هددهم بقوله عزّ قوله: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} من الإشراك بالذات الواحدة المقدسة المبرأة المنزهة عن كلّ شيء {لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)} لا تطيقه قواهم، وإنما قال تعالى منهم لسابق علمه بإيمان بعضهم، قال تعالى فيها لهم بالكف عن خطتهم هذه {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} من مقالتهم هذه القبيحة وعقيدتهم الخبيثة فيفردون الإله بالعبودية ويؤمنون به وحده ايمانا خالصا حقيقيا ويصدقون رسوله محمد بكل ما جاءهم به من عنده ليغفر اللّه لهم ما سبق منهم {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (74) بعباده التائبين يريد لهم الخير لتنالهم رحمته، قال تعالى ردا لمزاعمهم الفاسدة {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ليس بإله ولا بابن للإله كما أن الرّسل كلهم لم يدعوا دعوى الافتراء هذه البتة {وَأُمُّهُ} مريم بنت عمران ليست بإله ولا بأم للإله، وإنما هي {صِدِّيقَةٌ} مخلصة لربها وليست بنبية ولم يرسل اللّه من النّساء نبيا قط:
وما كانت نبيا قط أنثى ** ولا عبد وشخص ذو افتعال

وهي وابنها {كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} كسائر النّاس والذي يحتاج إلى الطّعام لابد أن يبول ويتغوط ويمرض ويحتاج لغيره، ومن كان هذا شأنه لا يصح أن يكون إلها إذ لا يليق بالإله أن يتصف بما يتصف به خلقه، لأنه نقص، والإله مبرأ من النّقص، ومن كان محتاجا لغيره كان عاجزا والعجز لا يليق بالإله القادر على كلّ شيء فيا محمد {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ} الدالة على فساد عقولهم وآرائهم وقلة إدراكهم وقصر نظرهم {ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (75) ويصرفون أنفسهم عن استماع هذه الآيات البديعة واعلم أن إعراضهم عنها أبدع وأعجب {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} وتدعون عبادة اللّه المالك لذلك المحي المميت {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأقوال عباده خفيها وجليها {الْعَلِيمُ} (76) بما في ضمائرهم ونياتهم فهل يكون هذا ممن له عقل {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} فتجاوزوا الحدود التي حدها لكم {غَيْرَ الْحَقِّ} الذي هو بين الافراط والتفريط راجع الآية 171 من النّساء المارة نظيرة هذه الآية في المعنى لأن مجاوزة الحق مذمومة كالتقصير فيه، وإن المغالاة في الدّين مذمومة كالاهمال فيه والصّد عنه، لأن ذلك من هوى النّفس، ولذلك يقول اللّه تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا} يا أهل الكتابين {أَهْواءَ قَوْمٍ} من قبلكم {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} ضلالكم واضلالكم هذين لأن مغالاة النّصارى أوصلتهم إلى أن قالوا إن عيسى ابن اللّه وإله أيضا، ومغالاة اليهود حدت بهم إلى أن قالوا عزير بن اللّه، ووصموا حضرة الإله بالبداء أي النّدم، تعالى عن ذلك كله، فزاغوا عن طريق الحق {وَأَضَلُّوا} أناسا {كَثِيرًا} غيرهم بذلك عن أتباعهم ومواليهم {وَضَلُّوا} هم أيضا {عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} (77) ببغيهم واتباعهم أهواءهم.
تشير هذه الآية إلى أن كلّا من اليهود والنّصارى بغوا على اللّه بتقولاتهم تلك، وتفيد أن المغالاة في الدّين قد تؤدي إلى الكفر، ولهذا نهى اللّه ورسوله عن المغالاة وأمرا بالقصد، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال إن الدّين يسر ولن يشاء الدّين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة.
قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ} حيث قال لهم لما اصطادوا الحيتان بالحيلة، اللهم العنهم واجعلهم خنازير وقردة، فكانوا بأمر اللّه تعالى حالا، وقدمنا ما يتعلق بلعنهم وبعض أعمالهم التي استحقوا عليها اللعن في الآية 64 المارة والآية 164 من الأعراف في ج 1 فراجعهما {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} لعنوا على لسانه أيضا وهم أصحاب المائدة حين أكلوا منها وادخروا ولم يؤمنوا ويصدقوا، فقال اللّهم العنهم واجعلهم خنازير، فكانوا أيضا، كما سيأتي في الآية 115 الآتية إن شاء اللّه، ولأن داود وعيسى بشرا أمتهما بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ولعنا من يكفر به فكفروا به {ذلِكَ} اللعن الواقع عليهم {بِما عَصَوْا} أنبياءهم {وَكانُوا يَعْتَدُونَ} (78) أي بسبب اعتدائهم عليهم وعلى أتباعهم {كانُوا} هؤلاء الملعونون {لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} فيما بينهم ولا ينهى بعضهم بعضا عنه {لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} (79) ويقولون.
وهؤلاء اليهود {تَرى كَثِيرًا مِنْهُمْ} أيها الرّائي {يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ويطلعونهم على خبيئة أمرهم، وهؤلاء الخبثاء الّذين هذا شأنهم {لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} من العمل لآخرتهم {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بأعمالهم تلك في الدّنيا {وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ} (80) في الآخرة تشير هذه الآية إلى نوع من أعمال المنافقين بموالاتهم الكافرين، لأنهم مثلهم بل أقبح، لأن أولئك كافرون ظاهرا وباطنا يجتنبهم النّاس، فلا يركنون إليهم، ولا يفشون لهم أسرارهم ولا يغترون بهم، وهؤلاء بحسب إيمانهم الظّاهر قد يغتر بهم النّاس فيفشون لهم أسرارهم فينقلونها للكفار فيكونون أشد فتنة على المسلمين من الكافرين، ولهذا قال تعالى: {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ} محمد صلّى اللّه عليه وسلم {وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ} من الكتاب {مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ} يتقوون بهم على المؤمنين الصّادقين، ولما استمالوهم لكشف أسرارهم لينقلوها لهم {وَلكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فاسِقُونَ} (81) خارجون عن طاعة اللّه ورسوله غير مؤمنين بهما، راجع الآية 51 المارة، ولهذا اتخذوا الكفار أولياء مع علمهم بأن المؤمنين خير لهم منهم.

.مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

قال تعالى يا سيد الرّسل {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} لأن هذين الصّنفين أكثر عداوة للمسلمين من غيرهم {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ} القرب لمودة المسلمين {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبانًا} يأمرونهم بالخير وينهونهم عن الشّر، ومنهم من يعترف بأحقية دين الإسلام فيركن لأهله ويميل لطاعته، ومنهم من يعتقد به ويعمل بما فيه خفية عن قومه {وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (82) عن قول الحق بل يذعنون له ويتواضعون لأهله ويستكينون لمجالستهم {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} من كلام اللّه يؤثر في قلوبهم ولشدة تأثيره فيهم {تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} لرقة أفئدتهم وخشوعها لسماعه و{مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} فيه، ولذلك فإنهم فيما بينهم {يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا} به وبمن أنزل عليه {فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (83) عليه بأنه حق وصدق {وَ} يقولون عند سماعه أيضا {ما لَنالآنؤْمِنُ بِاللَّهِ} وحده ونترك التثليث وغيره، لأن عيسى بشر وقد بشر بمحمد لنؤمن به {وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ} على لسان رسوله محمد لنؤمن به أيضا {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} (84) من أتباعه وأمته فنكون مثلهم {فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا} من الإيمان باللّه وحده والتصديق برسوله محمد وما جاء به {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ} الجزاء الحسن والثواب الكريم هو {جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ} (85) عند اللّه تعالى في الآخرة الدّائمة إذا فعلوه بأنفسهم وإخوانهم وجميع الخلق في الدّنيا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا} المنزلة على أنبيائنا {أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} (86) في الآخرة لا يبارحونها.
قال بعض المطلعين إن مذهب اليهود وجوب إيصال الأذى بأي طريق كان إلى من خالف دينهم وخاصة المسلمين حكى اللّه عنهم في قوله: {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} الآية 76 من آل عمران المارة، والنّصارى بخلاف ذلك فإنه يحرم عليهم أذى الناس أجمع، وإن أول ما دخل فيه اليهود من الخوض بآيات اللّه تغاضيهم عن إقامة حدوده في التوراة، أخرج أبو داود عن عبد اللّه بن مسعود أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول يا هذا اتق اللّه ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض، ثم لعنهم بالآية المارة، والمراد بالمعنى الطّرد من رحمة اللّه تعالى والعياذ باللّه، ثم قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظّالم ولتأطرنه (أي تردنه) على الحق أطرا وتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن اللّه قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم.
ويدخل في هذه الآية من آمن من النّصارى قبلا كالنجاشي وأصحابه ومن بعدهم إلى يوم القيامة، وإن المدح فيها بحق النّصارى ليس على إطلاقه لأنه في مقابلة ذم اليهود والمشركين.
ولا يتجه قول من قال إن هذه الآية نزلت في النّجاشي حين الهجرة الأولى الواقعة سنة خمس من البعثة، وقد أشرنا إليها في الآية 203 من آل عمران المارة فراجعها لأنها عامة فيهم وفي غيرهم ممن هذا شأنه، والنّجاشي بأولهم.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} من الطّاعم الطّيبة والمشارب اللّذيذة والرّوائح الكريمة والملابس الفاخرة والمساكن الواسعة والمطايا المطهمة الجميلة والسّلاح المحلى {وَلا تَعْتَدُوا} ما حده اللّه لكم مما أحله إلى ما حرمه {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (87) حدوده فتحرموا حسب أهوائكم ما لم يحرمه ربكم، وتحللوا ما حرمه، راجع الآية 93 من آل عمران المارة {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ}
تأكيدا للوصية بما أمروا به، وأكد هذا التأكيد بقوله: {الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (88) تدل هذه الآية على أن اللّه تعالى تكفل برزق خلقه، ولذلك قال كلوا، وإذا كان كذلك وهو كذلك فعلى العبد أن يجمل في طلب الرّزق، قال صلّى اللّه عليه وسلم أجملوا في طلب الرّزق.