فصل: أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

.قال الخطيب الإسكافي:

سورة المائدة:

.الآية الأولى منها:

قوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} المائدة: 9.
وقال في آخر سورة الفتح 29: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}.
للسائل أن يسأل فيقول: لم رفع قوله: {مغفرة وأجر عظيما}.في الآية الأولى، ونصب في الثانية؟
والجواب أن يقال: لقوله تعالى: {لهم} في الأولى، وقوله: {منهم} في الثانية فائدة، وذلك أنه لما قال في الأولى، وقوله: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} علم أنهم وعدوا بما هو حق لهم فعدل عن ذكر المفعول إلى جملة تضمنت معناه، والجملة ابتداء وخبر، وهي في موضع مفرد منصوب، كأنه قال: وعد الله الذين آمنوا مغفرة.
ومثله قول الشاعر:
وجدنا الصالحين لهم جزاء ** وجنات وعينا سلسبيلا

كأنه قال: وجدنا للصالحين جزاء وجنات وعينا، فاللام في لهم داخلة على ضمير الصالحين فكأنها داخلة عليهم، وكأنه قال: وجدنا للصالحين جزاء، وعطف على موضع الجملة التي هي جزاء منصوبا، إذ كان موضع الجملة موضع نصب.
وأما الآية الأخرى فإن {منهم} فيها متعلقة ب {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ومن تمامها، ولم يكن هناك ما ترتفع {مغفرة} به، فتعدى إليها الفعل الذي هو {وعد} فجرى على الأصل في نصب المفعول به.
فإن قيل: كيف يحتمل أن يبعض، والقوم الذين أخبر الله عنهم بقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار} الفتح: 29 مع سائر ما وصفهم الله تعالى به، وأثنى عليهم بذكره، كلهم وعدوا مغفرة وأجرا عظيما؟
والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما أن يقال: إن من في هذا المكان ليست للتبغيض، وإنما هي لتبيين الجنس، كأنه قال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين هم هم، كما قال: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} الحج: 30، أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان.
والجواب الثاني أن يكون التقييد للتحذير، لأنهم وإن علم الله تعالى منهم الثبات على ما هم عليه من العمل الصالح فإنه لا يخليهم من الأمر والنهي والوعد والوعيد، على معنى: دوموا على ما أنتم عليه: فإن من داوم منكم عليه فقد وعده الله تعالى مغفرة وأجرا عظيما.
فإن قال قائل: فلماذا خصت الآية بأن جعل مفعولها الثاني جملة، والآية الثانية مفعولها مفردا.
قلت: لأن الأولى خطاب لقوم حثهم على توخي العدل فيما يحكمون به، وهو أعم من حث الصحابة الذين ذكرهم في آخر سورة الفتح، وأثنى عليهم بالشدة على الكفار، والرحمة للمؤمنين وملازمة الركوع والسجود وابتغاء رضوان الله، وأن مثلهم {كزرع أخرج شطأه} إلى آخر الآية، فخص هؤلاء بصريح المغفرة وذكر أنه وعدهم ذلك.
وقال في الآية الأولى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فكان إخبارا عن وعده إياهم، ثم أتى بخبر ثان فقال: لهم مفغرة على معنى: إن وافوا بذلك ولم يحبطوه بالسيئات، فجوز منهم هذا، ولم يعلق المغفرة بوعد فيعد به إليها.
وفي الآية الثانية حقق المغفرة لهم، وعدى الفعل إليها، وكان كالحكم بأنهم يوافون الآخرة بأعمالهم الصالحة، وقد وعدهم الله تعالى عنها المغفرة والأجر العظيم فلاق بكل آية ما خصت به فاعرفه إن شاء الله تعالى.

.الآية الثانية منها:

قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به} المائدة: 13
وقال تعالى بعده في هذه السورة: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه} المائدة: 41.
للسائل أن يسأل فيقول: لم قال في الآية الأولى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} وقال في الثانية: {من بعد مواضعه}؟ وما الفرق بين الموضعين وبين اللفظين حتى اختص كل واحد منهما باللفظ الذي خص به؟
والجواب أن يقال: إن الآية الأولى في اليهود الذين حرفوا ما أنزل الله تعالى من كلامه عما علموه تأويلا له، فيكون هذا تحريفا من جهة التأويل، وحرفوا أيضا من جهة التنزيل كما قال: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعملون} آل عمران: 78.
فقولك: عن في كلام العرب موضوع لما عدا الشيء، تقول: أطعمه عن جوع وكساه عن عري، فكانوا يعدون بالكلم تأويله الذي له، وتنزيله الذي جاء عليه إلى غيره مما هو باطل.
وعن في هذا الموضع تقرب من معنى بعد، لأنك تقول: أطعمه بعد جوع وكساه بعد عري، إلا أن الأصل في هذا المكان أن تستعمل عن، لأن بعد قد تكون لما تأخر زمان غيره بأزمنة كثيرة وبزمن واحد، وعن لما جاوز الشيء إلى غيره وملاصقا زمنه، والمراد: إذا قال: أطعمه عن جوع، وسقاه عن عطش، وليسش يراد به إلا أنه لما عطش سقاه، ولما جاع أطعمه.
وأما الآية الثانية فهي في قوم من اليهود أخبر الله تعالى عنهم أنهم سماعون لما تقوم ليكذبوا عليك، ويخبروا بخلاف ما تقول عنك، وينقلوا كلامك إلى قوم آخرين لم يأتوك.
ومعنى {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} يحتمل أن يكون المراد من بعد موت النبي ليجعلوه على خلاف ما سمعوه منه، وهذا موضع بعد لا موضع عن، لأنه ليس يعدوه إلى المحرف إليه فينفصل عنا جاء عليه إلى الكذب مقارنا له، وإنما ذلك بعده بأزمنة كثيرة يتوقعون مضيها ليسهل كذبهم بعدها، ويكون التقدير: {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه} أي: ناوين تحريفه من بعد وقوعه مواقعه، وحصلوه مواضعه، فمحرفين بمعنى ناوين التحريف كقوله تعالى: {وخروا له سجدا} يوسف: 100 أي ناوين السجود، وكذلك: {فادخلوها خالدين} الزمر: 73 أي: ناوين الخلود، ومقدرين له وهذا ظاهر في هذا المكان، لا يصلح فيه إلا ما نطق القرآن به.
ويحتمل أن يكون المراد ما ذهب إليه أكثر أهل التفسير، وهو أن قوما أرسلوا هؤلاء إلى النبي في قصة زان محصن فقالوا لهم: إن أفتاكم محمد بالجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوه وقال قتادة: كان هذا في قتيل منهم فقالوا: إن أفتاكم محمد بالدية فأقبلوه، وإن أفتاكم بالقود فاحذروه.
وكانوا حرفوا في القولين حكم الله تعالى الذي في التوراة من بعد أن عمل به فس مواضعه ولم يحرفوه ساعة نزوله ووجوب العمل به، وهذا معنى قوله تعالى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤته فاحذرهم} المائدة: 41.
وقيل: إن هذا إشارة إلى دين اليهود، أي: إذ جاءكم محمد بدينكم فاقبلوه، وإن لم يأتكم به فاحذروه. فقد بان الفرق بين الموضعين بما بيناه والله أعلم.

.الآية الثالثة منها:

قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير} [المائدة: 15].
وقال بعده: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير} [المائدة: 19].
للسائل أن يسأل فيقول: نبه أهل الكتاب بمجيء الرسول في الآية الأوللا، وأخبر أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، وقال في الآية الثانية:
إنه قد جاء يبين لهم على فترة، من الرسل أن يقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فعل ما ذكر من التبين في الآية الثانية كان يجوز أن يقترن بالتبين في الأولى أم وجب لكل ما تبعه من الكلام؟
فالجواب يقال: إن قوله تعالى في الآية الأولى: {يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون} معناه، يبين لكم كثيرا مما في التوراة والإنجيل من وصف الرسول وسائر ما يدعوا إلى الدخول في الإسلام، ويترك كثيرا مما حرفتموه، فلا يبينه، لأنه ليس في ذكره ما يلزمكم حجة ويجدد لكم ملة، فهذا التبيين حقه التقديم للاحتجاج به، ولذلك ردفه، قوله: {قد جاءكم من الله نور} [المائدة: 15]، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أي يهديكم إلى منافع دينكم كمما تهتدون بالنور إلى منافع دنياكم.
وأما الآية الثانية التي بعدها فمعناها: جاءكم رسولنا يبين لكم على حين دروس، مما كانت الرسل أتو به مما، يلزمكم في دينكم احتجاجا عليكم، وقطعا بعذركم لئلا تحتجوا بأنه لم يجئكم من يبشركم بالثواب ويخوفكم من العقاب، فالأول احتجاج لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، تبين الداعي إلى بعثته، وهو ما ذكر في الآية الثانية.

.الآية الرابعة منعا:

قوله تعالى: {قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} المائدة: 17.
وقال بعدها: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لكم لمن يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} المائدة: 18
للسائل أن يسأل عن شيئين في هاتين المتصلة إحداهما بالأخرى، أحدهما: عن تكرار قوله: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما: والثاني: صلة الأول بقوله: يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير، وصلة الثاني بقوله: وإليه المصير، وله أن يسأل عن قوله: قل فمن يملك لكم، في سورة الفتح بزيادة لكم هناك، وحذفها هنا.
والجواب أن يقال: إن الآية في سورة الفتح نزلت في قوم تخلفوا عن رسول الله من غير عذر، وتأخروا عن الجهاد، وقالوا، شغلتنا أموالنا وأهلونا، ثم سألوه عليه السلام أن يستغفر لهم، يكتمون بذلك نفقاتهم ويظهرون وفاقهم، وقصدهم استمالته، كيلا تضركم عداوته، فقال عز وجل، قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد بكم ضرا، الفتح: 11، ومن يملك لك ضرا إن أراد بكم نفعا، فلما كان في قوم مخصوصين احتيج إلى لكم، للتبيين فأما في هذه السورة فإنها لم تنزل لفريق مخصوص دون فريق بل عم بها دليله، إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا، المائدة: 17، فلما كانت الآية للعموم لم تحتج إلى لكم التي للخصوص.
والجواب عن التكرار أن يقال: إن الآية الأولى في النصارى خاصة، وهم الذين لما قالوا في عيسى عليه السلام، إنه إله، والإله واحد صاروا كأنهم قالوا: الله هو المسيح ابن مريم، فرد لله تعالى ذلك، عليهم بما دل به على أن عيسى عبد مخلوق مملوك لله، ليس بابن له، ولا بإله، لأن أحدا لا يملك أن يدفع عن المسيح وأمه وسائر من في الأرض من الخلق ما يريد الله تعالى إيقاعه بهم من موت أو هلاك، ولا المسيح يملك ذلك، فدل هذا على أنه مخلوق وأن الله تعالى له ملك السماوات والأرض وما بينهما، والمسيح من جملته مملوك مدبر، ولو كان إلها لكان شريكا تته تعالى، ولم يكن لله تعالى ملك السماوات والأرض.
فالقصد بذكر ملك السماوات والأرض وما بينهما في الآية الأولى: أن يبين أن المسيح مخلوق ومملوك ليس بإله ولا بابن الله، إذ لو كان إلها كما زعموا لما كان الله ملكا لجميع السموات والأرض وما بينهما، ولما تهيأ إهلاك المسيح، وكان هذا احتجاجا عليهم خاصة بأنه مخلوق وأن الله يخلق ما يشاء من أمثاله بدلالة أنه قادر على إهلاكه، وفي ذلك جواب عن المسألة الثانية، وهي صلة الاولى بقوله: {يخلق ما يشاء}.
وأما الآية الثانية وهي قوله: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} فروي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود حين حذرهم النبي نقمات الله وعقوبته قالوا: لا تخوفنا، فإنا أبناء الله وأحباؤه.