فصل: الآية السابعة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية السابعة منها:

قوله تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}، المائدة 119
وقال في سورة براءة 88-89 {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}.
وقال بعده: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم، التوبة: 10.
وقال في سورة النساء: 13، {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}، وكان حقها أن تذكر في موضعها، لكي لم تحضرني هناك فذكرتها مع أخواتها، وإن كان ذكرها مقدما في القرآن.
وقال في سورة الحديد 12، {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم}.
وفي المجادلة 22: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}.
وقال في سورة الطلاق11: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا}.
للسائل أن يسأل عن مسائل فيقول:
لم لم يذكر في سورة براءة في الآية الثانية في قوله: {تحتها الأنهار} لفظة من في قراءة الأكثرين، وقد ذكر في الآي الأخرى؟
والثاني: لم حذف {أبدا} في بعض المواضع ولم يحذف في بعضها؟
والثالث: لم ذكر في سورة النساء 13: {وذلك الفوز العظيم} وفي سورة الحديد12: {ذلك الفوز العظيم} وفي غيرهما {ذلك الفوز العظيم}؟
ولجواب عنه أن يقال: إن الآية الأولى وهي قوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} وإن كانت عامة في كل صادق مؤمن فإنها خرجت على يبكت الله به النصارى من دعاويهم الباطلة، ومقالاتهم الكاذبة منسوبة إلى عيسى عليه السلام في قوله: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله..} المائدة: 116 فانكشف هذا عن صدقه عليه السلام، وكذب القوم لما أجاب وقال: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} المائدة: 117، فلفظة الصادقين في قوله: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} أي: الذين صدقوا في الدنيا، ينفعهم اليوم صدقهم. والصادقون يجوز أن يكون منصرفا إلى عيسى وأمثاله من الأنبياء صلوات الله عليهم لقوله عز وجل: {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} الصافات: 37 أي قال: هم الصادقون، فتكون الإشارة بالألف واللام إليهم صلوات الله عليهم، وإن كان كل صادق داخلا في حكمهم من الانتفاع بصدقه.
وكذلك الآية التي في آخر المجادلة خرجت على ذكر الرسل لقوله تعالى: {كتب الله لألغبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} المجادلة: 21 ثم قال: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار} ثم قال: {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} المجادلة: 22 فكان الذين أخبر الله عنهم بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار: الأنبياء وغيرهم صلوات الله عليهم.
ومن لابتداء الغاية، والأنهار مباديها أشرف، والجنات التي مبادء الأنهار من تحت أشجارها أشرف من غيرها.
فكل موضع ذكر فيه {من تحتها} إنما هو عام لقوم فيهم الأنبياء، والموضع الذي لم يذكر فيه من إنما هو لقوم مخصوصين، ليس فيهم الأنبياء عليهم السلام ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة براءة: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا}.
فجعل مبادئ الأنهار تحت جنات أخبر الله أنها للصادقين والمؤمنين والذين عملوا الصالحات، وفيهم الأنبياء عليهم السلام، بل هم أولهم، والمعتاد أنها أشرف الأنهار.
والآية التي في سورة المجادلة فيها الأنبياء عليهم السلام والآية التي في سورة براءة قد خرج الأنبياء عنها، لأن اللفظ لم يشتمل عليهم، فلم يخبر عن جناتهم بأن أشرف الأنهار على مجرى العادة في الدنيا تحت اشجارها كما أخبر به عن الجنات التي جعلها الله لجماعة خيارهم الأنبياء عليهم السلام، إذ لا موضع في القرآن ذكرت فيه الجنات وجري الأنهار تحتها إلا ودخلتها من سوى الموضع الذي لم ينطو ذكر الموعودين فيه على الأنبياء عليهم السلام، فهذا الكلام في من تحتها، اعتبروا بما ذكرت ما جميع القرآن.
وأما الجواب عن حذف أبدا في بعضها والاتيان في بعضها فهو أنها إنما حذفت عن أولى الآيتين اللتين في براءة آية في سورة المجادلة، لأنه ذكر قبل الآية التي في سورة براءة، وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، وبعد الآية التي في آخر سورة المجادلة رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون فاستغنى بذكر خالدين عن ذكر قوله أبدا في هاتين الآيتين من فلاحهم وثناء الله عليهم لما طال الكلام.
وأما في سورة النساء فإنها لمك تذكر أبدا لأنه بعده في مقابلة خالدين فيها قوله خالدا فيها ولم يقل أبدا فلو ذكر فيهما أبدا لطال الكلام، فاستغنى بقوله خالدين وخالدا فيهما عن ابدا.
وأما في سورة الحديد فلأنه ذكر قبله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم، الحديد، فلما طال الكلام في مدحهم وذكر بعد ذلك تأكيدا بقول الله تعالى هو استغنى بقوله خالدين عن ابدا.
وهذا الجواب عن إدخال هو بعد ذلك لأنه ذكر ذلك بدلا وتأكيدا عن أبدا وليس كذلك في المواضع الآخر.
وأما إدخال الواو في قوله وذلك الفوز العظيم في سورة النساء المحذوف أبدا عنه فلإدخال الوار في قرينة الكافر وله عذاب مهين، النساء، فأدخل الواو فيه، أي وذلك لهم الفوز العظيم وليس كذلك في المواضع الآخر، إذا قرآت ما قبلها وما بعدها تبين لك ما قلت فارفه.
انقضت سورة المائدة عن سبع آيات فيها ثماني مسائل.
تم الجزء الأول من درة التنزيل وغرة التأويل ويليه الجزء الثاني وأوله سورة الأنعام.
أصل هذا العمل رسالة دكتوراه بعنوان درة التنزيل وغرة التأويل كلية الدعوة وأصول الدين بمكة المكرمة قسم الكتاب والسنة أوصت لجنة المناقشة بطبعها. وبالله التوفيق اهـ.