فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} كلام مستأنف مسوق للقيام بموجب العقد. وقد تقدم اعراب النداء. وأوفوا فعل أمر وفاعل، وبالعقود جار ومجرور متعلقان بأوفوا {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ} الجملة مفسرة لأنها تفصيل بعد الإجمال، بناء على أن العقود شاملة لجميع الاحكام التي شرعها اللّه تعالى، وأمر المكلفين بالإيفاء بها وأحلت فعل ماض مبني للمجهول، ولكم متعلقان بأحلت، وبهيمة نائب فاعل، والأنعام مضاف اليه {إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلا أداة استثناء، وما مستثنى، قيل: هو منقطع، لأن اللفظ ليس من جنس البهيمة، والتحريم لما طرأ من الموت ونحوه، وجملة يتلى عليكم صلة الموصول، وغير حال من ضمير {لكم}، ومحلي مضاف إلى {غير} والصيد مضاف إلى {محلي}، وجملة وأنتم حرم من المبتدأ والخبر حال من {محلي الصيد} كأنه قيل: أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يكون عليكم حرج {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ} الجملة تعليل للحكم، وإن واسمها، وجملة يحكم خبرها، وما يجوز أن تكون مصدرية أو موصولة، وهي على كل حال منصوبة بنزع الخافض، أي: يحكم بإرادته، أو بالذي يريده، ولا عبث في أحكامه ولا خلل ولا ظلم.

.الفوائد:

أفاض العلماء والمفسرون في ذكر المقصود من العقود، وعندنا أنها عامة شاملة لكل عهود اللّه التي عهد بها إلى عباده من عبادات ومعاملات، بها انتظام أمر الدنيا والآخرة معا، وجميل قول الراغب: «العقود باعتبار المعقود والعاقد ثلاثة أضرب: عقد بين اللّه تعالى وبين العبد، وعقد بين العبد ونفسه، وعقد بين العبد وغيره من البشر».
وقد توسّع الفقهاء وعلماء التشريع فيها، ووضعوا المصنفات الطويلة بصددها، وتناولوا الاحكام الشرعية فيها، مما يسهل إليه الرجوع في مظانه.
جملة بليغة:
والأساس الذي تنهض عليه العقود في الإسلام هو هذه الجملة البليغة المختصرة المفيدة، وهي {أوفوا بالعقود} وهي تفيد بقوة ورشاقة أنه يجب على كل مؤمن أن يفي بما عقده وارتبط به، وليس لأحد أن يقيّد ما أطلقه الشارع إلا بنص منه، فكل قول أو فعل يعدّه الناس عقدا فهو عقد يجب أن يوفوا به، كما أمر اللّه تعالى، ما لم يتضمن تحريم حلال أو تحليل حرام، مما ثبت في الشرع، كالعقد بالإكراه، أو على إحراق دار أحد أو شجرة بستان، أو على الفاحشة، أو على أكل شيء من أموال الناس بالباطل، كالربا والمسير والرشوة.
العرف والتراضي:
وينتظم في ذلك جميع الأمور الدنيوية كالبيع والإجارة والشركات وغيرها من المعاملات الدنيوية، فالاصل فيها عرف الناس وتراضيهم ما لم يخالف حكم الشرع، وهذا في منتهى الوضوح والإحكام. هذا وقد صنّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابا سماه «مدارك القياس» في موضوع العقود استوفى فيه هذا الموضوع، مؤيدا بدلائل الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، فليرجع اليه من شاء.
رواية عن الفيلسوف الكنديّ:
ذكروا أن الكندي الفيلسوف قال له أصحابه: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن. فقال: نعم أعمل مثل بعضه. فاحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال: واللّه ما أقدر ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فنظرت فاذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلّل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، لا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد.
أي مجلدات كثيرة.

.[سورة المائدة: آية 2]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوانًا وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2)}.

.اللغة:

«الشعائر»: جمع شعيرة، وهي العلامة. ثم جعلت علامة لشعائر الحجّ ومناسكه.
{الهدي} ما يهدى إلى الكعبة ليذبح هناك ويتقرب به إلى اللّه، قال:
يقولون: من هذا الغريب بأرضنا ** أما والهدايا إنني لغريب

{القلائد}: جمع قلادة وهي ما يعلق في العنق. وكانوا يعلقون في أعناق الإبل من الهدي نعلا أو حبلا أو عروة مزادة أو لحاء شجر وغيره ليعرف، فلا يتعرض له أحد. فهو على حذف مضاف، أي: ولأصحاب القلائد.
{آمِّينَ} بتشديد الميم المكسورة، أي: قاصدين.
{يَجْرِمَنَّكُمْ}: مضارع جرمه الشيء إذا حمله عليه وجعله يجرمه أي يكسبه ويفعله، وهو يجري مجرى «كسب» في تعديه إلى مفعول واحد واثنين.
«الشنآن»: شدة البغض. يقال: شنئت الرجل أشنؤه، أي: أبغضه. وهذا المصدر سماعي مخالف للقياس من وجهين: تعدي فعله وكسر عينه، لأنه لا ينقاس إلا في مفتوحها اللازم. وله مصادر كثيرة، أنهاها بعضهم إلى ثلاثة عشر مصدرا، وأشهرها: شنئا وشنئا وشنئا وشنأة وشنآنا وشنآنا ومشنأ ومشنأة ومشنوءة.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ} يا أيها الذين آمنوا تقدم اعرابها كثيرا، ولا ناهية وتحلوا مضارع مجزوم بها والواو فاعل وشعائر اللّه مفعول به {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ} ولا الشهر الحرام عطف على شعائر، والحرام صفة للشهر، وهو شهر الحج، وهو ذو القعدة، وأكد الطبري أنه رجب. وما بعده عطف عليه أيضا. ولا آمّين أي: ولا تحلوا قوما آمّين، فهو صفة لموصوف محذوف، والمعنى: لا تحلّوا قتالهم ما داموا قاصدين البيت الحرام. وهذا رمز للسلام الذي نادى به القرآن. والبيت مفعول لآمّين لأنه اسم فاعل {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوانًا} الجملة حال من الضمير في {آمّين} أي: حال كون الآمّين مبتغين فضلا. وفضلا مفعول به، ومن ربهم متعلقان بيبتغون، أو بمحذوف صفة ل {فضلا} ورضوانا معطوف عليه {وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا} الواو عاطفة، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وجملة حللتم في محل جر بالإضافة، والفاء رابطة لجواب إذا، واصطادوا {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا} الواو حرف عطف، ولا ناهية، ويجرمنكم فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بلا، والكاف مفعوله الأول، وشنآن قوم فاعل، وأن صدوكم مصدر مؤوّل منصوب بنزع الخافض وهو علة للشنآن متعلق به، وعن المسجد جار ومجرور متعلقان بصدوكم، وأن تعتدوا مصدر مؤول مفعول به ثان ليجرمنكم، والمعنى: ولا يكسبنكم بغض قوم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام الاعتداء ولا يحملنكم عليه {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى} الواو عاطفة، وتعاونوا فعل أمر والواو فاعل، وعلى البر متعلقان بتعاونوا، والتقوى عطف على البر {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتعاونوا فعل مضارع حذفت منه إحدى التاءين مجزوم بلا، أي:
لا تتعاونوا، وعلى الإثم متعلقان به، والعدوان عطف عليه {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} عطف أيضا، وجملة إن واسمها وخبرها لا محل لها لأنها تعليلية.

.الفوائد:

كانت العرب مجمعة على تعظيم ذي القعدة وذي الحجة، ومختلفة في رجب، فشدّد تعالى أمره. وهذا هو وجه التخصيص بذكره.
وقيل الشهر مفرد محلى بأل الجنسية، فالمراد عموم الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.

.[سورة المائدة: آية 3]

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}.

.اللغة:

{أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ}: الإهلال رفع الصوت به لغير اللّه، وهو قولهم عند ذبحه: «باسم اللّات والعزّى» ويقال: «أهلّ فلان بالحج» إذا رفع صوته بالتلبية. ومنه: «استهلّ الصبيّ» إذا رفع صوته بالبكاء عند الولادة.
{الْمُنْخَنِقَةُ} قال صاحب القاموس: خنقه خنقا ككتف فهو خنق، وانخنقت الشاة بنفسها، ولا يسري على هذا الفعل حكم المطاوعة، وإنما المطاوع هو اختنق، وعلى هذا تشمل المنخنقة التي خنقوها حتى ماتت أو انخنقت بسبب، ولهذا تفصيل في كتب الفقه.
{الْمَوْقُوذَةُ}: هي التي أثخنوها ضربا بعصا أو حجر غير محدّد حتى ماتت. قال في القاموس: الوقذ: شدة الضرب. وقال في شرحه تاج العروس: الموقوذة هي التي تقتل بعصا أو بحجارة لا حدّ لها حتى انحلّت قواها وماتت. ولا يخفى ما في الوقذ من تعذيب للحيوان.
{الْمُتَرَدِّيَةُ}: هي التي تردّت من مكان مرتفع فماتت.
{النَّطِيحَةُ} هي التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح.
وسيأتي بحث ممتع عن هذه الصيغة في باب الفوائد.
{ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم ذكاته، وهو يضطرب وتشخب أوداجه.
والذكاة والتذكية في أصل اللغة إتمام فعل خاص، يقال: ذكت النار تذكو ذكوّا وذكا وذكاء إذا تم اشتعالها، وذكت الشمس إذا اشتدت حرارتها، وذكى وذكي كرمى ورضي تمت فطنته، قال في اللسان: «والذّكاء شدة وهج النار، يقال: ذكيت النار إذا أتممت إشعالها ورفعتها، والذّكا: تمام إيقاد النار، مقصور يكتب بالألف» والذّكاء في الفهم أن يكون فهما تاما سريع القبول.
{النُّصُبِ}: قال الراغب في مفرداته: نصب الشيء وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح والبناء والحجر، والنّصيب: الحجارة تنصب على الشيء، وجمعه نصائب ونصب بضمتين، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها، قال: {كأنّهم إلى نصب يوفضون} وقد يقال في جمعه أنصاب. وقال في اللسان: والنّصب بالفتح والنّصب بالضم والنّصب بضمتين الداء والبلاء والشرّ وفي التنزيل: {مسّني الشيطان بنصب وعذاب} والنّصيبة والنّصب بضمتين كلّ ما نصب فجعل علما، فالنصب مفرد وجمع، قال الأعشى:
وذا النّصب المنصوب لا تعبدنّه ** لعاقبة واللّه ربّك فاعبدا

واستعماله اليوم للنصب التذكاري سليم لا غبار عليه.
{الأزلام} جمع زلم بفتحتين وكصرد أي بضم ففتح: قدح صغير لا ريش له ولا نصل، وهي سهام كانوا يستقسمونها في الجاهلية، جمعه أزلام، كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو أمرا من معاظم الأمور ضرب بالقداح أي أجالها، وكانت ثلاثة مكتوب على إحداها: أمرني ربي، وعلى الثاني: نهاني ربي، والثالث غفل، ليس عليه شيء.
فإن خرج الآمر مضى لطيته، أي: لنيته التي انتواها، وإن خرج الناهي لم يفعل وأمسك، وإن خرج الغفل أعاد الاستقسام.
{المخمصة}: المجاعة.
{مُتَجانِفٍ}: منحرف مائل، من الجنف وهو الميل والجور.

.الإعراب:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما أجمله في السابق وهو قوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم}.
وحرمت فعل ماض مبني للمجهول وعليكم متعلقان بحرمت، والميتة نائب فاعل، والدم ولحم الخنزير معطوفان على الميتة {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} عطف أيضا، وما اسم موصول، وأهل فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل هو، والجملة صلة الموصول، ولغير اللّه متعلقان بأهل، وبه متعلقان بأهلّ أيضا {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ} كلها معطوفة داخلة في حكم المحرمات {إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ} إلا أداة استثناء وما اسم موصول مستثنى متصل منصوب، وجملة ذكيتم صلة الموصول، وجملة الاستثناء حالية {وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} الجملة معطوفة على المحرمات {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} المصدر المؤوّل معطوف أيضا، أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام {ذلِكُمْ فِسْقٌ} مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، واسم الاشارة راجع إلى الاستقسام بالأزلام خاصة، وقيل: إلى جميع ما تقدم {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} اليوم ظرف زمان متعلق بيئس وأراد به مطلق الحال، لا يوما بعينه، على حد قول أبي العلاء المعري:
الآن لما ابيضّ مسربتي ** وعضضت من نابي على جذم

حلبت هذا الدهر أشطره ** وأتيت ما آتي على علم

فقوله: «الآن» أراد به الزمان الحاضر، والمسربة: شعر الصدر، وهو آخر ما يشيب من الإنسان، فبياض المسربة كناية عن بلوغه غاية الشوط في الشيب، وخاتمة المطاف في العمر. ومعنى البيتين: صارت عادتي أني أفعل ما أفعله على علم عندي من طول تجربتي لحوادث الدهر، والجملة مستأنفة، والذين اسم موصول فاعل وجملة كفروا صلة، ومن دينكم متعلقان بيئس، أي: من إبطال أمر دينكم {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} الفاء الفصيحة، ولا ناهية، وتخشوهم فعل مضارع مجزوم بلا، واخشوني فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة لا محل لها {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} اليوم ظرف زمان متعلق بأكملت، ولكم متعلقان بها أيضا، ودينكم مفعول به لأكملت، والجملة مستأنفة {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} عطف على ما تقدم، وعليكم متعلقان بأتممت ونعمتي مفعول به لأتممت {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} الواو استئنافية، ورضيت فعل وفاعل، لكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة ل {دينا}، ودينا مفعول به أو تمييز، لأن معنى رضيت جعلت. وإذا كانت بمعنى الرضا كانت {دينا} حالا من الإسلام ولكم متعلقان برضيت {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} الفاء استئنافية، ومن اسم شرط جازم مبتدأ، واضطر فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط ونائب الفاعل هو يعود على من، وفي مخمصة متعلقان باضطر {غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غير متجانف نصب على الحال ولإثم جار ومجرور متعلقان بمتجانف، والفاء رابطة لجواب الشرط، وإن واسمها وخبراها، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر {من}.

.الفوائد:

صيغة «فعيل» إذا كانت بمعنى مفعول يستوي فيها المذكر والمؤنث، فلا تلحقها علامة التأنيث، إذ تقول العرب: عين كحيل لا كحيلة، وكف خضيب لا خضيبة، فكيف لحقت التاء «نطيحة» وهي بمعنى منطوحة؟ وقد قيل في الجواب: إن التاء هنا للنقل من الوصفية إلى الاسمية، أو إن فعيلا هنا بمعنى فاعل، كأنه قال:
والناطحة التي تموت بالنطاح، أي تنطح غيرها، وغيرها ينطحها، فتموت. وقال الكوفيون: إنما يمتنع إلحاق التاء بفعيل بمعنى مفعول إذا كان وصفا لموصوف مذكور، كعين كحيل، فأما إذا لم يسبق للموصوف ذكر فلا يمتنع إلحاق التاء. وهذا تعليل جميل، فإن «ذبيحة» و«نطيحة» ونحوهما إذا لم يسبقهما موصوف لم يعلم: أهي مذكر أم مؤنث؟
مثل: رأيت جريحة، أما إذا علم فلا، نحو: رأيت امرأة جريحا، أو رأيت جريحا ملقاة في الطريق.